أنواع الحرية
- الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية
- الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية
الصنف الأول : الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية ، وهذا الصنف يشمل الآتي:
أ - الحرية الشخصية: والمقصود بها : أن يكون الإنسان قادرا" على التصرف في شئون نفسه ، وفي كل ما يتعلق بذاته ، آمنا من الاعتداء عليه ، في نفسه وعرضه وماله ، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره. والحرية الشخصية تتضمن شيئين
1/ حرمة الذات ، وقد عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان ، وعلو منزلته. فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره ، قال تعالى(ولقد كرمنا بني آدم)) ، وقال تعالى(وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)) وميزه بالعقل والتفكير تكريما" له وتعظيما" لشأنه ، وتفضيلا" له على سائر مخلوقاته ، وفي الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعا" : " أول ما خلق الله العقل قال له اقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا" أكرم علي منك ، بك آخذ ، وبك أعطي ، وبك أثيب ، وبك أعاقب" وفي هذه النصوص ما يدعو إلى احترام الإنسان ، وتكريم ذاته ، والحرص على تقدير مشاعره ، وبذلك يضع الإسلام الإنسان ، في أعلى منزلة ، وأسمى مكان ، حتى أنه يعتبر الاعتداء عليه ، اعتداء على المجتمع كله ، والرعاية له رعاية للمجتمع كله ، وقال تعالى (من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من *** نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض ، فكأنما *** الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)) وتقرير الكرامة الإنسانية للفرد، يتحقق أيا كان الشخص، رجلا أو امراة، حاكما أو محكوما، فهو حق ثابت لكل إنسان، من غير نظر إلى لون أو *** أو دين. حتى اللقيط في الطرقات و نحوها ،يجب التقاطه احتراما لذاته و شخصيته ، فإذا رآه أحد ملقى في الطريق ،وجب عليه أخذه ،فان تركوه دون التقاطه أثموا جميعا أمام الله تعالى ،و كان عليهم تبعة هلاكه. هذا و كما حرص الإسلام على احترام الإنسان حيا ،فقد أمر بالمحافظة على كرامته ميتا ،فمنع التمثيل بجثته ،و الزم تجهيزه و مواراته ،و نهى عن الاختلاء و الجلوس على القبور
2/ تامين الذات :بضمان سلامة الفرد و أمنة في نفسه و عرضه و ماله:
فلا يجوز التعرض له ب*** أو جرح ،أو أي شكل من أشكال الاعتداء ،سسواء كان على البدن ،كالضرب و السجن و نحوه ،أو على النفس و الضمير ،كالسب أو الشتم و الازدراء و الانتقاص و سوء الظن و نحوه ،و لهذا قرر الإسلام زواجر و عقوبات ، تكفل حماية الإنسان و وقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه ،ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية. وكلما كان الاعتداء قويا كان الزجر أشد ،ففي الاعتداء على النفس بال*** و جب القصاص ،كما قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في ال***ى)) أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع و جب القصاص أيضا كما قال تعالى (و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص)) و منع عمر ابن الخطاب –رضي الله عنه – الولاة من أن يضربوا أحدا إلا أن يكون بحكم قاض عادل ،كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم بل انه في سبيل ذلك منع الولاة من أن يسبوا أحدا من الرعية ،ووضع عقوبة على من يخالف ذلك.
ب-حرية التنقل (الغدو و الرواح ) : والمقصود بها :أن يكون الإنسان حرا في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه. والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي ،تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ،ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها ،بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير ((حرية التنقل )) بالكتاب والسنة والإجماع ففي الكتاب قوله تعالى : ((هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و أليه النشور)) و لا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة ،كما فعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في طاعون عمواس ،حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام ،الذي كان به هذا الوباء ،و لم يفعل ذلك الا تطبيقا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرار منه) و لاجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل ،حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص لهم في الطرقات ،و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق و يروعون الناس بال*** و النهب و السرقة، قال تعالى : ((إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن ي***وا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم)) و لتاكيد حسن استعمال الطرق و تأمينها ،نهى النبي صلى الله عليه و سلم صحابته عن الجلوس فيها، فقال: (إياكم و الجلوس في الطرقات ،قالوا: يا رسول الله ،ما لنا بد في مجالسنا، قال: فان كان ذلك، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: و ما حق الطريق يا رسول الله ؟قال: غض البصر و كف الأذى، و رد السلام،و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) فالطرق يجب أن تفسح لما هيئ لها، من السفر و التنقل و المرور، و أي استعمال لغير هدفها محظور لا سيما إذا أدي إلى الاعتداء على الآمنين ، و لأهمية التنقل في حياة المسلم وأنه مظنة للطوارئ ، فقد جعل الله تعالى ابن السبيل- وهو المسافر- أحد مصارف الزكاة إذا ألم به ما يدعوه إلى الأخذ من مال الزكاة ، ولو كان غنياً في موطنه .
ج-حرية المأوى و المسكن : فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه ،فله حرية ذلك ،كما أن العاجز عن ذلك ،ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب ،حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته.
روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)وقد استدل الإمام ابن حزم بهذا الحديث وغيره على أن أغنياء المسلمين مطالبون بالقيام على حاجة فقرائهم إذا عجزت أموال الزكاة والفيئ عن القيام بحاجة الجميع من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارةوالدولة هي التي تجمع هذه الأموال وتوزعها على المحتاجين ولا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم لأن هذا الحق يشترك فيه جميع الناس كاشتراكهم في الماء والنار فيضمن ذلك لكل فرد من أفراد الدولة بغض النظر عن دينه.
فإذا ما ملك الإنسان مأوى و مسكن ،فلا يجوز لأحد ،أن يقتحم مأواه ،أو يدخل منزله إلا بإذنه ،حتى لو كان الداخل خليفة ،أو حاكما أعلى –رئيس دوله-ما لم تدع إليه ضرورة قصوى،أو مصلحة بالغة، لان الله تعالى يقول : ((يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خيركم لعلكم تذكرون ،فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ،و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم و الله بما تعملون عليم )) و إذا نهي عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها ،فالاستيلاء عليها ،أو هدمها أو إحراقها من باب أولى ،إلا إذا كان ذلك لمصلحة الجماعة ،بعد ضمان البيت ضمانا عادلا، و هذه المصلحة قد تكون بتوسعة مسجد ،أو بناء شارع ، أو إقامة مستشفى ،أو نحو ذلك ،و قد أجلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه –أهل نجران ،و عوضهم بالكوفة ولحفظ حرمة المنازل وعظمتها ،حرم الإسلام التجسس، فقال تعالى ( و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا )) وذلك لأن في التجسس انتهاكا لحقوق الغير ،والتي منها :حفظ حرمة المسكن ،و حرية صاحبه الشخصية بعدم الاطلاع على أسراره بل و بالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والديه عمن انتهك له حرمة بيته ،بالنظر فيه و نحوه يدل على ذلك حديث أبى هريرة –رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه) وهدرت:أي لاضمان على صاحب البيت. فعين الإنسان –رغم حرمتها وصيانتها من الاعتداء عليها ،وتغليظ الدية فيها –لكنها هنا أهدرت ديتها بسب سوء استعمالها واعتدائها على حقوق الغير .
د-حرية التملك : و يقصد بالتملك : حيازة الإنسان للشيء و امتلاكه له ، و قدرته على التصرف فيه ،و انتفاعه به عند انتقاء الموانع الشرعية و له أنواع و وسائل نوجزها في الآتي:
1/ أنواع الملكية: للملكيه أو التملك نوعان بارزان،هما:تملك فردي ،و تملك جماعي.
فالتملك الفردي: هو أن يحرز الشخص شيئا ما ،و ينتفع به على وجه الاختصاص و التعين.
وقد أعطى الإسلام للفرد حق التملك ،و جعله قاعدة أساسية للاقتصاد الإسلامي ،و رتب على هذا الحق نتائجه الطبيعية في حفظه لصاحبه ،و صيانته له عن النهب و السرقة ،و الاختلاس و نحوه ،ووضع عقوبات رادعة لمن اعتدى عليه ،ضمانا له لهذا الحق ،و دفعا لما يتهدد الفرد في حقه المشروع .كما أن الإسلام رتب على هذا الحق أيضا نتائجه الأخرى ،و هي حرية التصرف فيه بالبيع أو الشراء ،و الإجارة و الرهن ،و الهبة و الوصية و غيرها من أنواع التصرف المباح
غير أن الإسلام لم يترك (التملك الفردي) مطلقا من غير قيد،و لكنه وضع له قيودا كي لا يصطدم بحقوق الآخرين ،كمنع الربا و الغش و الرشوة و الاحتكار و نحو ذلك ،مما يصطدم و يضيع مصلحة الجماعة .و هذه الحرية لا فرق فيها بين الرجل و المرأة قال الله تعالى : ((للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن ))
أما النوع الثاني :فهو التملك الجماعي :و هو الذي يستحوذ عليه المجتمع البشري الكبير ،أو بعض جماعاته ،و يكون الانتفاع بآثاره لكل أفراده ،و لا يكون انتفاع الفرد به ،إلا لكونه عضوا في الجماعة ،دون أن يكون له اختصاص معين بجزء منه مثاله :المساجد والمستشفيات العامة والطرق والأنهار والبحار وبيت المال ونحو ذلك. و ما ملك ملكا عاما يصرف في المصالح العامة ،و ليس لحاكم أو نائبه أو أي أحد سواهما أن يستقل به أو يؤثر به أحد ليس له فيه استحقاق بسب مشروع وإنما هو مسؤول عن حسن إدارته و توجيهه التوجيه الصحيح الذي يحقق مصالح الجماعة ويسد حاجاتها
2/ وسائل الملكية : و هي طرق اكتسابها التي حددها الإسلام ،و عينها ،و حرم ما سواها ،و يمكن تقسيمها أيضا إلى قسمين :وسائل الملكية الفردية ،و الجماعية.