بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أشكر الأختين الفاضلتين : تماضر ، و جوري ، على جهودهم الحثيثة والدؤوبة لرفعة المنتدى الجديد .. والشكر موصول لكل الذين ساهموا وشاركوا بالمواضيع أو الردود ، والتي كانت خلاصتها فائدة لكل قارئ محب للأدب .
و أحب أن تكون مشاركتي الفعلية الأولى بهذا الموضوع ، فبما أن الأدب العربي مهم ، ويهمنا بشكل خاص ، فلا أقل من قراءة سريعة حول هذا الأدب .
لكل لغة آدابها، ولكن العربية هي لغة الأدب، وفنون الأدب عند العرب عظيمة وعديدة، حتى إن الأدب والخلافة في كل عصر كانا قرينين، فما تظهر مملكة ولا يسطع نجم خليفة إلا ونجد إلى جواره الأدباء ملتفين ومجتمعين، يغذوهم بعطاياه ويقوونه بأقلامهم وألسنتهم.
يقول عبد الحميد الكاتب ـ وهو أمير الكتاب في الخلافة الأموية، مخاطباً معاشر الأدباء ـ بكم تنتظم للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يُصلح الله للخلق سلطانهم، ويعمر بلدانهم، لايستغني الملك عنكم، ولايوجد كافٍ إلا منكم ... الخ، وما أصدق هذا الحديث.
فما هو الأدب وما هي فائدته وما عدد أركانه وماهي كتبه.
** تعريف علم الأدب وغايته:
ويعرف العلماء علم الأدب بأنه: معرفة مايحترز به من جميع أنواع الخطأ في كلام العرب لفظاً وخطا.
وهذا التعريف ـ ولاشك ـ يدخل فيه بعض علوم اللسان العربي، مما أفرده العلماء عن غيره، فيدخل فيه علم النحو وعلم اللغة وعلم الخط وغير ذلك، إضافة إلى علم الإنشاء والشعر اللذين هما بيت القصيد وأعظم المقاصد عند إطلاق لفظة (علم الأدب).
وغاية علم الأدب الإجادة في فني النظم والنثر، إضافة إلى تهذيب العقل وتزكية الجنان، وتلك ولاشك فوائد عظيمة يكتسبها المشتغل بعلم الأدب، فيعصم نفسه من زلة الجهل، ويروض أخلاقه، ويلين طبائعه، وينهض بالهمم إلى طلب المعالي والأمور الشريفة.
** أركان علم الأدب:
أما أركان علم الأدب ( أي دعائمه التي يقوم عليها ويستند إليها) فهي كما يذكر الأستاذ أحمد الهاشمي في مقدمة كتابه القيم ( جواهر الأدب) أربعة:
الأول قوى العقل الغريزية، وهي خمسة: الذكاء والخيال والحافظة والحس والذوق.
الثاني: معرفة الأصول، وهي مجموعة قوانين الكتابة، وفيها تبيان طرق حسن التأليف وضروب الإنشاء وفنون الخطابة.
الثالث: مطالعة تصانيف البلغاء بالتأني والتبصر فيها، ليدخر الكاتب كل لفظ مؤنق شريف، وكل معنى بديع، بحيث يتصرف بهما عند الضرورة.
الرابع: الارتياض ـ وهو التدريب ـ بوجوه الإنشاء، بأن تتوسع في شرح بعض المعاني فتبينه بأوجه شتى وتنمقه بأشكال البديع..
** الأدب نثر وشعر:
ولايسعنا ونحن نتناول علم الأدب إلا أن نقتصر هنا أولاً من فن الإنشاء على الكتابة النثرية، على أن نفرد للقسم الآخر من الأدب ـ وهو قسم الشعرـ صفحات أخرى لاحقة.
وفنون الإنشاء في علم الأدب سبعة ـ مع ملاحظة أن ذلك أهم وأغزر مباحث هذا العلم.
1 ـ فن المكاتبات:
الأول: فن المكاتبات والمراسلات: ويشمل هذا الفن أقسام الرسائل الثلاث.
أولاها: الرسائل الأهلية ـ ويذكرها بعضهم باسم رسائل الأشواق ـ وهي مادارت بين الأقارب والأصدقاء وأسفرت عن مكنون الوداد وسرائر الفؤاد، وفي هذه الرسائل يطلق الكاتب لقلمه العنان، ويتجافى عن الانقباض، ويعدل عن الكلفة، ومن هذا القسم رسائل الشوق، ورسائل التعارف قبل اللقاء، ورسائل الهدايا، ورسائل الاستعطاف، ورسائل الاعتذار ، وغير ذلك.
وثانيها: الرسائل المتداولة، وتشمل الرسائل التجارية، ورسائل حسن التقاضي والطلب، ورسائل حسن الشكر، ورسائل النصح والمشورة، ورسائل الملامة والعتاب، ورسائل الشكوى، ورسائل العيادة، ورسائل التهاني، ورسائل التأبين والتعازي، ورسائل الأجوبة، ورسائل الوصايا والشفاعات، ورسائل التنصل والتبرؤ.
وثالث أقسام فن المراسلات الرسائل العلمية: وهي مقالات في المطالب العلمية، أوالمسائل الأدبية، يرسلها أصحابها إلى من اقترحها عليهم، أو طلبها منهم كرسالة (أيها الولد) للغزالي.
ومن الأمثلة التي تذكر في رسائل الاستعطاف والاعتذار ماكتبه ابن الرومي يستعطف القاسم بن عبيد الله، قال: تَرَفّع عن ظلمي إن كنتُ بريئا، أو تفضل بالعفو إن كنتُ مسيئا، فوالله إني لأطلب عفو ذنب لم أَجْنِه، وألتمس الإقالة مما لاأعرفه، لتزداد تَطوّلاً، وأزداد تذللا، وأنا أعيذ حالي عندك بكرمك من واش يكيدها، وأحرسها بوفائك من باغ يحاول إفسادها، وأسأل الله أن يجعل حظي منك بقدر ودي لك، ومحلي من رجائك بحيث استحق العفو منك، والسلام.
2 ـ فن المناظرات:
الثاني: من فنون الإنشاء السبعة: فن المناظرات: وللمناظرات ـ كما يقول السيد الهاشمي ـ ثلاثة شروط:
الأول: أن يجمع بين خصمين متضادين .
والثاني: أن يأتي كل خصم في نصرته لنفسه بأدلة ترفع شأنه وتعلي مقامه فوق خصمه.
والثالث: أن تصاغ المعاني والمراجعات صوغاً لطيفا.
ومن أمثلة المناظرات الشهيرة مناظرة النعمان بن المنذر وكسرى أنوشروان في شأن العرب، ومناظرة للآمدي بين صاحب أبي تمام وصاحب البحتري في المفاضلة بينهما، ومناظرة السيف والقلم لزين الدين عمر بن الوردي ، ومناظرة بين الليل والنهار لمحمد المبارك الجزائري، ومناظرة بين الجمل والحصان للمقدسي، ومناظرة بين فصول العام لابن حبيب الحلبي.
ومن مناظرة فصول العام نقتطف هذه المقاطع: قال الربيع: أنا شابّ الزمان، وروح الحيوان، وإنسان عين الإنسان، أنا حياة النفوس وزينة عروس الغروس، ونزهة الأبصار، ومنطق الأطيار، عَرْف أوقاتي ناسم، وأيامي أعواد ومواسم... وقال الصيف: أنا الخل الموافق ،والصديق الصادق، والطبيب الحاذق، اجتهد في مصلحة الأحباب ، وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب، وأخفف أثقالهم ، بي تتضح الجادة، وتنضج من الفواكه المادة، ويزهو البُسَر والرطب، وينصلح مزاج العنب، وقال الخريف: أنا سائق الغيوم، وكاسر جيش الغموم، وهازم أحزاب السموم، وحاوي نجائب السحائب، وحاسر نقاب المناقب، وقال الشتاء: أنا شيخ الجماعة، ورب البضاعة، أجمع شمل الأصحاب، وأسدل عليهم الحجاب، وأتحفهم بالطعام والشراب.
3 ـ فن الأمثال:
الفن الثالث من فنون الإنشاء فن الأمثال: والمثل عبارة عن تأليف لا حقيقة له ولا وجود في الواقع، وهو يحمل الحكم الشافية، والمواعظ البليغة.
وهو ثلاثة أنواع: الأمثال المفترضة الممكنة، وهي ما نسب إلى عاقل، والأمثال المخترعة المستحيلة، وهي ما جاءت على ألسنة الحيوانات والجمادات، والأمثال المختلطة، وهي ما دار الكلام فيها بين العاقل وغيره.
وأروع أمثلة الأدب العربي أمثلة القرآن الكريم { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون }.
والأمثال فن أجاده العرب إجادة مذهلة.
4 ـ فن الوصف:
الفن الرابع من فنون الإنشاء فن الوصف: وهو بيان الأمر باستيعاب أحواله وصفاته وما يلابسه. ويشترط فيه أن يكون حقيقياً لا مبالغة فيه، وأن يكون الكلام فيه ذا طلاوة ورَوْنَق.
ولايتسع المقام لسرد أمثلة للوصف الذي برع فيه الأدب العربي، فقد وصف كل شيء تقريباً، مما تراه العين، أو يحس به الخاطر، أو يتصوره العقل، وصفاً مبدعا.
وصف الجاحظ الحسد فقال: الحسد عقيد الكفر، وحليف الباطل، وضد الحق، منه تتولد العداوة، وهو سبب كل قطعية، ومفرق كل جماعة، وقاطع كل رحم من الأقرباء، ومحدثُُ للتفرق بين القرناء، وملقّح للشر بين الحلفاء.
5 ـ فن المقامة :
الفن الخامس من فنون الأدب فن المقامة: وهي عبارة عن كتابة مسجوعة حسنة التأليف، تتضمن نكته أدبية، تدور على رواية لطيفة مختلقة تنسب إلى بعض الرواة...
وقد راجت سوقها بين الأدباء في القرون التي تلت عصر مخترعها بديع الزمان الهمذاني المتوفى عام 398هـ حيث كان أول من فتح بابها، وسلك طريقها، واشتهر من بعده الحريري بمقاماته وتابعه كثيرون آخرون.
وغالباً ما تنسب المقامة إلى مكانها الذي يزعم أنها حدثت فيه، فيقال المقامة الحلبية والمقامة الاسكندرانية وهكذا.
6 ـ فن الرواية:
الفن السادس من فنون الأدب الرواية: وقد عرف الرواية بعضهم بقوله:وهي ذكر قول أو فعل حدثا، أو أمكن حدوثهما.
وخواصها: الإيضاح والإيجاز والإمكان والتلطف.
ولها ثلاثة أجزاء: صدرها وعقدتها وختامها.
وأمثلتها كثيرة منها: رواية ليلى الأخيلية مع الحجاج، ورواية بنات الشاعر المقتول ،ورواية المرأة المتكلمة بالقرآن، وغير هذا وذلك.
7 ـ فن تاريخ الأدب العربي:
الفن السابع من فنون الأدب ما يتعلق بتاريخ أدب اللغة العربية. وهو فن يتناول تاريخ الأمة العربية، ابتداء من العرب البائدة إلى العاربة إلى المستعربة إلى المحدثين، كما يتناول تاريخ لغتهم وحياتهم الاجتماعية وأخلاقهم وغير ذلك.
** أشهر كتب الأدب:
قال ابن خلدون في علم الأدب: وأركانه أربعة دواوين وهي: (أدب الكاتب) لابن قتيبة، وكتاب (الكامل) للمبرّد، وكتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، وكتاب (النوادر) لأبي علي القالي.
ولكنا لا نستطيع أن نغفل بعض كتب الأدب الأخرى البارزة، أمثال (العقد الفريد) لابن عبد ربه و(الأغاني) لأبي الفرج الأصبهاني وغيرهما.
وهذه الكتب لا غنى عنها لمن يريد أن يبني قاعدة أدبية صحيحة ، فهي الأصل ، وأما الاعتماد على الكتب المتأخرة فخطأ كبير
في البداية أشكر الأختين الفاضلتين : تماضر ، و جوري ، على جهودهم الحثيثة والدؤوبة لرفعة المنتدى الجديد .. والشكر موصول لكل الذين ساهموا وشاركوا بالمواضيع أو الردود ، والتي كانت خلاصتها فائدة لكل قارئ محب للأدب .
و أحب أن تكون مشاركتي الفعلية الأولى بهذا الموضوع ، فبما أن الأدب العربي مهم ، ويهمنا بشكل خاص ، فلا أقل من قراءة سريعة حول هذا الأدب .
لكل لغة آدابها، ولكن العربية هي لغة الأدب، وفنون الأدب عند العرب عظيمة وعديدة، حتى إن الأدب والخلافة في كل عصر كانا قرينين، فما تظهر مملكة ولا يسطع نجم خليفة إلا ونجد إلى جواره الأدباء ملتفين ومجتمعين، يغذوهم بعطاياه ويقوونه بأقلامهم وألسنتهم.
يقول عبد الحميد الكاتب ـ وهو أمير الكتاب في الخلافة الأموية، مخاطباً معاشر الأدباء ـ بكم تنتظم للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يُصلح الله للخلق سلطانهم، ويعمر بلدانهم، لايستغني الملك عنكم، ولايوجد كافٍ إلا منكم ... الخ، وما أصدق هذا الحديث.
فما هو الأدب وما هي فائدته وما عدد أركانه وماهي كتبه.
** تعريف علم الأدب وغايته:
ويعرف العلماء علم الأدب بأنه: معرفة مايحترز به من جميع أنواع الخطأ في كلام العرب لفظاً وخطا.
وهذا التعريف ـ ولاشك ـ يدخل فيه بعض علوم اللسان العربي، مما أفرده العلماء عن غيره، فيدخل فيه علم النحو وعلم اللغة وعلم الخط وغير ذلك، إضافة إلى علم الإنشاء والشعر اللذين هما بيت القصيد وأعظم المقاصد عند إطلاق لفظة (علم الأدب).
وغاية علم الأدب الإجادة في فني النظم والنثر، إضافة إلى تهذيب العقل وتزكية الجنان، وتلك ولاشك فوائد عظيمة يكتسبها المشتغل بعلم الأدب، فيعصم نفسه من زلة الجهل، ويروض أخلاقه، ويلين طبائعه، وينهض بالهمم إلى طلب المعالي والأمور الشريفة.
** أركان علم الأدب:
أما أركان علم الأدب ( أي دعائمه التي يقوم عليها ويستند إليها) فهي كما يذكر الأستاذ أحمد الهاشمي في مقدمة كتابه القيم ( جواهر الأدب) أربعة:
الأول قوى العقل الغريزية، وهي خمسة: الذكاء والخيال والحافظة والحس والذوق.
الثاني: معرفة الأصول، وهي مجموعة قوانين الكتابة، وفيها تبيان طرق حسن التأليف وضروب الإنشاء وفنون الخطابة.
الثالث: مطالعة تصانيف البلغاء بالتأني والتبصر فيها، ليدخر الكاتب كل لفظ مؤنق شريف، وكل معنى بديع، بحيث يتصرف بهما عند الضرورة.
الرابع: الارتياض ـ وهو التدريب ـ بوجوه الإنشاء، بأن تتوسع في شرح بعض المعاني فتبينه بأوجه شتى وتنمقه بأشكال البديع..
** الأدب نثر وشعر:
ولايسعنا ونحن نتناول علم الأدب إلا أن نقتصر هنا أولاً من فن الإنشاء على الكتابة النثرية، على أن نفرد للقسم الآخر من الأدب ـ وهو قسم الشعرـ صفحات أخرى لاحقة.
وفنون الإنشاء في علم الأدب سبعة ـ مع ملاحظة أن ذلك أهم وأغزر مباحث هذا العلم.
1 ـ فن المكاتبات:
الأول: فن المكاتبات والمراسلات: ويشمل هذا الفن أقسام الرسائل الثلاث.
أولاها: الرسائل الأهلية ـ ويذكرها بعضهم باسم رسائل الأشواق ـ وهي مادارت بين الأقارب والأصدقاء وأسفرت عن مكنون الوداد وسرائر الفؤاد، وفي هذه الرسائل يطلق الكاتب لقلمه العنان، ويتجافى عن الانقباض، ويعدل عن الكلفة، ومن هذا القسم رسائل الشوق، ورسائل التعارف قبل اللقاء، ورسائل الهدايا، ورسائل الاستعطاف، ورسائل الاعتذار ، وغير ذلك.
وثانيها: الرسائل المتداولة، وتشمل الرسائل التجارية، ورسائل حسن التقاضي والطلب، ورسائل حسن الشكر، ورسائل النصح والمشورة، ورسائل الملامة والعتاب، ورسائل الشكوى، ورسائل العيادة، ورسائل التهاني، ورسائل التأبين والتعازي، ورسائل الأجوبة، ورسائل الوصايا والشفاعات، ورسائل التنصل والتبرؤ.
وثالث أقسام فن المراسلات الرسائل العلمية: وهي مقالات في المطالب العلمية، أوالمسائل الأدبية، يرسلها أصحابها إلى من اقترحها عليهم، أو طلبها منهم كرسالة (أيها الولد) للغزالي.
ومن الأمثلة التي تذكر في رسائل الاستعطاف والاعتذار ماكتبه ابن الرومي يستعطف القاسم بن عبيد الله، قال: تَرَفّع عن ظلمي إن كنتُ بريئا، أو تفضل بالعفو إن كنتُ مسيئا، فوالله إني لأطلب عفو ذنب لم أَجْنِه، وألتمس الإقالة مما لاأعرفه، لتزداد تَطوّلاً، وأزداد تذللا، وأنا أعيذ حالي عندك بكرمك من واش يكيدها، وأحرسها بوفائك من باغ يحاول إفسادها، وأسأل الله أن يجعل حظي منك بقدر ودي لك، ومحلي من رجائك بحيث استحق العفو منك، والسلام.
2 ـ فن المناظرات:
الثاني: من فنون الإنشاء السبعة: فن المناظرات: وللمناظرات ـ كما يقول السيد الهاشمي ـ ثلاثة شروط:
الأول: أن يجمع بين خصمين متضادين .
والثاني: أن يأتي كل خصم في نصرته لنفسه بأدلة ترفع شأنه وتعلي مقامه فوق خصمه.
والثالث: أن تصاغ المعاني والمراجعات صوغاً لطيفا.
ومن أمثلة المناظرات الشهيرة مناظرة النعمان بن المنذر وكسرى أنوشروان في شأن العرب، ومناظرة للآمدي بين صاحب أبي تمام وصاحب البحتري في المفاضلة بينهما، ومناظرة السيف والقلم لزين الدين عمر بن الوردي ، ومناظرة بين الليل والنهار لمحمد المبارك الجزائري، ومناظرة بين الجمل والحصان للمقدسي، ومناظرة بين فصول العام لابن حبيب الحلبي.
ومن مناظرة فصول العام نقتطف هذه المقاطع: قال الربيع: أنا شابّ الزمان، وروح الحيوان، وإنسان عين الإنسان، أنا حياة النفوس وزينة عروس الغروس، ونزهة الأبصار، ومنطق الأطيار، عَرْف أوقاتي ناسم، وأيامي أعواد ومواسم... وقال الصيف: أنا الخل الموافق ،والصديق الصادق، والطبيب الحاذق، اجتهد في مصلحة الأحباب ، وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب، وأخفف أثقالهم ، بي تتضح الجادة، وتنضج من الفواكه المادة، ويزهو البُسَر والرطب، وينصلح مزاج العنب، وقال الخريف: أنا سائق الغيوم، وكاسر جيش الغموم، وهازم أحزاب السموم، وحاوي نجائب السحائب، وحاسر نقاب المناقب، وقال الشتاء: أنا شيخ الجماعة، ورب البضاعة، أجمع شمل الأصحاب، وأسدل عليهم الحجاب، وأتحفهم بالطعام والشراب.
3 ـ فن الأمثال:
الفن الثالث من فنون الإنشاء فن الأمثال: والمثل عبارة عن تأليف لا حقيقة له ولا وجود في الواقع، وهو يحمل الحكم الشافية، والمواعظ البليغة.
وهو ثلاثة أنواع: الأمثال المفترضة الممكنة، وهي ما نسب إلى عاقل، والأمثال المخترعة المستحيلة، وهي ما جاءت على ألسنة الحيوانات والجمادات، والأمثال المختلطة، وهي ما دار الكلام فيها بين العاقل وغيره.
وأروع أمثلة الأدب العربي أمثلة القرآن الكريم { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون }.
والأمثال فن أجاده العرب إجادة مذهلة.
4 ـ فن الوصف:
الفن الرابع من فنون الإنشاء فن الوصف: وهو بيان الأمر باستيعاب أحواله وصفاته وما يلابسه. ويشترط فيه أن يكون حقيقياً لا مبالغة فيه، وأن يكون الكلام فيه ذا طلاوة ورَوْنَق.
ولايتسع المقام لسرد أمثلة للوصف الذي برع فيه الأدب العربي، فقد وصف كل شيء تقريباً، مما تراه العين، أو يحس به الخاطر، أو يتصوره العقل، وصفاً مبدعا.
وصف الجاحظ الحسد فقال: الحسد عقيد الكفر، وحليف الباطل، وضد الحق، منه تتولد العداوة، وهو سبب كل قطعية، ومفرق كل جماعة، وقاطع كل رحم من الأقرباء، ومحدثُُ للتفرق بين القرناء، وملقّح للشر بين الحلفاء.
5 ـ فن المقامة :
الفن الخامس من فنون الأدب فن المقامة: وهي عبارة عن كتابة مسجوعة حسنة التأليف، تتضمن نكته أدبية، تدور على رواية لطيفة مختلقة تنسب إلى بعض الرواة...
وقد راجت سوقها بين الأدباء في القرون التي تلت عصر مخترعها بديع الزمان الهمذاني المتوفى عام 398هـ حيث كان أول من فتح بابها، وسلك طريقها، واشتهر من بعده الحريري بمقاماته وتابعه كثيرون آخرون.
وغالباً ما تنسب المقامة إلى مكانها الذي يزعم أنها حدثت فيه، فيقال المقامة الحلبية والمقامة الاسكندرانية وهكذا.
6 ـ فن الرواية:
الفن السادس من فنون الأدب الرواية: وقد عرف الرواية بعضهم بقوله:وهي ذكر قول أو فعل حدثا، أو أمكن حدوثهما.
وخواصها: الإيضاح والإيجاز والإمكان والتلطف.
ولها ثلاثة أجزاء: صدرها وعقدتها وختامها.
وأمثلتها كثيرة منها: رواية ليلى الأخيلية مع الحجاج، ورواية بنات الشاعر المقتول ،ورواية المرأة المتكلمة بالقرآن، وغير هذا وذلك.
7 ـ فن تاريخ الأدب العربي:
الفن السابع من فنون الأدب ما يتعلق بتاريخ أدب اللغة العربية. وهو فن يتناول تاريخ الأمة العربية، ابتداء من العرب البائدة إلى العاربة إلى المستعربة إلى المحدثين، كما يتناول تاريخ لغتهم وحياتهم الاجتماعية وأخلاقهم وغير ذلك.
** أشهر كتب الأدب:
قال ابن خلدون في علم الأدب: وأركانه أربعة دواوين وهي: (أدب الكاتب) لابن قتيبة، وكتاب (الكامل) للمبرّد، وكتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، وكتاب (النوادر) لأبي علي القالي.
ولكنا لا نستطيع أن نغفل بعض كتب الأدب الأخرى البارزة، أمثال (العقد الفريد) لابن عبد ربه و(الأغاني) لأبي الفرج الأصبهاني وغيرهما.
وهذه الكتب لا غنى عنها لمن يريد أن يبني قاعدة أدبية صحيحة ، فهي الأصل ، وأما الاعتماد على الكتب المتأخرة فخطأ كبير