( تفسير سورة البقرة )
قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :
أما بعد /
فنكمل ما توقفنا عنده من التفسير مما شرعنا فيه ، في شهر رمضان المبارك ، وذكرنا في ذلكم الشهر تفسيراً لبعض الآيات من سورة البقرة ، وقد توقف بنا التفسير عند قله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21
( من الفوائد )
" أن الله عز وجل لما ذكر أصناف الخلق من بني آدم " المؤمنين ثم ثنى بذكر الكافرين ، ثم ثلَّث بذكر المنافقين نادى الجميع بعبادة الله عز وجل "
فقال عز وجل :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ }
لو قال قائل :
من بين هؤلاء الناس المؤمنون فكيف يناديهم بالأمر بالعبادة مع أنهم عباد لله عز وجل ؟
فنقول : هو أمر لجميع الناس" المؤمن والمنافق والكافر " لكن الأمر الموجه هنا للمؤمن للثبات والاستمرار على العبادة ،بينما الصنفان الآخران وهما أهل النفاق وأهل الكفر " أمر بالدخول في العبادة "
( ومن الفوائد )
وهي فائدة لغوية :
" أن المحلى بالألف واللام لا ينادى "
تقول " يا زيد - يا عمر و " لا إشكال في ذلك ، لأنه غير محلى بالألف واللام .
لكن لا يصح أن تقول : " يا الغلام – يا الفتاة – يا الرجل – يا المرأة " لا يصح إلا في " لفظ الجلالة " يا الله " فهذا جائز .
تقول " يا الله ارحمني – يا الله تب علي "
لكن إن كان محلى بالألف واللام فلابد أن يؤتى في المذكر بـ " أي " وفي المؤنث بـ " أية "
تقول : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ }
أيُ : هنا منادى مبني على الضم .
والهاء : للتنبيه .
والناس " صفة .
لما أنادي المرأة أقول " يا أيتها المرأة "
( ومن الفوائد )
أن كلمة { النَّاسُ } مرت معنا في رمضان من أن لها أربعة معاني :
المعنى الأول " الحركة "
لأن الإنسان يتحرك بطبعه ولا يمكن أن يقف ، إما أن يفعل خيرا وإما أن يفعل شرا ، ولذلك عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم :
( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها )
إما بالنجاة وإما بالهلاك .
المعنى الثاني : " الأنس "
لأن الإنسان يأنس بغيره من الآدميين ، وأعظم الأنس أن يأنس العبد بربه عز وجل .
المعنى الثالث : " النسيان "
لأن الإنسان ينسى بطبعه ، قال تعالى :
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115.
المعنى الرابع : " الظهور "
لأن الإنسان بطبعه يكون ظاهرا ، ولذلك على الإنسان أن يدع نفسه لله عز وجل من حيث الظهور ، لا يظهر نفسه ، ولذلك بعض الناس يحب أن يكون ظاهرا ، في أي مكان يحب أن يكون بارزا ، وهذا ليس بسديد ، ولذلك ماذا قال موسى عليه السلام ؟
{ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً }طه10
يعني أبصرت نارا ظاهرة .
( ومن الفوائد )
أن الناس أمروا بالعبادة ، ما هي العبادة ؟
العبادة لها معاني مختلف ، أشملها وأكملها ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله من أن " العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة "
إذاً كل ما يحبه الله ويرضاه من قول أو فعل ظاهر أو باطن فإنه عبادة لا يجوز أن يصرف لغير الله عز وجل .
قول " سبحان الله " يحبه الله ، إذاً هو عبادة .
الصلاة " يحبها الله ، فهي عبادة .
الصدقة " يحبها الله ، فهي عبادة .
وإذا عرفت معنى العبادة عرفت كيف تحذر من الشرك "
كيف عرفنا أن الركوع عبادة ؟
أن الله عز وجل يحبه ، قال صلى الله عليه وسلم :
( وأما الركوع فعظموا فيه الرب )
لو أن إنسانا أتى لشخص عظيم أو لملك أو لرئيس وركع عنده ما حكمه ؟
حكمه "شرك "
إذاً كيف تعرف الشرك ؟
نقول تعريف الشرك هو " صرف شيء من العبادة لغير الله "
ومثل الركوع في الحكم " الانحناء " بعض الناس ينحني ولا يركع ، لكنه ينحني ، فلا يجوز هذا .
( ومن الفوائد )
قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }
من هو " الرب " ؟
الخالق ، المتصرف ، الرازق ، المحيي ، المميت "
فدل هذا على أن العبادة لا تصرف إلا لمن كان ربَّاً ، فمن اعترف وأقرَّ بأن الله عز وجل هو الرب الرازق المميت ، فواجب عليه أن يعبد الله .
قريش موحدون لكن في توحيد الربوبية ، قال تعالى :
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }الزخرف87 ، يعني بما أنكم تعترفون بأن الله هو الرب الذي خلقكم ، فواجب عليكم أن تعبدوا الله .
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }العنكبوت61
وبالتالي هنا قاعدة عند العلماء : [ أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ]
يعني من أقرَّ بأن الله عز وجل واحد في ربوبيته فإنه يلزمه أن يعبده .
قال تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ } ؟
الجواب / لا، إذاً فكيف تعبدونه ، ولذلك قال بعدها { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الروم40.
( ومن الفوائد )
قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن أول آية في القرآن أتت بالأمر بالعبادة " كما في هذه الآية .
( ومن الفوائد )
أن العبد له معنيان "
المعنى الأول بمعنى " عابد "
المعنى الثاني : بمعنى " مُعبَّد "
لأن البشر كلهم عبادٌ لله عز وجل ، لكن عبودية ذل ،{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }مريم93 عبودية عامة ، لكن العبودية الخاصة هي عبودية الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه .
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً }الفرقان63 .
ولذلك الناس من حيث العبادة على ثلاث مراتب :
أولا : " عبادة خاصة الخاصة " وهم الأنبياء .
قال تعالى :
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ }الجن19
والمراد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ }ص45
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ }ص41 .
ثانيا : " عبودية خاصة " وهي عبودية المؤمنين .
ثالثا : " عبودية عامة " وهي عبودية جميع البشر .
ولذلك قال عز وجل : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }آل عمران83
إسلام ذل وانقياد .
( ومن الفوائد )
أن العبادة في اللغة هي " اليسر والسهولة "
يقال " طريق مُعبَّد " يعني مذلل مسهل مسير .
مما يدل على أن طريق العبادة سهل ميسر لمن وفقه الله عز وجل .
( ومن الفوائد )
أن من عبد الله عز وجل فهو المعان من قِبل الله ، لا من حوله ولا من قوته "
ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله جمع الله عز وجل بين العبادة وبين الاستعانة في سورة الفاتحة " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5 .
والآيات في ذلك كثيرة :
{ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88
{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ }هود123.
فدل على أنه لا عبادة إلا بالاستعانة بالله عز وجل ، وأن الله جل وعلا هو الذي وفقك لهذه العبادة .
( ومن الفوائد )
أنه جل وعلا لما أمر بعبادة لكونه الرب عز وجل ، وصف هذا الرب بالخلق :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }
يعني خلقكم وخلق من قبلكم ، فلتتعظوا بما جرى لمن كان قبلكم {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ }الشعراء184، يعني ما جرى لأولئك الأولين ممن عصى الله عز وجل وقد خلقكم الله ، ولكنهم لم يطيعوه ، انظروا ماذا صنع الله عز وجل بهم ؟
ولذلك ذكر ما يتعلق بالربوبية .
لو سألت سؤالا : ما أقسام التوحيد ؟
ثلاثة أقسام : " [ توحيد الربوبية – توحيد الألوهية – توحيد الأسماء والصفات ]
ما هو تعريف توحيد الربوبية ؟
توحيد الربوبية " هو توحيد الله عز وجل بأفعاله " مثل : " الرزق – الإحياء – الإماتة – الخلق – إنزال المطر – إنبات النبات "
أما توحيد الألوهية : " فهو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد "
مثل : " الصلاة – الزكاة – الحج "
لو أتى إنسان – نسأل الله العافية – وقال إن فلانا يحيي الموتى " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الربوبية "
لو أتى إنسان وقال إن فلانا من الناس يستطيع أن ينزل المطر " " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الربوبية "
لو أتى إنسان وصلى لشخص آخر " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية "
لو أن إنسانا نحر لقبر " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية " .
لو أن إنسانا نذر لنبي أو لولي " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية " .
قريش يقولون : إن الله هو الذي خلقنا ، وهو الذي رزقنا فهم موحدون في توحيد الربوبية ، لكن إذا أتوا إلى الذبح " ذبحوا للأصنام " أشركوا بالله في توحيد الألوهية .
( ومن الفوائد )
" أن عبادة الله عز وجل سبيل لتقوى الله "
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
وهذا يدل على أن من عبد الله وسار في طاعة الله عز وجل فإنه يزداد تقوى وخيرا .
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17.
{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى }الكهف13
وبالتالي إذا أوصلته هذه العبادة إلى تقوى الله اتقى مساخط الله وغضب الله .
( ومن الفوائد )
" أن الإنسان يكون بين الخوف وبين الرجاء "
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
رجاء أن تتقوا الله ، لا تتكل على هذه العبادة ، وإنما لتكن في رجاء من الله عز وجل .
{ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }
{ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً }الكهف24
فلا تتكل على عبادتك ، وإنما الموفق من وفقه الله عز وجل ، فالمسلم يكون بين الخوف وبين الرجاء ، تأتي بالعبادة رجاء ما عند الله عز وجل وأنت تخاف عقابه ، ولذلك الإنسان لا يمكن أن يكون ناجحا فالحا إلا إذا سار بين الطريقين " بين الخوف وبين الرجاء "
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقول
قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :
أما بعد /
فنكمل ما توقفنا عنده من التفسير مما شرعنا فيه ، في شهر رمضان المبارك ، وذكرنا في ذلكم الشهر تفسيراً لبعض الآيات من سورة البقرة ، وقد توقف بنا التفسير عند قله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21
( من الفوائد )
" أن الله عز وجل لما ذكر أصناف الخلق من بني آدم " المؤمنين ثم ثنى بذكر الكافرين ، ثم ثلَّث بذكر المنافقين نادى الجميع بعبادة الله عز وجل "
فقال عز وجل :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ }
لو قال قائل :
من بين هؤلاء الناس المؤمنون فكيف يناديهم بالأمر بالعبادة مع أنهم عباد لله عز وجل ؟
فنقول : هو أمر لجميع الناس" المؤمن والمنافق والكافر " لكن الأمر الموجه هنا للمؤمن للثبات والاستمرار على العبادة ،بينما الصنفان الآخران وهما أهل النفاق وأهل الكفر " أمر بالدخول في العبادة "
( ومن الفوائد )
وهي فائدة لغوية :
" أن المحلى بالألف واللام لا ينادى "
تقول " يا زيد - يا عمر و " لا إشكال في ذلك ، لأنه غير محلى بالألف واللام .
لكن لا يصح أن تقول : " يا الغلام – يا الفتاة – يا الرجل – يا المرأة " لا يصح إلا في " لفظ الجلالة " يا الله " فهذا جائز .
تقول " يا الله ارحمني – يا الله تب علي "
لكن إن كان محلى بالألف واللام فلابد أن يؤتى في المذكر بـ " أي " وفي المؤنث بـ " أية "
تقول : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ }
أيُ : هنا منادى مبني على الضم .
والهاء : للتنبيه .
والناس " صفة .
لما أنادي المرأة أقول " يا أيتها المرأة "
( ومن الفوائد )
أن كلمة { النَّاسُ } مرت معنا في رمضان من أن لها أربعة معاني :
المعنى الأول " الحركة "
لأن الإنسان يتحرك بطبعه ولا يمكن أن يقف ، إما أن يفعل خيرا وإما أن يفعل شرا ، ولذلك عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم :
( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها )
إما بالنجاة وإما بالهلاك .
المعنى الثاني : " الأنس "
لأن الإنسان يأنس بغيره من الآدميين ، وأعظم الأنس أن يأنس العبد بربه عز وجل .
المعنى الثالث : " النسيان "
لأن الإنسان ينسى بطبعه ، قال تعالى :
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115.
المعنى الرابع : " الظهور "
لأن الإنسان بطبعه يكون ظاهرا ، ولذلك على الإنسان أن يدع نفسه لله عز وجل من حيث الظهور ، لا يظهر نفسه ، ولذلك بعض الناس يحب أن يكون ظاهرا ، في أي مكان يحب أن يكون بارزا ، وهذا ليس بسديد ، ولذلك ماذا قال موسى عليه السلام ؟
{ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً }طه10
يعني أبصرت نارا ظاهرة .
( ومن الفوائد )
أن الناس أمروا بالعبادة ، ما هي العبادة ؟
العبادة لها معاني مختلف ، أشملها وأكملها ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله من أن " العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة "
إذاً كل ما يحبه الله ويرضاه من قول أو فعل ظاهر أو باطن فإنه عبادة لا يجوز أن يصرف لغير الله عز وجل .
قول " سبحان الله " يحبه الله ، إذاً هو عبادة .
الصلاة " يحبها الله ، فهي عبادة .
الصدقة " يحبها الله ، فهي عبادة .
وإذا عرفت معنى العبادة عرفت كيف تحذر من الشرك "
كيف عرفنا أن الركوع عبادة ؟
أن الله عز وجل يحبه ، قال صلى الله عليه وسلم :
( وأما الركوع فعظموا فيه الرب )
لو أن إنسانا أتى لشخص عظيم أو لملك أو لرئيس وركع عنده ما حكمه ؟
حكمه "شرك "
إذاً كيف تعرف الشرك ؟
نقول تعريف الشرك هو " صرف شيء من العبادة لغير الله "
ومثل الركوع في الحكم " الانحناء " بعض الناس ينحني ولا يركع ، لكنه ينحني ، فلا يجوز هذا .
( ومن الفوائد )
قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }
من هو " الرب " ؟
الخالق ، المتصرف ، الرازق ، المحيي ، المميت "
فدل هذا على أن العبادة لا تصرف إلا لمن كان ربَّاً ، فمن اعترف وأقرَّ بأن الله عز وجل هو الرب الرازق المميت ، فواجب عليه أن يعبد الله .
قريش موحدون لكن في توحيد الربوبية ، قال تعالى :
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }الزخرف87 ، يعني بما أنكم تعترفون بأن الله هو الرب الذي خلقكم ، فواجب عليكم أن تعبدوا الله .
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }العنكبوت61
وبالتالي هنا قاعدة عند العلماء : [ أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ]
يعني من أقرَّ بأن الله عز وجل واحد في ربوبيته فإنه يلزمه أن يعبده .
قال تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ } ؟
الجواب / لا، إذاً فكيف تعبدونه ، ولذلك قال بعدها { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الروم40.
( ومن الفوائد )
قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن أول آية في القرآن أتت بالأمر بالعبادة " كما في هذه الآية .
( ومن الفوائد )
أن العبد له معنيان "
المعنى الأول بمعنى " عابد "
المعنى الثاني : بمعنى " مُعبَّد "
لأن البشر كلهم عبادٌ لله عز وجل ، لكن عبودية ذل ،{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }مريم93 عبودية عامة ، لكن العبودية الخاصة هي عبودية الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه .
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً }الفرقان63 .
ولذلك الناس من حيث العبادة على ثلاث مراتب :
أولا : " عبادة خاصة الخاصة " وهم الأنبياء .
قال تعالى :
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ }الجن19
والمراد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ }ص45
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ }ص41 .
ثانيا : " عبودية خاصة " وهي عبودية المؤمنين .
ثالثا : " عبودية عامة " وهي عبودية جميع البشر .
ولذلك قال عز وجل : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }آل عمران83
إسلام ذل وانقياد .
( ومن الفوائد )
أن العبادة في اللغة هي " اليسر والسهولة "
يقال " طريق مُعبَّد " يعني مذلل مسهل مسير .
مما يدل على أن طريق العبادة سهل ميسر لمن وفقه الله عز وجل .
( ومن الفوائد )
أن من عبد الله عز وجل فهو المعان من قِبل الله ، لا من حوله ولا من قوته "
ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله جمع الله عز وجل بين العبادة وبين الاستعانة في سورة الفاتحة " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5 .
والآيات في ذلك كثيرة :
{ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88
{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ }هود123.
فدل على أنه لا عبادة إلا بالاستعانة بالله عز وجل ، وأن الله جل وعلا هو الذي وفقك لهذه العبادة .
( ومن الفوائد )
أنه جل وعلا لما أمر بعبادة لكونه الرب عز وجل ، وصف هذا الرب بالخلق :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }
يعني خلقكم وخلق من قبلكم ، فلتتعظوا بما جرى لمن كان قبلكم {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ }الشعراء184، يعني ما جرى لأولئك الأولين ممن عصى الله عز وجل وقد خلقكم الله ، ولكنهم لم يطيعوه ، انظروا ماذا صنع الله عز وجل بهم ؟
ولذلك ذكر ما يتعلق بالربوبية .
لو سألت سؤالا : ما أقسام التوحيد ؟
ثلاثة أقسام : " [ توحيد الربوبية – توحيد الألوهية – توحيد الأسماء والصفات ]
ما هو تعريف توحيد الربوبية ؟
توحيد الربوبية " هو توحيد الله عز وجل بأفعاله " مثل : " الرزق – الإحياء – الإماتة – الخلق – إنزال المطر – إنبات النبات "
أما توحيد الألوهية : " فهو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد "
مثل : " الصلاة – الزكاة – الحج "
لو أتى إنسان – نسأل الله العافية – وقال إن فلانا يحيي الموتى " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الربوبية "
لو أتى إنسان وقال إن فلانا من الناس يستطيع أن ينزل المطر " " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الربوبية "
لو أتى إنسان وصلى لشخص آخر " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية "
لو أن إنسانا نحر لقبر " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية " .
لو أن إنسانا نذر لنبي أو لولي " نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية " .
قريش يقولون : إن الله هو الذي خلقنا ، وهو الذي رزقنا فهم موحدون في توحيد الربوبية ، لكن إذا أتوا إلى الذبح " ذبحوا للأصنام " أشركوا بالله في توحيد الألوهية .
( ومن الفوائد )
" أن عبادة الله عز وجل سبيل لتقوى الله "
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
وهذا يدل على أن من عبد الله وسار في طاعة الله عز وجل فإنه يزداد تقوى وخيرا .
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17.
{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى }الكهف13
وبالتالي إذا أوصلته هذه العبادة إلى تقوى الله اتقى مساخط الله وغضب الله .
( ومن الفوائد )
" أن الإنسان يكون بين الخوف وبين الرجاء "
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
رجاء أن تتقوا الله ، لا تتكل على هذه العبادة ، وإنما لتكن في رجاء من الله عز وجل .
{ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }
{ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً }الكهف24
فلا تتكل على عبادتك ، وإنما الموفق من وفقه الله عز وجل ، فالمسلم يكون بين الخوف وبين الرجاء ، تأتي بالعبادة رجاء ما عند الله عز وجل وأنت تخاف عقابه ، ولذلك الإنسان لا يمكن أن يكون ناجحا فالحا إلا إذا سار بين الطريقين " بين الخوف وبين الرجاء "
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقول