اغتنام الحياة
الحياة كنز، والواجب على العبد أن يغتنم ساعاتها، ومن أفضل الأعمال التي تغتنم فيها الأوقات ذكر الله عز وجل، والإتيان بالفرائض كالصلاة والصيام، ولقد أوضح الشيخ ذلك كله في محاضرته، مضمناً إياها ذكر الخصال الموجبة لمحبة الله، وحسن الخاتمة، وخاتماً إياها بذكر ثمرات اغتنام الحياة.
إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النساء:1].يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..الحمد لله الذي جمعنا بكم في بيتٍ من بيوت الله بعد هذه الفريضة من فرائض الله، اللهم لك الحمد كالذي نقول، ولك الحمد خيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول .
أيها الأحبة في الله: إن الحياة مهما مضت أيامها وانقضت سنينها وأعوامها فإنه لا بد لأصحابها من نهاية، لابد للإنسان أن يقف تلك الساعة الأخيرة من هذه الدنيا لكي يلقي عليها آخر النظرات على الأبناء والبنات، وعلى الإخوان والأخوات، لكي يتفطر قلبه على فراق ما هناك من الأحبة، ولقد كتب الله عز وجل على كل صغير وكبير وجليل وحقير أنه صائر إلى الله العظيم الكبير، فقال الله تعالى في كتابه ينعى للعباد أنفسهم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [الأنبياء:35] فلا بد لهذه الحياة من هذه النهاية المحتومة، ولا بد لهذه الحياة من هذه الغاية المكتوبة.
ولكن ما إن يقف الإنسان عند هذه النهاية حتى يتفطر قلبه حزناً وألماً على الناس، وعلى الأحبة والأقربين، ولكن هناك حزن ليس هناك حزن أعظم منه، وهناك ألم ليس هناك ألم أشد منه، حينما يبكي على ساعات ليله ونهاره، حينما يحس من قرارة قلبه أن الحياة انتهت، وأن المهلة قد انقضت، وأنه قد صار إلى الله جل وعلا، لذلك ما إن ينتهي الإنسان من هذه الدنيا إلا وقلبه في حزن وهم وغم على ما فرط في جنب الله، يقول: رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] .. رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصالِحِينَ [المنافقون:10].
لذلك -أيها الأحبة في الله- حقيق بكل مؤمن بالله أن يعرف قيمة هذه الحياة، وأن يعلم أن الله تبارك وتعالى لم ينعم عليه بهذه الساعات واللحظات عبثاً، ولم يمتعه بهذا الوجود سدى، ما خلقك الله إلا لأمرٍ عظيمٍ وخطب جليل كريم؛ لكي تتعطر الحياة بطاعة مولاك، ولكي تتعطر الحياة بمحبة من أحياك، وتطيب الحياة بالقرب من الله في السعي في كل ما يرضي الله؛ لذلك فإن من أجل نعم الله على العبد أن يلهمه اغتنام هذه الحياة .. أن يلهمه اغتنام الساعات واللحظات في تقربه إلى الله فاطر الأرض والسماوات، إنها الغنيمة الباردة، والتجارة الرابحة التي يمسي الإنسان ويصبح فيها وهو قريب من الله، فكم من أيام قربت القلوب إلى ربها! وكم من ليالٍ شوقت القلوب إلى خالقها! إنها الغنيمة الباردة، والتجارة الرابحة حينما يغنم الإنسان الساعات واللحظات، فلا تمضي عليه ساعة من يومه، ولا ساعة من ليله إلا وهو في ذكر أو شكر.
ولقد أنزل الله جل وعلا كتابه المبين وبعث رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم؛ لكي يحيي في القلوب هذا الأمر الجليل، ولكي يتحرك الناس إلى عبادة الله رب الجنة والناس، ولكي يكون ليل الإنسان ونهاره مطية له إلى طاعة الله ومرضاة الله.
ذكر الله من أعظم وسائل اغتنام الحياة
إن من أعظم ما يوفق الإنسان له لاغتنام هذه الحياة ذكر الله جل وعلا، ذكر الله الذي سبق به المفردون، فقد خرج صلى الله عليه وسلم في سفره، فقال لأصحابه: (سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله ؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات).
من أحيا الله قلبه بذكره وشكره، وشوقه إلى جنانه ورحمته فقد غنم هذه الحياة، ولذلك حقيق بنا أن نتفكر في هذه النعمة العظيمة، والمنة الجليلة الكريمة التي أحياها رسول الأمة صلوات الله وسلامه عليه حينما فتح لأمته أبواب الطاعات، وشحذ هممهم إلى اغتنام الخيرات، فقال الله سبحانه وتعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] وقال جل وعلا: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] شوق المؤمنين إلى طاعته، لعلمه جل وعلا ألا سبيل إلى جنته إلا باغتنام هذه الحياة بسلوك طريق محبته، إنها التجارة الرابحة حينما يكثر الإنسان من ذكر الله جل وعلا، حينما يعمل بوصية الله في كتابه حيث يقول جل وعلا لأحبابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:41-42] ألم تعلم أنك إن ذكرته ذكرك، ولئن ذكرته في نفسك ذكرك في نفسه، ولئن ذكرته بين الناس ذكرك الله جل وعلا بين مَنْ هُمْ خير من الناس الذين ذكرته بينهم؟
ذكر الله الذي تدرك به من سبقك وتفوت به من بعدك.
الصلاة من أعظم الأذكار
أعظم ذكر عمارة الأوقات بالصلاة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) فيا من تريد اغتنام الحياة! يا من تريدها حياة طيبة يطيب ليلها ونهارها، يطيب صباحها ومساؤها؛ أكثر من الصلاة فإنها صلة بين العبد ومولاه، أكثر من الصلاة فإنه يستدرج بها العبد محبة مولاه، أكثر من الصلاة فإن الله جل وعلا يقول فيما صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشي عليها، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
الصلاة نور .. نور في الحيـاة ونور بعد الوفاة ..
نور في الحياة ولذلك نور الله وجوه المصلين، وقال الله في كتابه المبين عن أصحاب رسوله الأمين: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29] قال بعض العلماء: كانوا يحيون الليل بالعبادة فإذا أصبحوا أشرقت وجوههم من نور الصلاة في جوف الليل؛ ألا وإن الصلاة رحمة من الله جل وعلا فلن يشرح قلب إنسان للإكثار منها إلا أحبه الله جل وعلا، الصلاة قرب من العبد إلى مولاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويدعو إليها، وبين صلوات الله وسلامه عليه أحبها وأكرمها عند الله، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) وقال صلى الله عليه وسلم فيهما: (لا تتركوها ولو طلبتكم الخيل).
صلاة النوافل من اغتنام الحياة
ألا وإن من اغتنام الحياة في الصلاة المداومة على ركعتي الضحى التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها صلاة الأوابين، والله للأوابين غفور رحيم.
وإن من اغتنام الحياة في الصلاة: صلاة أربع قبل الظهر تفتح لها أبواب السماء، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل الظهر أربعا،ً فقالت له أم المؤمنين عائشةعن تلك الصلاة، قال: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح) وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرمه الله على النار).
ألا وإن من خير الصلاة: المداومة على الرواتب التي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من حافظ عليها بنى الله له بها قصراً في الجنة، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى لله في يوم اثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصراً في الجنة) ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.ألا وإن من الصلاة المحمودة المباركة المشهودة: إحياء ما بين العشائين -ما بين صلاة المغرب والعشاء- إحياؤه بالصلاة، حتى قال بعض العلماء: إن الله عناها بقوله: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].
ألا وإن من الصلاة المحمودة المباركة المشهودة
صلاة الليل .. قيام الليل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم) وهو خلة المتقين، وخصلة من خصال عباد الله المهتدين.
ألا وإن من أفضل ما يكون وأحب ما يكون من إحيائه قيام آخره، قال صلى الله عليه وسلم:
(ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة في الثلث الآخر، فيقول: هل من داع فأجيب دعوته؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟) فمن أراد الله به خيراً وأراد له اغتنام هذه الحياة ألهمه إحياء الليل بالصلاة، فما حافظ عبد على قيام الليل إلا شرح الله صدره، ونور الله قلبه وقبره، ولذلك قال العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور) قالوا: ينور الله بكثرة الصلاة على العبد قبره إذا أظلم عليه
النفقة من اغتنام الحياة
ألا وإن من اغتنام الحياة اغتنامها بإنفاق الأموال في طاعة الله، أن يسخر الإنسان ماله لطاعة الله ومحبة الله، أنفق ينفق الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك (ما من يوم من الأيام إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً).
يا من أكرمك الله بالأموال! اغتنم هذه الحياة بإنفاقها، وأسر المال قبل أن يأسرك، وخذ من المال زاداً للآخرة، واعتبره وسيلة للتجارة الرابحة، أنفق من مالك طيبة به نفسك، استر به عورات المؤمنين، وفرج به كربات عباد الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن (العبد يوم القيامة في ظل صدقته).
وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقي العبد النار بشق تمرة، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه دخل على عائشة وكانت قد دخلت عليها امرأة معها صبيتان، فاستطعمت أم المؤمنين، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت لكل بنت تمرة، فلما أرادت أن تأكل التمرة الثالثة استطعمتها إحدى البنتين فأخذت تلك التمرة وأعطتها لابنتها ولم تأكل منها شيئاً، فعجبت عائشة رضي الله عنها من صنيعها، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتعجبين من صنيعها؟ إن الله حرمها على النار بتلك التمرة).
أخي في الله: إن إنفاق الأموال وبذلها في محبة الكبير المتعال من أعظم الخصال الموجبة لرحمة الله جل وعلا، كم من هموم فرجها الله عن الذين يسترون عورات المسلمين! كم من هموم وغموم نفسها الله لمن نفس هموم إخوانه المؤمنين! كم من مكروب فرج الله كربه بالنفقات!
فأنفق على إخوانك ينفق الله عليك، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من عبد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
الإكثار من النفقات من أعظم الأسباب التي يرحم الله جل وعلا بها العباد، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله رحم عبداً أنعم عليه بالمال فكان يداين الناس، فكان إذا جاءه المعسر قال لأصحابه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فقال صلى الله عليه وسلم: فلقي الله جل وعلا، فقال الله: نحن أحق بالتجاوز عنه، تجاوزوا عن عبدي).
فمن أكثر من إنفاق الأموال ستره الله بإنفاقها، ورحمه الله ببذلها، إن المال غادٍ ورائح، فكن سخي اليد في محبة الله ومرضاة الله، وكيف تنعم عين المؤمن بالراحة والسرور وعورات المسلمين قد انكشفت؟ وكيف ينعم المؤمن بنومه والمال بين يديه، وجراح المسلمين قد سالت؟ وكيف ينعم المؤمن بالراحة والسرور والمال بين يديه وأخوه في هم الدين وغمه؟ فأنفق ينفق الله جل وعلا عليك، وأكثر من الصدقات، واقصد بها وجه الله جل وعلا يكن لك في ذلك خيري الدنيا والآخرة.
اغتنام الحياة بالصيام
ألا وإن من اغتنام الحياة في الطاعات صيام أيامها، قال صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله النار عن وجهه سبعين خريفاً) أكثر من الصيام فإنه يوجب رحمة الله جل وعلا، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كرامة أهله عند الله، فهم لا يدخلون الجنة إلا من باب يخصهم (إن في الجنة باباً يقال له: الريان لا يدخله إلا الصائمون، فإذا دخوله قفل على آخرهم).
أكثر من الصيام لعل الله أن ينظر إليك وأنت في شديد الهاجرة، تقرحت أمعاؤك، وظمأت أحشاؤك في طاعة الله جل وعلا. إن الصيام طريق التقوى، وسبيل موجب من الله الحب والرضا، أكثر من الصيام وخيره وأفضله صيام نبي الله داود: صيام يوم وإفطار يوم، فإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام من كل شهر، فإن صيامها كصيام الدهر، قالأبو هريرةرضي الله عنه وأرضاه: (أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن أبداً: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتا الفجر، وأن أوتر قبل أن أنام).
الخصال الموجبة لمحبة الله
ألا وإن من اغتنام الحياة الحرص على الطاعات، والتشمير في المحبة والمرضات، أكثر من الخصال الموجبة لمحبة الله.
بر الوالدين
من أعظم هذه الخصال: بر الوالدين، وإدخال السرور عليهما، وتفريج كروبهما والقيام بحوائجهما، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رضي الله على من أرضى والديه، وسخط الله على من أسخط والديه) فلتطب حياتك ببر الوالدين، فكم من دعوة صالحة استجابها الله من الوالدين أسعد الله بهما من بر، وإياك والعقوق فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة عاق) قال بعض العلماء: معناه لا يوفق لحسن خاتمة والعياذ بالله.
صلة الأرحام
ألا وإن من أعظم الطاعات وأحبها إلى الله صلة الأرحام التي أمر الله أن توصل، وأخبر أنها من خصال أهل الجنة، وأنها موجبة من الله عز وجل الكرامة والمنة، صل الأرحام في الله يصل من وصلها، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الرحم فتعلقت بعرش الرحمن، فقال: مه؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟ فرضيت بذلك) فكن ممن وصلها وتقرب إلى الله جل وعلا بصلتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح: (من وصل رحمه أنسأ الله له في أثره، وبارك الله له في رزقه، وبسط الله له في عمره) صل الأرحام فإن صلتها موجبة لرحمة الله جل وعلا، قال صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى: إني أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فهي الرحم وأنا الرحمن، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته).
حلق الذكر والزيارة في الله
ألا وإن من أحب الأعمال إلى الله غشيان حلق الصالحين، وزيارة عباد الله المتقين، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن العبد إذا خرج إلى صلة أخيه في الله نادى عليه مناد من السماء: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عنه: (إن لله ملائكة سياحين فضلاء يغشون حلق الذكر، فإذا رأوا حلق الذكر نادى بعضهم بعضاً أن هلموا، فيحفونهم إلى عنان السماء حتى إذا انقضوا صعدوا إلى الله فسألهم عن عباده وهو أعلم، قالوا: أتيناهم وهم يذكرونك، يقول: فماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة. قال: ومم يستعيذون؟ قالوا: يستعيذون من نارك، قال: وهل رأوها؟ قالوا: لا. قال: كيف لو رأوها لكانوا أشد فرقاً منها، ثم قال: ولهم قد غفرت. قالت الملائكة: إن فيهم فلاناً عبد خطاء كثير الذنوب قد مر وجلس معهم، قال: وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
فاعمر مجالس الذكر، واعمر مجالس العلماء، ولينظر الله إليك تضرب الخطا إليها، ولينظر الله إليك قد تعلق قلبك بها، اخرج إلى مجالس الصالحين فإن الجلوس معهم مرضاة لله رب العالمين، محبتهم عبادة، والجلوس معهم عبادة، وكن معهم كخير ما يكون الأخ مع أخيه، إن نسوا الله ذكرهم، وإن ذكروا الله أعنهم.
أذكار الصباح والمساء
ألا وإن من الطاعات والباقيات الصالحات: المحافظة على أذكار المساء والصباح، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ربه كلما أظلم عليه الليل وأضاء عليه النهار، كان للنبي صلى الله عليه وسلم سنن وأذكار يقولهن في الليل والنهار، فمن تأسى به صلوات الله وسلامه عليه حفظه الله بحفظه، ورفع الله درجته، وأعظم أجره، ووفقه لسبيل رحمته. أكثر من الأذكار فإن الله يذكر من ذكره، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأعظمها أجراً عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربوا رقابكم وتضربوا رقابهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله).