اساءة استخدام الأدوية لدي أفراد الأسرة
تفشت أخيراً عند كثير من الأسر ظواهر سلبية عدة منها ظاهرة إساءة استخدام الأدوية، حيث يفرط كثير من أفراد الأسر في استخدام كثير من الأدوية المصنعة بطرق كيمياوية، متناسين أن الإفراط في تناولها يؤدي إلى حدوث مشكلات خطيرة، وبخاصة تأثير الدواء المستمر على الكبد والقلب والكليتين.
وقد لفتت هذه الظاهرة نظر علماء المسلمين منذ القدم، قد فأدركوا المخاطر المحتملة للأدوية ولمسوا آثارها الجانبية، ومن ثم نجدهم في القرن الثامن الميلادي يحذرون الناس من هذا الخطر، فيعلن الطبيب العربي ( ثياذوق) أنه على الإنسان ألا يشرب الدواء إلا لإزالة علة أو مرض. وبعد ( ثياذوق)، يقرر العلامة أبو بكر الرازي في القرن التاسع الميلادي مبدأ مهماً في العلاج، في كتابه الشهير الحاوي: ( إذا قدرت أن تعالج بالأغذية، فلا تعالج بالأدوية.
وإذا قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب) . ومن هنا، سارع الخلفاء العباسيون إلى تنظيم مهنة الطب والصيدلة. ولم يسمحوا إلا لمن حصل على ترخيص بمزاولتها. ولا يحصل على هذا الترخيص إلا من أدى امتحاناً أمام لجنة (الحسبة) التي تشكلها الدولة.
وبهذا ظهر أول تنظيم رسمي لممارسة مهنة الصيدلة في العالم، ثم انتقل هذا التنظيم لتصنيع الدواء وبيعه وصرفه. ومن أمثلة الأدوية الكيمياوية التي أسيء استعمالها لدى أفراد الأسرة في عصرنا الحالي:
المسكنات:
تستخدم هذه الأدوية على نطاق واسع لتسكين الألم. وهي تضم مجموعة كبيرة من المركبات الكيمياوية، من أشهرها أملاح البروم Brombles وتستعمل هذه الأملاح بصفة خاصة في علاج الأرق والتهيج العصبي والصرع.
وهي تتميز بطول مدة مفعولها لأن إفرازها من الكليتين بطيء ومن ثمَّ تبقى في الجسم مدة أطول. ولهذا كانت فائدتها في علاج الصرع كبيرة، لأن بقاءها بالجسم مدة طويلة يضمن السيطرة على الأعصاب المتوترة حتى يحين موعد الجرعة التالية. وإذا أعطى ملح البروميد بمقادير صغيرة خمدت حدة الذهن والتيقظ والتنبه التي يتصف بها الشخص العادي، فيبدو خاملاً خامداً لا يقوى على التركيز والتفكير.
أما إذا أعطى بمقادير كافية لجلب النوم، فإن المريض يصحو منه كسولاً على غير ما نعهده فيه بعد الاستيقاظ من نوم طويل. وإذا تناوله المريض مدداً طويلة، فإن تراكمه بالجسم يسبب أعراضا خاصة، من أهمها: بلادة التفكير، وضعف الذاكرة، وظهور طفح جلدي على شكل بثور أو بقع حمراء.
وفي الحالات الشديدة قد لا يقوى المريض على السير بثبات، ويتهته ويتلعثم إذا حاول التعبير عن أفكاره. وقد شاع في السنوات الأخيرة استعمال مستحضرات (الفينوباربيتال) Phenobarbital التي من أسمائها المعروفة (اللومينال) Luminal وقد أدى سوء استخدامها إلى ظهور أعراض تسمم شديدة تصحبها غيبوبة لا يفيق المريض منها نتيجة لشل مركز التنفس في المخ، أو بسبب حدوث التهاب رئوي حاد ناجم عن الغيبوبة الشديدة وتراكم الإفرازات المخاطية في قاع الرئتين ثم غزوها من قبل الجراثيم.
وقد لاتقف أعراض التسمم في بعض الحالات يحدث طفح جلدي يشبه طفح الحصبة، ويكون مصحوباً بارتفاع في درجة حرارة جسم المريض. و(للفينوباربيتال) مستحضرات كثيرة. وتتوقف كفاية أي مستحضر منها وسلامة مفعوله على قدرة الجسم على تحطيمه والتخلص منه. فمستحضر (الفينوباربيتون) مثلاً لا يطرد من الجسم بسهولة، ومن ثم فإن تكرار استعماله أياماً متوالية يؤدي إلى تراكمه في داخل الجسم ومن ثم يحدث تسمم مزمن.
وكلما كان تخلص الجسم من المستحضر بطيئاً، شعر الإنسان بخمول جسمي وذهني في اليوم الذي يعقب تناوله لهذا المستحضر. ومن المؤسف، أن إنتاج المسكِّنات لا يخضع إنتاجها في بلدان كثيرة إلى رقابة فاعلة، وكذلك الأمر بالنسبة لتجارتها وتوزيعها. وهو أمر يؤدي إلى بيعها من دون ضوابط، وحدوث ما لا تحمد عقباه نتيجة للإفراط في استخدامها من دون أن يكون الشخص الذي يتناولها دراية تامة بمضارها ومخاطرها.
المضادات الحيوية :
ففي الأربعينيات من القرن العشرين، عندما انتشر استعمال البنسلين، كان ينظر إليه على أنه العقار الساحر العجيب الذي سوف يخلِّص العالم من أمراض الرئة وغيرها من الأمراض الخطرة. وقد فتح اكتشاف (فلمنج)، لهذا العقار آفاقاً جديدة لإنتاج المئات من أنوع المضادات الحيوية تحت أسماء مختلفة. وأسرف الكثيرون في تناول هذه المضادات، حتى أصبحت لدى الفيروسات والبكتريا مناعة ضدها.
وفي بداية استعمال البنسلين، كان تأثيره إيجابياً بنسبة 100% ضد الميكروب العنقودي (ستافيلوكوك) Sta philococcus الذي كان ينشر العدوى بين مرضى المستشفيات ولكن في هذه الأيام، فإن تأثير البنسلين أقل فاعلية بنسبة كبيرة عن الماضي. ولقد استخدم ( البنسلين والتيترا سيكلي)، في بداية اكتشافهما، لعلاج مرضى السيلان بنجاح. واليوم، أصبحت نسبة الفشل في العلاج بهما تصل إلى أكثر من 20%. ولسنوات عدة كان من الواضح أن كثرة استعمالات المضادات الحيوية سيساعد على التقليل من فاعلية هذه العقاقي. فلقد استخدمت في علاج كل شيء تقريباً، بما في ذلك إصابات البرد العادية.
وقد حرصت شركة صناعة الأدوية من جانبها على زيادة إنتاج المضادات الحيوية لتلبية حاجات الأسواق المتزايدة. وأسرف الأطباء في وصف هذه المضادات لمرضاهم، بل إن بعض الجراحين يقومون بوصفها للمرضى قبل إجراء العمليات الجراحية لمنع حدوث تلوث فيما بعد. وفي الولايات المتحدة الأميركية، استعملت المضادات الحيوية، بعد خلطها مع طعام الماشية، للإسراع بتسمينها. ويستهلك أكثر من 40% من المضادات الحيوية التي تنتج في أميركا لهذا الغرض.
ونتيجة لذلك، فإن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تكاثر عددها في البيئة بشكل خطير. وفي 1977م، حاولت هيئة الغذاء والدواء ( (FDA الأميركية الحد من استخدام المضادات الحيوية لتسمين الماشية، لكنها فشلت في ذلك، لأن شركات صناعة الدواء مارست ضغوطاً شديدة على لجان (الكونغرس)، ما أدى في النهاية إلى التوصية فقط بإجراء مزيد من الأبحاث في هذا المجال.
وهناك أدوية كثيرة أخرى لها آثار جانبية في حال استخدامها مثل: ( الأسبرين، والفيناستين، والبيراميدون)، ومركبات (السلفا)، وعقار (أوبرين)، و(براكتولول)، و(ديجوكسين) وكذلك عقاقير المنومات والمنبهات.
وقد بلغ السيل الزبى في بعض بلدان العالم، حيث أدمن بعضهم على استخدام أدوية الكحة والسعال التي تحتوي فيما تحتويه على بعض المواد المخدرة في تركيبها الكيمياوي، وقد شاع ذلك في البلدان التي تضيق الخناق على بيع المخدرات لكنها تتساهل في صرف الأدوية من الصيدليات من دون مراعاة لتوافر تذكرة الطبيب.
ومن الأدوية التي تسبب الإدمان: عقار (الكودائين) الذي يستخدم في كثير من أدوية السعال. وتقول التقارير الطبية إن (الكودائين) يسبب الإدمان عند الأطفال الذين يتناولونه بكثرة في علاج السعال. وقد تبين أن 40% من هذه العقار، تتحول إلى (المورفين) المخدر الشهير، حين تدخل جسم الإنسان.
ولعله من الجلي أن الإحاطة بأضرار الأدوية المختلفة أمر صعب. ويكفي قراءة ما هو مدون عادة في النشرات الداخلية للأدوية الكيمياوية. ومما أحب أن أشير إليه: أن هذا المقال لا يدعو إطلاقاً إلى إساءة الظن بالأدوية أو محاربتها، إنما يحذِّر من الإفراط والإسراف في استخدامها لما في ذلك من آثار ضارة على الإنسان. وإن معظم الأمراض قابل للوقاية منه لو عرف كل شخص التزاماته الصحيحة وأداها نحو أسرته ونحو جسده ونفسه. (وفدرهم وقاية خير من قنطار علاج) .
إن أكبر حماقة يرتكبها الإنسان في حق نفسه وفي صحته هي أن يسارع إلى تناول دواء كيمياوي مع أي وعكة تنتابه. من دون أن يستشير الطبيب المتمرس الفطن. وتزداد الحماقة إذا استخدم الإنسان الدواء للإدمان لا للعلاج. وهنا الطامة الكبرى، فالصحة أمانة أودعها الله لدى الإنسان، يثاب إذا حافظ عليها، ويؤثم إذا أفسدها وأضاعها بجهله وطيشه.