منتديات احلى حكاية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات احلى حكاية دخول

موقع خاص بالتصاميم وتحويل الاستايلات واكواد حصريه لخدمه مواقع احلى منتدى


|| تفسير الطبرى || > || متجدد ||

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
4 مشترك

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Empty|| تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مقدمة المؤلف

ص: 1 ] [ ص: 2 ] [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم بركة من الله وأمر

قرئ على أبي جعفر محمد بن جرير الطبري في سنة ست وثلاثمائة ، قال : الحمد لله الذي حجت الألباب بدائع حكمه ، وخصمت العقول لطائف حججه وقطعت عذر الملحدين عجائب صنعه ، وهتفت في أسماع العالمين ألسن أدلته ، شاهدة أنه الله الذي لا إله إلا هو ، الذي لا عدل له معادل ولا مثل له مماثل ، ولا شريك له مظاهر ، ولا ولد له ولا والد ، ولم يكن له صاحبة ولا كفوا أحد; وأنه الجبار الذي خضعت لجبروته الجبابرة ، والعزيز الذي ذلت لعزته الملوك الأعزة ، وخشعت لمهابة سطوته ذوو المهابة ، وأذعن له جميع الخلق بالطاعة طوعا وكرها ، كما قال الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) [ سورة الرعد : 15 . فكل موجود إلى وحدانيته داع ، وكل محسوس إلى ربوبيته هاد ، بما وسمهم به من آثار الصنعة ، من نقص وزيادة ، وعجز وحاجة ، وتصرف في عاهات عارضة ، ومقارنة أحداث لازمة ، لتكون له الحجة البالغة .

ثم أردف ما شهدت به من ذلك أدلته ، وأكد ما استنارت في القلوب منه بهجته ، برسل ابتعثهم إلى من يشاء من عباده ، دعاة إلى ما اتضحت لديهم صحته ، وثبتت في العقول حجته ، ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ سورة النساء : 165 ] [ ص: 4 ]

وليذكر أولو النهى والحلم . فأمدهم بعونه ، وأبانهم من سائر خلقه ، بما دل به على صدقهم من الأدلة ، وأيدهم به من الحجج البالغة والآي المعجزة ، لئلا يقول القائل منهم ( ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون ) [ سورة المؤمنون : 33 - 34 ] فجعلهم سفراء بينه وبين خلقه ، وأمناءه على وحيه ، واختصهم بفضله ، واصطفاهم برسالته ، ثم جعلهم - فيما خصهم به من مواهبه ، ومن به عليهم من كراماته - مراتب مختلفة ، ومنازل مفترقة ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، متفاضلات متباينات . فكرم بعضهم بالتكليم والنجوى ، وأيد بعضهم بروح القدس ، وخصه بإحياء الموتى ، وإبراء أولي العاهة والعمى ، وفضل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ، من الدرجات بالعليا ، ومن المراتب بالعظمى . فحباه من أقسام كرامته بالقسم الأفضل وخصه من درجات النبوة بالحظ الأجزل ، ومن الأتباع والأصحاب بالنصيب الأوفر . وابتعثه بالدعوة التامة ، والرسالة العامة ، وحاطه وحيدا ، وعصمه فريدا ، من كل جبار عاند ، وكل شيطان مارد حتى أظهر به الدين ، وأوضح به السبيل ، وأنهج به معالم الحق ، ومحق به منار الشرك . وزهق به الباطل ، واضمحل به الضلال وخدع الشيطان وعبادة الأصنام والأوثان ، مؤيدا بدلالة على الأيام باقية ، وعلى الدهور والأزمان ثابتة ، وعلى مر الشهور والسنين دائمة ، يزداد ضياؤها على كر الدهور إشراقا ، وعلى مر الليالي والأيام [ ص: 5 ] ائتلاقا ، خصيصى من الله له بها دون سائر رسله - الذين قهرتهم الجبابرة ، واستذلتهم الأمم الفاجرة ، فتعفت بعدهم منهم الآثار ، وأخملت ذكرهم الليالي والأيام - ودون من كان منهم مرسلا إلى أمة دون أمة ، وخاصة دون عامة ، وجماعة دون كافة .

فالحمد لله الذي كرمنا بتصديقه ، وشرفنا باتباعه ، وجعلنا من أهل الإقرار والإيمان به وبما دعا إليه وجاء به ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أزكى صلواته ، وأفضل سلامه ، وأتم تحياته .

ثم أما بعد فإن من جسيم ما خص الله به أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الفضيلة ، وشرفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة ، وحباهم به من الكرامة السنية ، حفظه ما حفظ عليهم - جل ذكره وتقدست أسماؤه - من وحيه وتنزيله ، الذي جعله على حقيقة نبوة نبيهم صلى الله عليه وسلم دلالة ، وعلى ما خصه به من الكرامة علامة واضحة ، وحجة بالغة ، أبانه به من كل كاذب ومفتر ، وفصل به بينهم وبين كل جاحد وملحد ، وفرق به بينهم وبين كل كافر ومشرك; الذي لو اجتمع جميع من بين أقطارها ، من جنها وإنسها وصغيرها وكبيرها ، على أن يأتوا بسورة من مثله لم يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . فجعله لهم في دجى الظلم نورا ساطعا ، وفي سدف الشبه شهابا لامعا وفي مضلة المسالك دليلا هاديا ، وإلى سبل النجاة والحق حاديا ، ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) [ سورة المائدة : 16 . حرسه بعين [ ص: 6 ] منه لا تنام ، وحاطه بركن منه لا يضام ، لا تهي على الأيام دعائمه ، ولا تبيد على طول الأزمان معالمه ، ولا يجوز عن قصد المحجة تابعه ولا يضل عن سبل الهدى مصاحبه . من اتبعه فاز وهدي ، ومن حاد عنه ضل وغوى ، فهو موئلهم الذي إليه عند الاختلاف يئلون ، ومعقلهم الذي إليه في النوازل يعقلون وحصنهم الذي به من وساوس الشيطان يتحصنون ، وحكمة ربهم التي إليها يحتكمون ، وفصل قضائه بينهم الذي إليه ينتهون ، وعن الرضى به يصدرون ، وحبله الذي بالتمسك به من الهلكة يعتصمون .

اللهم فوفقنا لإصابة صواب القول في محكمه ومتشابهه ، وحلاله وحرامه ، وعامه وخاصه ، ومجمله ومفسره ، وناسخه ومنسوخه ، وظاهره وباطنه ، وتأويل آيه وتفسير مشكله . وألهمنا التمسك به والاعتصام بمحكمه ، والثبات على التسليم لمتشابهه . وأوزعنا الشكر على ما أنعمت به علينا من حفظه والعلم بحدوده . إنك سميع الدعاء قريب الإجابة . وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما .

اعلموا عباد الله ، رحمكم الله ، أن أحق ما صرفت إلى علمه العناية ، وبلغت في معرفته الغاية ، ما كان لله في العلم به رضى ، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدى ، وأن أجمع ذلك لباغيه كتاب الله الذي لا ريب فيه ، وتنزيله الذي لا مرية فيه ، الفائز بجزيل الذخر وسني الأجر تاليه ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .

ونحن - في شرح تأويله ، وبيان ما فيه من معانيه - منشئون إن شاء الله ذلك ، كتابا مستوعبا لكل ما بالناس إليه الحاجة من علمه جامعا ، ومن سائر الكتب [ ص: 7 ] غيره في ذلك كافيا . ومخبرون في كل ذلك بما انتهى إلينا من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه منه واختلافها فيما اختلفت فيه منه . ومبينو علل كل مذهب من مذاهبهم ، وموضحو الصحيح لدينا من ذلك ، بأوجز ما أمكن من الإيجاز في ذلك ، وأخصر ما أمكن من الاختصار فيه .

والله نسأل عونه وتوفيقه لما يقرب من محابه ، ويبعد من مساخطه . وصلى الله على صفوته من خلقه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا .

وأول ما نبدأ به من القيل في ذلك : الإبانة عن الأسباب التي البداية بها أولى ، وتقديمها قبل ما عداها أحرى . وذلك : البيان عما في آي القرآن من المعاني التي من قبلها يدخل اللبس على من لم يعان رياضة العلوم العربية ، ولم تستحكم معرفته بتصاريف وجوه منطق الألسن السليقية الطبيعية .

عدل سابقا من قبل ABDO ELBASS في الخميس مارس 15, 2012 8:00 pm عدل 1 مرات

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله : ( إنك أنت العليم الحكيم )

قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : أنك أنت يا ربنا العليم من غير تعليم بجميع ما قد كان وما وهو كائن ، والعالم للغيوب دون جميع خلقك . وذلك أنهم نفوا عن أنفسهم بقولهم : " لا علم لنا إلا ما علمتنا " أن يكون لهم علم إلا ما علمهم ربهم ، وأثبتوا ما نفوا عن أنفسهم من ذلك لربهم بقولهم : " إنك أنت العليم " [ ص: 496 ] يعنون بذلك العالم من غير تعليم ، إذ كان من سواك لا يعلم شيئا إلا بتعليم غيره إياه . والحكيم : هو ذو الحكمة . كما :

675 - حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " العليم " الذي قد كمل في علمه ، و " الحكيم " الذي قد كمل في حكمه .

وقد قيل ، إن معنى الحكيم : الحاكم ، كما أن العليم بمعنى العالم ، والخبير بمعنى الخابر .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض )

قال أبو جعفر : إن الله جل ثناؤه عرف ملائكته - الذين سألوه أن يجعلهم الخلفاء في الأرض ، ووصفوا أنفسهم بطاعته والخضوع لأمره ، دون غيرهم الذين يفسدون فيها ويسفكون الدماء - أنهم ، من الجهل بمواقع تدبيره ومحل قضائه ، قبل إطلاعه إياهم عليه ، على نحو جهلهم بأسماء الذين عرضهم عليهم ، إذ كان ذلك مما لم يعلمهم فيعلموه ، وأنهم وغيرهم من العباد لا يعلمون من العلم إلا ما علمهم إياه ربهم ، وأنه يخص بما شاء من العلم من شاء من الخلق ، ويمنعه منهم من شاء ، كما علم آدم أسماء ما عرض على الملائكة ، ومنعهم علمها إلا بعد تعليمه إياهم .

فأما تأويل قوله : " قال يا آدم أنبئهم " يقول : أخبر الملائكة ، والهاء والميم في قوله : " أنبئهم " عائدتان على الملائكة . وقوله : " بأسمائهم " يعني بأسماء الذين عرضهم على الملائكة ، والهاء والميم اللتان في " أسمائهم " كناية عن ذكر [ ص: 497 ] " هؤلاء " التي في قوله : " أنبئوني بأسماء هؤلاء " " فلما أنبأهم " يقول : فلما أخبر آدم الملائكة بأسماء الذين عرضهم عليهم ، فلم يعرفوا أسماءهم ، وأيقنوا خطأ قيلهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " وأنهم قد هفوا في ذلك وقالوا ما لا يعلمون كيفية وقوع قضاء ربهم في ذلك لو وقع ، على ما نطقوا به ، قال لهم ربهم : " ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض " والغيب : هو ما غاب عن أبصارهم فلم يعاينوه ، توبيخا من الله جل ثناؤه لهم بذلك ، على ما سلف من قيلهم ، وفرط منهم من خطأ مسألتهم . كما :

676 - حدثنا به محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم " يقول : أخبرهم بأسمائهم " فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم " أيها الملائكة خاصة " إني أعلم غيب السماوات والأرض " ولا يعلمه غيري .

677 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قصة الملائكة وآدم : فقال الله للملائكة : كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم ، إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها ، هذا عندي قد علمته ، فكذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني ، قال : وسبق من الله : ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [ سورة هود : 119 ، وسورة السجدة : 13 ] ، قال : ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه . قال : فلما رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا لآدم بالفضل .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
[ ص: 498 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ( 33 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فروي عن ابن عباس في ذلك ما :

678 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " وأعلم ما تبدون " يقول : ما تظهرون ، " وما كنتم تكتمون " يقول : أعلم السر كما أعلم العلانية . يعني : ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار .

679 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " قال : قولهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها " فهذا الذي أبدوا ، " وما كنتم تكتمون " يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .

680 - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، قوله : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " قال : ما أسر إبليس في نفسه . [ ص: 499 ]

681 - وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان في قوله : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " قال : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر ألا يسجد لآدم .

682 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : أخبرنا الحجاج الأنماطي ، قال : حدثنا مهدي بن ميمون ، قال : سمعت الحسن بن دينار ، قال للحسن ، ونحن جلوس عنده في منزله : يا أبا سعيد ، أرأيت قول الله للملائكة : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " ما الذي كتمت الملائكة ؟ فقال الحسن : إن الله لما خلق آدم رأت الملائكة خلقا عجيبا ، فكأنهم دخلهم من ذلك شيء ، فأقبل بعضهم إلى بعض ، وأسروا ذلك بينهم ، فقالوا : وما يهمكم من هذا المخلوق! إن الله لن يخلق خلقا إلا كنا أكرم عليه منه .

683 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " قال : أسروا بينهم فقالوا : يخلق الله ما يشاء أن يخلق ، فلن يخلق خلقا إلا ونحن أكرم عليه منه .

684 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي [ ص: 500 ] جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " فكان الذي أبدوا حين قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها " وكان الذي كتموا بينهم قولهم : لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم . فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس ، وهو أن معنى قوله : " وأعلم ما تبدون " وأعلم - مع علمي غيب السماوات والأرض - ما تظهرون بألسنتكم " وما كنتم تكتمون " وما كنتم تخفونه في أنفسكم ، فلا يخفى علي شيء ، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم .

والذي أظهروه بألسنتهم ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوه ، وهو قولهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " والذي كانوا يكتمونه ، ما كان منطويا عليه إبليس من الخلاف على الله في أمره ، والتكبر عن طاعته . لأنه لا خلاف بين جميع أهل التأويل أن تأويل ذلك غير خارج من أحد الوجهين اللذين وصفت ، وهو ما قلنا ، والآخر ما ذكرنا من قول الحسن وقتادة ، ومن قال إن معنى ذلك كتمان الملائكة بينهم لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم عليه منه . فإذ كان لا قول في تأويل ذلك إلا أحد القولين اللذين وصفت ، ثم كان أحدهما غير موجودة على صحته الدلالة من الوجه الذي يجب التسليم له ، صح الوجه الآخر .

فالذي حكي عن الحسن وقتادة ومن قال بقولهما في تأويل ذلك ، غير موجودة الدلالة على صحته من الكتاب ، ولا من خبر يجب به حجة . والذي قاله ابن عباس يدل على صحته خبر الله جل ثناؤه عن إبليس وعصيانه إياه ، إذ دعاه إلى السجود لآدم فأبى واستكبر ، وإظهاره لسائر الملائكة من معصيته وكبره ، ما كان له كاتما قبل ذلك .

فإن ظن ظان أن الخبر عن كتمان الملائكة ما كانوا يكتمونه ، لما كان [ ص: 501 ] خارجا مخرج الخبر عن الجميع ، كان غير جائز أن يكون ما روي في تأويل ذلك عن ابن عباس - ومن قال بقوله : من أن ذلك خبر عن كتمان إبليس الكبر والمعصية - صحيحا ، فقد ظن غير الصواب . وذلك أن من شأن العرب ، إذا أخبرت خبرا عن بعض جماعة بغير تسمية شخص بعينه ، أن تخرج الخبر عنه مخرج الخبر عن جميعهم ، وذلك كقولهم : " قتل الجيش وهزموا " وإنما قتل الواحد أو البعض منهم ، وهزم الواحد أو البعض . فتخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم ، كما قال جل ثناؤه : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) [ سورة الحجرات : 4 ] ، ذكر أن الذي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية فيه - كان رجلا من جماعة بني تميم ، كانوا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخرج الخبر عنه مخرج الخبر عن الجماعة . فكذلك قوله : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " أخرج الخبر مخرج الخبر عن الجميع ، والمراد به الواحد منهم .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ( 34 ) )

قال أبو جعفر : أما قوله : " وإذ قلنا " فمعطوف على قوله : " وإذ قال ربك للملائكة " كأنه قال جل ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل ، معددا عليهم نعمه ، ومذكرهم آلاءه ، على نحو الذي وصفنا فيما مضى قبل : اذكروا فعلي بكم إذ أنعمت عليكم . [ ص: 502 ] فخلقت لكم ما في الأرض جميعا ، وإذ قلت للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، فكرمت أباكم آدم بما آتيته من علمي وفضلي وكرامتي ، وإذ أسجدت له ملائكتي فسجدوا له . ثم استثنى من جميعهم إبليس ، فدل باستثنائه إياه منهم على أنه منهم ، وأنه ممن قد أمر بالسجود معهم ، كما قال جل ثناؤه : ( إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) [ سورة الأعراف : 11 - 12 ] ، فأخبر جل ثناؤه أنه قد أمر إبليس فيمن أمره من الملائكة بالسجود لآدم . ثم استثناه جل ثناؤه مما أخبر عنهم أنهم فعلوه من السجود لآدم ، فأخرجه من الصفة التي وصفهم بها من الطاعة لأمره ، ونفى عنه ما أثبته لملائكته من السجود لعبده آدم .

ثم اختلف أهل التأويل فيه : هل هو من الملائكة ، أم هو من غيرها ؟ فقال بعضهم بما :

685 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم " الحن " خلقوا من نار السموم من بين الملائكة . قال : فكان اسمه الحارث . قال : وكان خازنا من خزان الجنة . قال : وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي . قال : وخلقت الجن الذي ذكروا في القرآن من مارج من نار ، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت .

686 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس . قال : كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه " عزازيل " وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة [ ص: 503 ] اجتهادا وأكثرهم علما ، فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمون جنا .

687 - وحدثنا به ابن حميد مرة أخرى ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس ، أو مجاهد أبي الحجاج ، عن ابن عباس وغيره بنحوه ، إلا أنه قال : كان ملكا من الملائكة اسمه " عزازيل " وكان من سكان الأرض وعمارها ، وكان سكان الأرض فيهم يسمون " الجن " من بين الملائكة .

688 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : جعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم " الجن " وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة . وكان إبليس مع ملكه خازنا .

689 - وحدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا حسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض . قال : قال ابن عباس : وقوله : ( كان من الجن ) [ سورة الكهف : 50 ] إنما يسمى بالجنان أنه كان خازنا عليها ، كما يقال للرجل مكي ومدني وكوفي وبصري . .

قال ابن جريج ، وقال آخرون : هم سبط من الملائكة قبيله ، فكان اسم قبيلته الجن . [ ص: 504 ]

690 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن صالح مولى التوأمة ، وشريك بن أبي نمر - أحدهما أو كلاهما - عن ابن عباس ، قال : إن من الملائكة قبيلة من الجن ، وكان إبليس منها ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض .

691 - وحدثت عن الحسن بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) [ سورة الكهف : 50 ] ، قال : كان ابن عباس يقول : إن إبليس كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة . ثم ذكر مثل حديث ابن جريج الأول سواء .

692 - وحدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثني شيبان ، قال حدثنا سلام بن مسكين ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا .

693 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) [ سورة الكهف : 50 ] كان من قبيل من الملائكة يقال لهم " الجن " [ ص: 505 ] وكان ابن عباس يقول : لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود ، وكان على خزانة سماء الدنيا ، قال : وكان قتادة يقول : جن عن طاعة ربه .

694 - وحدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " إلا إبليس كان من الجن " قال : كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن .

695 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : أما العرب فيقولون : ما الجن إلا كل من اجتن فلم ير . وأما قوله : " إلا إبليس من كان من الجن " أي كان من الملائكة ، وذلك أن الملائكة اجتنوا فلم يروا . وقد قال الله جل ثناؤه : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) [ سورة الصافات : 158 ] ، وذلك لقول قريش : إن الملائكة بنات الله ، فيقول الله : إن تكن الملائكة بناتي فإبليس منها ، وقد جعلوا بيني وبين إبليس وذريته نسبا . قال : وقد قال الأعشى ، أعشى بني قيس بن ثعلبة البكري ، وهو يذكر سليمان بن داود وما أعطاه الله :



ولو كان شيء خالدا أو معمرا لكان سليمان البريء من الدهر [ ص: 506 ] براه إلهي واصطفاه عباده
وملكه ما بين ثريا إلى مصر وسخر من جن الملائك تسعة
قياما لديه يعملون بلا أجر


قال : فأبت العرب في لغتها إلا أن " الجن " كل ما اجتن . يقول : ما سمى الله الجن إلا أنهم اجتنوا فلم يروا ، وما سمى بني آدم الإنس إلا أنهم ظهروا فلم يجتنوا . فما ظهر فهو إنس ، وما اجتن فلم ير فهو جن .

وقال آخرون بما :

696 - حدثنا به محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس .

697 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول في قوله : " إلا إبليس كان من الجن " ألجأه إلى نسبه فقال الله : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ سورة الكهف : 50 ] ، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم .

698 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا [ ص: 507 ] أبو سعيد اليحمدي ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا سوار بن الجعد اليحمدي ، عن شهر بن حوشب ، قوله : " من الجن " قال : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء .

699 - وحدثني علي بن الحسين ، قال : حدثني أبو نصر أحمد بن محمد الخلال ، قال : حدثني سنيد بن داود ، قال حدثنا هشيم ، قال أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن موسى بن نمير ، وعثمان بن سعيد بن كامل ، عن سعد بن مسعود ، قال : كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة فتعبد معها ، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا . فأبى إبليس . فلذلك قال الله : " إلا إبليس كان من الجن "

700 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثنا المبارك بن مجاهد أبو الأزهر ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، قال : إن من الملائكة قبيلا يقال لهم : الجن ، فكان إبليس منهم ، وكان إبليس يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فمسخه الله شيطانا رجيما .

701 - قال : وحدثنا يونس ، عن ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إبليس أبو الجن ، كما آدم أبو الإنس .

وعلة من قال هذه المقالة ، أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أنه خلق إبليس من نار السموم ، ومن مارج من نار ، ولم يخبر عن الملائكة أنه خلقها من شيء من ذلك ، وأن الله جل ثناؤه أخبر أنه من الجن - فقالوا : فغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه . قالوا : ولإبليس نسل وذرية ، والملائكة لا تتناسل ولا تتوالد . [ ص: 508 ]

702 - حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شريك ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : إن الله خلق خلقا ، فقال : اسجدوا لآدم : فقالوا : لا نفعل . فبعث الله عليهم نارا تحرقهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، اسجدوا لآدم . فأبوا ، فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم . قال : ثم خلق هؤلاء ، فقال : اسجدوا لآدم . فقالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم .

قال أبو جعفر : وهذه علل تنبئ عن ضعف معرفة أهلها . وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله جل ثناؤه خلق أصناف ملائكته من أصناف من خلقه شتى . فخلق بعضا من نور ، وبعضا من نار ، وبعضا مما شاء من غير ذلك . وليس في ترك الله جل ثناؤه الخبر عما خلق منه ملائكته ، وإخباره عما خلق منه إبليس - ما يوجب أن يكون إبليس خارجا عن معناهم . إذ كان جائزا أن يكون خلق صنفا من ملائكته من نار كان منهم إبليس ، وأن يكون أفرد إبليس بأن خلقه من نار السموم دون سائر ملائكته . وكذلك غير مخرجه أن يكون كان من الملائكة بأن كان له نسل وذرية ، لما ركب فيه من الشهوة واللذة التي نزعت من سائر الملائكة ، لما أراد الله به من المعصية . وأما خبر الله عن أنه " من الجن " فغير مدفوع أن يسمى ما اجتن من الأشياء عن الأبصار كلها جنا - كما قد ذكرنا قبل في شعر الأعشى - فيكون إبليس والملائكة منهم ، لاجتنانهم عن أبصار بني آدم . [ ص: 509 ]

القول في معنى ( إبليس )

قال أبو جعفر : وإبليس " إفعيل " من الإبلاس ، وهو الإياس من الخير والندم والحزن . كما :

703 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إبليس ، أبلسه الله من الخير كله ، وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته .

704 - وحدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : كان اسم إبليس " الحارث " وإنما سمي إبليس حين أبلس متحيرا .

قال أبو جعفر : وكما قال الله جل ثناؤه : ( فإذا هم مبلسون ) [ سورة الأنعام : 44 ] ، يعني به : أنهم آيسون من الخير ، نادمون حزنا ، كما قال العجاج :



يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا
[ ص: 510 ]

وقال رؤبة :



وحضرت يوم الخميس الأخماس وفي الوجوه صفرة وإبلاس


يعني به اكتئابا وكسوفا .

فإن قال قائل : فإن كان إبليس ، كما قلت ، " إفعيل " من الإبلاس ، فهلا صرف وأجري ؟ قيل : ترك إجراؤه استثقالا إذ كان اسما لا نظير له من أسماء العرب ، فشبهته العرب - إذ كان كذلك - بأسماء العجم التي لا تجرى . وقد قالوا : مررت بإسحاق ، فلم يجروه . وهو من " أسحقه الله إسحاقا " إذ كان وقع مبتدأ اسما لغير العرب ، ثم تسمت به العرب فجرى مجراه - وهو من أسماء العجم - في الإعراب فلم يصرف . وكذلك " أيوب " إنما هو " فيعول " من " آب يؤوب "

وتأويل قوله : " أبى " يعني جل ثناؤه بذلك إبليس ، أنه امتنع من السجود لآدم فلم يسجد له . " واستكبر " يعني بذلك أنه تعظم وتكبر عن طاعة الله في السجود لآدم . وهذا ، وإن كان من الله جل ثناؤه خبرا عن إبليس ، فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله ، والانقياد لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه ، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق . وكان ممن تكبر عن الخضوع لأمر الله ، والتذلل لطاعته ، والتسليم لقضائه فيما ألزمهم من حقوق غيرهم - اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحبارهم الذين كانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته عارفين ، وبأنه لله رسول عالمين . ثم استكبروا - مع علمهم بذلك - عن الإقرار بنبوته ، والإذعان لطاعته ، بغيا منهم له وحسدا . فقرعهم الله بخبره عن إبليس [ ص: 511 ] الذي فعل في استكباره عن السجود لآدم حسدا له وبغيا ، نظير فعلهم في التكبر عن الإذعان لمحمد نبي الله صلى الله عليه وسلم ونبوته ، إذ جاءهم بالحق من عند ربهم حسدا وبغيا .

ثم وصف إبليس بمثل الذي وصف به الذين ضربه لهم مثلا في الاستكبار والحسد والاستنكاف عن الخضوع لمن أمره الله بالخضوع له ، فقال جل ثناؤه : " وكان " يعني إبليس " من الكافرين " من الجاحدين نعم الله عليه وأياديه عنده ، بخلافه عليه فيما أمره به من السجود لآدم ، كما كفرت اليهود نعم ربها التي آتاها وآباءها قبل : من إطعام الله أسلافهم المن والسلوى ، وإظلال الغمام عليهم ، وما لا يحصى من نعمه التي كانت لهم ، خصوصا ما خص الذين أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم بإدراكهم إياه ، ومشاهدتهم حجة الله عليهم ، فجحدت نبوته بعد علمهم به ، ومعرفتهم بنبوته حسدا وبغيا . فنسبه الله جل ثناؤه إلى " الكافرين " فجعله من عدادهم في الدين والملة ، وإن خالفهم في الجنس والنسبة . كما جعل أهل النفاق بعضهم من بعض ، لاجتماعهم على النفاق ، وإن اختلفت أنسابهم وأجناسهم ، فقال : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) [ سورة التوبة : 67 ] يعني بذلك أن بعضهم من بعض في النفاق والضلال . فكذلك قوله في إبليس : كان من الكافرين ، كان منهم في الكفر بالله ومخالفته أمره ، وإن كان مخالفا جنسه أجناسهم ونسبه نسبهم . ومعنى قوله : " وكان من الكافرين " أنه كان - حين أبى عن السجود - من الكافرين حينئذ .

وقد روي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية أنه كان يقول : في تأويل قوله : " وكان من الكافرين " في هذا الموضع ، وكان من العاصين .

705 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " وكان من الكافرين " يعني العاصين . [ ص: 512 ]

706 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بمثله .

وذلك شبيه بمعنى قولنا فيه .

وكان سجود الملائكة لآدم تكرمة لآدم وطاعة لله ، لا عبادة لآدم ، كما :

707 - حدثنا به بشر بن معاذ : قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " فكانت الطاعة لله ، والسجدة لآدم ، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته . .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة )

قال أبو جعفر : وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال : إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم ، وأسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض . ألا تسمعون الله جل ثناؤه يقول : " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " فقد تبين أن إبليس إنما أزلهما عن طاعة الله بعد أن لعن وأظهر التكبر ، لأن سجود الملائكة لآدم كان بعد أن نفخ فيه الروح ، وحينئذ كان امتناع إبليس من السجود له ، وعند الامتناع من ذلك حلت عليه اللعنة . كما :

708 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن [ ص: 513 ] ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن عدو الله إبليس أقسم بعزة الله ليغوين آدم وذريته وزوجه ، إلا عباده المخلصين منهم ، بعد أن لعنه الله ، وبعد أن أخرج من الجنة ، وقبل أن يهبط إلى الأرض . وعلم الله آدم الأسماء كلها .

709 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما فرغ الله من إبليس ومعاتبته ، وأبى إلا المعصية وأوقع عليه اللعنة ، ثم أخرجه من الجنة ، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها ، فقال : " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " إلى قوله " إنك أنت العليم الحكيم "

ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي خلقت لآدم زوجته ، والوقت الذي جعلت له سكنا . فقال ابن عباس بما :

710 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فأخرج إبليس من الجنة حين لعن ، وأسكن آدم الجنة . فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ ، وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها : من أنت ؟ فقالت : امرأة . قال : ولم خلقت ؟ قالت : تسكن إلي . قالت له الملائكة - ينظرون ما بلغ علمه : ما اسمها يا آدم ؟ قال : حواء . قالوا : ولم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي . فقال الله له : " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما " [ ص: 514 ]

فهذا الخبر ينبئ أن حواء خلقت بعد أن سكن آدم الجنة ، فجعلت له سكنا .

وقال آخرون : بل خلقت قبل أن يسكن آدم الجنة .

ذكر من قال ذلك :

711 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما فرغ الله من معاتبة إبليس ، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها فقال : " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " إلى قوله : " إنك أنت العليم الحكيم " قال : ثم ألقى السنة على آدم - فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة ، وغيرهم من أهل العلم ، عن عبد الله بن عباس وغيره - ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ، ولأم مكانه لحما ، وآدم نائم لم يهب من نومته ، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء ، فسواها امرأة ليسكن إليها . فلما كشف عنه السنة وهب من نومته ، رآها إلى جنبه ، فقال ، فيما يزعمون والله أعلم : لحمي ودمي وزوجتي ، فسكن إليها . فلما زوجه الله تبارك وتعالى ، وجعل له سكنا من نفسه ، قال له ، قبيلا " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "

قال أبو جعفر : ويقال لامرأة الرجل : زوجه وزوجته ، والزوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء . والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزد شنوءة . فأما الزوج الذي لا اختلاف فيه بين العرب ، فهو زوج المرأة .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
[ ص: 515 ] القول في تأويل قوله : ( وكلا منها رغدا حيث شئتما )

قال أبو جعفر : أما الرغد ، فإنه الواسع من العيش ، الهنيء الذي لا يعني صاحبه . يقال : أرغد فلان : إذا أصاب واسعا من العيش الهنيء ، كما قال امرؤ القيس بن حجر :



بينما المرء تراه ناعما يأمن الأحداث في عيش رغد


712 - وكما حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " وكلا منها رغدا " قال : الرغد ، الهنيء .

713 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " رغدا " قال : لا حساب عليهم .

714 - وحدثنا المثنى ، قال حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

715 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : " وكلا منها رغدا " أي لا حساب عليهم .

716 - وحدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، [ ص: 516 ] عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " وكلا منها رغدا حيث شئتما " قال : الرغد : سعة المعيشة .

فمعنى الآية وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا من الجنة رزقا واسعا هنيئا من العيش حيث شئتما .

717 - كما حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما " ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق ، كتب على آدم ، كما ابتلي الخلق قبله ، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رغدا حيث شاء ، غير شجرة واحدة نهي عنها ، وقدم إليه فيها ، فما زال به البلاء حتى وقع بالذي نهي عنه .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تقربا هذه الشجرة )

قال أبو جعفر : والشجر في كلام العرب : كل ما قام على ساق ، ومنه قول الله جل ثناؤه : ( والنجم والشجر يسجدان ) [ سورة الرحمن : 6 ] ، يعني بالنجم ما نجم من الأرض من نبت ، وبالشجر ما استقل على ساق .

ثم اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نهي عن أكل ثمرها آدم ، فقال بعضهم : هي السنبلة .

ذكر من قال ذلك :

718 - حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا عبد الحميد الحماني ، [ ص: 517 ] عن النضر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الشجرة التي نهي عن أكل ثمرها آدم ، هي السنبلة .

719 - وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم - وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عتيبة - جميعا عن حصين ، عن أبي مالك ، في قوله : " ولا تقربا هذه الشجرة " قال : هي السنبلة .

720 - وحدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري - قالا جميعا : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن أبي مالك ، مثله .

721 - وحدثنا أبو كريب ، وابن وكيع ، قالا حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن عطية في قوله : " ولا تقربا هذه الشجرة " قال : السنبلة .

722 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : الشجرة التي نهي عنها آدم ، هي السنبلة .

723 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثني رجل من بني تميم ، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم ، والشجرة التي تاب عندها : فكتب إليه أبو الجلد : " سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم ، وهي السنبلة ، وسألتني [ ص: 518 ] عن الشجرة التي تاب عندها آدم ، وهي الزيتونة .

724 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن رجل من أهل العلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول : الشجرة التي نهي عنها آدم : البر .

725 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، وابن المبارك ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته ، السنبلة .

726 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل اليمن ، عن وهب بن منبه اليماني ، أنه كان يقول : هي البر ، ولكن الحبة منها في الجنة ككلى البقر ، ألين من الزبد وأحلى من العسل . وأهل التوراة يقولون : هي البر .

727 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة : أنه حدث أنها الشجرة التي تحتك بها الملائكة للخلد .

728 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن جابر بن يزيد بن رفاعة ، عن محارب بن دثار ، قال : هي السنبلة .

729 - وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن يزيد بن إبراهيم ، [ ص: 519 ] عن الحسن ، قال : هي السنبلة التي جعلها الله رزقا لولده في الدنيا

قال أبو جعفر : وقال آخرون : هي الكرمة .

ذكر من قال ذلك :

730 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس ، قال : هي الكرمة .

731 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا تقربا هذه الشجرة " قال : هي الكرمة ، وتزعم اليهود أنها الحنطة .

732 - وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : الشجرة هي الكرم .

733 - وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن جعدة بن هبيرة ، قال : هو العنب في قوله : " ولا تقربا هذه الشجرة "

734 - وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثني أبي ، عن خلاد الصفار ، عن بيان ، عن الشعبي ، عن جعدة بن هبيرة : " ولا تقربا هذه الشجرة " قال : الكرم .

735 - وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثني الحسين ، قال : حدثنا خالد الواسطي ، عن بيان ، عن الشعبي ، عن جعدة بن هبيرة : " ولا تقربا هذه الشجرة " قال : الكرم .

736 - وحدثنا ابن حميد ، وابن وكيع ، قالا حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن جعدة بن هبيرة ، قال : الشجرة التي نهي عنها آدم ، شجرة الخمر .

737 - وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا [ ص: 520 ] عباد بن العوام ، قال : حدثنا سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، قوله " ولا تقربا هذه الشجرة " قال : الكرم .

738 - وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، قال : العنب .

739 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، قال : عنب .

وقال آخرون : هي التينة .

ذكر من قال ذلك :

740 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : تينة .

قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجه أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الأكل منها ، فأتيا الخطيئة التي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها ، بعد أن بين الله جل ثناؤه لهما عين الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها ، وأشار لهما إليها بقوله : " ولا تقربا هذه الشجرة " ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطبين بالقرآن ، دلالة على أي أشجار الجنة كان نهيه آدم أن يقربها ، بنص عليها باسمها ، ولا بدلالة عليها . ولو كان لله في العلم بأي ذلك من أي رضا ، لم يخل عباده من نصب دلالة لهم عليها يصلون بها إلى معرفة عينها ، ليطيعوه بعلمهم بها ، كما فعل ذلك في كل ما بالعلم به له رضا .

فالصواب في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل [ ص: 521 ] شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها ، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه ، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به . ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ، ولا في السنة الصحيحة . فأنى يأتي ذلك ؟ وقد قيل : كانت شجرة البر ، وقيل : كانت شجرة العنب ، وقيل : كانت شجرة التين ، وجائز أن تكون واحدة منها ، وذلك علم ، إذا علم لم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ( 35 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في تأويل قوله : " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "

فقال بعض نحويي الكوفيين : تأويل ذلك : ولا تقربا هذه الشجرة ، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين . فصار الثاني في موضع جواب الجزاء . وجواب الجزاء يعمل فيه أوله ، كقولك : إن تقم أقم ، فتجزم الثاني بجزم الأول . فكذلك قوله " فتكونا " لما وقعت الفاء في موضع شرط الأول نصب بها ، وصيرت [ ص: 522 ] بمنزلة " كي " في نصبها الأفعال المستقبلة ، للزومها الاستقبال . إذ كان أصل الجزاء الاستقبال .

وقال بعض نحويي أهل البصرة : تأويل ذلك : لا يكن منكما قرب هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين . غير أنه زعم أن " أن " غير جائز إظهارها مع " لا " ولكنها مضمرة لا بد منها ، ليصح الكلام بعطف اسم - وهي " أن " - على الاسم . كما غير جائز في قولهم : " عسى أن يفعل " عسى الفعل . ولا في قولك : " ما كان ليفعل " : ما كان لأن يفعل .

وهذا القول الثاني يفسده إجماع جميعهم على تخطئة قول القائل : " سرني تقوم يا هذا " وهو يريد سرني قيامك . فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل : " لا تقم " إذا كان المعنى : لا يكن منك قيام . وفي إجماع جميعهم على صحة قول القائل : " لا تقم " وفساد قول القائل : " سرني تقوم " بمعنى سرني قيامك الدليل الواضح على فساد دعوى المدعي أن مع " لا " التي في قوله : " ولا تقربا هذه الشجرة " ضمير " أن " وصحة القول الآخر .

وفي قوله " فتكونا من الظالمين " وجهان من التأويل :

أحدهما أن يكون " فتكونا " في نية العطف على قوله " ولا تقربا " فيكون تأويله حينئذ : ولا تقربا هذه الشجرة ولا تكونا من الظالمين . فيكون " فتكونا " حينئذ في معنى الجزم مجزوما بما جزم به " ولا تقربا " كما يقول القائل : لا تكلم عمرا ولا تؤذه ، وكما قال امرؤ القيس :



فقلت له : صوب ولا تجهدنه فيذرك من أخرى القطاة فتزلق


فجزم " فيذرك " بما جزم به " لا تجهدنه " كأنه كرر النهي . [ ص: 523 ]

والثاني أن يكون " فتكونا من الظالمين " بمعنى جواب النهي . فيكون تأويله حينئذ : لا تقربا هذه الشجرة ، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين . كما تقول : لا تشتم عمرا فيشتمك ، مجازاة . فيكون " فتكونا " حينئذ في موضع نصب ، إذ كان حرفا عطف على غير شكله ، لما كان في " ولا تقربا " حرف عامل فيه ، ولا يصلح إعادته في " فتكونا " فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة .

وأما تأويل قوله : " فتكونا من الظالمين " فإنه يعني به فتكونا من المتعدين إلى غير ما أذن لهم وأبيح لهم فيه ، وإنما عنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة ، كنتما على منهاج من تعدى حدودي ، وعصى أمري ، واستحل محارمي ، لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض ، والله ولي المتقين .

وأصل " الظلم " في كلام العرب ، وضع الشيء في غير موضعه ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :



إلا أواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد


فجعل الأرض مظلومة ، لأن الذي حفر فيها النؤي حفر في غير موضع الحفر ، فجعلها مظلومة ، لموضع الحفرة منها في غير موضعها . ومن ذلك قول ابن قميئة في صفة غيث : [ ص: 524 ]



ظلم البطاح بها انهلال حريصة فصفا النطاف له بعيد المقلع


وظلمه إياه : مجيئه في غير أوانه ، وانصبابه في غير مصبه . ومنه : ظلم الرجل جزوره ، وهو نحره إياه لغير علة . وذلك عند العرب وضع النحر في غير موضعه .

وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب ، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى . وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( فأزلهما الشيطان عنها )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامتهم ، " فأزلهما " بتشديد اللام ، بمعنى : استزلهما ، من قولك زل الرجل في دينه : إذا هفا فيه وأخطأ ، فأتى ما ليس له إتيانه فيه . وأزله غيره : إذا سبب له ما يزل من أجله في دينه أو دنياه ، ولذلك أضاف الله تعالى ذكره إلى إبليس خروج آدم وزوجته من الجنة ، فقال : " فأخرجهما " يعني إبليس " مما كانا فيه " لأنه كان الذي سبب لهما الخطيئة التي عاقبهما الله عليها بإخراجهما من الجنة .

وقرأه آخرون : " فأزالهما " بمعنى إزالة الشيء عن الشيء ، وذلك تنحيته عنه .

وقد روي عن ابن عباس في تأويل قوله : " فأزلهما " ما : [ ص: 525 ]

741 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس في تأويل قوله تعالى : " فأزلهما الشيطان " قال : أغواهما .

وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ : " فأزلهما " لأن الله جل ثناؤه قد أخبر في الحرف الذي يتلوه . بأن إبليس أخرجهما مما كانا فيه . وذلك هو معنى قوله " فأزالهما " فلا وجه - إذ كان معنى الإزالة معنى التنحية والإخراج - أن يقال : " فأزالهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " فيكون كقوله : " فأزالهما الشيطان عنها فأزالهما مما كانا فيه . ولكن المفهوم أن يقال : فاستزلهما إبليس عن طاعة الله ، كما قال جل ثناؤه : " فأزلهما الشيطان " وقرأت به القراء ، فأخرجهما باستزلاله إياهما من الجنة .

فإن قال لنا قائل : وكيف كان استزلال إبليس آدم وزوجته ، حتى أضيف إليه إخراجهما من الجنة ؟

قيل : قد قالت العلماء في ذلك أقوالا سنذكر بعضها

فحكي عن وهب بن منبه في ذلك ما :

742 - حدثنا به الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب قال : سمعت وهب بن منبه ، يقول : لما [ ص: 526 ] أسكن الله آدم وذريته - أو زوجته - الشك من أبي جعفر ، وهو في أصل كتابه : " وذريته " ، ونهاه عن الشجرة ، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض ، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم ، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته . فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية ، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بختية ، من أحسن دابة خلقها الله ، فلما دخلت الحية الجنة ، خرج من جوفها إبليس ، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته ، فجاء بها إلى حواء فقال : انظري إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها ثم ذهبت بها إلى آدم فقالت : انظر إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأكل منها آدم ، فبدت لهما سوآتهما . فدخل آدم في جوف الشجرة ، فناداه ربه يا آدم أين أنت ؟ قال : أنا هنا يا رب ! قال : ألا تخرج ؟ قال : أستحيي منك يا رب . قال : ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا . قال : ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر ، ثم قال : يا حواء ، أنت التي غررت عبدي ، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها ، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا . وقال للحية : أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي ، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك ، ولا يكن لك رزق إلا التراب ، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك ، حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه ، وحيث لقيك شدخ رأسك . قال عمر : قيل لوهب : وما كانت الملائكة تأكل ؟ قال : يفعل الله ما يشاء . [ ص: 527 ]

وروي عن ابن عباس نحو هذه القصة :

743 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لما قال الله عز وجل لآدم : " اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة ، فمنعته الخزنة . فأتى الحية - وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير ، وهي كأحسن الدواب - فكلمها أن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم ، فأدخلته في فقمها - قال أبو جعفر : والفقم جانب الشدق - فمرت الحية على الخزنة فدخلت ولا يعلمون لما أراد الله من الأمر . فكلمه من فقمها فلم يبال كلامه ، فخرج إليه فقال : ( يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) [ سورة طه : 120 ] يقول : هل أدلك على شجرة إن أكلت منها كنت ملكا مثل الله عز وجل ، أو تكونا من الخالدين ، فلا تموتان أبدا . وحلف لهما بالله إني لكما لمن الناصحين . وإنما أراد بذلك ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما بهتك لباسهما . وكان قد علم أن لهما سوأة ، لما كان يقرأ من كتب الملائكة ، ولم يكن آدم يعلم ذلك . وكان لباسهما الظفر ، فأبى آدم أن يأكل منها ، فتقدمت حواء فأكلت ، ثم قالت : يا آدم كل! فإني قد أكلت فلم يضرني . فلما أكل آدم بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة . [ ص: 528 ]

744 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : حدثني محدث : أن الشيطان دخل الجنة في صورة دابة ذات قوائم ، فكان يرى أنه البعير ، قال : فلعن ، فسقطت قوائمه فصار حية .

745 - وحدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : وحدثني أبو العالية أن من الإبل ما كان أولها من الجن ، قال : فأبيحت له الجنة كلها إلا الشجرة ، وقيل لهما : " لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " قال : فأتى الشيطان حواء فبدأ بها ، فقال : أنهيتما عن شيء ؟ قالت : نعم! عن هذه الشجرة فقال : ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) [ سورة الأعراف : 20 ] قال : فبدأت حواء فأكلت منها ، ثم أمرت آدم فأكل منها . قال : وكانت شجرة من أكل منها أحدث . قال : ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث . قال : " فأزالهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " قال : فأخرج آدم من الجنة .

746 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم : أن آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من الكرامة وما أعطاه الله منها ، قال : لو أن خلدا كان! فاغتمز فيها منه الشيطان لما سمعها منه ، فأتاه من قبل الخلد . . [ ص: 529 ]

747 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثت : أن أول ما ابتدأهما به من كيده إياهما ، أنه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا ما يبكيك ؟ قال : أبكي عليكما ، تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة . فوقع ذلك في أنفسهما . ثم أتاهما فوسوس إليهما ، فقال : يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ؟ وقال : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " أي تكونا ملكين ، أو تخلدا - إن لم تكونا ملكين - في نعمة الجنة فلا تموتان . يقول الله جل ثناؤه : " فدلاهما بغرور "

748 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها ، ثم حسنها في عين آدم . قال : فدعاها آدم لحاجته ، قالت : لا! إلا أن تأتي ههنا . فلما أتى قالت : لا! إلا أن تأكل من هذه الشجرة . قال : فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما . قال : وذهب آدم هاربا في الجنة ، فناداه ربه : يا آدم أمني تفر ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء منك . قال : يا آدم أنى أتيت ؟ قال : من قبل حواء أي رب . فقال الله : فإن لها علي أن أدميها في كل شهر مرة ، كما أدميت هذه الشجرة ، وأن أجعلها سفيهة فقد كنت خلقتها حليمة ، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها ، فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا . قال ابن زيد : ولولا البلية التي أصابت حواء . لكان نساء الدنيا لا يحضن ، ولكن حليمات ، وكن يحملن يسرا ويضعن يسرا . [ ص: 530 ]

749 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سمعته يحلف بالله ما يستثني ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حواء سقته الخمر ، حتى إذا سكر قادته إليها فأكل .

750 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ليث بن أبي سليم ، عن طاوس اليماني ، عن ابن عباس ، قال : إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أيها يحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته ، فكل الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلم الحية فقال لها : أمنعك من ابن آدم ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني الجنة . فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، فكلمهما من فيها ، وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم ، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها . قال : يقول ابن عباس : اقتلوها حيث وجدتموها ، أخفروا ذمة عدو الله فيها .

751 - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : وأهل التوراة يدرسون : إنما كلم آدم الحية ، ولم يفسروا كتفسير ابن عباس .

752 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، قال : نهى الله آدم وحواء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة ، ويأكلا منها رغدا حيث شاءا . فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية ، فكلم حواء ، ووسوس الشيطان إلى آدم فقال : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " [ ص: 531 ] قال : فقطعت حواء الشجرة فدميت الشجرة . وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وناداهما ربهما : ( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) [ سورة الأعراف : 22 ] . لم أكلتها وقد نهيتك عنها ؟ قال : يا رب أطعمتني حواء . قال لحواء : لم أطعمته ؟ قالت : أمرتني الحية . قال للحية : لم أمرتها ؟ قالت : أمرني إبليس . قال : ملعون مدحور! أما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال ، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين جريا على وجهك ، وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو .

قال أبو جعفر : وقد رويت هذه الأخبار - عمن رويناها عنه من الصحابة والتابعين وغيرهم - في صفة استزلال إبليس عدو الله آدم وزوجته حتى أخرجهما من الجنة .

وأولى ذلك بالحق عندنا ما كان لكتاب الله موافقا . وقد أخبر الله تعالى ذكره عن إبليس أنه وسوس لآدم وزوجته ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما ، وأنه قال لهما : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " وأنه " قاسمهما إني لكما لمن الناصحين " مدليا لهما بغرور . ففي إخباره جل ثناؤه - عن عدو الله أنه قاسم آدم وزوجته بقيله لهما : إني لكما لمن الناصحين - الدليل الواضح على أنه قد باشر خطابهما بنفسه ، إما ظاهرا لأعينهما ، وإما مستجنا في غيره . وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقال : قاسم فلان فلانا في كذا وكذا . إذا سبب له سببا وصل به إليه دون أن يحلف له . والحلف لا يكون بتسبب السبب . فكذلك قوله " فوسوس إليه الشيطان " لو كان ذلك كان منه إلى آدم - على نحو الذي منه إلى ذريته ، من تزيين أكل ما نهى الله آدم [ ص: 532 ] عن أكله من الشجرة ، بغير مباشرة خطابه إياه بما استزله به من القول والحيل - لما قال جل ثناؤه : " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " كما غير جائز أن يقول اليوم قائل ممن أتى معصية : قاسمني إبليس أنه لي ناصح فيما زين لي من المعصية التي أتيتها . فكذلك الذي كان من آدم وزوجته ، لو كان على النحو الذي يكون فيما بين إبليس اليوم وذرية آدم - لما قال جل ثناؤه : " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " ولكن ذلك كان - إن شاء الله - على نحو ما قال ابن عباس ومن قال بقوله .

فأما سبب وصوله إلى الجنة حتى كلم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها ، فليس فيما روي عن ابن عباس ووهب بن منبه في ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته ، إذ كان ذلك قولا لا يدفعه عقل ولا خبر يلزم تصديقه من حجة بخلافه ، وهو من الأمور الممكنة . والقول في ذلك إنه وصل إلى خطابهما على ما أخبرنا الله جل ثناؤه ، وممكن أن يكون وصل إلى ذلك بنحو الذي قاله المتأولون ، بل ذلك - إن شاء الله - كذلك ، لتتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك . وإن كان ابن إسحاق قد قال في ذلك ما :

753 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق في ذلك ، والله أعلم ، كما قال ابن عباس وأهل التوراة : إنه خلص إلى آدم وزوجته بسلطانه الذي جعل الله له ليبتلي به آدم وذريته ، وأنه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته ، وفي كل حال من أحواله ، حتى يخلص إلى ما أراد منه ، حتى يدعوه إلى المعصية ، ويوقع في نفسه الشهوة وهو لا يراه . وقد قال الله عز وجل : " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " وقال : [ ص: 533 ] ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) [ سورة الأعراف : 27 ] وقد قال الله لنبيه عليه السلام : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) إلى آخر السورة . ثم ذكر الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . ثم قال ابن إسحاق : وإنما أمر ابن آدم فيما بينه وبين عدو الله ، كأمره فيما بينه وبين آدم . فقال الله : ( فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ) [ سورة الأعراف : 13 ] . ثم خلص إلى آدم وزوجته حتى كلمهما ، كما قص الله علينا من خبرهما ، فقال : ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) [ سورة طه : 120 ] ، فخلص إليهما بما خلص إلى ذريته من حيث لا يريانه - فالله أعلم أي ذلك كان - فتابا إلى ربهما .

قال أبو جعفر : وليس في يقين ابن إسحاق - لو كان قد أيقن في نفسه - أن إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به ، ما يجوز لذي فهم الاعتراض به على ما ورد من القول مستفيضا من أهل العلم ، مع دلالة الكتاب على صحة ما استفاض من ذلك بينهم . فكيف بشكه ؟ والله نسأل التوفيق .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
[ ص: 534 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فأخرجهما مما كانا فيه )

قال أبو جعفر : وأما تأويل قوله " فأخرجهما " فإنه يعني : فأخرج الشيطان آدم وزوجته ، " مما كانا " يعني مما كان فيه آدم وزوجته من رغد العيش في الجنة ، وسعة نعيمها الذي كانا فيه . وقد بينا أن الله جل ثناؤه إنما أضاف إخراجهما من الجنة إلى الشيطان - وإن كان الله هو المخرج لهما - لأن خروجهما منها كان عن سبب من الشيطان ، فأضيف ذلك إليه لتسبيبه إياه كما يقول القائل لرجل وصل إليه منه أذى حتى تحول من أجله عن موضع كان يسكنه : " ما حولني من موضعي الذي كنت فيه إلا أنت " ولم يكن منه له تحويل ، ولكنه لما كان تحوله عن سبب منه ، جاز له إضافة تحويله إليه .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو )

قال أبو جعفر : يقال هبط فلان أرض كذا ووادي كذا ، إذا حل ذلك كما قال الشاعر :



ما زلت أرمقهم ، حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
[ ص: 535 ]

وقد أبان هذا القول من الله جل ثناؤه ، عن صحة ما قلنا من أن المخرج آدم من الجنة هو الله جل ثناؤه ، وأن إضافة الله إلى إبليس ما أضاف إليه من إخراجهما ، كان على ما وصفنا . ودل بذلك أيضا على أن هبوط آدم وزوجته وعدوهما إبليس ، كان في وقت واحد ، بجمع الله إياهم في الخبر عن إهباطهم ، بعد الذي كان من خطيئة آدم وزوجته ، وتسبب إبليس ذلك لهما ، على ما وصفه ربنا جل ذكره عنهم .

قال أبو جعفر : وقد اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " اهبطوا " مع إجماعهم على أن آدم وزوجته ممن عني به .

754 - فحدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي عوانة ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وحواء وإبليس والحية .

755 - حدثنا ابن وكيع ، وموسى بن هارون ، قالا حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : فلعن الحية وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها ، وجعل رزقها من التراب . وأهبط إلى الأرض آدم وحواء وإبليس والحية .

756 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وإبليس والحية . [ ص: 536 ]

757 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " آدم وإبليس والحية ، ذرية بعضهم أعداء لبعض .

758 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وذريته ، وإبليس وذريته .

759 - وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " بعضكم لبعض عدو " قال : يعني إبليس وآدم .

760 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عمن حدثه عن ابن عباس في قوله : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : بعضهم لبعض عدو : آدم وحواء وإبليس والحية .

761 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن إسماعيل السدي ، قال : حدثني من سمع ابن عباس يقول : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وحواء وإبليس والحية .

762 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : لهما ولذريتهما .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما كانت عداوة ما بين آدم وزوجته وإبليس والحية ؟ [ ص: 537 ] قيل : أما عداوة إبليس آدم وذريته ، فحسده إياه ، واستكباره عن طاعة الله في السجود له حين قال لربه : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ سورة ص : 76 ] . وأما عداوة آدم وذريته إبليس ، فعداوة المؤمنين إياه لكفره بالله وعصيانه لربه في تكبره عليه ومخالفته أمره . وذلك من آدم ومؤمني ذريته إيمان بالله . وأما عداوة إبليس آدم فكفر بالله .

وأما عداوة ما بين آدم وذريته والحية ، فقد ذكرنا ما روي في ذلك عن ابن عباس ووهب بن منبه ، وذلك هي العداوة التي بيننا وبينها ، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما سالمناهن منذ حاربناهن ، فمن تركهن خشية ثأرهن فليس منا .

763 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثني حجاج بن رشدين ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما سالمناهن منذ حاربناهن ، فمن ترك شيئا منهن خيفة ، فليس منا [ ص: 538 ]

قال أبو جعفر : وأحسب أن الحرب التي بيننا ، كان أصله ما ذكره علماؤنا الذين قدمنا الرواية عنهم ، في إدخالها إبليس الجنة بعد أن أخرجه الله منها ، حتى استزله عن طاعة ربه في أكله ما نهي عن أكله من الشجرة .

764 - وحدثنا أبو كريب ، قال حدثنا معاوية بن هشام - وحدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثني آدم - جميعا ، عن شيبان ، عن جابر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن قتل الحيات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلقت هي والإنسان كل واحد منهما عدو لصاحبه ، إن رآها أفزعته ، وإن لدغته أوجعته ، فاقتلها حيث وجدتها .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولكم في الأرض مستقر )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال : بعضهم بما :

765 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " ولكم في الأرض مستقر " قال : هو قوله : ( الذي جعل لكم الأرض فراشا ) [ سورة البقرة : 22 ] .

766 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " ولكم في الأرض مستقر " قال : هو قوله : ( جعل لكم الأرض قرارا ) [ سورة غافر : 64 ] . [ ص: 539 ]

وقال آخرون : معنى ذلك ولكم في الأرض قرار في القبور .

ذكر من قال ذلك :

767 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولكم في الأرض مستقر " يعني القبور .

768 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن إسماعيل السدي ، قال : حدثني من سمع ابن عباس قال : " ولكم في الأرض مستقر " قال : القبور .

769 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " ولكم في الأرض مستقر " قال : مقامهم فيها .

قال أبو جعفر : والمستقر في كلام العرب ، هو موضع الاستقرار . فإذ كان ذلك كذلك ، فحيث كان من في الأرض موجودا حالا فذلك المكان من الأرض مستقره .

إنما عنى الله جل ثناؤه بذلك : أن لهم في الأرض مستقرا ومنزلا بأماكنهم ومستقرهم من الجنة والسماء . وكذلك قوله : " ومتاع " يعني به : أن لهم فيها متاعا بمتاعهم في الجنة .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( ومتاع إلى حين ( 36 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : ولكم فيها بلاغ إلى الموت .

ذكر من قال ذلك :

770 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا [ ص: 440 ] أسباط ، عن السدي في قوله : " ومتاع إلى حين " قال يقول : بلاغ إلى الموت .

771 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن إسماعيل السدي ، قال : حدثني من سمع ابن عباس : " ومتاع إلى حين " قال : الحياة .

وقال آخرون : يعني بقوله : " ومتاع إلى حين " إلى قيام الساعة .

ذكر من قال ذلك :

772 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومتاع إلى حين " قال : إلى يوم القيامة ، إلى انقطاع الدنيا .

وقال آخرون : " إلى حين " قال : إلى أجل .

ذكر من قال ذلك :

773 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ومتاع إلى حين " قال : إلى أجل .

والمتاع في كلام العرب : كل ما استمتع به من شيء ، من معاش استمتع به أو رياش أو زينة أو لذة أو غير ذلك . فإذ كان ذلك كذلك - وكان الله جل ثناؤه قد جعل حياة كل حي متاعا له يستمتع بها أيام حياته ، وجعل الأرض للإنسان متاعا أيام حياته ، بقراره عليها ، واغتذائه بما أخرج الله منها من الأقوات والثمار ، والتذاذه بما خلق فيها من الملاذ ، وجعلها من بعد وفاته لجثته كفاتا ، ولجسمه منزلا وقرارا ، وكان اسم المتاع يشمل جميع ذلك - كان أولى التأويلات [ ص: 541 ] بالآية - إذ لم يكن الله جل ثناؤه وضع دلالة دالة على أنه قصد بقوله : " ومتاع إلى حين " بعضا دون بعض ، وخاصا دون عام في عقل ولا خبر - أن يكون ذلك في معنى العام ، وأن يكون الخبر أيضا كذلك ، إلى وقت يطول استمتاع بني آدم وبني إبليس بها ، وذلك إلى أن تبدل الأرض غير الأرض . فإذ كان ذلك أولى التأويلات بالآية لما وصفنا ، فالواجب إذا أن يكون تأويل الآية : ولكم في الأرض منازل ومساكن تستقرون فيها استقراركم - كان - في السماوات ، وفي الجنان في منازلكم منها ، واستمتاع منكم بها وبما أخرجت لكم منها ، وبما جعلت لكم فيها من المعاش والرياش والزين والملاذ ، وبما أعطيتكم على ظهرها أيام حياتكم ومن بعد وفاتكم لأرماسكم وأجداثكم تدفنون فيها ، وتبلغون باستمتاعكم بها إلى أن أبدلكم بها غيرها .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( فتلقى آدم من ربه كلمات )

قال أبو جعفر : أما تأويل قوله : " فتلقى آدم " فقيل : إنه أخذ وقبل . وأصله التفعل من اللقاء ، كما يتلقى الرجل الرجل مستقبله عند قدومه من غيبته أو سفره ، فكأن ذلك كذلك في قوله : " فتلقى " كأنه استقبله فتلقاه بالقبول حين أوحى إليه أو أخبر به . فمعنى ذلك إذا : فلقى الله آدم كلمات توبة ، فتلقاها آدم من ربه وأخذها عنه تائبا ، فتاب الله عليه بقيله إياها ، وقبوله إياها من ربه . كما :

774 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن [ ص: 542 ] زيد في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " الآية . قال : لقاهما هذه الآية : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ سورة الأعراف : 23 ] .

وقد قرأ بعضهم : " فتلقى آدم من ربه كلمات " فجعل الكلمات هي المتلقية آدم . وذلك ، وإن كان من وجهة العربية جائزا - إذ كان كل ما تلقاه الرجل فهو له متلق ، وما لقيه فقد لقيه ، فصار للمتكلم أن يوجه الفعل إلى أيهما شاء ، ويخرج من الفعل أيهما أحب - فغير جائز عندي في القراءة إلا رفع " آدم " على أنه المتلقي الكلمات ، لإجماع الحجة من القرأة وأهل التأويل من علماء السلف والخلف ، على توجيه التلقي إلى آدم دون الكلمات . وغير جائز الاعتراض عليها فيما كانت عليه مجمعة ، بقول من يجوز عليه السهو والخطأ .

واختلف أهل التأويل في أعيان الكلمات التي تلقاها . آدم من ربه . فقال بعضهم بما :

775 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال : أي رب! ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى ، قال : أي رب ، ألم تنفخ في من روحك ؟ قال : بلى ، قال : أي رب ، ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ، ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : نعم . [ ص: 543 ]

قال : فهو قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات "

776 - وحدثني علي بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا محمد بن مصعب ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم بن كليب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه .

777 - وحدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال : إن آدم قال لربه إذ عصاه : رب أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ؟ فقال له ربه : إني راجعك إلى الجنة .

778 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " ذكر لنا أنه قال : يا رب ، أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ؟ قال : إني إذا راجعك إلى الجنة ، قال : وقال الحسن : إنهما قالا " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "

779 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال : إن آدم لما أصاب الخطيئة قال : يا رب ، أرأيت إن تبت وأصلحت ؟ فقال الله : إذا أرجعك إلى الجنة . فهي من الكلمات . ومن الكلمات أيضا : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "

780 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال : رب ، ألم تخلقني بيدك ؟ قيل له : بلى . قال : ونفخت في من روحك ؟ قيل له : بلى . قال وسبقت رحمتك [ ص: 544 ] غضبك ؟ قيل له : بلى . قال : رب هل كنت كتبت هذا علي ؟ قيل له : نعم . قال : رب ، إن تبت وأصلحت ، هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قيل له : نعم . قال الله تعالى : ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) [ سورة طه : 122 ] .

وقال آخرون بما :

781 - حدثنا به محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : حدثني من سمع عبيد بن عمير يقول : قال آدم : يا رب ، خطيئتي التي أخطأتها ، أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني ، أو شيء ابتدعته من قبل نفسي ؟ قال : بلى ، شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك . قال : فكما كتبته علي فاغفره لي . قال : فهو قول الله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " .

782 - وحدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : أخبرني من سمع عبيد بن عمير ، بمثله .

783 - وحدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عمن سمع عبيد بن عمير يقول : قال آدم ، فذكر نحوه .

784 - وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : أخبرني من سمع عبيد بن عمير ، بنحوه .

785 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد العزيز ، عن عبيد بن عمير بمثله .

وقال آخرون بما :

786 - حدثني به أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، قال : حدثنا عبد الرحمن [ ص: 545 ] بن شريك ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن حميد بن نبهان ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ، أنه قال : قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال آدم : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، أستغفرك وأتوب إليك ، تب علي إنك أنت التواب الرحيم .

787 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : أنبأنا أبو زهير - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : أخبرنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، وقيس - جميعا عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا " حتى فرغ منها .

788 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثني شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، كان يقول في قول الله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " الكلمات : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين ، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين . اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم .

789 - وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد : " فتلقى آدم من ربه كلمات " هو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا " الآية .

790 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 546 ] ابن جريج ، عن مجاهد : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال : أي رب ، أتتوب علي إن تبت ؟ قال : نعم . فتاب آدم ، فتاب عليه ربه .

791 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال : هو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "

792 - حدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد : هو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "

وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه ، وإن كانت مختلفة الألفاظ ، فإن معانيها متفقة في أن الله جل ثناؤه لقى آدم كلمات ، فتلقاهن آدم من ربه فقبلهن وعمل بهن ، وتاب بقيله إياهن وعمله بهن إلى الله من خطيئته ، معترفا بذنبه ، متنصلا إلى ربه من خطيئته ، نادما على ما سلف منه من خلاف أمره ، فتاب الله عليه بقبوله الكلمات التي تلقاهن منه ، وندمه على سالف الذنب منه .

والذي يدل عليه كتاب الله ، أن الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه ، هن الكلمات التي أخبر الله عنه أنه قالها متنصلا بقيلها إلى ربه ، معترفا بذنبه ، وهو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " وليس ما قاله من خالف قولنا هذا - من الأقوال التي حكيناها - بمدفوع قوله ، ولكنه قول لا شاهد عليه من حجة يجب التسليم لها ، فيجوز لنا إضافته إلى آدم ، وأنه مما تلقاه من ربه عند إنابته إليه من ذنبه . وهذا الخبر الذي أخبر الله عن آدم - من قيله الذي لقاه إياه فقاله تائبا إليه من خطيئته - تعريف منه جل ذكره جميع المخاطبين [ ص: 547 ] بكتابه ، كيفية التوبة إليه من الذنوب ، وتنبيه للمخاطبين بقوله : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) [ سورة البقرة : 28 ] ، على موضع التوبة مما هم عليه من الكفر بالله ، وأن خلاصهم مما هم عليه مقيمون من الضلالة نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته ، مع تذكيره إياهم به السالف إليهم من النعم التي خص بها أباهم آدم وغيره من آبائهم .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( فتاب عليه )

قال أبو جعفر : وقوله : " فتاب عليه " يعني : على آدم . والهاء التي في " عليه " عائدة على " آدم " وقوله : " فتاب عليه " يعني رزقه التوبة من خطيئته . والتوبة معناها الإنابة إلى الله ، والأوبة إلى طاعته مما يكره من معصيته .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنه هو التواب الرحيم قلنا اهبطوا منها جميعا ( 38 ) )

قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " إنه هو التواب الرحيم " أن الله جل ثناؤه هو التواب على من تاب إليه - من عباده المذنبين - من ذنوبه ، التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه . وقد ذكرنا أن معنى التوبة من العبد إلى ربه ، إنابته إلى طاعته ، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان عليها مقيما مما يكرهه ربه . فكذلك توبة الله على عبده ، هو أن يرزقه ذلك ، [ ص: 548 ] ويؤوب له من غضبه عليه إلى الرضا عنه ، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه .

وأما قوله : " الرحيم " فإنه يعني أنه المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة . ورحمته إياه ، إقالة عثرته ، وصفحه عن عقوبة جرمه .

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا القول في تأويل قوله : " قلنا اهبطوا منها جميعا " فيما مضى ، فلا حاجة بنا إلى إعادته ، إذ كان معناه في هذا الموضع ، هو معناه في ذلك الموضع .

793 - وقد حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله : " اهبطوا منها جميعا ، قال : آدم وحواء والحية وإبليس .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( فإما يأتينكم مني هدى )

قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " فإما يأتينكم " فإن يأتكم . و " ما " التي مع " إن " توكيد للكلام ، ولدخولها مع " إن " أدخلت النون المشددة في " يأتينكم " تفرقة بدخولها بين " ما " التي تأتي بمعنى توكيد الكلام - التي تسميها أهل العربية صلة وحشوا - وبين " ما " التي تأتي بمعنى " الذي " فتؤذن بدخولها في الفعل ، أن " ما " التي مع " إن " التي بمعنى الجزاء ، توكيد ، وليست " ما " التي بمعنى " الذي "

وقد قال بعض نحويي أهل البصرة : إن " إما "إن زيدت معها " ما " [ ص: 549 ] وصار الفعل الذي بعده بالنون الخفيفة أو الثقيلة ، وقد يكون بغير نون . وإنما حسنت فيه النون لما دخلته " ما " لأن " ما " نفي ، فهي مما ليس بواجب ، وهي الحرف الذي ينفي الواجب ، فحسنت فيه النون ، نحو قولهم : " بعين ما أرينك " حين أدخلت فيها " ما " حسنت النون فيما هاهنا .

وقد أنكرت جماعة من أهل العربية دعوى قائل هذه المقالة : أن " ما " التي مع " بعين ما أرينك " بمعنى الجحد ، وزعموا أن ذلك بمعنى التوكيد للكلام .

وقال آخرون : بل هو حشو في الكلام ، ومعناها الحذف ، وإنما معنى الكلام : " بعين أراك " وغير جائز أن يجعل مع الاختلاف فيه أصلا يقاس عليه غيره .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 38 ) )

قال أبو جعفر : والهدى ، في هذا الموضع ، البيان والرشاد . كما :

794 - حدثنا المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " فإما يأتينكم مني هدى " قال : الهدى ، الأنبياء والرسل والبيان . .

فإن كان ما قال أبو العالية في ذلك كما قال ، فالخطاب بقوله : " اهبطوا " وإن كان لآدم وزوجته ، فيجب أن يكون مرادا به آدم وزوجته وذريتهما . فيكون ذلك حينئذ نظير قوله : ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) [ سورة فصلت : 11 ] ، بمعنى أتينا بما فينا من الخلق طائعين ، ونظير قوله في قراءة [ ص: 550 ] ابن مسعود : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرهم مناسكهم ) [ سورة البقرة : 128 ] ، فجمع قبل أن تكون ذرية ، وهو في قراءتنا : " وأرنا مناسكنا " وكما يقول القائل لآخر : " كأنك قد تزوجت وولد لك ، وكثرتم وعززتم " ونحو ذلك من الكلام .

وإنما قلنا إن ذلك هو الواجب على التأويل الذي ذكرناه عن أبي العالية ، لأن آدم كان هو النبي أيام حياته بعد أن أهبط إلى الأرض ، والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده . فغير جائز أن يكون معنيا - وهو الرسول صلى الله عليه وسلم - بقوله : " فإما يأتينكم مني هدى " خطابا له ولزوجته ، " فإما يأتينكم مني أنبياء ورسل " إلا على ما وصفت من التأويل .

وقول أبي العالية في ذلك - وإن كان وجها من التأويل تحتمله الآية - فأقرب إلى الصواب منه عندي وأشبه بظاهر التلاوة ، أن يكون تأويلها : فإما يأتينكم يا معشر من أهبط إلى الأرض من سمائي ، وهو آدم وزوجته وإبليس - كما قد ذكرنا قبل في تأويل الآية التي قبلها - إما يأتينكم مني بيان من أمري وطاعتي ، ورشاد إلى سبيلي وديني ، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إلي معصية وخلاف لأمري وطاعتي . يعرفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائب على من تاب إليه من ذنوبه ، والرحيم لمن أناب إليه ، كما وصف نفسه بقوله : " إنه هو التواب الرحيم "

وذلك أن ظاهر الخطاب بذلك إنما هو للذين قال لهم جل ثناؤه : " اهبطوا منها جميعا " والذين خوطبوا به هم من سمينا في قول الحجة من الصحابة والتابعين الذين قد قدمنا الرواية عنهم . . وذلك ، وإن كان خطابا من الله جل ذكره لمن أهبط [ ص: 551 ] حينئذ من السماء إلى الأرض ، فهو سنة الله في جميع خلقه ، وتعريف منه بذلك الذين أخبر عنهم في أول هذه السورة بما أخبر عنهم في قوله ( : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [ سورة البقرة : 6 ] ، وفي قوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) [ سورة البقرة : 8 ] ، وأن حكمه فيهم - إن تابوا إليه وأنابوا واتبعوا ما أتاهم من البيان من عند الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - أنهم عنده في الآخرة ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأنهم إن هلكوا على كفرهم وضلالتهم قبل الإنابة والتوبة ، كانوا من أهل النار المخلدين فيها .

وقوله : " فمن تبع هداي " يعني : فمن اتبع بياني الذي آتيته على ألسن رسلي ، أو مع رسلي . كما :

795 - حدثنا به المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " فمن تبع هداي " يعني بياني . .

وقوله : " فلا خوف عليهم " يعني فهم آمنون في أهوال القيامة من عقاب الله ، غير خائفين عذابه ، بما أطاعوا الله في الدنيا واتبعوا أمره وهداه وسبيله ، ولا هم يحزنون يومئذ على ما خلفوا بعد وفاتهم في الدنيا . كما :

796 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد : " لا خوف عليهم" يقول : لا خوف عليكم أمامكم .

وليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت . فأمنهم منه وسلاهم عن الدنيا فقال : " ولا هم يحزنون "

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
ص: 552 ] وقوله ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 39 ) )

يعني : والذين جحدوا آياتي وكذبوا رسلي . وآيات الله : حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته ، وما جاءت به الرسل من الأعلام والشواهد على ذلك ، وعلى صدقها فيما أنبأت عن ربها . وقد بينا أن معنى الكفر التغطية على الشيء .

" أولئك أصحاب النار " يعني : أهلها الذين هم أهلها دون غيرهم ، المخلدون فيها أبدا إلى غير أمد ولا نهاية . كما :

797 - حدثنا به عقبة بن سنان البصري ، قال : حدثنا غسان بن مضر ، قال حدثنا سعيد بن يزيد - وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد - وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، وأبو بكر بن عون ، قالا حدثنا إسماعيل بن علية ، عن سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن أقواما أصابتهم النار بخطاياهم أو بذنوبهم ، فأماتتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
[ ص: 553 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( يا بني إسرائيل )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " يا بني إسرائيل " ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن وكان يعقوب يدعى " إسرائيل " بمعنى عبد الله وصفوته من خلقه . و " إيل " هو الله ، و " إسرا " هو العبد ، كما قيل : " جبريل " بمعنى عبد الله . وكما :

798 - حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن إسرائيل كقولك : عبد الله .

799 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : " إيل " الله بالعبرانية . [ ص: 554 ]

وإنما خاطب الله جل ثناؤه بقوله : " يا بني إسرائيل " أحبار اليهود من بني إسرائيل ، الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنسبهم جل ذكره إلى يعقوب ، كما نسب ذرية آدم إلى آدم ، فقال : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) [ سورة الأعراف : 31 ] وما أشبه ذلك . وإنما خصهم بالخطاب في هذه الآية والتي بعدها من الآي التي ذكرهم فيها نعمه - وإن كان قد تقدم ما أنزل فيهم وفي غيرهم في أول هذه السورة ما قد تقدم - أن الذي احتج به من الحجج والآيات التي فيها أنباء أسلافهم ، وأخبار أوائلهم ، وقصص الأمور التي هم بعلمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمم ، ليس عند غيرهم من العلم بصحته وحقيقته مثل الذي لهم من العلم به ، إلا لمن اقتبس علم ذلك منهم . فعرفهم بإطلاع محمد على علمها - مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها ، وقلة مزاولة محمد صلى الله عليه وسلم دراسة الكتب التي فيها أنباء ذلك - أن محمدا صلى الله عليه وسلم [ ص: 555 ] لم يصل إلى علم ذلك إلا بوحي من الله وتنزيل منه ذلك إليه - لأنهم من علم صحة ذلك بمحل ليس به من الأمم غيرهم ، فلذلك جل ثناؤه خص بقوله : " يا بني إسرائيل " خطابهم كما :

800 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله : " يا بني إسرائيل " قال : يا أهل الكتاب ، للأحبار من يهود .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله : ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم )

قال أبو جعفر : ونعمته التي أنعم بها على بني إسرائيل جل ذكره ، اصطفاؤه منهم الرسل ، وإنزاله عليهم الكتب ، واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه ، إلى التمكين لهم في الأرض ، وتفجير عيون الماء من الحجر ، وإطعام المن والسلوى . فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلى آبائهم على ذكر ، وأن لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم ، فيحل بهم من النقم ما أحل بمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها ، وجحد صنائعه عنده . كما :

801 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " أي آلائي عندكم وعند آبائكم ، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه .

802 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 556 ] الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " اذكروا نعمتي " قال : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .

803 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " يعني نعمته التي أنعم على بني إسرائيل ، فيما سمى وفيما سوى ذلك : فجر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .

804 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد في قوله : " نعمتي التي أنعمت عليكم " قال : نعمه عامة ، ولا نعمة أفضل من الإسلام ، والنعم بعد تبع لها ، وقرأ قول الله ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) [ سورة الحجرات : 17 ]

وتذكير الله الذين ذكرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، نظير تذكير موسى صلوات الله عليه أسلافهم على عهده ، الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم ، وذلك قوله : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ سورة المائدة : 20 ] .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
[ ص: 557 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم )

قال أبو جعفر : قد تقدم بياننا فيما مضى - عن معنى العهد - من كتابنا هذا ، واختلاف المختلفين في تأويله ، والصواب عندنا من القول فيه . وهو في هذا الموضع : عهد الله ووصيته التي أخذ على بني إسرائيل في التوراة ، أن يبينوا للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول ، وأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة أنه نبي الله ، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله .

" أوف بعهدكم " : وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة ، كما قال جل ثناؤه : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) [ سورة المائدة : 12 ] ، وكما قال : ( فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) [ ص: 558 ] [ سورة الأعراف : 156 - 157 ] .

805 - وكما حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وأوفوا بعهدي " الذي أخذت في أعناقكم للنبي محمد إذا جاءكم ، " أوف بعهدكم " أي أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم .

806 - وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " قال : عهده إلى عباده ، دين الإسلام أن يتبعوه ، " أوف بعهدكم " يعني الجنة .

807 - وحدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " : أما " أوفوا بعهدي " فما عهدت إليكم في الكتاب . وأما " أوف بعهدكم " فالجنة ، عهدت إليكم أنكم إن عملتم بطاعتي أدخلتكم الجنة .

808 - وحدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم " قال : ذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) إلى آخر الآية [ ص: 559 ] [ سورة المائدة : 12 ] . فهذا عهد الله الذي عهد إليهم ، وهو عهد الله فينا ، فمن أوفى بعهد الله وفى الله له بعهده .

809 - وحدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم " يقول : أوفوا بما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره ، " أوف بعهدكم " يقول : أرض عنكم وأدخلكم الجنة .

810 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد في قوله : " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم " قال : أوفوا بأمري أوف بالذي وعدتكم ، وقرأ : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) حتى بلغ ( ومن أوفى بعهده من الله ) [ سورة التوبة : 111 ] ، قال : هذا عهده الذي عهده لهم .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( وإياي فارهبون ( 40 ) )

قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " وإياي فارهبون " وإياي فاخشوا ، واتقوا أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل ، والمكذبون رسولي الذي أخذت ميثاقكم - فيما أنزلت من الكتب على أنبيائي - أن تؤمنوا به وتتبعوه - أن أحل بكم من عقوبتي ، إن لم تنيبوا وتتوبوا إلي باتباعه والإقرار بما أنزلت إليه ، ما أحللت بمن خالف أمري وكذب رسلي من أسلافكم . كما :

811 - حدثني به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، [ ص: 560 ] عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وإياي فارهبون " أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم ، من المسخ وغيره .

812 - وحدثنا المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثني آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " وإياي فارهبون " يقول : فاخشون .

813 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإياي فارهبون " يقول : وإياي فاخشون .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " آمنوا " صدقوا ، كما قد قدمنا البيان عنه قبل . ويعني بقوله : " بما أنزلت ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن . ويعني بقوله : " مصدقا لما معكم " أن القرآن مصدق لما مع اليهود من بني إسرائيل من التوراة . فأمرهم بالتصديق بالقرآن ، وأخبرهم جل ثناؤه أن في تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة ، لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه ، نظير الذي من ذلك في التوراة والإنجيل ففي تصديقهم بما [ ص: 561 ] أنزل على محمد تصديق منهم لما معهم من التوراة ، وفي تكذيبهم به تكذيب منهم لما معهم من التوراة .

وقوله : " مصدقا " قطع من الهاء المتروكة في " أنزلته " من ذكر " ما " ومعنى الكلام وآمنوا بالذي أنزلته مصدقا لما معكم أيها اليهود ، والذي معهم : هو التوراة والإنجيل . كما :

814 - حدثنا به محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم " يقول : إنما أنزلت القرآن مصدقا لما معكم التوراة والإنجيل . .

815 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

816 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم " يقول : يا معشر أهل الكتاب ، آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم . يقول : لأنهم يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . .

description|| تفسير الطبرى || > || متجدد || - صفحة 6 Emptyرد: || تفسير الطبرى || > || متجدد ||

more_horiz
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تكونوا أول كافر به )

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : كيف قيل : " ولا تكونوا أول كافر به " [ ص: 562 ] والخطاب فيه لجميع ، وقوله : " كافر " واحد ؟ وهل نجيز - إن كان ذلك جائزا - أن يقول قائل : " ولا تكونوا أول رجل قام " ؟

قيل له : إنما يجوز توحيد ما أضيف له " أفعل " وهو خبر لجميع إذا كان اسما مشتقا من "فعل ويفعل " لأنه يؤدي عن المراد معه المحذوف من الكلام وهو " من " ويقوم مقامه في الأداء عن معنى ما كان يؤدي عنه " من " من الجمع والتأنيث ، وهو في لفظ واحد . ألا ترى أنك تقول : ولا تكونوا أول من يكفر به . " فمن " بمعنى جميع ، وهو غير متصرف تصرف الأسماء للتثنية والجمع والتأنيث . فإذا أقيم الاسم المشتق من " فعل ويفعل " مقامه ، جرى وهو موحد مجراه في الأداء عما كان يؤدي عنه " من " من معنى الجمع والتأنيث ، كقولك : " الجيش منهزم " " والجند مقبل " فتوحد الفعل لتوحيد لفظ الجيش والجند . وغير جائز أن يقال : " الجيش رجل ، والجند غلام " حتى تقول : " الجند غلمان والجيش رجال " لأن الواحد من عدد الأسماء التي هي غير مشتقة من " فعل ويفعل " لا يؤدي عن معنى الجماعة منهم ، ومن ذلك قول الشاعر :



وإذا هم طعموا فألأم طاعم وإذا هم جاعوا فشر جياع


فوحد مرة على ما وصفت من نية " من " وإقامة الظاهر من الاسم الذي هو مشتق من " فعل ويفعل " مقامه ، وجمع أخرى على الإخراج على عدد أسماء [ ص: 563 ] المخبر عنهم ، ولو وحد حيث جمع ، أو جمع حيث وحد ، كان صوابا جائزا .

وأما تأويل ذلك فإنه يعني به : يا معشر أحبار أهل الكتاب ، صدقوا بما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن المصدق كتابكم ، والذي عندكم من التوراة والإنجيل ، المعهود إليكم فيهما أنه رسولي ونبيي المبعوث بالحق ، ولا تكونوا أول أمتكم كذب به وجحد أنه من عندي ، وعندكم من العلم به ما ليس عند غيركم .

وكفرهم به : جحودهم أنه من عند الله . والهاء التي في " به " من ذكر " ما " التي مع قوله : " وآمنوا بما أنزلت " كما :

817 - حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال قال ابن جريج في قوله : " ولا تكونوا أول كافر به " بالقرآن .

قال أبو جعفر : وروي عن أبي العالية في ذلك ما :

818 - حدثني به المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " ولا تكونوا أول كافر به " يقول : لا تكونوا أول من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . .

وقال بعضهم : " ولا تكونوا أول كافر به " يعني : بكتابكم . ويتأول أن في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيبا منهم بكتابهم ، لأن في كتابهم الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم .

وهذان القولان من ظاهر ما تدل عليه التلاوة بعيدان . وذلك أن الله جل ثناؤه [ ص: 564 ] أمر المخاطبين بهذه الآية في أولها بالإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال جل ذكره : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم " ومعقول أن الذي أنزله الله في عصر محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن لا محمد ، لأن محمدا صلوات الله عليه رسول مرسل ، لا تنزيل منزل ، والمنزل هو الكتاب . ثم نهاهم أن يكونوا أول من يكفر بالذي أمرهم بالإيمان به في أول الآية ، ولم يجر لمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ذكر ظاهر ، فيعاد عليه بذكره مكنيا في قوله : " ولا تكونوا أول كافر به " وإن كان غير محال في الكلام أن يذكر مكني اسم لم يجر له ذكر ظاهر في الكلام .

وكذلك لا معنى لقول من زعم أن العائد من الذكر في " به " على " ما " التي في قوله : " لما معكم " لأن ذلك ، وإن كان محتملا ظاهر الكلام ، فإنه بعيد مما يدل عليه ظاهر التلاوة والتنزيل ، لما وصفنا قبل من أن المأمور بالإيمان به في أول الآية هو القرآن . فكذلك الواجب أن يكون المنهي عن الكفر به في آخرها هو القرآن . وأما أن يكون المأمور بالإيمان به غير المنهي عن الكفر به ، في كلام واحد وآية واحدة ، فذلك غير الأشهر الأظهر في الكلام . هذا مع بعد معناه في التأويل . .

819 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد [ ص: 565 ] بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به " وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم .
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد