البراهين التي قامت على أن محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلمٌ يوحى إليه، وأنّ الكلام الذي يبلغه الناس – على أنّه القرآن – هو كلام الله تعالى.. هذه البراهين كانت كثيرة وفيرة اهتدى إليها العقل السليم عند أولئك الذين تجردوا عن سلطان الهوى والتقليد الأعمى للآباء والأجداد؛ فقدروا الحقيقة حق قدرها، ونظروا في أخلاقه عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، وبعدها، ونفذوا إلى ساحة الضياء التي تذوقوا معها أنّ القرآن الكريم كلام معجز يستحيل أن يكون من عند غير الله.
وقضية الأخلاق التي نشير إليها كانت في الحقيقة فيصلاً بين أولئك الذين خضعوا لتزيين الشياطين وتسويلات النفوس، وبين الذين تأملوا وتدبروا وعملوا على أن يكون بمنجاة من السقوط في حمأة التناقض مع أنفسهم، فلا يعتقدون أنّه صادق أمين بالأمس، كاذب مفترٍ اليوم.
وبذلك جاءت الآيات تحرك العقول لتقول كلمتها بتجرد وترفّعٍ عن السطحية والتناقض وانصياح للحجة والبرهان.
فالذي يحمل الرسالة "صادق أمين" وهو من ذؤابتهم، وما عرفوه قبل البعثة إلا بمكارم الأخلاق، والكلام الذي يتنزل عليه عجزوا – وهم أرباب البلاغة – أن يأتوا بشيء من مثله مع كونه بلسان عربي مبين.
ها نحن أولاء نقرأ في سورة يونس – وهي سورة مكية – (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (يونس/ 37-39).
ثمّ جاءت الآيات تشير إلى أن أولئك الذين يجنحون عن الحق مع وضوح الدليل القائم عليه هم المفسدون الذين يجلبون الأذى لأنفسهم ولمجتمعهم وأُمّتهم؛ لأن مظاهرة الباطل على الحق عنوان الهلاك والدمار.
وما أجدر أولئك الذين يُسعدهم الله بحمل الأمانة في ميادين البناء، وتكوين الجيل القادر على القيام بالواجبات والنهوض بالأُمّة من عثار...
ما أجدرهم بأن يتدبروا تلك الحلقاتِ المضيئةَ في تاريخ الإنسانية كما هي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، يوم واجهته تلك التحديات، والكفر العنادي مستحكم، والعقول مضروب عليها بالأسداد، والحكمُ للهوى ونزغ شياطين الجن والإنس، ذلك قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (يونس/ 40-41).
ثمّ جاءت الكلمات الهاديات توبخ أولئك الذين يهملون عقولهم وما أعطاهم الله من وسائل المعرفة حتى كأنّها غير موجودة، فقال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس/ 42-44).
إنّها العبرة التي تشق أبعادها ظلامَ الغفلة واليأس، وتحيي موات القلوب – أن لو كانت هنالك قلوب – والدرسُ الذي يوحي بعمقٍ: أنّ التحديات التي يواجهها المستمسكون بالمنهج الرباني في بناء الفرد بناءً تقوى به الجماعة، وصياغة المجتمع القوي المتماسك النظيف.. أنّ هذه التحديات ما دامت في مواجهة الحق، لا تقوم على دليل ينفع، أو برهان فيه مقنع، ولكنها الأهواء والنزعات الهابطة..
من أجل ذلك يفترض أن تزيد البناةَ المخلصين ثباتاً على الحق، وتنمي في أنفسهم مزيداً من الحوافز التي بدونها لا تكون صناعة التاريخ.
المصدر: كتاب بناء على منهاج النبوّة
وقضية الأخلاق التي نشير إليها كانت في الحقيقة فيصلاً بين أولئك الذين خضعوا لتزيين الشياطين وتسويلات النفوس، وبين الذين تأملوا وتدبروا وعملوا على أن يكون بمنجاة من السقوط في حمأة التناقض مع أنفسهم، فلا يعتقدون أنّه صادق أمين بالأمس، كاذب مفترٍ اليوم.
وبذلك جاءت الآيات تحرك العقول لتقول كلمتها بتجرد وترفّعٍ عن السطحية والتناقض وانصياح للحجة والبرهان.
فالذي يحمل الرسالة "صادق أمين" وهو من ذؤابتهم، وما عرفوه قبل البعثة إلا بمكارم الأخلاق، والكلام الذي يتنزل عليه عجزوا – وهم أرباب البلاغة – أن يأتوا بشيء من مثله مع كونه بلسان عربي مبين.
ها نحن أولاء نقرأ في سورة يونس – وهي سورة مكية – (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (يونس/ 37-39).
ثمّ جاءت الآيات تشير إلى أن أولئك الذين يجنحون عن الحق مع وضوح الدليل القائم عليه هم المفسدون الذين يجلبون الأذى لأنفسهم ولمجتمعهم وأُمّتهم؛ لأن مظاهرة الباطل على الحق عنوان الهلاك والدمار.
وما أجدر أولئك الذين يُسعدهم الله بحمل الأمانة في ميادين البناء، وتكوين الجيل القادر على القيام بالواجبات والنهوض بالأُمّة من عثار...
ما أجدرهم بأن يتدبروا تلك الحلقاتِ المضيئةَ في تاريخ الإنسانية كما هي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، يوم واجهته تلك التحديات، والكفر العنادي مستحكم، والعقول مضروب عليها بالأسداد، والحكمُ للهوى ونزغ شياطين الجن والإنس، ذلك قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (يونس/ 40-41).
ثمّ جاءت الكلمات الهاديات توبخ أولئك الذين يهملون عقولهم وما أعطاهم الله من وسائل المعرفة حتى كأنّها غير موجودة، فقال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس/ 42-44).
إنّها العبرة التي تشق أبعادها ظلامَ الغفلة واليأس، وتحيي موات القلوب – أن لو كانت هنالك قلوب – والدرسُ الذي يوحي بعمقٍ: أنّ التحديات التي يواجهها المستمسكون بالمنهج الرباني في بناء الفرد بناءً تقوى به الجماعة، وصياغة المجتمع القوي المتماسك النظيف.. أنّ هذه التحديات ما دامت في مواجهة الحق، لا تقوم على دليل ينفع، أو برهان فيه مقنع، ولكنها الأهواء والنزعات الهابطة..
من أجل ذلك يفترض أن تزيد البناةَ المخلصين ثباتاً على الحق، وتنمي في أنفسهم مزيداً من الحوافز التي بدونها لا تكون صناعة التاريخ.
المصدر: كتاب بناء على منهاج النبوّة