بدأت الحرب في جزء من محافظة صعدة عام 2004 بين النظام السابق وجماعة الحوثي الفكرية، ذات المذهب الزيدي الشيعي، لتستمر بعدها ست جولات انتهت في 2010 بتوقيع اتفاق بين الطرفين.
مع بداية الحرب، كانت الجماعة تقاتل دفاعا عن حقها في اعتناق ونشر مذهبها الذي اعتقدت أنه أُقصي من الحياة بعد عقود طويلة من الحكم. لكنها حين توقفت كانت الجماعة قد تحولت من حركة فكرية مذهبية إلى مليشيات مسلحة.
الإصلاح ضد الحرب
مع انطلاق الحرب الأولى، كان حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذو التوجه الإسلامي المعتدل، قد أصبح حليفا لمجموعة أحزاب يسارية وقومية ومذهبية، بينها أحزاب زيدية المذهب، في إطار تحالف "اللقاء المشترك".
عبثا، حاول النظام السابق أن يقحم حزب الإصلاح في معاركه تلك. بيد أنه ظل متمسكا برفضه فكرة الحرب في مواجهة الفكر، أيا كانت تشوهاته.
ومع تحالف المشترك غالبا، وبشكل منفرد أحيانا، أصدر الإصلاح بيانات رافضة لمنهجية الحرب والعنف. وشاركت وسائل إعلامه، وأيضا أحزاب المشترك، في دعم حقوق الحوثيين الفكرية، وتشنيع وانتقاد سلوك النظام في قتل الأبرياء ومحاولات سحقهم.
حدث ذلك حتى مع ما تخلل تلك الحروب من شكوك في نوايا أطرافها، اتضحت لاحقا في وقت متأخر، من رغبة مشتركة في تطويل أمدها، بهدف مواصلة الحصول على دعم.
فالنظام يسعى لمواصلة الدعم من الجيران القلقين من توسع نشاط حلفاء خصومهم التاريخيين، وجماعة الحوثي، من إيران حاملة لواء التشييع والخصم التاريخي للمملكة السعودية.
وحين توقفت الحرب السادسة عام 2010، كانت محافظة صعدة قد أصبحت، شبه كاملة، بيد الحوثي الذي كانت جماعته حينها قد تحولت إلى قوة كبيرة على الأرض، تمتلك أسلحة ثقيلة، بعضها غنمته من المعارك وأخرى وصلتها كمدد من الحليف الخارجي، إلى جانب قوة بشرية ظلت تتنامى طوال جوالات الصراع التي استمرت قرابة سبع سنوات.
متغيرات ما بعد الثورة
في فبراير/شباط 2011 اندلعت الثورة الشعبية السلمية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ومع شرارتها الأولى، استغل الحوثي الاضطرابات ليتمكن من بسط سيطرته الكاملة على محافظة صعدة.
بالتزامن شاركت الجماعة بمندوبيها في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء إلى جانب الثوار، في وقت كانت ذراعها المسلحة تتوسع شيئا فشيئا في محافظات مجاورة لمملكته عبر حروب متفاوتة خاضها في محافظات الجوف وحجة وعمران. وفي جميعها لم تكن تستهدف سوى القبائل التابعة والمحسوبة على حزب الإصلاح.
دخل الإصلاح في مفاوضات مع الحوثيين في تلك المناطق لإيقاف المواجهات. وكان يحرص في جميعها على إشراك حلفائه في اللقاء المشترك، ربما كشهود على النتائج ومعرفة الحقائق، وربما حرصا منه على تجنب مغبة الانفراد في مواجهة انتهاكات الحوثي التوسعية على حساب حلفائه الآخرين من القبائل التي تستهدفها جماعة الحوثي، بعد تحولها إلى مليشيات مسلحة تقاتل للتوسع وبسط سيطرتها على مناطق جديدة.
أفضت الثورة الشعبية إلى مرحلة انتقالية بعد توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض أواخر 2011. وبموجب ذلك قسمت السلطة مناصفة بين الحزب الحاكم وحلفائه، وأحزاب المشترك وشركاؤهم في الثورة. في حين رفضت جماعة الحوثي المبادرة وما آلت إليه.
منتصف مارس/آذار 2013، انطلق مؤتمر الحوار الوطني كجزء رئيسي أكثر أهمية تضمنته المبادرة وآليتها، استكمالا للمرحلة الانتقالية. وكانت المفاجأة أن قبلت جماعة الحوثي، رغم رفضها كليا للمبادرة، المشاركة في الحوار باسمها الجديد "أنصار الله".
لم يكن التمثيل الذي حصلت عليه الجماعة في المؤتمر (35 عضوا) أمرا مهما أو مثيرا بالنسبة لبقية المكونات التي حصل بعضها على حجم أقل بكثير من حضورها السياسي والجماهيري، طالما أن ذلك سيصب في مصلحة جر الجماعة إلى الحوار، كخطوة أولية هامة ومحسوبة للتحول إلى مكون سياسي واجتماعي والتخلي عن السلاح.
وعلى مدى عشرة أشهر خاض فيها الجميع حربا أخرى حول طاولة الحوار، تشكلت على ما يبدو خريطة سياسية جديدة غير تلك التي كانت قبل وأثناء وبعد معركة الثورة الشبابية السلمية.
كان حزب المؤتمر الشعبي العام، التابع للرئيس السابق، قد ترك كافة خصومه السابقين ليركز معركته على عدو وحيد هو "حزب الإصلاح"، الذي يشعر أنه كان المتسبب الأول والأقوى في إسقاطه عمليا من الحكم.
بينما كانت جماعة الحوثي، مثله، قد تحولت من خصم وعدو لدود للنظام الذي قاتلها، لتركز جهودها أيضا على المنافس الأقوى على الأرض "حزب الإصلاح": إنه حزب ينتشر بكثافة في كافة المناطق المجاورة التي يسعى لضمها إلى مملكته، في الوقت الذي يجسد فيه تيار السنة المعتدل، المنتهج سبل السياسة والديمقراطية للتوسع والانتشار، عكس ذلك تماما.
تجمعت المصالح المشتركة، بعد أن تجسدت علاقة التزاوج المصالحي الجديدة تلك على الأرض، بفعل التعاون الثنائي الوثيق خلال معارك الحوثي الأخيرة في محافظات مجاورة، قبل مؤتمر الحوار، وتلك التي تخللت الحوار أحيانا بين الفينة والأخرى. بينما تجسدت سياسيا بتوافق المواقف والتناصر بين الطرفين داخل أروقة الحوار.
جاء ذلك في وقت كانت فيه علاقة تحالف المشترك قد شهدت فتورا ظل يتنامى شيئا فشيئا، وساعد على تعميقه أكثر بعض المواقف المتمايزة حول طاولة الحوار، وعلى مستوى السلوك التنفيذي في حكومة الوفاق الوطنية.
بدى وكأن الخطة المشتركة كانت تسير وفقا لقاعدة "ابدؤوا بقتل كبار الفيلة". بكل تأكيد كان ثمة إدراك أن فتح جبهات مع الجميع سيعني إعادة تقوية أواصر "المشترك" كجبهة سياسية وطنية ستكون قادرة على تحطيم كافة المخططات.
كما أنه وبكل تأكيد أيضا، فإن أي استهداف قد يشمل أي حزب من أحزاب تحالف "المشترك" الأخرى، سيمنح الإصلاح ورقة رابحة لتجسيد دور الفيل الأقوى المدافع عنهم. لذلك وبطريقة ما، نجحت جماعة الحوثي في تأمين حلفاء الإصلاح بتحييدهم من المعركة القادمة التي تخطط لها.
حدث ذلك على الأرجح حين أوصلت لهم قناعات بأنهم خارج إطار المعركة المخصصة أصلا بين قوتين متنافستين ستقومان بتصفية حساباتهما بعيدا عنهم.
ومع أن الجميع يدرك جيدا أن قتل الفيل الأكبر سيفضي إلى أكل قطيع الفيلة كاملا، فإن الأمر بدأ يمر بكل بساطة كونه ربما وافق اختلالا سياسيا في موازين التحالفات السابقة، بفعل المتغيرات الداخلية، كما ذكرنا، والإقليمية التي أفضت مؤخرا إلى شيطنة الثورات العربية وعملت على تشويهها.
انقلاب الحوثي
كانت كافة مكونات الحوار قد أجمعت على سحب كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كافة الجماعات المسلحة خارج إطار القانون، مع ضرورة إعادة الأسلحة المنهوبة من الدولة.
لذلك، وقبل نهاية مؤتمر الحوار بأسابيع قليلة، وحين شعر الحوثي بأنه سيكون الخاسر الأكبر من تنفيذ تلك المخرجات، أمر مليشياته بمعاودة نشاطها القتالي. وبدأ بالهجوم على مركز لتعليم السلفيين بمنطقة دماج بمحافظة صعدة.
عجزت الدولة عن القيام بشيء، فلجأت إلى تنفيذ شروطه بتهجير سكان دماج، وتسليم المنطقة له. لكنه لم يتوقف، لينتقل إلى محافظة عمران ومديرية "أرحب" التابعة لمحافظة صنعاء، مواصلا معاركه التوسعية. ونتيجة لتكريس الدولة عجزها عن القيام بشيء واصل خطته بقتل خصومه واعتقالهم وتدمير منازلهم.
لم يتدخل أحد، لا الجيش ولا حزب الإصلاح الذي كان المستهدف الأول من تنفيذ تلك الخطة (قتل كبار الفيلة) عبر استهداف قيادات وأبناء القبائل التابعة والمحسوبة عليه، أملا في جرّه إلى معترك العنف كيما تخلط الأوراق وتنتهي مسوغات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
دعا الإصلاح الدولة لممارسة دورها، رافضا القيام بهذا الدور نيابة عنها. وحين ظل الجميع صامتين بما فيهم الدولة، انتقلت المليشيات إلى منطقة همدان المجاورة، التابعة لمحافظة صنعاء، وعملت فيها ما عملت في سابقاتها.
ظلت الدولة تمارس دور المصلح بإرسال لجان رئاسية لعقد اتفاقات تنتهي غالبا بوقف القتال، مع بقاء مليشيات الحوثي في أماكنها الجديدة.
وفي كل تلك المعارك كان معظم مشايخ وقادة حزب "صالح"، الحليف الجديد، يتحولون إلى أتباع لجماعة الحوثي، يقاتلون معها ويناصرونها، تنفيذا لمخطط التحالف الجديد الذي أنشأته المصلحة في الانتقام من العدو الأكبر (بالنسبة لصالح)، والقضاء على خصم قوي سيقف عقبة أمام تحقيق أهدافه التوسعية واستعادة الحكم بالقوة (بالنسبة للحوثي).
هدأت تلك الجبهات قليلا، بعد أن فرض الحوثي سيطرته عليها ببقاء مسلحيه فيها بحسب الاتفاقات التي أبرمتها اللجان الرئاسية.
معركة عمران الأخيرة
ومع نهاية أبريل/نيسان الماضي دخلت الدولة حربا موسعة ضد تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين. ومع أول أسبوعين فقط، حقق الجيش نجاحات معلنة. بينما كانت هناك مطالبات -حسبت على مناصرين للإصلاح- بضرورة أن يتعامل الجيش مع مليشيات الحوثي بنفس الطريقة، وإن لم يكن فبقسرها على تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة تنفيذا لمخرجات الحوار.
وقبل أن تنتهي معركة الجيش مع القاعدة، انفجرت الحرب في عمران بشكل أعنف من قبل.
تؤكد المعلومات أن الحوثي هو من بدأها بتنفيذ هجوم على مواقع للجيش هناك. ويعتقد أنه قرر تفجير المعركة خشية أن يستكمل الجيش انتصاراته كاملة على تنظيم القاعدة، مما سيمثل له دفعة قوية وتوحدا كان يفتقده، الأمر الذي سيغري الدولة بالتفرغ لسحب أسلحتهم تنفيذا لمخرجات الحوار، وهذه المرة ستكون مستعدة للقيام بأي شيء لتحقيق ذلك، والذي يدخل ضمنه ردع أية هجمات قد تقوم بها الجماعة مجددا ضد الجيش أو حتى ضد القبائل.
في الواقع، وقبل تفجير معركتها تلك، كانت مليشيات الحوثي لا تزال محيطة بسوار محافظة عمران من كافة الاتجاهات، تحشد وتسعد للقيام بهجومها على المحافظة، لكن اللواء 310 المرابط في المحافظة كان قد نشر قواته في مواقع إستراتيجية هامة لمنع مسلحي الحوثي من بسط سيطرتهم عليها دفاعا عن المحافظة. آنذاك قرر الحوثي تنفيذ هجومه ضد قوات الجيش بهدف إزاحتها من طريقه.
فجاء رد الجيش قويا بطريقة لم تكن متوقعة لتحتدم المعارك تباعا بين الطرفين. وأثناء ذلك، رفع الحوثي من وتيرة تحشيده واستقدم من صعدة مليشيات إضافية وأسلحة ثقيلة، ومع اشتداد الصراع تدخل الطيران الحربي لقصف مواقع المليشيات، في رسالة واضحة أن الدولة لم تعد قادرة أكثر على مواصلة صمتها المغري للجماعة في استهداف قواتها وإضعاف حزمها الذي بدأته في أبين وشبوة ضد تنظيم القاعدة.
كما أنها جاءت أيضا لتخرس ألسنة الإعلام التابع للجماعة والتابع لحليفه (النظام السابق) والإعلام الموالي لهما، لتؤكد أن تلك المعركة تدور بين الدولة ومليشيات متمردة هاجمت الجيش، ردا على ادعائها زيفا أنها بين الحوثيين ضد التكفيريين وتنظيم القاعدة وقبائل الإصلاح. كما كانت تزعم بطريقة ساذجة.
بعد ذلك كله، لم يعد هناك من ينظر إلى المتمردين الحوثيين كحركة قادرة على ترك السلاح عبر الحوار والاندماج مع المجتمع اليمني، إلا من يدافعون عن عنفها بهدف استغلالها لتحقيق أجندتهم الخاصة في إفساد قيمة الثورة السلمية كمنقذة من التسلط، أو أولئك الذي يرومون عبرها إضعاف من يعتقدون أنهم منافسوهم الأكثر تأثيرا على مجريات الحياة السياسية بوسائل مدنية سلمية.
مع بداية الحرب، كانت الجماعة تقاتل دفاعا عن حقها في اعتناق ونشر مذهبها الذي اعتقدت أنه أُقصي من الحياة بعد عقود طويلة من الحكم. لكنها حين توقفت كانت الجماعة قد تحولت من حركة فكرية مذهبية إلى مليشيات مسلحة.
الإصلاح ضد الحرب
مع انطلاق الحرب الأولى، كان حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذو التوجه الإسلامي المعتدل، قد أصبح حليفا لمجموعة أحزاب يسارية وقومية ومذهبية، بينها أحزاب زيدية المذهب، في إطار تحالف "اللقاء المشترك".
عبثا، حاول النظام السابق أن يقحم حزب الإصلاح في معاركه تلك. بيد أنه ظل متمسكا برفضه فكرة الحرب في مواجهة الفكر، أيا كانت تشوهاته.
ومع تحالف المشترك غالبا، وبشكل منفرد أحيانا، أصدر الإصلاح بيانات رافضة لمنهجية الحرب والعنف. وشاركت وسائل إعلامه، وأيضا أحزاب المشترك، في دعم حقوق الحوثيين الفكرية، وتشنيع وانتقاد سلوك النظام في قتل الأبرياء ومحاولات سحقهم.
حدث ذلك حتى مع ما تخلل تلك الحروب من شكوك في نوايا أطرافها، اتضحت لاحقا في وقت متأخر، من رغبة مشتركة في تطويل أمدها، بهدف مواصلة الحصول على دعم.
فالنظام يسعى لمواصلة الدعم من الجيران القلقين من توسع نشاط حلفاء خصومهم التاريخيين، وجماعة الحوثي، من إيران حاملة لواء التشييع والخصم التاريخي للمملكة السعودية.
وحين توقفت الحرب السادسة عام 2010، كانت محافظة صعدة قد أصبحت، شبه كاملة، بيد الحوثي الذي كانت جماعته حينها قد تحولت إلى قوة كبيرة على الأرض، تمتلك أسلحة ثقيلة، بعضها غنمته من المعارك وأخرى وصلتها كمدد من الحليف الخارجي، إلى جانب قوة بشرية ظلت تتنامى طوال جوالات الصراع التي استمرت قرابة سبع سنوات.
متغيرات ما بعد الثورة
في فبراير/شباط 2011 اندلعت الثورة الشعبية السلمية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ومع شرارتها الأولى، استغل الحوثي الاضطرابات ليتمكن من بسط سيطرته الكاملة على محافظة صعدة.
بالتزامن شاركت الجماعة بمندوبيها في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء إلى جانب الثوار، في وقت كانت ذراعها المسلحة تتوسع شيئا فشيئا في محافظات مجاورة لمملكته عبر حروب متفاوتة خاضها في محافظات الجوف وحجة وعمران. وفي جميعها لم تكن تستهدف سوى القبائل التابعة والمحسوبة على حزب الإصلاح.
دخل الإصلاح في مفاوضات مع الحوثيين في تلك المناطق لإيقاف المواجهات. وكان يحرص في جميعها على إشراك حلفائه في اللقاء المشترك، ربما كشهود على النتائج ومعرفة الحقائق، وربما حرصا منه على تجنب مغبة الانفراد في مواجهة انتهاكات الحوثي التوسعية على حساب حلفائه الآخرين من القبائل التي تستهدفها جماعة الحوثي، بعد تحولها إلى مليشيات مسلحة تقاتل للتوسع وبسط سيطرتها على مناطق جديدة.
أفضت الثورة الشعبية إلى مرحلة انتقالية بعد توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض أواخر 2011. وبموجب ذلك قسمت السلطة مناصفة بين الحزب الحاكم وحلفائه، وأحزاب المشترك وشركاؤهم في الثورة. في حين رفضت جماعة الحوثي المبادرة وما آلت إليه.
منتصف مارس/آذار 2013، انطلق مؤتمر الحوار الوطني كجزء رئيسي أكثر أهمية تضمنته المبادرة وآليتها، استكمالا للمرحلة الانتقالية. وكانت المفاجأة أن قبلت جماعة الحوثي، رغم رفضها كليا للمبادرة، المشاركة في الحوار باسمها الجديد "أنصار الله".
لم يكن التمثيل الذي حصلت عليه الجماعة في المؤتمر (35 عضوا) أمرا مهما أو مثيرا بالنسبة لبقية المكونات التي حصل بعضها على حجم أقل بكثير من حضورها السياسي والجماهيري، طالما أن ذلك سيصب في مصلحة جر الجماعة إلى الحوار، كخطوة أولية هامة ومحسوبة للتحول إلى مكون سياسي واجتماعي والتخلي عن السلاح.
وعلى مدى عشرة أشهر خاض فيها الجميع حربا أخرى حول طاولة الحوار، تشكلت على ما يبدو خريطة سياسية جديدة غير تلك التي كانت قبل وأثناء وبعد معركة الثورة الشبابية السلمية.
كان حزب المؤتمر الشعبي العام، التابع للرئيس السابق، قد ترك كافة خصومه السابقين ليركز معركته على عدو وحيد هو "حزب الإصلاح"، الذي يشعر أنه كان المتسبب الأول والأقوى في إسقاطه عمليا من الحكم.
بينما كانت جماعة الحوثي، مثله، قد تحولت من خصم وعدو لدود للنظام الذي قاتلها، لتركز جهودها أيضا على المنافس الأقوى على الأرض "حزب الإصلاح": إنه حزب ينتشر بكثافة في كافة المناطق المجاورة التي يسعى لضمها إلى مملكته، في الوقت الذي يجسد فيه تيار السنة المعتدل، المنتهج سبل السياسة والديمقراطية للتوسع والانتشار، عكس ذلك تماما.
تجمعت المصالح المشتركة، بعد أن تجسدت علاقة التزاوج المصالحي الجديدة تلك على الأرض، بفعل التعاون الثنائي الوثيق خلال معارك الحوثي الأخيرة في محافظات مجاورة، قبل مؤتمر الحوار، وتلك التي تخللت الحوار أحيانا بين الفينة والأخرى. بينما تجسدت سياسيا بتوافق المواقف والتناصر بين الطرفين داخل أروقة الحوار.
جاء ذلك في وقت كانت فيه علاقة تحالف المشترك قد شهدت فتورا ظل يتنامى شيئا فشيئا، وساعد على تعميقه أكثر بعض المواقف المتمايزة حول طاولة الحوار، وعلى مستوى السلوك التنفيذي في حكومة الوفاق الوطنية.
بدى وكأن الخطة المشتركة كانت تسير وفقا لقاعدة "ابدؤوا بقتل كبار الفيلة". بكل تأكيد كان ثمة إدراك أن فتح جبهات مع الجميع سيعني إعادة تقوية أواصر "المشترك" كجبهة سياسية وطنية ستكون قادرة على تحطيم كافة المخططات.
كما أنه وبكل تأكيد أيضا، فإن أي استهداف قد يشمل أي حزب من أحزاب تحالف "المشترك" الأخرى، سيمنح الإصلاح ورقة رابحة لتجسيد دور الفيل الأقوى المدافع عنهم. لذلك وبطريقة ما، نجحت جماعة الحوثي في تأمين حلفاء الإصلاح بتحييدهم من المعركة القادمة التي تخطط لها.
حدث ذلك على الأرجح حين أوصلت لهم قناعات بأنهم خارج إطار المعركة المخصصة أصلا بين قوتين متنافستين ستقومان بتصفية حساباتهما بعيدا عنهم.
ومع أن الجميع يدرك جيدا أن قتل الفيل الأكبر سيفضي إلى أكل قطيع الفيلة كاملا، فإن الأمر بدأ يمر بكل بساطة كونه ربما وافق اختلالا سياسيا في موازين التحالفات السابقة، بفعل المتغيرات الداخلية، كما ذكرنا، والإقليمية التي أفضت مؤخرا إلى شيطنة الثورات العربية وعملت على تشويهها.
انقلاب الحوثي
كانت كافة مكونات الحوار قد أجمعت على سحب كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كافة الجماعات المسلحة خارج إطار القانون، مع ضرورة إعادة الأسلحة المنهوبة من الدولة.
لذلك، وقبل نهاية مؤتمر الحوار بأسابيع قليلة، وحين شعر الحوثي بأنه سيكون الخاسر الأكبر من تنفيذ تلك المخرجات، أمر مليشياته بمعاودة نشاطها القتالي. وبدأ بالهجوم على مركز لتعليم السلفيين بمنطقة دماج بمحافظة صعدة.
عجزت الدولة عن القيام بشيء، فلجأت إلى تنفيذ شروطه بتهجير سكان دماج، وتسليم المنطقة له. لكنه لم يتوقف، لينتقل إلى محافظة عمران ومديرية "أرحب" التابعة لمحافظة صنعاء، مواصلا معاركه التوسعية. ونتيجة لتكريس الدولة عجزها عن القيام بشيء واصل خطته بقتل خصومه واعتقالهم وتدمير منازلهم.
لم يتدخل أحد، لا الجيش ولا حزب الإصلاح الذي كان المستهدف الأول من تنفيذ تلك الخطة (قتل كبار الفيلة) عبر استهداف قيادات وأبناء القبائل التابعة والمحسوبة عليه، أملا في جرّه إلى معترك العنف كيما تخلط الأوراق وتنتهي مسوغات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
دعا الإصلاح الدولة لممارسة دورها، رافضا القيام بهذا الدور نيابة عنها. وحين ظل الجميع صامتين بما فيهم الدولة، انتقلت المليشيات إلى منطقة همدان المجاورة، التابعة لمحافظة صنعاء، وعملت فيها ما عملت في سابقاتها.
ظلت الدولة تمارس دور المصلح بإرسال لجان رئاسية لعقد اتفاقات تنتهي غالبا بوقف القتال، مع بقاء مليشيات الحوثي في أماكنها الجديدة.
وفي كل تلك المعارك كان معظم مشايخ وقادة حزب "صالح"، الحليف الجديد، يتحولون إلى أتباع لجماعة الحوثي، يقاتلون معها ويناصرونها، تنفيذا لمخطط التحالف الجديد الذي أنشأته المصلحة في الانتقام من العدو الأكبر (بالنسبة لصالح)، والقضاء على خصم قوي سيقف عقبة أمام تحقيق أهدافه التوسعية واستعادة الحكم بالقوة (بالنسبة للحوثي).
هدأت تلك الجبهات قليلا، بعد أن فرض الحوثي سيطرته عليها ببقاء مسلحيه فيها بحسب الاتفاقات التي أبرمتها اللجان الرئاسية.
معركة عمران الأخيرة
ومع نهاية أبريل/نيسان الماضي دخلت الدولة حربا موسعة ضد تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين. ومع أول أسبوعين فقط، حقق الجيش نجاحات معلنة. بينما كانت هناك مطالبات -حسبت على مناصرين للإصلاح- بضرورة أن يتعامل الجيش مع مليشيات الحوثي بنفس الطريقة، وإن لم يكن فبقسرها على تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة تنفيذا لمخرجات الحوار.
وقبل أن تنتهي معركة الجيش مع القاعدة، انفجرت الحرب في عمران بشكل أعنف من قبل.
تؤكد المعلومات أن الحوثي هو من بدأها بتنفيذ هجوم على مواقع للجيش هناك. ويعتقد أنه قرر تفجير المعركة خشية أن يستكمل الجيش انتصاراته كاملة على تنظيم القاعدة، مما سيمثل له دفعة قوية وتوحدا كان يفتقده، الأمر الذي سيغري الدولة بالتفرغ لسحب أسلحتهم تنفيذا لمخرجات الحوار، وهذه المرة ستكون مستعدة للقيام بأي شيء لتحقيق ذلك، والذي يدخل ضمنه ردع أية هجمات قد تقوم بها الجماعة مجددا ضد الجيش أو حتى ضد القبائل.
في الواقع، وقبل تفجير معركتها تلك، كانت مليشيات الحوثي لا تزال محيطة بسوار محافظة عمران من كافة الاتجاهات، تحشد وتسعد للقيام بهجومها على المحافظة، لكن اللواء 310 المرابط في المحافظة كان قد نشر قواته في مواقع إستراتيجية هامة لمنع مسلحي الحوثي من بسط سيطرتهم عليها دفاعا عن المحافظة. آنذاك قرر الحوثي تنفيذ هجومه ضد قوات الجيش بهدف إزاحتها من طريقه.
فجاء رد الجيش قويا بطريقة لم تكن متوقعة لتحتدم المعارك تباعا بين الطرفين. وأثناء ذلك، رفع الحوثي من وتيرة تحشيده واستقدم من صعدة مليشيات إضافية وأسلحة ثقيلة، ومع اشتداد الصراع تدخل الطيران الحربي لقصف مواقع المليشيات، في رسالة واضحة أن الدولة لم تعد قادرة أكثر على مواصلة صمتها المغري للجماعة في استهداف قواتها وإضعاف حزمها الذي بدأته في أبين وشبوة ضد تنظيم القاعدة.
كما أنها جاءت أيضا لتخرس ألسنة الإعلام التابع للجماعة والتابع لحليفه (النظام السابق) والإعلام الموالي لهما، لتؤكد أن تلك المعركة تدور بين الدولة ومليشيات متمردة هاجمت الجيش، ردا على ادعائها زيفا أنها بين الحوثيين ضد التكفيريين وتنظيم القاعدة وقبائل الإصلاح. كما كانت تزعم بطريقة ساذجة.
بعد ذلك كله، لم يعد هناك من ينظر إلى المتمردين الحوثيين كحركة قادرة على ترك السلاح عبر الحوار والاندماج مع المجتمع اليمني، إلا من يدافعون عن عنفها بهدف استغلالها لتحقيق أجندتهم الخاصة في إفساد قيمة الثورة السلمية كمنقذة من التسلط، أو أولئك الذي يرومون عبرها إضعاف من يعتقدون أنهم منافسوهم الأكثر تأثيرا على مجريات الحياة السياسية بوسائل مدنية سلمية.