الأسماء والنعوت التى أطلقها الصليبيون على المسلمين.
(السراقنة -الوثنيون – الكفار –– المحمديون).
تعددت الأسماء والنعوت التى أطلقها المؤرخون والرحالة الغربيون على المسلمين أبان عصر الحروب الصليبية, حيث وصفوا المسلمين ونعتوهم بصفات غير لائقة مثل: السراقنة "Saracens", والوثنيون "Pagans", والكفار "Infidels", والمحمديون "Muhammadan", والأعداء, إلى غير ذلك من النعوت والصفات التى لا تمت بصلة للمسلمين الذين عُرف عنهم التسامح, واحترام أهل الذمة الذين كانوا يعيشون معهم. ولم يرد لدى الكتاب الصليبيين لفظ "مسلمين" Muslims على الإطلاق. وسوف نتناول كل لفظ على حدى.
أولاً: لفظ السراقنة.
اعتاد المؤرخون والرحالة الغربيون في عصر الحروب الصليبية على نعت المسلمين بالسراقنة "Saracens". وقد كثرت الآراء والاجتهادات في العصر الحديث حول تفسير معنى كلمة "السراقنة", وماذا يُقصد بها, وقد وأرجعها البعض الى أنها تعني "عبيد سارة" في إشارة إلى أن المسلمين من نسل "هاجر" المصرية زوجة النبي إبراهيم, وقد اعتبر الغربيون أن المسلمين هم من نسل هاجر الأمة, وزعموا أن هاجر كانت أمة لدى السيدة "سارة" زوجة الخليل إبراهيم عليه السلام, وهو ما يكشف عن التعصب الدفين للمسلمين. أما الرأي الثالث فقد أرجعه بعض الباحثين إلى قبيلة السوارقة (السواركة) التى كانت تسكن على الساحل بين غزة والفرما. ويرى فريق آخر أن كلمة "السراقنة" مُشتقة من الفعل "سَرَقَ" كصفة للبدو الذين كانوا يعيشون على عمليات السلب والنهب, فمثلا وصف أحد المؤرخين الغربيين أن السراسنة كانوا يحصلون على ما يحتاجون إليه في الحياة "بقوة القوس والنهب". على حين يرى فريق ثالث أن الكلمة مشتقة من الشرق Sharq, وهذا محتمل, لأن هؤلاء البدو كانوا يعيشون في شرق الإمبراطورية الرومانية. وخصوصا بعد أن ضُمت دولة الأنباط إلى الدولة الرومانية, فالشراقنة هم الذين يقطنون إلى الشرق من كورة العربية, وهو الاسم الجديد لمملكة الأنباط بعد ضمها إلى روما.
ومع الاتفاق مع جميع الآراء التى ذكرتها المراجع السابقة, إلا أن الباحث يتفق مع رأي الأستاذ سعيد البيشاوي في أن كلمة السراقنة عند الغربيين كان المقصود منها مهاجمة المسلمين الذين فتحوا بلاداً كثيرة ونشروا فيها الإسلام, وهذا يشير إلى حقدهم على الدين الإسلامي الحنيف الذى جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) لجميع الأمم. ولعل هذا يتضح من خلال حديث جميع الرحالة الغربيين ومن بينهم الحاج سايولف, ودانيال الروسي, ويوحنا فورزبورغ, وبورشارد من دير جبل صهيون, ويعقوب الفيتري وغيرهم, الذين وصفوا المسلمين بالكفار والوثنيين والسراقنة.
كان السراسنة بالنسبة للصليبيين مجرد أعداء زائدة لا وجود لها ومجرد كفار تافهين, ولا تزال قصة حج شارلمان الخرافية الهجائية التى ألفت أوائل القرن الثاني عشر وتظهر الإمبراطور متجولا في القدس دون أن يحتك بسكانها. الا أن "أنشودة رولاند" التى تعود الى الفترة نفسها, تكشف عن إسلام قوى وغنى يهب حكامه لمساعدة بعضهم بعضا ولكنه على كل حال إسلام متحد في عبادة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوثنيون :
حرص الرحالة والمؤرخون الغربيون على تقديم صورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين خلال كتاباتهم أثناء فترة الحروب الصليبية, ومن ذلك نعتهم للمسلمين بعدة ألقاب تنم عن عدائهم له, إذ أكثروا من استخدام مصطلح "الوثنيون" لوصف المسلمين ويتضح ذلك من خلال ما أورده معظم الرحالة والمؤرخين الغربيين عصر الحروب الصليبية.
لدينا وصف للمسلمين رسمته كلمات المؤرخ الصليبي "فوشيه الشارتري الذى كان شاهد عيان لمعظم أحداث الحملة الصليبية الأولى, وهو وصف يكاد يكون تجسيداً لرؤية المصادر الغربية عموماً في ذلك الوقت المبكر من أدوار الصراع الصليبي الإسلامي. فهو يقول: " كان الوثنيون (يقصد بهم المسلمون) يمارسون عبادة الأصنام وبعض الخرافات, كما كانوا يبجلون معبد الرب تبجيلاً عظيماً, حيث كانوا يفضلون فيه تلاوة الصلوات, غير أن هذه الصلوات كانت تضيع سُدى لأنها تقدم لصنم أقيم هناك".
وفي السياق نفسه يشير الرحالة الألماني لودولف فون سخيمإلى أن المسلمين كانوا يتعبدون إلى الصخرة المقدسة, ويرتحلون من بلدان نائية لزيارة الصخرة بكل تقوى " ويقدم السراقنة (يقصد المسلمين) احتراما عظيما لهيكل الرب, ويحفظونه نظيفا جدا في الداخل والخارج, وهو جميعا عندما يدخلونه يخلعون أحذيتهم, ويسمونه الصخرة المقدسة, ولا يسمونه الهيكل, بسبب وجود صخرة صغيرة فى وسط الهيكل, وهي مطوقة بحاجز حديدي, وقد سمعت أنه قد قيل صدقا من قبل مرتدين مسلمين أنه ليس من المفترض بأن يلمس أي مسلم الصخرة, وأن المسلمين يرتحلون من بلدان نائية لزيارة الصخرة بكل تقوى.." . كما ينفرد رادولف من كين بالحديث عن تمثال مزعوم موجود في منطقة مسجد قبة الصخرة وادعاء كاذب أنه لمحمد (صلى الله عليه وسلم).
ومن المؤكد أن فوشيه الشارتري, ولودولف ورادولف وغيرهم من المؤرخين والرحالة الغربيين خلطوا بين الاحترام الذى كان يكنه المسلمون لمسجد قبة الصخرة والذي أطلقت عليه المصادر الصليبية اسم معبد الرب وبين زيارته, وبين العبادة, ويدل على ذلك وصف الرحالة الألماني فورزبرج الذي وصف مسجد قبة الصخرة وأطلق عليه اسم معبد الرب, وأشار إلى أن المسلمين كانوا يأتون لتأدية الصلاة في هذا المكان, ويتوجهون في صلاتهم صوب الجنوب "القبلة".فلا يعقل أن يتعبد المسلمون لصنم, في الوقت الذي جاء فيه الإسلام ليحرم عبادة الأصنام.
لم تتوقف افتراءات المؤرخين والرحالة الغربيين عند هذا الحد بل عادوا يروجون لفكرة أخرى تذهب إلى أن المسلمين لم يكن لهم دين يدينون به, ومن ذلك إشارة المؤرخ فوشيه الشارتري الذى راح يردد فى أكثر من موضع في كتابه. "يا له من عار على المسيحيين أن يلومنا من لا دين لهم على ديننا". كما يذكر في موضع آخر "يا له من عار إذ قام جنس خسيس مثل هذا الجنس (يقصد المسلمين) جنس منحل, تستعبده الشياطين بهزيمة شعب يتحلى بإيمان عظيم".
هذه الصورة التى ترسمها كلمات المؤرخ الصليبي فوشيه الشارتري, تجعل من المسلم وثني يعبد الأصنام, ويعتقد في عبادة الأحجار, كما تصفه بالبلاهة والسذاجة إلى حد أن الشياطين تستعبدهم.
لدينا وصف آخر للمسلمين جاءنا هذه المرة من الرحالة اليهودي بتاحيا الراتسبوني الذى ذكر أن المسلمين كانوا يشاركون اليهود في زيارة قبر النبي حزقيال ,حيث كانوا يقدمون النذور والذبائح على القبر, وأي شخص لا يمتلك أطفالاً أو كانت لديه ماشية عاقر, يقوم بتقديم النذر والصلاة في المقام قائلاً: "سيدنا حزقيال لو رجعت سوف أعطيك كذا وكذا.." .
ويمكننا الرد على هذا الزعم بأن زيارة المسلمين لقبر النبي حزقيال, ومشاركتهم لليهود في الاحتفال به, كان أمراً طبيعياً لأن النبي حزقيال هو نبي الله "ذو الكفل" –عليه السلام- والذى ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله وتعالى: "وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ". والإيمان به وبجميع الأنبياء الذين ثبتت نبوتهم جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية. ولكن لا يمكن قبول ما أورده بتاحيا من أن المسلمين كانوا يقدمون النذور له ويسألونه أن يهبهم الذرية, لأن هذا يتنافى مع تعاليم الإسلام التي تحرم على المسلم أن لا ينذر إلا لله, ولا يسأل إلا الله تبارك وتعالى مصداقا لقوله عز وجل " فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا" فدل ذلك على أن النذر لا يكون إلا لله. ويقول الله عز وجل " وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا". ويقول الرسول الكريم في حديث صحيح له "إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله".
وإذا كان هناك بعضاً من ضعفاء النفوس والجاهلين يقومون بالنذر للمقابر وسؤال أصحاب هذه المقابر حاجتهم فإن هذا ليس معناه أن كل المسلمين يفعلون ذلك.
يعود بتاحيا الراتسبوني ليردد أن المسلمين كانوا يخشون أحد الأحبار اليهود يُدعى "مير" Meir ويقدسونه في مقامه ويعتبرونه حاضراً معهم, ويقدمون له النذور بأنهم إن رجعوا سالمين في أي مكان فسوف يقدمون له كذا وكذا..".
يلاحظ هنا أن بتاحيا اتخذ من تعظيم المسلمين لبعض مقامات أنبياء بني إسرائيل وصلحاهم في المنطقة العربية وسيلة يؤكد بها ما يسوقه في ثنايا رحلته من أساطير وأحلام يهودية.
للمقال بقية ان شاء الله ..
(السراقنة -الوثنيون – الكفار –– المحمديون).
تعددت الأسماء والنعوت التى أطلقها المؤرخون والرحالة الغربيون على المسلمين أبان عصر الحروب الصليبية, حيث وصفوا المسلمين ونعتوهم بصفات غير لائقة مثل: السراقنة "Saracens", والوثنيون "Pagans", والكفار "Infidels", والمحمديون "Muhammadan", والأعداء, إلى غير ذلك من النعوت والصفات التى لا تمت بصلة للمسلمين الذين عُرف عنهم التسامح, واحترام أهل الذمة الذين كانوا يعيشون معهم. ولم يرد لدى الكتاب الصليبيين لفظ "مسلمين" Muslims على الإطلاق. وسوف نتناول كل لفظ على حدى.
أولاً: لفظ السراقنة.
اعتاد المؤرخون والرحالة الغربيون في عصر الحروب الصليبية على نعت المسلمين بالسراقنة "Saracens". وقد كثرت الآراء والاجتهادات في العصر الحديث حول تفسير معنى كلمة "السراقنة", وماذا يُقصد بها, وقد وأرجعها البعض الى أنها تعني "عبيد سارة" في إشارة إلى أن المسلمين من نسل "هاجر" المصرية زوجة النبي إبراهيم, وقد اعتبر الغربيون أن المسلمين هم من نسل هاجر الأمة, وزعموا أن هاجر كانت أمة لدى السيدة "سارة" زوجة الخليل إبراهيم عليه السلام, وهو ما يكشف عن التعصب الدفين للمسلمين. أما الرأي الثالث فقد أرجعه بعض الباحثين إلى قبيلة السوارقة (السواركة) التى كانت تسكن على الساحل بين غزة والفرما. ويرى فريق آخر أن كلمة "السراقنة" مُشتقة من الفعل "سَرَقَ" كصفة للبدو الذين كانوا يعيشون على عمليات السلب والنهب, فمثلا وصف أحد المؤرخين الغربيين أن السراسنة كانوا يحصلون على ما يحتاجون إليه في الحياة "بقوة القوس والنهب". على حين يرى فريق ثالث أن الكلمة مشتقة من الشرق Sharq, وهذا محتمل, لأن هؤلاء البدو كانوا يعيشون في شرق الإمبراطورية الرومانية. وخصوصا بعد أن ضُمت دولة الأنباط إلى الدولة الرومانية, فالشراقنة هم الذين يقطنون إلى الشرق من كورة العربية, وهو الاسم الجديد لمملكة الأنباط بعد ضمها إلى روما.
ومع الاتفاق مع جميع الآراء التى ذكرتها المراجع السابقة, إلا أن الباحث يتفق مع رأي الأستاذ سعيد البيشاوي في أن كلمة السراقنة عند الغربيين كان المقصود منها مهاجمة المسلمين الذين فتحوا بلاداً كثيرة ونشروا فيها الإسلام, وهذا يشير إلى حقدهم على الدين الإسلامي الحنيف الذى جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) لجميع الأمم. ولعل هذا يتضح من خلال حديث جميع الرحالة الغربيين ومن بينهم الحاج سايولف, ودانيال الروسي, ويوحنا فورزبورغ, وبورشارد من دير جبل صهيون, ويعقوب الفيتري وغيرهم, الذين وصفوا المسلمين بالكفار والوثنيين والسراقنة.
كان السراسنة بالنسبة للصليبيين مجرد أعداء زائدة لا وجود لها ومجرد كفار تافهين, ولا تزال قصة حج شارلمان الخرافية الهجائية التى ألفت أوائل القرن الثاني عشر وتظهر الإمبراطور متجولا في القدس دون أن يحتك بسكانها. الا أن "أنشودة رولاند" التى تعود الى الفترة نفسها, تكشف عن إسلام قوى وغنى يهب حكامه لمساعدة بعضهم بعضا ولكنه على كل حال إسلام متحد في عبادة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوثنيون :
حرص الرحالة والمؤرخون الغربيون على تقديم صورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين خلال كتاباتهم أثناء فترة الحروب الصليبية, ومن ذلك نعتهم للمسلمين بعدة ألقاب تنم عن عدائهم له, إذ أكثروا من استخدام مصطلح "الوثنيون" لوصف المسلمين ويتضح ذلك من خلال ما أورده معظم الرحالة والمؤرخين الغربيين عصر الحروب الصليبية.
لدينا وصف للمسلمين رسمته كلمات المؤرخ الصليبي "فوشيه الشارتري الذى كان شاهد عيان لمعظم أحداث الحملة الصليبية الأولى, وهو وصف يكاد يكون تجسيداً لرؤية المصادر الغربية عموماً في ذلك الوقت المبكر من أدوار الصراع الصليبي الإسلامي. فهو يقول: " كان الوثنيون (يقصد بهم المسلمون) يمارسون عبادة الأصنام وبعض الخرافات, كما كانوا يبجلون معبد الرب تبجيلاً عظيماً, حيث كانوا يفضلون فيه تلاوة الصلوات, غير أن هذه الصلوات كانت تضيع سُدى لأنها تقدم لصنم أقيم هناك".
وفي السياق نفسه يشير الرحالة الألماني لودولف فون سخيمإلى أن المسلمين كانوا يتعبدون إلى الصخرة المقدسة, ويرتحلون من بلدان نائية لزيارة الصخرة بكل تقوى " ويقدم السراقنة (يقصد المسلمين) احتراما عظيما لهيكل الرب, ويحفظونه نظيفا جدا في الداخل والخارج, وهو جميعا عندما يدخلونه يخلعون أحذيتهم, ويسمونه الصخرة المقدسة, ولا يسمونه الهيكل, بسبب وجود صخرة صغيرة فى وسط الهيكل, وهي مطوقة بحاجز حديدي, وقد سمعت أنه قد قيل صدقا من قبل مرتدين مسلمين أنه ليس من المفترض بأن يلمس أي مسلم الصخرة, وأن المسلمين يرتحلون من بلدان نائية لزيارة الصخرة بكل تقوى.." . كما ينفرد رادولف من كين بالحديث عن تمثال مزعوم موجود في منطقة مسجد قبة الصخرة وادعاء كاذب أنه لمحمد (صلى الله عليه وسلم).
ومن المؤكد أن فوشيه الشارتري, ولودولف ورادولف وغيرهم من المؤرخين والرحالة الغربيين خلطوا بين الاحترام الذى كان يكنه المسلمون لمسجد قبة الصخرة والذي أطلقت عليه المصادر الصليبية اسم معبد الرب وبين زيارته, وبين العبادة, ويدل على ذلك وصف الرحالة الألماني فورزبرج الذي وصف مسجد قبة الصخرة وأطلق عليه اسم معبد الرب, وأشار إلى أن المسلمين كانوا يأتون لتأدية الصلاة في هذا المكان, ويتوجهون في صلاتهم صوب الجنوب "القبلة".فلا يعقل أن يتعبد المسلمون لصنم, في الوقت الذي جاء فيه الإسلام ليحرم عبادة الأصنام.
لم تتوقف افتراءات المؤرخين والرحالة الغربيين عند هذا الحد بل عادوا يروجون لفكرة أخرى تذهب إلى أن المسلمين لم يكن لهم دين يدينون به, ومن ذلك إشارة المؤرخ فوشيه الشارتري الذى راح يردد فى أكثر من موضع في كتابه. "يا له من عار على المسيحيين أن يلومنا من لا دين لهم على ديننا". كما يذكر في موضع آخر "يا له من عار إذ قام جنس خسيس مثل هذا الجنس (يقصد المسلمين) جنس منحل, تستعبده الشياطين بهزيمة شعب يتحلى بإيمان عظيم".
هذه الصورة التى ترسمها كلمات المؤرخ الصليبي فوشيه الشارتري, تجعل من المسلم وثني يعبد الأصنام, ويعتقد في عبادة الأحجار, كما تصفه بالبلاهة والسذاجة إلى حد أن الشياطين تستعبدهم.
لدينا وصف آخر للمسلمين جاءنا هذه المرة من الرحالة اليهودي بتاحيا الراتسبوني الذى ذكر أن المسلمين كانوا يشاركون اليهود في زيارة قبر النبي حزقيال ,حيث كانوا يقدمون النذور والذبائح على القبر, وأي شخص لا يمتلك أطفالاً أو كانت لديه ماشية عاقر, يقوم بتقديم النذر والصلاة في المقام قائلاً: "سيدنا حزقيال لو رجعت سوف أعطيك كذا وكذا.." .
ويمكننا الرد على هذا الزعم بأن زيارة المسلمين لقبر النبي حزقيال, ومشاركتهم لليهود في الاحتفال به, كان أمراً طبيعياً لأن النبي حزقيال هو نبي الله "ذو الكفل" –عليه السلام- والذى ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله وتعالى: "وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ". والإيمان به وبجميع الأنبياء الذين ثبتت نبوتهم جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية. ولكن لا يمكن قبول ما أورده بتاحيا من أن المسلمين كانوا يقدمون النذور له ويسألونه أن يهبهم الذرية, لأن هذا يتنافى مع تعاليم الإسلام التي تحرم على المسلم أن لا ينذر إلا لله, ولا يسأل إلا الله تبارك وتعالى مصداقا لقوله عز وجل " فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا" فدل ذلك على أن النذر لا يكون إلا لله. ويقول الله عز وجل " وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا". ويقول الرسول الكريم في حديث صحيح له "إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله".
وإذا كان هناك بعضاً من ضعفاء النفوس والجاهلين يقومون بالنذر للمقابر وسؤال أصحاب هذه المقابر حاجتهم فإن هذا ليس معناه أن كل المسلمين يفعلون ذلك.
يعود بتاحيا الراتسبوني ليردد أن المسلمين كانوا يخشون أحد الأحبار اليهود يُدعى "مير" Meir ويقدسونه في مقامه ويعتبرونه حاضراً معهم, ويقدمون له النذور بأنهم إن رجعوا سالمين في أي مكان فسوف يقدمون له كذا وكذا..".
يلاحظ هنا أن بتاحيا اتخذ من تعظيم المسلمين لبعض مقامات أنبياء بني إسرائيل وصلحاهم في المنطقة العربية وسيلة يؤكد بها ما يسوقه في ثنايا رحلته من أساطير وأحلام يهودية.
للمقال بقية ان شاء الله ..