محمد بن القاسم الثقفي قائد أحد جيوش الفتح ومشهور بكونه فاتح بلاد السند ، كان والد القاسم الثقفي والياً على البصرة ووالده هو ابن عم الحجاج بن يوسف الثقفي .

ولد سنة 72 هـ بمدينة الطائف في أسرة معروفة ، فقد كان جده محمد بن الحكم من كبار الثقفيين ، وفي سنة 75 هـ صار الحجاج بن يوسف الثقفي والياً عاماً على العراق والولايات الشرقية التابعة للدولة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان .

فعيَّن الحجاج عمَّه القاسم والياً على مدينة البصرة ، فانتقل الطفل محمد بن القاسم إلى البصرة حيث يحكمها والده ثم بنى الحجاج مدينة واسط التي صارت معسكراً لجنده الذين يعتمد عليهم في الحروب ، وامتلأت بسكانها الجدد وقوم الحجاج وفي هذه المدينة وغيرها من العراق نشأ وترعرع محمد بن القاسم وتدرب على الجندية ، حتى أصبح من القادة المعروفين وهو لم يتجاوز بعد 19 عاماً من العمر .

وكان محمد بن القاسم يسمع كثيراً عن بلاد السند ولم تكن تلك البلاد في ذلك الحين غريبة على المسلمين ، فقد كان لهم فيها سابقة من غزوات في عهد الخليفة عمر والخليفة عثمان رضي الله عنهما ثم زاد اهتمام العرب ببلاد السند حين قامت الدولة الأموية على يد الخليفة معاوية في سنة 40 هـ حتى نجح في فتح إقليم مهم بتلك البلاد وهو (( إقليم مكران )) الذي كان يحكمه الولاة الأمويون بعد ذلك بصفة مستمرة .

وحدث في سنة 88 هـ أن سفينة عربية كانت قادمة من جزيرة الياقوت (( بلاد سيلان )) عليها نساء مسلمات ، وقد مات آباؤهنَّ ولم يبق لهنَّ راعٍ هناك فقررن السفر للإقامة في العراق ، ورأى ملك سيلان في ذلك فرصة للتقرب إلى العرب فوافق على سفرهنَّ بل حمل السفينة بهدايا إلى الحجاج والخليفة الوليد بن عبد الملك ، وبينما كانت السفينة في طريقها إلى البصرة مارة بميناء الديبل ببلاد السند خرج قراصنة من السند واستولوا عليها .



وعندئذ كتب الحجاج إلى ملك السند يطلب منه الإفراج عن النساء المسلمات والسفينة ولكنه اعتذر عن ذلك بحجة أن الذين خطفوا السفينة لصوص لا يقدر عليهم ، فبعث الحجاج حملتين على الديبل ، الأولى بقيادة عبيد الله بن نبهان السلمي ، والثانية بقيادة بديل البجلي ولكن الحملتين فشلتا بل قتل القائدان على يد جنود السند .

ووصلت الأخبار إلى الحجاج أن النساء المسلمات والجنود العرب مسجونون في سجن الديبل ولا يريد ملك السند الإفراج عنهم عناداً للعرب ، وهنا كانت الأسباب تلح على الحجاج في إرسال جيش كبير لفتح تلك البلاد التي كان قراصنتها يضايقون السفن العربية التجارية المارة بين موانئ البلاد العربية وموانئ بلاد الهند .

وبالفعل قرر الحجاج فتح بلاد السند كلها ، وقد وقع اختياره على محمد بن القاسم الثقفي ليقود جيش المسلمين وجهزه بكل ما يحتاج إليه في ميدان القتال .

وتحرك البطل محمد بن القاسم بجيشه المكون من ستة آلاف مقاتل من العراق إلى الشيراز في سنة 90 هـ وهناك انضم إليه ستة آلاف من الجند ، وبعد ذلك اتجه نحو بلاد السند فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين حتى التقى جيش المسلمين بقيادته مع الجيش السندي بقيادة الملك داهر في معركة دامية مصيرية في 6 رمضان سنة 92 هـ ، وكان النصر للحق على الباطل فقد انتصر المسلمون على المشركين وقتل ملك السند في الميدان .

واستمر محمد بن القاسم في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند حتى انتهى منها سنة 96 هـ ، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب أي بلاد باكستان الحالية .



نهاية محزنة لمحمد بن القاسم

ثم لما كان محمد بن القاسم يفكر في أن يتوجه بجيش الفتح إلى حدود بلاد الهند وصله أمر الخليفة الجديد سليمان بن عبد الملك للتوجه إلى العراق ، فرضخ الشاب المؤمن لقضاء الله - وهو يعلم أن مصيره الهلاك ، لا لذنب اقترفه ولكن لسوء حظ وقع فيه - بسبب بعض تصرفات سياسية من قريبه الحجاج واستعد الفتى الحزين للسفر فخرجت الجموع الحاشدة لتوديعه باكية حزينة ، لم يكن العرب وحدهم يبكون على مصيره بل أهل السند من المسلمين ، وحتى البرهميين والبوذيين كانون يذرفون الدموع الغزيرة ، ويرجونه أن يبقى في بلاد السند وسوف يقفون خلفه إذا دق الخطر بابه ولكن نفسه الأبية رفضت مخالفة أمر الخليفة .

ووصل محمد بن القاسم إلى العراق فأرسله والي العراق صالح بن عبد الرحمن مقيداً بالسلاسل إلى سجن مدينة واسط بسبب عداوته للحجاج ، وهناك عذبه شهوراً بشتى أنواع التعذيب حتى مات البطل الفاتح في سنة 95 للهجرة .