شرح حديث بدأ الاسلام غريبا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملىء السماوات وملىءالارض كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على خاتم الانبياء وامامالمرسلينوعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسانالى يوم الدين وبعد :
فان الوحشه اذا غلبت على حياة الناس وبات المرء غريبا فى ارضه واهله وزمنه
وافزعته مضلات الفتن فعاينانقلاب الاحوال وتبدل الثوابت وغلبة الجهلوانحسار
العالم , مع قلة الناصح وانعدام المؤتمنوقيام الرويبضه بشأن العامهوتجبر الطغاه
باختلاف طرقهم ومناهجهم وعلو صوت الكفروالالحاد وتجرء اهل النفاقوعجز
ارباب الثقه ....قد يصيب المرء بعض الخوف وينال من نفسهنصيب من الشك
فى رؤية الخير وظهور اصحابهوقد يزداد الحال سوءا فيتخبط فى ظلمات اليأس
ويركن الى الاستسلام بما يظنه المصير المحتوم ,فيقنت من رحمة الله , و قد تنزلق قدمه الى وحلالمعانده , فيستبدل الحق بالباطل وربما استحوذ عليه الشيطان
فيصبح واحدا من اتباعه , ويصيرجزءا من الغربه واشواكها ,فيخسر صفقة حياته
ان لم تدركه رحمة ربه .
* ورحمة الله - تعالى - هى لحظة اليقين التىيحي بها الرحمنعز وجل-القلب وينيرهفيثبت ويطمئن وتخضعالنفس المضطربه الى هيمنتهاويطيع الجسد اوامره
, وهذا اليقين هو اثمن نعمة تصيب العبد , فيهاسعادة الابد ,
ومنها مدد الدفع على الصراط المستقيم , حتى يصل الى منازل الفائزين .
* والمتأمل فىحقيقة الاسلام يجد انه ما قهر ظاهرة الكفر والاشراك بالله الا فى وقت الشده وساعات الحرج وعلم ان التصادم والدفع وما صاحب ذلك منعسر هو جزء من حركة هذا الدين على الارض
" احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ؟
فكل من يبغى الاسلام عليه ان يتأهل للفتنه والتضييق.. لكن بلا شك فى النجاة
, ولذلك كانت رحمة الخبير اللطيف ترصدعلى طريق الساعين الى الدين علامات وآيات تبعث الثقهفىالنفوس,ووحى منزل يكشف القادم من الايام .فنحن امهمتفردهفىمعرفة تفاصيل المستقبل وكيف لا والقرآن لا يمرفيه حزء الا وتجد حظ الاخرة
ووصف احوالها مهيمنا عليهوفصلت السنه الشريفه كشف احداث النهايهحتى كأننا نراهارأى العين , لذلك لا يندهش المستبصر بما يقع فعنده خبر بهموصول بمن انزلالكتاب وفصل الامر , ولا يضل فى التيهرجل جعل القرأن اماما والسنه دليلا فى طريقه ومن هذه الادلهالشيقه هذا الحديث الماتع الذى رواه الاماممسلم فى صحيحهوغيره من ائمة الحديث :
" بدأ الاسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء "
والذى لخص فيه النبى صلى الله عليه وسلم تاريخ الامه منالبدايه الى النهايه فكان فيه وصف الحال والمآل , وكذلكالبشرى للصابرين والمجاهدين من ابناء الغربه فلا يجزعونمن حادثة الليالى وشرائد النهار ويتأهبون لخير وافر يخرجمن ضيق قادم او عسر قائم
وقد علق شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله على هذا الحديثالشريف فى جزء وضعهالشيخ عبد الرحمن بن القاسمالنجدى - رحمه الله - فى المجلد الثامن عشر من مجموع فتاوىشيخ الاسلام , وقد احببت ان اقربه لطلبة العلم والمسلمينسعياللانتفاع بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم , وعلى شيخالاسلام رحمه الله فى ايام الغربهالتى تزينت فيها الفتنهوكثرت الاقنعه حتى صار ادارك الوجه الحقيقى امرا عسيراوشاقا ومن المعلوم ان المرء عند الشرائد وخوض المحنيبحثعن صوت حق يصوب فكرهوخواطره , او يد صدقتسانده فى خطواته اذا مالت به ريح الباطل فىظلمة الشكوالريبه .
وشيخ الاسلام رحمه الله واحد من علماء الامه الربانيينالذين ملكوا العلم والتجربهفى زمن غربتهم , وكانت حياتهرحمه الله مثلا على نجاح بنى آدم فى اختيار خلافتهم علىالارض فقد بانت فيها عظمة اليقين المتحد بقوة الاتباع للقدوهالحسنه صلى الله عليه وسلم, وكانت تفاصيل النجاح فيهادليلا على عظمة هذا الدين وعلى قوته من داخل الامه التىتشرفت بحمل امانة نشره وحفظه .
· لماذا ابن تيميه ؟
- لعل ظهور اسم الشيخ بقوه فى كل مجال يخص الامه فى حياتها مع دين الله تبارك وتعالى هو الذى ابرز هذا السؤال : لماذا ابن تيميه ؟! واوجب على المحب والكاره البحث فى مصدر هذا الظهور والتاملفى صنائع هذا الرجل وما تركه من تراث اشبه بتراث طائفة كبيره من العلماء قد تخصصوافى مجالات مختلفه واتفقوا على غايه واحده .
- نحن فى عقيدتنا لا نقدس احدا او نرفعه فوق درجة البشر , وفى نفس الوقت تعلمنا الا نبخس الناس اشيائهم وان نذكر لكل صاحب فضل فضله والشيخ رحمه الله واحدا ممن تفتخر به الامه على كل الامم ، بل ان كثرة الحاقدين عليه دافع اخر لادراك حجم اثره على الناس فى زمنه وعلى اجيال من بعده حتى ايامنا هذه , فان كثرة النجاح يصاحبها ضخامة فى الحقد والحسد .
- والشيخ رحمه الله فى شرحه للحديث يرصد المعانىالجليلهالتى اصابت الحقيقهفى بيان سعى الغربه وتدرك انت ذلك حين ترى اثر تجربة الشيخ بين كلماته وفهمه وفقهه حول غربته وغربة الامه فى زمنه .
- لقد عاين الشيخ غربه من اشد اجزاء غربة هذه الامه , وكانت ساعات حياته لا تنفصل عنها لحظه .
- كانت الامه فى زمنه يضرب فى عقلها الجهل بجرانه والبدعه لها المقام المحمود عند الناس والسنه غريبه لا يعرفها الا القليل ولا يقوم لها الا الاقل من الذين تهيئوا للمحن والبلاء , والكثرة الساحقة من المنشغلين بالعلم والفقه صرعى للمنافسه على المناصب واكل الدنيا بالدين . والتعصب وضيق الافق زاد حياتهم وحديث يومهم , يتخاصمون لاتفه الاسباب ويعاندون لمجرد المعانده يقفون امام الحق جبارين وان سمعوا بقدم عدو هربوا مذعورين .
- والحكام والامراء عقولهم بين المؤامرة والاغتيال , فكانت الخيانهفى حياتهم الخبز والادام , فلا عهد ولا ميثاق , وامام التتار فروا لا يكوونعلى شئ وتركوا بلاد الشام نهبا للهمج والرعاع .
- واما العوام فكانوا اشبه بغنم فى صحراء مهلكة والذئاب تحيط بهم وهم منشغلون فىالتناطح بينهم , واذا حزبهم شان هرعوا الى القبور يستغيثون بسكانها .
- وكان الطامعون من كل جنس ومله , واقبل الاكله على القصعه مشمرين سيوف فى العلى , وسيوف فى الخفاء حجافل من التتار ما تقبل من المشرق تتبعها جموع من الروافض والنصارى ومن لا دين لهم وعلى سواحل مصر والشام كانت سفن اصحاب الصليب تقف فى انتظار الغنيمه , وتقام لها الاسواق لبيع المسلمين وخيولهم وسلاحهم وقبل كل ذلك اعراضهم ثم ينصرفون الى بلادهم .
- كل ذلك وغيره كثير عاش فيه الشيخ – رحمه الله – ووقف هو ورجاله صابرين مجاهدين لم يضرهم من خذلهم , فكان – رحمه الله – كبير الطائفه المنصورة فى زمانه .
- اما جهاده فىالمنافحه عن السنه وطريقة السلف , فلم نعرف عالما جاء بعده قام بمثل ما قام به من هدم حصون البدعه وقهر روؤسها من شيعة وفلاسفه ومعتزله وصوفيه ونصارى وقدرية وهمجيه وكل اضحاب روث العقول العفنهفى زمانه , وكتبه هى المرجع الاول لكل من اراد ان يكشف حقيقتهم , خاض معهم معارك باللسان والقلم حتى شهدوا له بالتفوق عليهم فلم يجدوا حلا معه سوى التحريض عليه كى يسجن وسجن الرجل عدة مرات , فكانت غربة اشبه بالمحنهالتى ارتضاها حتى وافاه الاجل فى سجنه بقلعة دمشق سنة 728 هـ ولم يترك رحمه الله من متاع الدنيا شئ , بل ترك علما نافعا شاء الرحمن تبارك وتعالى ان يحفظه لحاجة الامه اليه , ورجالا من طلب علمه كانوا منارات من بعده وكلهم يذكر فضله عليهم وعلى الامه كلها .
- ولعل فيها اوجزت بعض الاجابه على السؤال .. لماذا ابن تيميه ؟!
واعلم ان خصوم الشيخ لو قرأوا له وشاركوه عمله بدراسة حياته بلا تعصب لادركوا عظمة هذه الامه وعلو كعب ابنائها , ولما تحاملوا عليه كل هذا التحامل , وان لم يفعلوا فلا بأس .
فما على العنبر الفواح من حرج ٍ
ان مات من شمه الزبال والجُعلُ .
- الجُعلُ : حشرة تحب اكل روث البهائم .
" بين يدى الشرح "
" كلام الشيخ – رحمه الله – حول حديث بدأ الاسلام غريبا "
هو خلاصة تجربه , لذلك لا تجد هذه المعانى والفوائد التى كتبها عند غيره ممن شرحوا هذا الحديث , لان صاحب القلم مهما كان علمه لا يمكن ان يصف طعم الغربه ان لم يكون من اهلها ورأى تفاصيل احداثها . صحيح ان غيره نال نصيبا منها لكن كان الامر مع الشيخ له شأن اخر .
والشيخ رحمه الله فى ذكره لذروة احداث الغربه وهى السنوات التى تلت هزيمة المسلمين فى موقعة مرج الصفر فى بلاد الشام منه 699 هـ , ينفذ الى قدرة الدين على ضبط امور المسلمين ان هم صدقوا وآمنوا واطاعوا ما جاء به .. كانت الفتنه شديده .. جيش مهزوم يفر رجله الى القاهرة وهم فى حالة هلع وفوضه , والسلطات " محمد ابن قلاوون " شاب حدث لا يملك من الامر شئ والعلماء واصحاب العائم انطلقوا خلف الهاربين واخذوا معهم اولادهم ونسائهم وماخف حمله , وتركوا الشام بلا قياده او حمايه او واعظ يذكر الناس بقدرة الله تعالى ولطفه وهيمنته على ملكه .
والناس فى حالة سكر من شدة الفزع , ومن المعلوم ان المصيبه اذا نزلت بقوم فانها تبحث عمن يتحملها وقد وجدت مطلبها فى السيخ ورجاله من طلبة العلم وبقايا رجال الدوله " كأرجواش " قائد قلعة دمشق الذى رفض هو ورجاله تسليم القلعه للتتار وظلوا يقاتلون ويرابطون داخل القلعه حتى تحقق النصر فىشقحب سنة 702
واورد الشيخ رحمه الله وصفا لحال الناس فى هذه الفتنه فى رساله ارسلها الى من يهمه الامر من المسلمين قال فيها :
... فينبغى للعقلاء ان يعتبروا فى سنة الله وايامه فى عباده ودأب الامم وعادتهم . لسيمافى مثل هذه الحادثهالعظيمهالتى طبق الخافقين خبرها واستطار فى جميع ديار الاسلام شررها
واضطلع فيها النفاق ناصية رأسه وكثر فيها الكفر عن انيابه واضراسه وكاد فيه عمود الكتاب ان يجتث ويخترم وحبل الايمان ان ينقطع ويصطلم وعقر دار المؤمنين ان يحل بها البوار وان يزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار ... ونزلت فتنه تركت الحليم فيها حيران وانزلت الرجال الصحى منزلة السكران وتركت الرجل اللبيب لكثرة الوساوس ليس بالنائم ولا اليقظان , وتناكرت فيها قلوب المعارف والاخوان حتى بقى للرجل بنفسه شغل عن ان يغيث اللهفان ..1
وقاس هذا الحديث عن غزوة الاحزاب وبين ان السنن ثابته فى كشف حال النفس عند الفزع واستدل بقوله تعالى :
يا ايها اللذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جائتكم جنود فارسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً . اذ جاؤكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون , هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . " الاحزاب 8 : 11 "
وهنا تكمن عظمة هذا الدين كما وضح الشيخ فكل ما يجرى لو جعلته امام سنة الله لن تجده شيئا له قيمه الا بقدر ما يحتل من فترة الزمن التىستنقضى ويرجع لحق كما كان ويبقى اهل الاسلام الى خير
لذلك تلمح وبشدة صفقة التفاؤل فى كتابة الشيخ وثقته فى نصر الله لعلمه بقدر الله تعالى الذى فصله فى الكتاب المبين وهذا اهم ما يتميز به العالم الربانىفى زمن الشده فى الوقت الذى يفزع غيره ويضر
وعندما تحدث عن الخسائر والاذى الذى اصاب المسلمين قاس ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1 – كان وصف الشيخ رحمه الله مفصلا عن هذه الواقعه و وضح الشيخ النجدى رحمه الله هذا الجزء فى المجلد الثامن والعشرين من مجموعة الفتاوى .
وبنفس الطريقه فان الله تعالى قال : او لما اصابتكم مصيبه قد اصبتم مثليها قلتم انى هذا ؟! قل هو من عند انفسكم . " ال عمران "
فجعل ذنوب العباد هى الاذى الاكبر الذى استجلب هذه الفتنه ومع ذلك فان فى قمة المحنه يخرج لواء الامل والسعاده لكن بعد ان ينكشف الغطاء عن الجميع
وركز الشيخ على اهمية ادارك انتصار هذا الدين مهما كانت الاحوال وعلى الفارق بين من يثبت ويدافع عن الاسلام وعند ذلك ينقذه الاسلام فهو دين يحمى من يدافع عنها وهذه من خصائص الاسلام المتفرده فكل الملل تقوم باتباعها اما الاسلام فان اتباعه يقومون بقوته وبين من يرتد ويتخاذل ويسعى الى النجاهالمزعومهبالتخلى عن الدين وطلب الامان فى نار خصومه
واجمل الشيخ امر الناس امام المحن وعسر الغربه عندما وضح الحقيقه امام العيون الناظرة وكشف ان الضيق امر لازم فى الحياة الدنيا وان الذنوب هى الدافع الاول الى نزول المصائب , وهذه المصائب ليست كلها اذى بل قد يصيب العيش معها اذا ايقن المرء بقيمة الغربه وثواب والصابر فيها ان هذا الدين منصور لا محاله بنا او بغيرنا والجائزة عن لاذبه ورفع رايته
ولم يختلف منهج الشيخ فى كل احوال الغربهالتى وقعت فى ايامه والناظر فى جهده وعمله يجد ان التطابق كبير بين القول والفعل فى حياته فهو رحمه الله لم يكتب او ينظر كلاما بعد ذلك خالفه , بل كان مثلا عظيما لشخصية المسلم بكل ما تحمله كلمة المسلم من قيمه لا تساويها اى مزية لانسان اخر غير مسلم , وان كان الشيخ رحمه الله قد ذكر ان الله تعالى قد تكفل بهذه الامه على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها ويرفع عنه فى قلوب الناس وعقولهم تراب الزيف والجهل حتى يرجع كما كان فى زمن الرجال فانى اقول كما قال غيرى من قبل :
كان الشيخ فى ايامه هو المجدد وان انكر ذلك منكر فليأتى بمثل هذا الشيخ فى زمانه والا فليسكت .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملىء السماوات وملىءالارض كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على خاتم الانبياء وامامالمرسلينوعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسانالى يوم الدين وبعد :
فان الوحشه اذا غلبت على حياة الناس وبات المرء غريبا فى ارضه واهله وزمنه
وافزعته مضلات الفتن فعاينانقلاب الاحوال وتبدل الثوابت وغلبة الجهلوانحسار
العالم , مع قلة الناصح وانعدام المؤتمنوقيام الرويبضه بشأن العامهوتجبر الطغاه
باختلاف طرقهم ومناهجهم وعلو صوت الكفروالالحاد وتجرء اهل النفاقوعجز
ارباب الثقه ....قد يصيب المرء بعض الخوف وينال من نفسهنصيب من الشك
فى رؤية الخير وظهور اصحابهوقد يزداد الحال سوءا فيتخبط فى ظلمات اليأس
ويركن الى الاستسلام بما يظنه المصير المحتوم ,فيقنت من رحمة الله , و قد تنزلق قدمه الى وحلالمعانده , فيستبدل الحق بالباطل وربما استحوذ عليه الشيطان
فيصبح واحدا من اتباعه , ويصيرجزءا من الغربه واشواكها ,فيخسر صفقة حياته
ان لم تدركه رحمة ربه .
* ورحمة الله - تعالى - هى لحظة اليقين التىيحي بها الرحمنعز وجل-القلب وينيرهفيثبت ويطمئن وتخضعالنفس المضطربه الى هيمنتهاويطيع الجسد اوامره
, وهذا اليقين هو اثمن نعمة تصيب العبد , فيهاسعادة الابد ,
ومنها مدد الدفع على الصراط المستقيم , حتى يصل الى منازل الفائزين .
* والمتأمل فىحقيقة الاسلام يجد انه ما قهر ظاهرة الكفر والاشراك بالله الا فى وقت الشده وساعات الحرج وعلم ان التصادم والدفع وما صاحب ذلك منعسر هو جزء من حركة هذا الدين على الارض
" احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ؟
فكل من يبغى الاسلام عليه ان يتأهل للفتنه والتضييق.. لكن بلا شك فى النجاة
, ولذلك كانت رحمة الخبير اللطيف ترصدعلى طريق الساعين الى الدين علامات وآيات تبعث الثقهفىالنفوس,ووحى منزل يكشف القادم من الايام .فنحن امهمتفردهفىمعرفة تفاصيل المستقبل وكيف لا والقرآن لا يمرفيه حزء الا وتجد حظ الاخرة
ووصف احوالها مهيمنا عليهوفصلت السنه الشريفه كشف احداث النهايهحتى كأننا نراهارأى العين , لذلك لا يندهش المستبصر بما يقع فعنده خبر بهموصول بمن انزلالكتاب وفصل الامر , ولا يضل فى التيهرجل جعل القرأن اماما والسنه دليلا فى طريقه ومن هذه الادلهالشيقه هذا الحديث الماتع الذى رواه الاماممسلم فى صحيحهوغيره من ائمة الحديث :
" بدأ الاسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء "
والذى لخص فيه النبى صلى الله عليه وسلم تاريخ الامه منالبدايه الى النهايه فكان فيه وصف الحال والمآل , وكذلكالبشرى للصابرين والمجاهدين من ابناء الغربه فلا يجزعونمن حادثة الليالى وشرائد النهار ويتأهبون لخير وافر يخرجمن ضيق قادم او عسر قائم
وقد علق شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله على هذا الحديثالشريف فى جزء وضعهالشيخ عبد الرحمن بن القاسمالنجدى - رحمه الله - فى المجلد الثامن عشر من مجموع فتاوىشيخ الاسلام , وقد احببت ان اقربه لطلبة العلم والمسلمينسعياللانتفاع بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم , وعلى شيخالاسلام رحمه الله فى ايام الغربهالتى تزينت فيها الفتنهوكثرت الاقنعه حتى صار ادارك الوجه الحقيقى امرا عسيراوشاقا ومن المعلوم ان المرء عند الشرائد وخوض المحنيبحثعن صوت حق يصوب فكرهوخواطره , او يد صدقتسانده فى خطواته اذا مالت به ريح الباطل فىظلمة الشكوالريبه .
وشيخ الاسلام رحمه الله واحد من علماء الامه الربانيينالذين ملكوا العلم والتجربهفى زمن غربتهم , وكانت حياتهرحمه الله مثلا على نجاح بنى آدم فى اختيار خلافتهم علىالارض فقد بانت فيها عظمة اليقين المتحد بقوة الاتباع للقدوهالحسنه صلى الله عليه وسلم, وكانت تفاصيل النجاح فيهادليلا على عظمة هذا الدين وعلى قوته من داخل الامه التىتشرفت بحمل امانة نشره وحفظه .
· لماذا ابن تيميه ؟
- لعل ظهور اسم الشيخ بقوه فى كل مجال يخص الامه فى حياتها مع دين الله تبارك وتعالى هو الذى ابرز هذا السؤال : لماذا ابن تيميه ؟! واوجب على المحب والكاره البحث فى مصدر هذا الظهور والتاملفى صنائع هذا الرجل وما تركه من تراث اشبه بتراث طائفة كبيره من العلماء قد تخصصوافى مجالات مختلفه واتفقوا على غايه واحده .
- نحن فى عقيدتنا لا نقدس احدا او نرفعه فوق درجة البشر , وفى نفس الوقت تعلمنا الا نبخس الناس اشيائهم وان نذكر لكل صاحب فضل فضله والشيخ رحمه الله واحدا ممن تفتخر به الامه على كل الامم ، بل ان كثرة الحاقدين عليه دافع اخر لادراك حجم اثره على الناس فى زمنه وعلى اجيال من بعده حتى ايامنا هذه , فان كثرة النجاح يصاحبها ضخامة فى الحقد والحسد .
- والشيخ رحمه الله فى شرحه للحديث يرصد المعانىالجليلهالتى اصابت الحقيقهفى بيان سعى الغربه وتدرك انت ذلك حين ترى اثر تجربة الشيخ بين كلماته وفهمه وفقهه حول غربته وغربة الامه فى زمنه .
- لقد عاين الشيخ غربه من اشد اجزاء غربة هذه الامه , وكانت ساعات حياته لا تنفصل عنها لحظه .
- كانت الامه فى زمنه يضرب فى عقلها الجهل بجرانه والبدعه لها المقام المحمود عند الناس والسنه غريبه لا يعرفها الا القليل ولا يقوم لها الا الاقل من الذين تهيئوا للمحن والبلاء , والكثرة الساحقة من المنشغلين بالعلم والفقه صرعى للمنافسه على المناصب واكل الدنيا بالدين . والتعصب وضيق الافق زاد حياتهم وحديث يومهم , يتخاصمون لاتفه الاسباب ويعاندون لمجرد المعانده يقفون امام الحق جبارين وان سمعوا بقدم عدو هربوا مذعورين .
- والحكام والامراء عقولهم بين المؤامرة والاغتيال , فكانت الخيانهفى حياتهم الخبز والادام , فلا عهد ولا ميثاق , وامام التتار فروا لا يكوونعلى شئ وتركوا بلاد الشام نهبا للهمج والرعاع .
- واما العوام فكانوا اشبه بغنم فى صحراء مهلكة والذئاب تحيط بهم وهم منشغلون فىالتناطح بينهم , واذا حزبهم شان هرعوا الى القبور يستغيثون بسكانها .
- وكان الطامعون من كل جنس ومله , واقبل الاكله على القصعه مشمرين سيوف فى العلى , وسيوف فى الخفاء حجافل من التتار ما تقبل من المشرق تتبعها جموع من الروافض والنصارى ومن لا دين لهم وعلى سواحل مصر والشام كانت سفن اصحاب الصليب تقف فى انتظار الغنيمه , وتقام لها الاسواق لبيع المسلمين وخيولهم وسلاحهم وقبل كل ذلك اعراضهم ثم ينصرفون الى بلادهم .
- كل ذلك وغيره كثير عاش فيه الشيخ – رحمه الله – ووقف هو ورجاله صابرين مجاهدين لم يضرهم من خذلهم , فكان – رحمه الله – كبير الطائفه المنصورة فى زمانه .
- اما جهاده فىالمنافحه عن السنه وطريقة السلف , فلم نعرف عالما جاء بعده قام بمثل ما قام به من هدم حصون البدعه وقهر روؤسها من شيعة وفلاسفه ومعتزله وصوفيه ونصارى وقدرية وهمجيه وكل اضحاب روث العقول العفنهفى زمانه , وكتبه هى المرجع الاول لكل من اراد ان يكشف حقيقتهم , خاض معهم معارك باللسان والقلم حتى شهدوا له بالتفوق عليهم فلم يجدوا حلا معه سوى التحريض عليه كى يسجن وسجن الرجل عدة مرات , فكانت غربة اشبه بالمحنهالتى ارتضاها حتى وافاه الاجل فى سجنه بقلعة دمشق سنة 728 هـ ولم يترك رحمه الله من متاع الدنيا شئ , بل ترك علما نافعا شاء الرحمن تبارك وتعالى ان يحفظه لحاجة الامه اليه , ورجالا من طلب علمه كانوا منارات من بعده وكلهم يذكر فضله عليهم وعلى الامه كلها .
- ولعل فيها اوجزت بعض الاجابه على السؤال .. لماذا ابن تيميه ؟!
واعلم ان خصوم الشيخ لو قرأوا له وشاركوه عمله بدراسة حياته بلا تعصب لادركوا عظمة هذه الامه وعلو كعب ابنائها , ولما تحاملوا عليه كل هذا التحامل , وان لم يفعلوا فلا بأس .
فما على العنبر الفواح من حرج ٍ
ان مات من شمه الزبال والجُعلُ .
- الجُعلُ : حشرة تحب اكل روث البهائم .
" بين يدى الشرح "
" كلام الشيخ – رحمه الله – حول حديث بدأ الاسلام غريبا "
هو خلاصة تجربه , لذلك لا تجد هذه المعانى والفوائد التى كتبها عند غيره ممن شرحوا هذا الحديث , لان صاحب القلم مهما كان علمه لا يمكن ان يصف طعم الغربه ان لم يكون من اهلها ورأى تفاصيل احداثها . صحيح ان غيره نال نصيبا منها لكن كان الامر مع الشيخ له شأن اخر .
والشيخ رحمه الله فى ذكره لذروة احداث الغربه وهى السنوات التى تلت هزيمة المسلمين فى موقعة مرج الصفر فى بلاد الشام منه 699 هـ , ينفذ الى قدرة الدين على ضبط امور المسلمين ان هم صدقوا وآمنوا واطاعوا ما جاء به .. كانت الفتنه شديده .. جيش مهزوم يفر رجله الى القاهرة وهم فى حالة هلع وفوضه , والسلطات " محمد ابن قلاوون " شاب حدث لا يملك من الامر شئ والعلماء واصحاب العائم انطلقوا خلف الهاربين واخذوا معهم اولادهم ونسائهم وماخف حمله , وتركوا الشام بلا قياده او حمايه او واعظ يذكر الناس بقدرة الله تعالى ولطفه وهيمنته على ملكه .
والناس فى حالة سكر من شدة الفزع , ومن المعلوم ان المصيبه اذا نزلت بقوم فانها تبحث عمن يتحملها وقد وجدت مطلبها فى السيخ ورجاله من طلبة العلم وبقايا رجال الدوله " كأرجواش " قائد قلعة دمشق الذى رفض هو ورجاله تسليم القلعه للتتار وظلوا يقاتلون ويرابطون داخل القلعه حتى تحقق النصر فىشقحب سنة 702
واورد الشيخ رحمه الله وصفا لحال الناس فى هذه الفتنه فى رساله ارسلها الى من يهمه الامر من المسلمين قال فيها :
... فينبغى للعقلاء ان يعتبروا فى سنة الله وايامه فى عباده ودأب الامم وعادتهم . لسيمافى مثل هذه الحادثهالعظيمهالتى طبق الخافقين خبرها واستطار فى جميع ديار الاسلام شررها
واضطلع فيها النفاق ناصية رأسه وكثر فيها الكفر عن انيابه واضراسه وكاد فيه عمود الكتاب ان يجتث ويخترم وحبل الايمان ان ينقطع ويصطلم وعقر دار المؤمنين ان يحل بها البوار وان يزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار ... ونزلت فتنه تركت الحليم فيها حيران وانزلت الرجال الصحى منزلة السكران وتركت الرجل اللبيب لكثرة الوساوس ليس بالنائم ولا اليقظان , وتناكرت فيها قلوب المعارف والاخوان حتى بقى للرجل بنفسه شغل عن ان يغيث اللهفان ..1
وقاس هذا الحديث عن غزوة الاحزاب وبين ان السنن ثابته فى كشف حال النفس عند الفزع واستدل بقوله تعالى :
يا ايها اللذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جائتكم جنود فارسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً . اذ جاؤكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون , هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . " الاحزاب 8 : 11 "
وهنا تكمن عظمة هذا الدين كما وضح الشيخ فكل ما يجرى لو جعلته امام سنة الله لن تجده شيئا له قيمه الا بقدر ما يحتل من فترة الزمن التىستنقضى ويرجع لحق كما كان ويبقى اهل الاسلام الى خير
لذلك تلمح وبشدة صفقة التفاؤل فى كتابة الشيخ وثقته فى نصر الله لعلمه بقدر الله تعالى الذى فصله فى الكتاب المبين وهذا اهم ما يتميز به العالم الربانىفى زمن الشده فى الوقت الذى يفزع غيره ويضر
وعندما تحدث عن الخسائر والاذى الذى اصاب المسلمين قاس ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1 – كان وصف الشيخ رحمه الله مفصلا عن هذه الواقعه و وضح الشيخ النجدى رحمه الله هذا الجزء فى المجلد الثامن والعشرين من مجموعة الفتاوى .
وبنفس الطريقه فان الله تعالى قال : او لما اصابتكم مصيبه قد اصبتم مثليها قلتم انى هذا ؟! قل هو من عند انفسكم . " ال عمران "
فجعل ذنوب العباد هى الاذى الاكبر الذى استجلب هذه الفتنه ومع ذلك فان فى قمة المحنه يخرج لواء الامل والسعاده لكن بعد ان ينكشف الغطاء عن الجميع
وركز الشيخ على اهمية ادارك انتصار هذا الدين مهما كانت الاحوال وعلى الفارق بين من يثبت ويدافع عن الاسلام وعند ذلك ينقذه الاسلام فهو دين يحمى من يدافع عنها وهذه من خصائص الاسلام المتفرده فكل الملل تقوم باتباعها اما الاسلام فان اتباعه يقومون بقوته وبين من يرتد ويتخاذل ويسعى الى النجاهالمزعومهبالتخلى عن الدين وطلب الامان فى نار خصومه
واجمل الشيخ امر الناس امام المحن وعسر الغربه عندما وضح الحقيقه امام العيون الناظرة وكشف ان الضيق امر لازم فى الحياة الدنيا وان الذنوب هى الدافع الاول الى نزول المصائب , وهذه المصائب ليست كلها اذى بل قد يصيب العيش معها اذا ايقن المرء بقيمة الغربه وثواب والصابر فيها ان هذا الدين منصور لا محاله بنا او بغيرنا والجائزة عن لاذبه ورفع رايته
ولم يختلف منهج الشيخ فى كل احوال الغربهالتى وقعت فى ايامه والناظر فى جهده وعمله يجد ان التطابق كبير بين القول والفعل فى حياته فهو رحمه الله لم يكتب او ينظر كلاما بعد ذلك خالفه , بل كان مثلا عظيما لشخصية المسلم بكل ما تحمله كلمة المسلم من قيمه لا تساويها اى مزية لانسان اخر غير مسلم , وان كان الشيخ رحمه الله قد ذكر ان الله تعالى قد تكفل بهذه الامه على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها ويرفع عنه فى قلوب الناس وعقولهم تراب الزيف والجهل حتى يرجع كما كان فى زمن الرجال فانى اقول كما قال غيرى من قبل :
كان الشيخ فى ايامه هو المجدد وان انكر ذلك منكر فليأتى بمثل هذا الشيخ فى زمانه والا فليسكت .