الأسرة والسلوك الديمقراطي
تلعب الاسرة دوراً كبيراً في تعليم الأطفال السلوك الديمقراطي، فهي تعكس ثقافة المجتمع الذي نشأ فيه وتنمي وتحدد في العادة الوسائل العديدة لخبراته، ومن خلالها تتم عملية التنشئة الاجتماعية التي تلعب دوراً كبيراً في تشكيل شخصية الفرد.
ويقتصر عالم الطفل في بداية الأمر على هذه التأثيرات الهامة الصادرة أساساً من داخل الأسرة، فهي التي تشكل بالتدرج شخصيته من خلال العديد من الخبرات التي يتلقنها من هذه البيئة الصغيرة، ولكن الطفل بدوره ونتيجة للتفاعل المتبادل بينه وبين الأسرة يبدأ يحدث أثره في الأسرة ويعدل عن نمط العلاقات القائمة، ويبدو أن هذا الاهتمام بالديمقراطية ليس حديثاً، بل هو قديم قدم الفلسفة الصينية، فها هو (كونفوشيوس) فيلسوف الصين يرجع فساد الحكم إلى غياب المواطنة الصالحة نظراً لاختلال الأسرة، وعجزها عن تلقين معاني الفضيلة والحب المتبادل والخير العام، كما أن افلاطون جعل النظام التربوي هو الذي يعد الفلاسفة الذي يحكمون (المنوفي، 1979، ص28)
وهناك عوامل متعددة تجعل للاسرة هذا الدور الهام في التنشئة الاجتماعية منها:
1-طول فترة مرحلة الطفولة، مما يعطي للأسرة الوقت الكافي لتعليم الطفل ما تريد سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2-المرونة التي يولد بها الطفل، إذ يتميز الطفل بأنه على قدر كبير من المرونة والقدرة على تعلم واكتساب مهارات متعددة.
3-عجز الطفل، فخلال فترة طفولته منذ الولادة وحتى البلوغ يكون الطفل عاجزاً عن أن يعيش بمفرده، أو أن يعتمد على نفسه اعتماداً كلياً وخاصة في المجتمعات الحديثة، ولذلك يكون الطفل في حاجة دائمة إلى الآخر، سواء الأم أو الأب أو الأخوة الأكبر لرعايته ومساعدته في إشباع حاجاته وخلال ذلك تكون الفرصة لتعليم الطفل انماطاً سلوكية متعددة.
4- وكون الأسرة المؤسسة الوحيدة التي يتأثر بها الطفل قبل المدرسة على الأقل بسنتين أو ثلاثة
ويكاد يجمع علماء النفس على أن الخبرات المبكرة التي يكتسبها الطفل في السنوات الأولى بعد ميلاده تلعب دوراً هاماً في تكوين شخصيته وتشكيل سلوكه في الكبر، بل ويرى معظم علماء النفس، أن هناك علاقة مباشرة وواضحة بين نمط رعايته ومعاملة الوالدين للأبناء (خلال عملية التنشئة الاجتماعية) وبين شخصية هؤلاء الأبناء، فقد أظهرت الدراسات التي أجريت على حالات مرضية والأطفال المضطربين سلوكياً، والملاحظات التجريبية على الأسوياء، أظهرت عدداً من العلاقات بين نمط رعاية الوالدين وبين سلوك الطفل وشخصيته، كما أوضحت أيضاً أن صفات شخصية الراشد ترجع إلى آثار الخبرات المبكرة في حياته.
وتساهم الأسرة في تعليم الطفل لغته ودينه وتقاليده وعاداته وقيمه التي ينشأ عليها ويلتزم بها، وباختصار فإن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل وخاصة الأسرة في البداية هي التي تهبه هويته البشرية وتكسبه الجانب الإنساني فيه، فتعلمه أثناء التنشئة كل ما سبق بالإضافة إلى طريقة المشي، والكلام وتناول الطعام، والتعامل مع الآخرين، بل وكيف يؤدي ذلك كله بطريقة إنسانية (تركي، 1986، ص17)
وهناك العديد من البحوث والدراسات أوضحت دور الأسرة في السلوك الديمقراطي أو التسلطي، فدرس الباحث هشام شرابي ممارسة التسلط الأسري اتجاه الأطفال (شرابي، 1980، ص144) مبيناً أن العائلة كمؤسسة اجتماعية هي الوسيط الرئيسي بين شخصية الفرد والحضارة التي ينتمي إليها، وان شخصية الفرد تتكون ضمن العائلة، وإن قيم المجتمع وأنماط السلوك فيه تنتقل إلى حد كبير وتتقوى من خلال العائلة.
وقد حدد (شرابي) مجموعة من القواعد التي يرتكز اليها هذا المنطلق كما يلي:
1-عندما يولد الطفل تكون ذاته غير متكونة، وهي تتكون بصورة تدريجية، كنتيجة للتفاعل بينها وبين ذوات أشخاص آخرين إنها في الواقع سلوك متعلم يتكون قبل بلوغ الفرد وعيه الذاتي.
2-إن الذات منظمة تنظيماً تصاعدياً وهي مؤلفة من عدة مستويات يجري اكتسابها في سياق النمو والتجربة، والمستوى الأول هو الأكثر أهمية، إذ عليه يرتكز إطار الشخصية الأساسي، وتمثل الأم فيه دوراً حاسماً من حيث أثرها في تكوين شخصية الطفل، أما المستويات الأخرى التي تشمل التعلم في الطفولة والمراهقة والإدراك والوعي في سن البلوغ فهي ذات أهمية مختلفة.
3-إن الإنسان حصيلة عوامل وراثية بيئية وهو، تعريفاً حيوان اجتماعي، وبالتالي مجموعة العلاقات الشخصية المشتركة، والواقع أن الأنماط التي تتخذها هذه العلاقات فيما بعد تتكون إلى حد كبير في السنوات الأولى في حياة الطفل.
4-إن طرق تربية الطفل تمثل دوراً حاسماً في تعيين نوعية الشخصية من حيث ارتباطها بمجتمع معين، ودلالتها عليه، ولذا فإن فهم طرق تربية الطفل يؤدي إلى فهم السلوك الاجتماعي ودافعه في المجتمع.
5-إن المواقف التي يتخذها الوالدان ضمن العائلة تؤثر تأثيراً حاسماً في نمو الشخصية، وذلك لأنها تؤثر في حاجات الطفل الأساسية وتأمين استمراره في الوجود وتمتعه بالاطمئنان العاطفي، ويستمر الوالدان طول مرحلة الطفولة في تمثيل دور خطير الأهمية في ما يتعلق بضبط دوافع الطفل وإرواء حاجاته وتحديد مقاييسه والتأثير في مختلف مراحل نمو الأنا كما في نتائج هذا النحو
6-إن التغييرات التي تطرأ على طرق تربية الطفل وعلى تجارب الطفولة تنبع قبل كل شيء من موضع الطبقة الاجتماعي التي تنتمي إليها العائلة، أي من مستواها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكذلك من وضعها الأثني والديني والإقليمي.
وفي دراسة أجراها الباحثان (زهير حطب، وعباس مكي)استهدفت خصوصيات سلطة الوالدين كما يواجهها الشباب اللبنانيون من حيث مضمونها وتجسيداتها الفعلية بنظام كامل من المسموحات والممنوعات، ومن حيث الميادين التي تطرح فيها، وأخيراً من حيث دينامية تمثلها والامتثال لها في أوساط الشباب، وقد نفذت الدراسة خلال عام 1978 وهي الفترة التي تلت حرب السنتين مباشرة، وبذلك تشير بعض نتائج هذه الحرب الى العلاقات المتبادلة داخل أهم المؤسسات في المجتمع اللبناني أي الأسرة، وقد تبين أن طبيعة الأسرة العربية عموماً واللبنانية خصوصاً، تؤثر إلى حد بعيد على المضمون والحدود والممارسة لدى السلطة السائدة فيها، ووجدت أن الشاب اللبناني أسير منطق سلطة والديه في الأسرة، خاضعاً لها، وهو إن أبدى رفضاً ظهر رفضه سلبياً متمرداً، أكثر منه رفضاً عقلانياً مدروساً.
فالأطر العلائقية الأسرية التي تكبل الشاب من جهة، وطبيعة مرحلة الانتقال غير المستقرة على صعيدي الفرد والمجتمع، من جهة أخرى، تسمان سلوك الشاب بالطابع الانفجاري، ونميل إلى الاعتقاد بأن امتثال الشباب لأمر السلطة الأبوية لا يترافق مع بروز معاناة صريحة تجاه هذا الواقع، بل مع بدايات ضعيفة لهذه المعاناة، وقد ضعفت أساليب ممارسة الأهل لسلطتهم كمعيار مبدئي بثلاثة أنماط هي:
1-النمط الأول، ويعتمد الأسلوب المتشدد في المنع والتحريم
2-النمط الثاني، ويعتمد أسلوب الحوار والتفهم.
3-النمط الثالث، وهو نمط السلطة الضعيفة وغير القادرة، المتراجعة والمفككة، التي لا تقوى على إيصال رسالة المنع إلى الشاب ولا تتمكن من جعل الشاب يحترمها، ولا تمثل مقام المرجع ولا الرموز الآيلة إليه وليس لها هيبة السلطان ورهبته (حطب، مكي، 1998، ص75)
وفي دراستنا (طلال مصطفى) الميدانية التي نفذت في مدينة دمشق، في محاولة التعرف على موقف ثقافة الشباب السوري من السلطة الأبوية، والتي توصلنا فيها إلى ثلاثة نماذج تعبر عن العلاقة القائمة بين الآباء والأبناء على شكل متصل، يمثل أحد طرفيه نموذج الطاعة المطلقة لسلطة الآباء من قبل الأبناء بنسبة (5%)، أي تدخل الآباء في جميع الأمور الخاصة بالأبناء، ويمثل النموذج الثاني، موقفاً وسطياً تقوم فيه العلاقة بين الآباء والأبناء على أساس تدخل الآباء لتوجيه تصرفات أبنائهم في المواقف التي يحتاجون فيها إلى النصح والمشورة بنسبة (92%) والنموذج الثالث، الطرف المقابل، التحرر الكامل من سلطة الآباء –أي حرية الأبناء المطلقة من سلطة الآباء بنسبة 3%-
وأوضحت النتائج أن الأبناء الذين نشأوا في اسر ديمقراطية يميلون لأن يتصرفوا بإيجابية إزاء سلطة الوالدين أكثر من هؤلاء الذين أتوا من اسر متسلطة أو متسامحة (مصطفى، 1999، ص105) ومن خلال الراسات الاجتماعية التربوية والنفسية وجدنا أساليب متعددة للتنشئة الاجتماعية الاسرية ومن أهمها التالية:
1) الأسلوب الديمقراطي:
يتصف هذا الاسلوب بأن الأمور بين الوالدين والأبناء - الأسرة ككل - تسير بشكل تعاوني، بحيث يتعلم الأطفال أنهم مطالبون ببعض الواجبات بانتظام واتخاذ بعض القرارات بأنفسهم، كما يتعلمون أن للأبوين حقوقاَ وامتيازات خاصة كما لاينتظر الأطفال من والديهم أن يكونوا موقع الانتباه الدائم والرعاية المستمرة. قد تقع الخلافات بين أفراد الأسرة التي تطبق هذا الاسلوب، لكنها لا تدوم طويلاَ حيث تعالج بالمناقشة الصريحة وبروح التعاون والمحبة (فهمي،1979، 356)
تلعب الاسرة دوراً كبيراً في تعليم الأطفال السلوك الديمقراطي، فهي تعكس ثقافة المجتمع الذي نشأ فيه وتنمي وتحدد في العادة الوسائل العديدة لخبراته، ومن خلالها تتم عملية التنشئة الاجتماعية التي تلعب دوراً كبيراً في تشكيل شخصية الفرد.
ويقتصر عالم الطفل في بداية الأمر على هذه التأثيرات الهامة الصادرة أساساً من داخل الأسرة، فهي التي تشكل بالتدرج شخصيته من خلال العديد من الخبرات التي يتلقنها من هذه البيئة الصغيرة، ولكن الطفل بدوره ونتيجة للتفاعل المتبادل بينه وبين الأسرة يبدأ يحدث أثره في الأسرة ويعدل عن نمط العلاقات القائمة، ويبدو أن هذا الاهتمام بالديمقراطية ليس حديثاً، بل هو قديم قدم الفلسفة الصينية، فها هو (كونفوشيوس) فيلسوف الصين يرجع فساد الحكم إلى غياب المواطنة الصالحة نظراً لاختلال الأسرة، وعجزها عن تلقين معاني الفضيلة والحب المتبادل والخير العام، كما أن افلاطون جعل النظام التربوي هو الذي يعد الفلاسفة الذي يحكمون (المنوفي، 1979، ص28)
وهناك عوامل متعددة تجعل للاسرة هذا الدور الهام في التنشئة الاجتماعية منها:
1-طول فترة مرحلة الطفولة، مما يعطي للأسرة الوقت الكافي لتعليم الطفل ما تريد سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2-المرونة التي يولد بها الطفل، إذ يتميز الطفل بأنه على قدر كبير من المرونة والقدرة على تعلم واكتساب مهارات متعددة.
3-عجز الطفل، فخلال فترة طفولته منذ الولادة وحتى البلوغ يكون الطفل عاجزاً عن أن يعيش بمفرده، أو أن يعتمد على نفسه اعتماداً كلياً وخاصة في المجتمعات الحديثة، ولذلك يكون الطفل في حاجة دائمة إلى الآخر، سواء الأم أو الأب أو الأخوة الأكبر لرعايته ومساعدته في إشباع حاجاته وخلال ذلك تكون الفرصة لتعليم الطفل انماطاً سلوكية متعددة.
4- وكون الأسرة المؤسسة الوحيدة التي يتأثر بها الطفل قبل المدرسة على الأقل بسنتين أو ثلاثة
ويكاد يجمع علماء النفس على أن الخبرات المبكرة التي يكتسبها الطفل في السنوات الأولى بعد ميلاده تلعب دوراً هاماً في تكوين شخصيته وتشكيل سلوكه في الكبر، بل ويرى معظم علماء النفس، أن هناك علاقة مباشرة وواضحة بين نمط رعايته ومعاملة الوالدين للأبناء (خلال عملية التنشئة الاجتماعية) وبين شخصية هؤلاء الأبناء، فقد أظهرت الدراسات التي أجريت على حالات مرضية والأطفال المضطربين سلوكياً، والملاحظات التجريبية على الأسوياء، أظهرت عدداً من العلاقات بين نمط رعاية الوالدين وبين سلوك الطفل وشخصيته، كما أوضحت أيضاً أن صفات شخصية الراشد ترجع إلى آثار الخبرات المبكرة في حياته.
وتساهم الأسرة في تعليم الطفل لغته ودينه وتقاليده وعاداته وقيمه التي ينشأ عليها ويلتزم بها، وباختصار فإن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل وخاصة الأسرة في البداية هي التي تهبه هويته البشرية وتكسبه الجانب الإنساني فيه، فتعلمه أثناء التنشئة كل ما سبق بالإضافة إلى طريقة المشي، والكلام وتناول الطعام، والتعامل مع الآخرين، بل وكيف يؤدي ذلك كله بطريقة إنسانية (تركي، 1986، ص17)
وهناك العديد من البحوث والدراسات أوضحت دور الأسرة في السلوك الديمقراطي أو التسلطي، فدرس الباحث هشام شرابي ممارسة التسلط الأسري اتجاه الأطفال (شرابي، 1980، ص144) مبيناً أن العائلة كمؤسسة اجتماعية هي الوسيط الرئيسي بين شخصية الفرد والحضارة التي ينتمي إليها، وان شخصية الفرد تتكون ضمن العائلة، وإن قيم المجتمع وأنماط السلوك فيه تنتقل إلى حد كبير وتتقوى من خلال العائلة.
وقد حدد (شرابي) مجموعة من القواعد التي يرتكز اليها هذا المنطلق كما يلي:
1-عندما يولد الطفل تكون ذاته غير متكونة، وهي تتكون بصورة تدريجية، كنتيجة للتفاعل بينها وبين ذوات أشخاص آخرين إنها في الواقع سلوك متعلم يتكون قبل بلوغ الفرد وعيه الذاتي.
2-إن الذات منظمة تنظيماً تصاعدياً وهي مؤلفة من عدة مستويات يجري اكتسابها في سياق النمو والتجربة، والمستوى الأول هو الأكثر أهمية، إذ عليه يرتكز إطار الشخصية الأساسي، وتمثل الأم فيه دوراً حاسماً من حيث أثرها في تكوين شخصية الطفل، أما المستويات الأخرى التي تشمل التعلم في الطفولة والمراهقة والإدراك والوعي في سن البلوغ فهي ذات أهمية مختلفة.
3-إن الإنسان حصيلة عوامل وراثية بيئية وهو، تعريفاً حيوان اجتماعي، وبالتالي مجموعة العلاقات الشخصية المشتركة، والواقع أن الأنماط التي تتخذها هذه العلاقات فيما بعد تتكون إلى حد كبير في السنوات الأولى في حياة الطفل.
4-إن طرق تربية الطفل تمثل دوراً حاسماً في تعيين نوعية الشخصية من حيث ارتباطها بمجتمع معين، ودلالتها عليه، ولذا فإن فهم طرق تربية الطفل يؤدي إلى فهم السلوك الاجتماعي ودافعه في المجتمع.
5-إن المواقف التي يتخذها الوالدان ضمن العائلة تؤثر تأثيراً حاسماً في نمو الشخصية، وذلك لأنها تؤثر في حاجات الطفل الأساسية وتأمين استمراره في الوجود وتمتعه بالاطمئنان العاطفي، ويستمر الوالدان طول مرحلة الطفولة في تمثيل دور خطير الأهمية في ما يتعلق بضبط دوافع الطفل وإرواء حاجاته وتحديد مقاييسه والتأثير في مختلف مراحل نمو الأنا كما في نتائج هذا النحو
6-إن التغييرات التي تطرأ على طرق تربية الطفل وعلى تجارب الطفولة تنبع قبل كل شيء من موضع الطبقة الاجتماعي التي تنتمي إليها العائلة، أي من مستواها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكذلك من وضعها الأثني والديني والإقليمي.
وفي دراسة أجراها الباحثان (زهير حطب، وعباس مكي)استهدفت خصوصيات سلطة الوالدين كما يواجهها الشباب اللبنانيون من حيث مضمونها وتجسيداتها الفعلية بنظام كامل من المسموحات والممنوعات، ومن حيث الميادين التي تطرح فيها، وأخيراً من حيث دينامية تمثلها والامتثال لها في أوساط الشباب، وقد نفذت الدراسة خلال عام 1978 وهي الفترة التي تلت حرب السنتين مباشرة، وبذلك تشير بعض نتائج هذه الحرب الى العلاقات المتبادلة داخل أهم المؤسسات في المجتمع اللبناني أي الأسرة، وقد تبين أن طبيعة الأسرة العربية عموماً واللبنانية خصوصاً، تؤثر إلى حد بعيد على المضمون والحدود والممارسة لدى السلطة السائدة فيها، ووجدت أن الشاب اللبناني أسير منطق سلطة والديه في الأسرة، خاضعاً لها، وهو إن أبدى رفضاً ظهر رفضه سلبياً متمرداً، أكثر منه رفضاً عقلانياً مدروساً.
فالأطر العلائقية الأسرية التي تكبل الشاب من جهة، وطبيعة مرحلة الانتقال غير المستقرة على صعيدي الفرد والمجتمع، من جهة أخرى، تسمان سلوك الشاب بالطابع الانفجاري، ونميل إلى الاعتقاد بأن امتثال الشباب لأمر السلطة الأبوية لا يترافق مع بروز معاناة صريحة تجاه هذا الواقع، بل مع بدايات ضعيفة لهذه المعاناة، وقد ضعفت أساليب ممارسة الأهل لسلطتهم كمعيار مبدئي بثلاثة أنماط هي:
1-النمط الأول، ويعتمد الأسلوب المتشدد في المنع والتحريم
2-النمط الثاني، ويعتمد أسلوب الحوار والتفهم.
3-النمط الثالث، وهو نمط السلطة الضعيفة وغير القادرة، المتراجعة والمفككة، التي لا تقوى على إيصال رسالة المنع إلى الشاب ولا تتمكن من جعل الشاب يحترمها، ولا تمثل مقام المرجع ولا الرموز الآيلة إليه وليس لها هيبة السلطان ورهبته (حطب، مكي، 1998، ص75)
وفي دراستنا (طلال مصطفى) الميدانية التي نفذت في مدينة دمشق، في محاولة التعرف على موقف ثقافة الشباب السوري من السلطة الأبوية، والتي توصلنا فيها إلى ثلاثة نماذج تعبر عن العلاقة القائمة بين الآباء والأبناء على شكل متصل، يمثل أحد طرفيه نموذج الطاعة المطلقة لسلطة الآباء من قبل الأبناء بنسبة (5%)، أي تدخل الآباء في جميع الأمور الخاصة بالأبناء، ويمثل النموذج الثاني، موقفاً وسطياً تقوم فيه العلاقة بين الآباء والأبناء على أساس تدخل الآباء لتوجيه تصرفات أبنائهم في المواقف التي يحتاجون فيها إلى النصح والمشورة بنسبة (92%) والنموذج الثالث، الطرف المقابل، التحرر الكامل من سلطة الآباء –أي حرية الأبناء المطلقة من سلطة الآباء بنسبة 3%-
وأوضحت النتائج أن الأبناء الذين نشأوا في اسر ديمقراطية يميلون لأن يتصرفوا بإيجابية إزاء سلطة الوالدين أكثر من هؤلاء الذين أتوا من اسر متسلطة أو متسامحة (مصطفى، 1999، ص105) ومن خلال الراسات الاجتماعية التربوية والنفسية وجدنا أساليب متعددة للتنشئة الاجتماعية الاسرية ومن أهمها التالية:
1) الأسلوب الديمقراطي:
يتصف هذا الاسلوب بأن الأمور بين الوالدين والأبناء - الأسرة ككل - تسير بشكل تعاوني، بحيث يتعلم الأطفال أنهم مطالبون ببعض الواجبات بانتظام واتخاذ بعض القرارات بأنفسهم، كما يتعلمون أن للأبوين حقوقاَ وامتيازات خاصة كما لاينتظر الأطفال من والديهم أن يكونوا موقع الانتباه الدائم والرعاية المستمرة. قد تقع الخلافات بين أفراد الأسرة التي تطبق هذا الاسلوب، لكنها لا تدوم طويلاَ حيث تعالج بالمناقشة الصريحة وبروح التعاون والمحبة (فهمي،1979، 356)