قف اخي آن الرحيل فكن على حذر *** ما قد ترى يغنى عن الحذر لا تغترر باليوم أو بغد
قال الفضيل بن عياض رحمه الله:
«من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق».
أخي:اختي
اجعل مطيتك طاعة ربك تعالى؛ تسعد في الدنيا، وتَفُزْ بالدرجات العالية يوم يقوم الناس لرب العالمين.
قال الحسن بن محمد الجريري:
«أسرع
المطايا إلى الجنة الزهد في الدنيا وأسرع المطايا إلى النار حب الشهوات،
فمن استوى على متن شهوة من الشهوات أسرع به القود إلى ما يكره».
أخي اختي:
إن لكل شيء منتهى، وإن توهم بعض الناس اللذة في شهوة من الشهوات؛ فإن الإدمان أخي يورث فقد حلاوة الشهوات!
يقول الإمام ابن الجوزي:
«وليعلم
العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها، وهم مع ذلك لا
يستطيعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري...».
أخي:اختي
ها
هي الشهوات قد أحاطت بك، وها هي أخي تبدو إلى ناظريك كأجمل ما يكون، قد
تزينت لك في ثياب شتى! وها أنت أخي الشاب تخبط خبط عشواء وتترامى إلى
أحضانها دونما تروٍ أو تفكر.
أخي:
إن شئت أن تقصم ظهر الشهوات؛ فلن تقصمها بسلاح أقوى من الصبر؛ فهو عدوها
اللدود، فلا تكن أخي خوارًا ولا ضعيفًا، فاضرب الشهوات بعزيمة لا تلين،
عندها أخي تجنى ثمار ذلك إيمانًا ويقيًنا تجده في قلبك.. قال إبراهيم القصار: «أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته، وأقوى الخلق من قوى على ردها».
فاصبر أخي وصابر، تنال النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة..
قال تعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان:12].
قال أبو سليمان الداراني: «صبروا عن الشهوات».
وقال يحيى بن معاذ: «حفت
الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت بالنار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت
إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية،
وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنى».
فاصبر أخي تجد في طاعة الله تعالى شغلاً عن معاصيه؛ لتكون بعدها أخي في مصاف المهتدين.. ومواكب التائبين.. وما ذلك ببعيد.
وقف أخي!
وأنت يا أيها العاشق الولهان! أي داء هذا أخي الذي أفسد عليك دينك ودنياك؟!
أليس هو ما تسمونه بـ (العشق) أو (الغرام)
داء الشباب.. وسرطان تلك العيدان الرطاب! كم من شاب أفسد نضار شبابه بهذا
الداء الأسود.. أخي الشاب: مساكين أولئك الشباب الذين وقفوا عند عشق الصور!
وما دروا أن الله تعالى خلقهم لما هو أعظم من ذلك.
قال تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56-58].
أخي: إنها غاية الغايات، وإليها أخي يسعى الناجون.. لذلك صدق الحكماء عندما قالوا في العشق، هو: «شغل قلب فارغ!»
حقًا أخي إنه: قلب فارغ من معرفة ربه تعالى! قلب فارغ من معرفة الغاية التي خلقه الله لأجلها! قلب فارغ من معرفة ما ينفعه أو يضره! قلب فارغ من معالي الأمور والهمم الرفيعة!
قال الإمام ابن الجوزي:
( وهو أنه لا يتمكن العشق إلا مع واقف جامد؛ فأما أرباب صعود الهمم، فإنها
كلما تخايلت ما توجبه المحبة فلاحت عيوبه لها إما بالفكر فيه أو
بالمخالطة، تسلت أنفسهم، وتعلقت بمطلوب آخر.. وعلى قدر النظر في العواقب
يخف العشق عن قلب العاشق، وعلى قدر جمود الذهن يقوى القلق ).
وما عاقل في الناس يحمد أمره *** ويذكر إلا وهو في الحب أحمق
وما من فتى ذاق بؤس معيشة *** من الناس إلا ذاقها حين يعشق
أخي الشاب: وها أنا أخبرك بضرر العشق في الدين والدنيا!
أما في الدين: ( فيشغل القلب من معرفة الله تعالى، والخوف منه تعالى، فيقع العاشق في الحرام؛ فيخسر آخرته، ويتعرض لعقوبة ربه تعالى ).
وأما ضرره في الدنيا: (
فإنه يورث الهم الدائم والفكر اللازم والوسواس والأرق وقلة المطعم وكثرة
السهر ويتسلط على الجوارح فتنشأ الصفرة في البدن والرعدة في الأطراف
واللجلجة في اللسان.. وربما خرج بصاحبه إلى الجنون... ) [ابن الجوزي] بتصرف.
أخي: ما أظنك تزهد في معرفة دواء العشق وحاسم شروره!
أخي: إن أردت الوصفة الناجحة لداء العشق، فهي تتكون من عنصر واحد يشتمل على كل عناصر الدواء إن شاء الله.. وهو: الإعراض عن النظر مع قوة شديدة في العزة على الغض وهجر المحبوب، فإن فعلت ذلك أخي تهاوت حصون العشق وأصبحت دكا!
واغضض الطرف تسترح من غرام *** تكتسى فيه ثوب ذل وشين
فبلاء الفتى موافقة النفس *** وبدء الهوى، طموح العين
قال الأصمعي: لقد أكثر الناس في العشق فما سمعت أوجز ولا أجمل من قول بعض نساء العرب وسئلت عن العشق، فقالت: «ذل وجنون!».
وقف أخي!
أخي الشاب: آه من تلك اللذة العظمى التي غفل عنها العباد!! وواسعادة أولئك الذين نعموا بها..
أخي أتدري ما هذه اللذة؟ تأمل الجواب: «لقد غفر طلاب الدنيا عن اللذة فيها! وما اللذة فيها إلا شرف العلم، وزهرة العفة، وأنفة الحمية، وعز القناعة، وحلاوة الإفضال على الخلق.
فأما الالتذاذ بالمطعم والمنكح فشغل جاهل باللذة! لأن ذاك لا يراد لنفسه، بل لإقامة العوض في البدن والولد.. فمن مال إلى النساء لم يصفُ له عيش، ومن أحب الشراب لم يمتع بعقله، ومن أحب الدينار والدرهم كان عبدًا لهما ما عاش!» ابن الجوزي.
أخي الكل يتمني أن يعيش سعيدًا هنيئًا، ولكن أخي هل عرف الجميع طريق السعادة؟!
أخي قليل أولئك الذين عرفوا طريق السعادة الحقيقية! وقد رأيت أخي صفاتهم
كما وصفها لك الإمام ابن الجوزي رحمه الله. فانظر أخي الشاب أين أنت من تلك
السعادة الحقيقية؟
ولا
تخدعنك أخي نفسك، ولطالما خدعت الأنفس العباد.. فكم متخبط غارق في بحور
الشهوات يظن أنه من أسعد الخلق!! مسكين هذا! ولو نظر إلى عواقب ما يجنى من
تلك السعادة الكاذبة؛ لعلم أنه من أشقى الناس، فاحذر أخي ثم احذر تلك السعادة الكاذبة.
وقف أخي
أخي يا من أسرفت في الذنوب، ولبست من المعاصي ألوانًا! نهارك لاه! وليلك غافل!
أخي الشاب: كم كان الله تعالى رحيمًا بعباده.. حليمًا.. فقد مد لعباده في التوبة والرجوع إليه، ولم يقنطهم من رحمته، بل ناداهم نداء رحيم بهم:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
أخي الشاب: التوبةَ التوبة.. الإنابةَ الإنابة..
وما
أحلى التوبة منك أخي وأنت في ربيع أيامك وزهرة شبابك.. فما أسعدك أخي إن
طرقت باب مولاك تعالى راجيًا القبول، وغفران الذنوب.. ومعاهدًا على لزوم
الطاعة، ومفارقة الهوى.. فعساك أخي أن تكون ممن عناهم النبي صلى الله عليه
وسلم يقول:
«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله». فذكر منهم: «وشاب نشأ في عبادة ربه». رواه البخاري ومسلم.
أخي: إن
رحم الله تعالى فإنه لشديد العقاب! فاحذر أخي عقابه وأليم عذابه، ولا تغتر
أخي فتعيش الأماني العراض بغير عمل صالح! فقد حذرتك أخي لو حذرت.
قال أبو على الروذباري:«من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك، فتترك الإنابة والتوبة توهمًا أنك تسامح في الهفوات».
قم فارث نفسك وابكها *** ما دمت وابك على مهل
ما دمت وابك على مهل *** فيما يريد فقد كمل
أخي الشاب:
إن التوبة لقي شوق إلى لقائك! فعجل عجل أخي..
قال عمير بن هانئ:
«تقول التوبة للشاب: أهلا ومرحبًا، وتقول للشيخ: نقبلك على ما كان منك.
الشاب ترك المعصية مع قوة الداعي إليها، والشيخ قد ضعفت قوته، وقل داعيه
فلا يستويان!».
النجاء النجاء أخي قبل أن لا يكون نجاء.. واعمل الصالحات قبل أن يكون حساب ولا عمل..
وقف أخي!
أخي الشاب:
صلاحك صلاحك في تقواك.. وفوزك فوزك في خوفك من الله تعالى.. فاستعصم أخي بتقوى الله تعالى؛ فهي خير حصن تحصنت به..
أخي: أو
ما تحب أن تكون في الدنيا من الهانئين، ويوم القيامة من الناجين؟! فإن
أردت أخي ذلك فلتتق مولاك تعالى في كل صغير وكبير، تجد عاقبة ذلك بردًا
وسلامًا..
أخي:
(فالسعيد
من لازم أصلاً واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى
زانته. وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر. وإن عوفي تمت النعمة عليه. وإن
ابتلي حملته. ولا يضره إن نزل به الزمان. أو صعد. أو أعراه. أو أشبعه. أو
أجاعه. لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير. والتقوى أصل السلامة. حارس لا
ينام. يأخذ باليد عند العثرة.. ولازم التقوى في كل حال فإنك لا ترى في
الضيق إلا السعة وفي المرض إلا العافية، هذا نقدها العاجل والآجل معلوم ) [ابن الجوزي].
ألا فاسلك إلى المولى سبيلا *** ولا تطلب سوى التقوى دليلا
وسر فيها بجد وانتهاض *** تجد فيها المنى عرضًا وطولاً
وإن أحببت أن تعتز عزًا *** يدوم فكن له عبدًا ذليلاً
وواصل من أناب إليه واقطع *** وصال المسرفين تكن نبيلاً
ولا تفنى شبابك واغتنمه *** ومثل بين عينيك الرحيلا
وقف أخي!
أخي الشاب: أين أنت من الرقدة الكبرى؟! يوم يفارقك القريب والحبيب فتبقى وحيدًا في بيت الوحشة والظلمةّ! لا أنيس ولا ضياء إلا عملك الصالح..
أخي: إنه (القبر) ماذا أعددت له؟!
آن الرحيل فكن على حذر *** ما قد ترى يغنى عن الحذر
لا تغترر باليوم أو بغد *** فلرب مغرور على خطر
أخي: (يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًا، ولا يغتر بالشباب! والصحة! فإن أقل من يموت الأشياخ وأكثر من يموت الشباب! ولهذا يندر من يكبر. وقد أنشدوا:
يعمر واحد فيغر قومًا *** وينسى من يموت من الشباب
ابن الجوزي
أخي الشاب:
احذر
بغتة الموت وفجأته، فإنها أخي لا تميز بين الشاب والكبير.. فكم من شاب مات
وهو في زهرة عمره، وريعان شبابه، فودعه الصديق والقريب بدموع الحسرات على
شبابه وعنفوان عمره! أما هو فإن فارق الدنيا مسرفًا مذنبًا فوآطول حسرته
إذا أتته ملائكة العذاب.. وواحسرته يوم أن يكون قبره حفرة من حفر النيران..
أخي: يوشك أن يناديك المنادي فتجيب! فاحذر
أخي من سوء الخاتمة، فإن العبد يختم له في هذه الحياة بآخر أعماله، فإياك
أخي أن يأتيك الموت وأنت غارق في المعاصي والشهوات! فتندم حين لا ينفع
الندم.. فاحذر أخي عذاب الله تعالى وشديد عقابه،
ولا تقل إن الله غفور رحيم.. أجل إن الله غفور رحيم؛ ولكنك أخي هل نسيت أنه
شديد العقاب، أليم العذاب لمن عصاه..
قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165].
وقال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:50،49].
وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ [فصلت:43].
أخي: ختم الله لي ولك بصالح الأعمال، وحسن الختام، وجعلنا من الفائزين بنعيمه الدائم وبحبوحة جنانه
قال الفضيل بن عياض رحمه الله:
«من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق».
أخي:اختي
اجعل مطيتك طاعة ربك تعالى؛ تسعد في الدنيا، وتَفُزْ بالدرجات العالية يوم يقوم الناس لرب العالمين.
قال الحسن بن محمد الجريري:
«أسرع
المطايا إلى الجنة الزهد في الدنيا وأسرع المطايا إلى النار حب الشهوات،
فمن استوى على متن شهوة من الشهوات أسرع به القود إلى ما يكره».
أخي اختي:
إن لكل شيء منتهى، وإن توهم بعض الناس اللذة في شهوة من الشهوات؛ فإن الإدمان أخي يورث فقد حلاوة الشهوات!
يقول الإمام ابن الجوزي:
«وليعلم
العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها، وهم مع ذلك لا
يستطيعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري...».
أخي:اختي
ها
هي الشهوات قد أحاطت بك، وها هي أخي تبدو إلى ناظريك كأجمل ما يكون، قد
تزينت لك في ثياب شتى! وها أنت أخي الشاب تخبط خبط عشواء وتترامى إلى
أحضانها دونما تروٍ أو تفكر.
أخي:
إن شئت أن تقصم ظهر الشهوات؛ فلن تقصمها بسلاح أقوى من الصبر؛ فهو عدوها
اللدود، فلا تكن أخي خوارًا ولا ضعيفًا، فاضرب الشهوات بعزيمة لا تلين،
عندها أخي تجنى ثمار ذلك إيمانًا ويقيًنا تجده في قلبك.. قال إبراهيم القصار: «أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته، وأقوى الخلق من قوى على ردها».
فاصبر أخي وصابر، تنال النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة..
قال تعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان:12].
قال أبو سليمان الداراني: «صبروا عن الشهوات».
وقال يحيى بن معاذ: «حفت
الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت بالنار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت
إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية،
وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنى».
فاصبر أخي تجد في طاعة الله تعالى شغلاً عن معاصيه؛ لتكون بعدها أخي في مصاف المهتدين.. ومواكب التائبين.. وما ذلك ببعيد.
وقف أخي!
وأنت يا أيها العاشق الولهان! أي داء هذا أخي الذي أفسد عليك دينك ودنياك؟!
أليس هو ما تسمونه بـ (العشق) أو (الغرام)
داء الشباب.. وسرطان تلك العيدان الرطاب! كم من شاب أفسد نضار شبابه بهذا
الداء الأسود.. أخي الشاب: مساكين أولئك الشباب الذين وقفوا عند عشق الصور!
وما دروا أن الله تعالى خلقهم لما هو أعظم من ذلك.
قال تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56-58].
أخي: إنها غاية الغايات، وإليها أخي يسعى الناجون.. لذلك صدق الحكماء عندما قالوا في العشق، هو: «شغل قلب فارغ!»
حقًا أخي إنه: قلب فارغ من معرفة ربه تعالى! قلب فارغ من معرفة الغاية التي خلقه الله لأجلها! قلب فارغ من معرفة ما ينفعه أو يضره! قلب فارغ من معالي الأمور والهمم الرفيعة!
قال الإمام ابن الجوزي:
( وهو أنه لا يتمكن العشق إلا مع واقف جامد؛ فأما أرباب صعود الهمم، فإنها
كلما تخايلت ما توجبه المحبة فلاحت عيوبه لها إما بالفكر فيه أو
بالمخالطة، تسلت أنفسهم، وتعلقت بمطلوب آخر.. وعلى قدر النظر في العواقب
يخف العشق عن قلب العاشق، وعلى قدر جمود الذهن يقوى القلق ).
وما عاقل في الناس يحمد أمره *** ويذكر إلا وهو في الحب أحمق
وما من فتى ذاق بؤس معيشة *** من الناس إلا ذاقها حين يعشق
أخي الشاب: وها أنا أخبرك بضرر العشق في الدين والدنيا!
أما في الدين: ( فيشغل القلب من معرفة الله تعالى، والخوف منه تعالى، فيقع العاشق في الحرام؛ فيخسر آخرته، ويتعرض لعقوبة ربه تعالى ).
وأما ضرره في الدنيا: (
فإنه يورث الهم الدائم والفكر اللازم والوسواس والأرق وقلة المطعم وكثرة
السهر ويتسلط على الجوارح فتنشأ الصفرة في البدن والرعدة في الأطراف
واللجلجة في اللسان.. وربما خرج بصاحبه إلى الجنون... ) [ابن الجوزي] بتصرف.
أخي: ما أظنك تزهد في معرفة دواء العشق وحاسم شروره!
أخي: إن أردت الوصفة الناجحة لداء العشق، فهي تتكون من عنصر واحد يشتمل على كل عناصر الدواء إن شاء الله.. وهو: الإعراض عن النظر مع قوة شديدة في العزة على الغض وهجر المحبوب، فإن فعلت ذلك أخي تهاوت حصون العشق وأصبحت دكا!
واغضض الطرف تسترح من غرام *** تكتسى فيه ثوب ذل وشين
فبلاء الفتى موافقة النفس *** وبدء الهوى، طموح العين
قال الأصمعي: لقد أكثر الناس في العشق فما سمعت أوجز ولا أجمل من قول بعض نساء العرب وسئلت عن العشق، فقالت: «ذل وجنون!».
وقف أخي!
أخي الشاب: آه من تلك اللذة العظمى التي غفل عنها العباد!! وواسعادة أولئك الذين نعموا بها..
أخي أتدري ما هذه اللذة؟ تأمل الجواب: «لقد غفر طلاب الدنيا عن اللذة فيها! وما اللذة فيها إلا شرف العلم، وزهرة العفة، وأنفة الحمية، وعز القناعة، وحلاوة الإفضال على الخلق.
فأما الالتذاذ بالمطعم والمنكح فشغل جاهل باللذة! لأن ذاك لا يراد لنفسه، بل لإقامة العوض في البدن والولد.. فمن مال إلى النساء لم يصفُ له عيش، ومن أحب الشراب لم يمتع بعقله، ومن أحب الدينار والدرهم كان عبدًا لهما ما عاش!» ابن الجوزي.
أخي الكل يتمني أن يعيش سعيدًا هنيئًا، ولكن أخي هل عرف الجميع طريق السعادة؟!
أخي قليل أولئك الذين عرفوا طريق السعادة الحقيقية! وقد رأيت أخي صفاتهم
كما وصفها لك الإمام ابن الجوزي رحمه الله. فانظر أخي الشاب أين أنت من تلك
السعادة الحقيقية؟
ولا
تخدعنك أخي نفسك، ولطالما خدعت الأنفس العباد.. فكم متخبط غارق في بحور
الشهوات يظن أنه من أسعد الخلق!! مسكين هذا! ولو نظر إلى عواقب ما يجنى من
تلك السعادة الكاذبة؛ لعلم أنه من أشقى الناس، فاحذر أخي ثم احذر تلك السعادة الكاذبة.
وقف أخي
أخي يا من أسرفت في الذنوب، ولبست من المعاصي ألوانًا! نهارك لاه! وليلك غافل!
أخي الشاب: كم كان الله تعالى رحيمًا بعباده.. حليمًا.. فقد مد لعباده في التوبة والرجوع إليه، ولم يقنطهم من رحمته، بل ناداهم نداء رحيم بهم:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
أخي الشاب: التوبةَ التوبة.. الإنابةَ الإنابة..
وما
أحلى التوبة منك أخي وأنت في ربيع أيامك وزهرة شبابك.. فما أسعدك أخي إن
طرقت باب مولاك تعالى راجيًا القبول، وغفران الذنوب.. ومعاهدًا على لزوم
الطاعة، ومفارقة الهوى.. فعساك أخي أن تكون ممن عناهم النبي صلى الله عليه
وسلم يقول:
«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله». فذكر منهم: «وشاب نشأ في عبادة ربه». رواه البخاري ومسلم.
أخي: إن
رحم الله تعالى فإنه لشديد العقاب! فاحذر أخي عقابه وأليم عذابه، ولا تغتر
أخي فتعيش الأماني العراض بغير عمل صالح! فقد حذرتك أخي لو حذرت.
قال أبو على الروذباري:«من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك، فتترك الإنابة والتوبة توهمًا أنك تسامح في الهفوات».
قم فارث نفسك وابكها *** ما دمت وابك على مهل
ما دمت وابك على مهل *** فيما يريد فقد كمل
أخي الشاب:
إن التوبة لقي شوق إلى لقائك! فعجل عجل أخي..
قال عمير بن هانئ:
«تقول التوبة للشاب: أهلا ومرحبًا، وتقول للشيخ: نقبلك على ما كان منك.
الشاب ترك المعصية مع قوة الداعي إليها، والشيخ قد ضعفت قوته، وقل داعيه
فلا يستويان!».
النجاء النجاء أخي قبل أن لا يكون نجاء.. واعمل الصالحات قبل أن يكون حساب ولا عمل..
وقف أخي!
أخي الشاب:
صلاحك صلاحك في تقواك.. وفوزك فوزك في خوفك من الله تعالى.. فاستعصم أخي بتقوى الله تعالى؛ فهي خير حصن تحصنت به..
أخي: أو
ما تحب أن تكون في الدنيا من الهانئين، ويوم القيامة من الناجين؟! فإن
أردت أخي ذلك فلتتق مولاك تعالى في كل صغير وكبير، تجد عاقبة ذلك بردًا
وسلامًا..
أخي:
(فالسعيد
من لازم أصلاً واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى
زانته. وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر. وإن عوفي تمت النعمة عليه. وإن
ابتلي حملته. ولا يضره إن نزل به الزمان. أو صعد. أو أعراه. أو أشبعه. أو
أجاعه. لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير. والتقوى أصل السلامة. حارس لا
ينام. يأخذ باليد عند العثرة.. ولازم التقوى في كل حال فإنك لا ترى في
الضيق إلا السعة وفي المرض إلا العافية، هذا نقدها العاجل والآجل معلوم ) [ابن الجوزي].
ألا فاسلك إلى المولى سبيلا *** ولا تطلب سوى التقوى دليلا
وسر فيها بجد وانتهاض *** تجد فيها المنى عرضًا وطولاً
وإن أحببت أن تعتز عزًا *** يدوم فكن له عبدًا ذليلاً
وواصل من أناب إليه واقطع *** وصال المسرفين تكن نبيلاً
ولا تفنى شبابك واغتنمه *** ومثل بين عينيك الرحيلا
وقف أخي!
أخي الشاب: أين أنت من الرقدة الكبرى؟! يوم يفارقك القريب والحبيب فتبقى وحيدًا في بيت الوحشة والظلمةّ! لا أنيس ولا ضياء إلا عملك الصالح..
أخي: إنه (القبر) ماذا أعددت له؟!
آن الرحيل فكن على حذر *** ما قد ترى يغنى عن الحذر
لا تغترر باليوم أو بغد *** فلرب مغرور على خطر
أخي: (يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًا، ولا يغتر بالشباب! والصحة! فإن أقل من يموت الأشياخ وأكثر من يموت الشباب! ولهذا يندر من يكبر. وقد أنشدوا:
يعمر واحد فيغر قومًا *** وينسى من يموت من الشباب
ابن الجوزي
أخي الشاب:
احذر
بغتة الموت وفجأته، فإنها أخي لا تميز بين الشاب والكبير.. فكم من شاب مات
وهو في زهرة عمره، وريعان شبابه، فودعه الصديق والقريب بدموع الحسرات على
شبابه وعنفوان عمره! أما هو فإن فارق الدنيا مسرفًا مذنبًا فوآطول حسرته
إذا أتته ملائكة العذاب.. وواحسرته يوم أن يكون قبره حفرة من حفر النيران..
أخي: يوشك أن يناديك المنادي فتجيب! فاحذر
أخي من سوء الخاتمة، فإن العبد يختم له في هذه الحياة بآخر أعماله، فإياك
أخي أن يأتيك الموت وأنت غارق في المعاصي والشهوات! فتندم حين لا ينفع
الندم.. فاحذر أخي عذاب الله تعالى وشديد عقابه،
ولا تقل إن الله غفور رحيم.. أجل إن الله غفور رحيم؛ ولكنك أخي هل نسيت أنه
شديد العقاب، أليم العذاب لمن عصاه..
قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165].
وقال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:50،49].
وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ [فصلت:43].
أخي: ختم الله لي ولك بصالح الأعمال، وحسن الختام، وجعلنا من الفائزين بنعيمه الدائم وبحبوحة جنانه