زكاة الفطر
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على ما لا نبي بعده. وبعد:
فإن الله شرع للصائم زكاة الفطر عبادة مالية ليكفر بها تقصيره ويسد خلله ويجعله من أهل الإحسان من بذل زكاة الفطر آخر الشهر. وسميت بذلك لأن سببها الفطر.
وزكاة الفطر واجبة على الذكر والأنثى من المسلمين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين). متفق عليه. واتفق الفقهاء على وجوبها قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض). وحكى بعض المتأخرين القول بالسنية لكنه قول مهجور عند العلماء والعمل على خلافه.
فالواجب إخراجها عن كل مسلم ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو عبد للنص أما الجنين فلا يلزم إخراج الزكاة عنه إجماعا كما حكاه ابن المنذر لكن استحب الخليفة عثمان رضي الله عنه إخراج الزكاة عنه من باب التطوع وإسناده منقطع لكن ثبت في مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال : (كانت تعجبهم صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى الحمل في بطن أمه). فمن شاء أن يتطوع بذلك فحسن أما القريب الكافر فلا تخرج عنه لأنها لا تنفعه ولا تطهره وقد نص الشافعي على ذلك.
والحكمة في وجوبها تكفيرا للنقص الحاصل في الصوم من لغو ورفث وإغناء الفقراء يوم العيد حين يتوسع الناس وهم محرومون لحديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين). رواه أبوداود وابن ماجه. وروي في الدارقطني: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم).
ويشترط لوجوبها شرطان:
1- غروب ليلة العيد على الانسان فعلى هذا من أسلم أو ولد له قبل الغروب وجب عليه وإن كان بعده لم يجب وكذلك إذا مات إنسان قبل الغروب لم يجب عليه في ماله ولم يتعلق بذمته شيء أما لو مات بعده وجب عليه في ماله يخرجها ورثته كسائر الديون.
2- حصول الغنى ليلة العيد ويومه وضابطه أن يفضل على نفقة الانسان الأصلية في أهله وولده مالا يكفي لدفع صدقة الفطر. أما من كان معسرا لا يجد قيمة الصاع فلا يجب عليه. ومن وجد ما يؤدي به الزكاة عن بعض أهله كصاع ونحوه وجب عليه لأنه مستطيع لبعض الواجب.
ولا يشترط في وجوب زكاة الفطر صوم رمضان فمن ترك الصوم لعذر أو غير عذر وجبت عليه الفطرة لعموم الأدلة ومواساة الفقراء يوم العيد وهذا مذهب عامة الفقهاء. وما ورد من حديث: (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر). فحديث منكر لا يصح فلا يشترط في قبول الصوم دفع زكاة الفطر.
ويخاطب بأداء زكاة الفطر عن أهل البيت الولي الذي يجب عليه أن ينفق على أهله ومواليه فيجب عليه أن يؤديها عن نفسه وعمن ينفق عليهم ويقوم بمئونتهم من الزوجات والأولاد وأحفادهم والوالدين. لما روي في الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون). فالفطرة تابعة للنفقة الواجبة. وهذا هو مذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد. ويجب على الزوج إخراجها عن مطلقته الرجعية لأنها في حكم الزوجات في وجوب نفقتها عليه. أما المرأة الناشز فلا يجب عليه فطرتها لسقوط نفقتها عليه. وكذلك الزوجة التي لم يدخل بها ما زالت تقيم في بيت والدها لا يجب عليه لعدم وجوب النفقة عليه حتى يتسلمها من بيت أهلها.
أما الخدم والمستخدمون في بيت الإنسان فلا يلزمه إخراج الزكاة عنهم لأنهم ليسوا في حكم العبيد المماليك ولأنه لا يجب عليه نفقتهم فيلزم كل واحد أن يخرج عن نفسه إن كان غنيا يجد قيمة الصاع بما يزيد عن نفقته وهو الغالب.
أما من انفرد بمنزله أو كان غنيا يقوم بنفسه من قريب وولد كان مخاطبا بأداء الزكاة ولا يجوز لغيره من والد وقريب أن يتبرع بالزكاة عنه إلا بإذنه لأنها عبادة تعينت بذمته تفتفر إلى إذنه الخاص ونيابته فلا حرج إذا استأذنه أن يؤديها عنه أما إذا أداها بلا إذنه لم تجزئ عنه. ومن وجبت فطرته على وليه ثم أخرجها عن نفسه أجزأه ذلك وصحت منه.
وإذا امتنع الزوج في البيت عن أداء زكاة الفطر وجب على الزوجة إخراج الزكاة عن نفسها واستحب لها أن تخرجها عن أولادها من باب التطوع ولا يلزمها ذلك شرعا. ولا يلزمها إخراجها عن زوجها إن كان معسرا لأنه لا تجب النفقة عليها ويستحب لها أن تتبرع بذلك عنه من باب حسن العشرة.
وابتداء إخراجها له وقتان:
1- وقت استحباب: وهو يوم العيد قبل أداء الصلاة لحديث ابن عمر: (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). متفق عليه.
2- وقت جواز: وهو قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة لقول ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صدقة التطوع : (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين). رواه البخاري. و قال مالك : أخبرني نافع: (أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة).
ورخص الشافعي رحمه الله في إخراجها طيلة شهر رمضان بناء على حصول أحد سببيها وهو الصوم فتعجل كملك النصاب في زكاة المال ولكن الأقرب والأحوط أنها لا تؤدي إلا قبيل انتهاء الشهر بزمن يسير كليلة وليلتين لأنه شرعت للفطر من الصوم فكان توقيتها بذلك أولى ولأن هذا هو الوارد عن الصحابة فالإتباع أولى من الرأي. أما القول بدفعها من أول السنة فظاهر المخالفة للنصوص وفيه بعد ظاهر وليس له سلف.
وينتهي وقت إخراجها على الصحيح بشروع الإمام بصلاة العيد فيحرم على المسلم إخراجها بعد صلاة العيد لأنه مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أداها لم تجزئه عن الزكاة وصارت صدقة في حكم التطوع لحديث ابن عباس: (فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات). رواه أبوداود وابن ماجه. وهذا القول رواية عن أحمد. وأكثر الفقهاء على الكراهة مع الإجزاء. أما إخراجها بعد يوم العيد من اليوم الثاني من شوال فحرام بالإتفاق.
ومن ترك إخراجها قبل الصلاة له حالتان:
1- أن يكون تركه لعذر كنسيان وانعدام فقير وغيره فهذا لا يؤاخذ شرعا ويلزمه القضاء.
2- أن يكون تركه من باب التفريط فهذا عاص وعليه التوبة والقضاء.
ومقدار زكاة الفطر صاعا من طعام. والصاع أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل واختلف أهل العلم في تقدير الصاع بالوزن المعاصر والأقرب أن وزنه يختلف بحسب خفة الطعام وثقله. ووزنه في الأرز ما يعادل تقريبا كيلوين وستمائة جرام. وكان شيخنا ابن باز رحمه الله يرى إخراج من الأرز ما يعادل ثلاثة كيلو احتياطا. والتقدير في هذا الباب فيما يظهر على سبيل التقريب لا التحديد. ولا حرج على الإنسان أن يزيد في كمية الفطرة من باب الصدقة والتطوع لأنه زيادة في الخير ولا يشترط إخبار الفقير بذلك.
ولا يجزئ إخراج الصاع الواحد من جنسين مختلفين كأن يخلط بين الأرز والقمح لأنه مخالف للصفة الواردة في السنة وهذا قول الشافعي. فإذا لم يجد ما يكمل صاعا من نفس الطعام سقط عنه.
ولم يرد في السنة ذكر دعاء معين عند إخراج زكاة الفطر فلا يشرع للمسلم أن يتعبد الله بذكر خاص عند فعلها.
ويشترط في جنسها أن تكون من طعام البلد مما يتقوت به لحديث ابن عمر وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: ( كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعً من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط). متفق عليه .فلا يجزئ دفعها من الفواكه وغيرها مما لا تكون قوتا غالبا. فالضابط أن تكون من غالب طعام البلد الذي يقتاتون به سواء كان من حب أو ثمر أو لحم على الصحيح لأن هذه الأجناس الخمسة المذكورة في الحديث ليست على سبيل الحصر وإنما بيانا لواقع طعام أهل المدينة فإذا تحققت علة الاقتيات أجزأت من كل طعام سواء كانت هذه الأصناف موجودة في البلد أم لا فلا تشترط لأن مقصود الشارع في الفطرة مواساة الفقراء وسد حاجتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم وينتفعون به فالمرجع في تعيين الطعام إلى العرف.وهذا مذهب الجمهور واختاره ابن تيمية.
والصحيح أن مصرف زكاة الفطر الفقراء والمساكين فقط لا يجوز دفعها لغيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم: (طعمة للمساكين). ولأنها طعام ينتفع بها من يأخذها لحاجته كالكفارة تصرف للفقراء فبابهما واحد وهذا مذهب المالكية واختاره ابن تيمية والعمل على هذا. ويجوز دفع الزكاة للواحد عن الجماعة والجماعة عن الواحد فلا يشترط فقير لكل فطرة.
ويشرع للوصي على الأيتام أن يؤدي زكاة الفطر من أموالهم ولا يشترط أخذ الإذن منهم لأنه واجبة في مالهم في قول عامة أهل العلم كما حكاه ابن قدامة.
ويجوز للإنسان أن يوكل شخصا أو جمعية في دفعها للفقراء بشرط أن يغلب على ظنه الثقة والأمانة فيمن وكله ولا يتساهل في هذا الأمر لأنها شعيرة عظيمة. وإذا وكلهم في دفعها للفقراء في وقتها الشرعي وأعطاهم إياها في زمن موسع ولو من أول الشهر برئت ذمته لأنه اتقى الله ما استطاع ثم لو فرض أن حصل تقصير في عدم إيصالها أو التأخير في دفعها كانت المؤاخذة والإثم على الوكيل لأنه مفرط فيما أنيب فيه. وعلى الجمعيات الخيرية والمتطوعين أن يجتهدوا ويتحروا الأمانة والدقة في إيصال الزكوات للفقراء وأن يكونوا على استعداد تام وأن لا يستقبلوا كمية كبيرة من الزكوات إلا وهم قادرون على تنفيذها على الوجه الشرعي ولا يلحقوا في ذمتهم حقوق الخلق فإن الأمر عظيم.
ولا حرج على الفقير أن يوكل شخصا في قبض الزكاة من المزكي قبل الصلاة لسفره أو مرضه أو بعده ثم يقبضها الفقير منه بعد الصلاة في يوم العيد أو بعده لأن الزكاة بلغت محلها الشرعي وبهذا تحل كثيرا من الإشكالات من كثرة المستفيدين وزحام الطريق ونحوه.
وهناك ممارسات خاطئة في إخراجها:
1- إخراجها نقدا بدل الطعام فهذا التصرف وإن قال به بعض الفقهاء إلا أنه مخالف للسنة الصريحة في اشتراط الطعام في الفطرة مع كون النقد موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعدوله عنه وأمره بالصاع يدل على اشتراطه ولكونها عبادة شرعت على وصف شرعي فوجب التقيد به ولذلك التزم الصحابة به ولم يعرف عنهم مخالفته ولا تعارض السنة بالرأي والاستحسان. قال أبو طالب: (قال لي أحمد لا يعطي قيمته قيل له قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة قال يدعون قول الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان). وعدم الإجزاء بالقيمة مذهب الثلاثة مالك والشافعي وأحمد.
2- نقلها خارج البلد الذي فيه الإنسان ابتداء فإن المشروع في زكاة الفطر أن تخرج في نفس البلد الذي فيه الشخص لأنها تتعلق ببدنه لا بماله. قال ابن قدامة: (فأما زكاة الفطر فإنه يخرجها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن). فعلى هذا التساهل والتوسع في نقل الفطرة خارج البلاد مخالف للسنة وإخفاء لهذه الشعيرة. لكن إن كانت هناك مصلحة راجحة في وجود فقراء أشد حاجة وإعوازا جاز نقلها إليهم لكن هذا يقدر بقدره لأنه خلاف الأصل الوارد في حديث ابن عباس في الصحيحين.
3- دفعها للأقارب والأصدقاء من باب البر بهم والإحسان إليهم دون تحقق وصف الفقر فيهم فهذا فيه محاباة وتضييع لهذه الفريضة ومن فعل ذلك لم تجزئه ووجب عليه الإعادة. أما إذا كان القريب مستحقا للزكاة ولا تجب نفقته فبذل الفطرة له من البر والصلة وهو آكد من البعيد.
ولا يجوز دفع الزكاة للقريب الذي تلزم نفقته من والد وولد بإتفاق الفقهاء قال ابن المنذر : (أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه).
والواجب على التجار ومراكز البيع أن يتحروا الدقة في الموازين ويصدقوا مع الله في تجارتهم وتكون أقوالهم مطابقة للواقع في نوع الطعام ومستوى جودته ومقدار وزنه ولا يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا لأن هذه التجارة تتعلق بعبادة مالية لا تبرأ الذمة إلا بأدائها على الوجه الشرعي.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على ما لا نبي بعده. وبعد:
فإن الله شرع للصائم زكاة الفطر عبادة مالية ليكفر بها تقصيره ويسد خلله ويجعله من أهل الإحسان من بذل زكاة الفطر آخر الشهر. وسميت بذلك لأن سببها الفطر.
وزكاة الفطر واجبة على الذكر والأنثى من المسلمين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين). متفق عليه. واتفق الفقهاء على وجوبها قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض). وحكى بعض المتأخرين القول بالسنية لكنه قول مهجور عند العلماء والعمل على خلافه.
فالواجب إخراجها عن كل مسلم ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو عبد للنص أما الجنين فلا يلزم إخراج الزكاة عنه إجماعا كما حكاه ابن المنذر لكن استحب الخليفة عثمان رضي الله عنه إخراج الزكاة عنه من باب التطوع وإسناده منقطع لكن ثبت في مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال : (كانت تعجبهم صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى الحمل في بطن أمه). فمن شاء أن يتطوع بذلك فحسن أما القريب الكافر فلا تخرج عنه لأنها لا تنفعه ولا تطهره وقد نص الشافعي على ذلك.
والحكمة في وجوبها تكفيرا للنقص الحاصل في الصوم من لغو ورفث وإغناء الفقراء يوم العيد حين يتوسع الناس وهم محرومون لحديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين). رواه أبوداود وابن ماجه. وروي في الدارقطني: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم).
ويشترط لوجوبها شرطان:
1- غروب ليلة العيد على الانسان فعلى هذا من أسلم أو ولد له قبل الغروب وجب عليه وإن كان بعده لم يجب وكذلك إذا مات إنسان قبل الغروب لم يجب عليه في ماله ولم يتعلق بذمته شيء أما لو مات بعده وجب عليه في ماله يخرجها ورثته كسائر الديون.
2- حصول الغنى ليلة العيد ويومه وضابطه أن يفضل على نفقة الانسان الأصلية في أهله وولده مالا يكفي لدفع صدقة الفطر. أما من كان معسرا لا يجد قيمة الصاع فلا يجب عليه. ومن وجد ما يؤدي به الزكاة عن بعض أهله كصاع ونحوه وجب عليه لأنه مستطيع لبعض الواجب.
ولا يشترط في وجوب زكاة الفطر صوم رمضان فمن ترك الصوم لعذر أو غير عذر وجبت عليه الفطرة لعموم الأدلة ومواساة الفقراء يوم العيد وهذا مذهب عامة الفقهاء. وما ورد من حديث: (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر). فحديث منكر لا يصح فلا يشترط في قبول الصوم دفع زكاة الفطر.
ويخاطب بأداء زكاة الفطر عن أهل البيت الولي الذي يجب عليه أن ينفق على أهله ومواليه فيجب عليه أن يؤديها عن نفسه وعمن ينفق عليهم ويقوم بمئونتهم من الزوجات والأولاد وأحفادهم والوالدين. لما روي في الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون). فالفطرة تابعة للنفقة الواجبة. وهذا هو مذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد. ويجب على الزوج إخراجها عن مطلقته الرجعية لأنها في حكم الزوجات في وجوب نفقتها عليه. أما المرأة الناشز فلا يجب عليه فطرتها لسقوط نفقتها عليه. وكذلك الزوجة التي لم يدخل بها ما زالت تقيم في بيت والدها لا يجب عليه لعدم وجوب النفقة عليه حتى يتسلمها من بيت أهلها.
أما الخدم والمستخدمون في بيت الإنسان فلا يلزمه إخراج الزكاة عنهم لأنهم ليسوا في حكم العبيد المماليك ولأنه لا يجب عليه نفقتهم فيلزم كل واحد أن يخرج عن نفسه إن كان غنيا يجد قيمة الصاع بما يزيد عن نفقته وهو الغالب.
أما من انفرد بمنزله أو كان غنيا يقوم بنفسه من قريب وولد كان مخاطبا بأداء الزكاة ولا يجوز لغيره من والد وقريب أن يتبرع بالزكاة عنه إلا بإذنه لأنها عبادة تعينت بذمته تفتفر إلى إذنه الخاص ونيابته فلا حرج إذا استأذنه أن يؤديها عنه أما إذا أداها بلا إذنه لم تجزئ عنه. ومن وجبت فطرته على وليه ثم أخرجها عن نفسه أجزأه ذلك وصحت منه.
وإذا امتنع الزوج في البيت عن أداء زكاة الفطر وجب على الزوجة إخراج الزكاة عن نفسها واستحب لها أن تخرجها عن أولادها من باب التطوع ولا يلزمها ذلك شرعا. ولا يلزمها إخراجها عن زوجها إن كان معسرا لأنه لا تجب النفقة عليها ويستحب لها أن تتبرع بذلك عنه من باب حسن العشرة.
وابتداء إخراجها له وقتان:
1- وقت استحباب: وهو يوم العيد قبل أداء الصلاة لحديث ابن عمر: (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). متفق عليه.
2- وقت جواز: وهو قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة لقول ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صدقة التطوع : (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين). رواه البخاري. و قال مالك : أخبرني نافع: (أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة).
ورخص الشافعي رحمه الله في إخراجها طيلة شهر رمضان بناء على حصول أحد سببيها وهو الصوم فتعجل كملك النصاب في زكاة المال ولكن الأقرب والأحوط أنها لا تؤدي إلا قبيل انتهاء الشهر بزمن يسير كليلة وليلتين لأنه شرعت للفطر من الصوم فكان توقيتها بذلك أولى ولأن هذا هو الوارد عن الصحابة فالإتباع أولى من الرأي. أما القول بدفعها من أول السنة فظاهر المخالفة للنصوص وفيه بعد ظاهر وليس له سلف.
وينتهي وقت إخراجها على الصحيح بشروع الإمام بصلاة العيد فيحرم على المسلم إخراجها بعد صلاة العيد لأنه مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أداها لم تجزئه عن الزكاة وصارت صدقة في حكم التطوع لحديث ابن عباس: (فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات). رواه أبوداود وابن ماجه. وهذا القول رواية عن أحمد. وأكثر الفقهاء على الكراهة مع الإجزاء. أما إخراجها بعد يوم العيد من اليوم الثاني من شوال فحرام بالإتفاق.
ومن ترك إخراجها قبل الصلاة له حالتان:
1- أن يكون تركه لعذر كنسيان وانعدام فقير وغيره فهذا لا يؤاخذ شرعا ويلزمه القضاء.
2- أن يكون تركه من باب التفريط فهذا عاص وعليه التوبة والقضاء.
ومقدار زكاة الفطر صاعا من طعام. والصاع أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل واختلف أهل العلم في تقدير الصاع بالوزن المعاصر والأقرب أن وزنه يختلف بحسب خفة الطعام وثقله. ووزنه في الأرز ما يعادل تقريبا كيلوين وستمائة جرام. وكان شيخنا ابن باز رحمه الله يرى إخراج من الأرز ما يعادل ثلاثة كيلو احتياطا. والتقدير في هذا الباب فيما يظهر على سبيل التقريب لا التحديد. ولا حرج على الإنسان أن يزيد في كمية الفطرة من باب الصدقة والتطوع لأنه زيادة في الخير ولا يشترط إخبار الفقير بذلك.
ولا يجزئ إخراج الصاع الواحد من جنسين مختلفين كأن يخلط بين الأرز والقمح لأنه مخالف للصفة الواردة في السنة وهذا قول الشافعي. فإذا لم يجد ما يكمل صاعا من نفس الطعام سقط عنه.
ولم يرد في السنة ذكر دعاء معين عند إخراج زكاة الفطر فلا يشرع للمسلم أن يتعبد الله بذكر خاص عند فعلها.
ويشترط في جنسها أن تكون من طعام البلد مما يتقوت به لحديث ابن عمر وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: ( كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعً من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط). متفق عليه .فلا يجزئ دفعها من الفواكه وغيرها مما لا تكون قوتا غالبا. فالضابط أن تكون من غالب طعام البلد الذي يقتاتون به سواء كان من حب أو ثمر أو لحم على الصحيح لأن هذه الأجناس الخمسة المذكورة في الحديث ليست على سبيل الحصر وإنما بيانا لواقع طعام أهل المدينة فإذا تحققت علة الاقتيات أجزأت من كل طعام سواء كانت هذه الأصناف موجودة في البلد أم لا فلا تشترط لأن مقصود الشارع في الفطرة مواساة الفقراء وسد حاجتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم وينتفعون به فالمرجع في تعيين الطعام إلى العرف.وهذا مذهب الجمهور واختاره ابن تيمية.
والصحيح أن مصرف زكاة الفطر الفقراء والمساكين فقط لا يجوز دفعها لغيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم: (طعمة للمساكين). ولأنها طعام ينتفع بها من يأخذها لحاجته كالكفارة تصرف للفقراء فبابهما واحد وهذا مذهب المالكية واختاره ابن تيمية والعمل على هذا. ويجوز دفع الزكاة للواحد عن الجماعة والجماعة عن الواحد فلا يشترط فقير لكل فطرة.
ويشرع للوصي على الأيتام أن يؤدي زكاة الفطر من أموالهم ولا يشترط أخذ الإذن منهم لأنه واجبة في مالهم في قول عامة أهل العلم كما حكاه ابن قدامة.
ويجوز للإنسان أن يوكل شخصا أو جمعية في دفعها للفقراء بشرط أن يغلب على ظنه الثقة والأمانة فيمن وكله ولا يتساهل في هذا الأمر لأنها شعيرة عظيمة. وإذا وكلهم في دفعها للفقراء في وقتها الشرعي وأعطاهم إياها في زمن موسع ولو من أول الشهر برئت ذمته لأنه اتقى الله ما استطاع ثم لو فرض أن حصل تقصير في عدم إيصالها أو التأخير في دفعها كانت المؤاخذة والإثم على الوكيل لأنه مفرط فيما أنيب فيه. وعلى الجمعيات الخيرية والمتطوعين أن يجتهدوا ويتحروا الأمانة والدقة في إيصال الزكوات للفقراء وأن يكونوا على استعداد تام وأن لا يستقبلوا كمية كبيرة من الزكوات إلا وهم قادرون على تنفيذها على الوجه الشرعي ولا يلحقوا في ذمتهم حقوق الخلق فإن الأمر عظيم.
ولا حرج على الفقير أن يوكل شخصا في قبض الزكاة من المزكي قبل الصلاة لسفره أو مرضه أو بعده ثم يقبضها الفقير منه بعد الصلاة في يوم العيد أو بعده لأن الزكاة بلغت محلها الشرعي وبهذا تحل كثيرا من الإشكالات من كثرة المستفيدين وزحام الطريق ونحوه.
وهناك ممارسات خاطئة في إخراجها:
1- إخراجها نقدا بدل الطعام فهذا التصرف وإن قال به بعض الفقهاء إلا أنه مخالف للسنة الصريحة في اشتراط الطعام في الفطرة مع كون النقد موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعدوله عنه وأمره بالصاع يدل على اشتراطه ولكونها عبادة شرعت على وصف شرعي فوجب التقيد به ولذلك التزم الصحابة به ولم يعرف عنهم مخالفته ولا تعارض السنة بالرأي والاستحسان. قال أبو طالب: (قال لي أحمد لا يعطي قيمته قيل له قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة قال يدعون قول الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان). وعدم الإجزاء بالقيمة مذهب الثلاثة مالك والشافعي وأحمد.
2- نقلها خارج البلد الذي فيه الإنسان ابتداء فإن المشروع في زكاة الفطر أن تخرج في نفس البلد الذي فيه الشخص لأنها تتعلق ببدنه لا بماله. قال ابن قدامة: (فأما زكاة الفطر فإنه يخرجها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن). فعلى هذا التساهل والتوسع في نقل الفطرة خارج البلاد مخالف للسنة وإخفاء لهذه الشعيرة. لكن إن كانت هناك مصلحة راجحة في وجود فقراء أشد حاجة وإعوازا جاز نقلها إليهم لكن هذا يقدر بقدره لأنه خلاف الأصل الوارد في حديث ابن عباس في الصحيحين.
3- دفعها للأقارب والأصدقاء من باب البر بهم والإحسان إليهم دون تحقق وصف الفقر فيهم فهذا فيه محاباة وتضييع لهذه الفريضة ومن فعل ذلك لم تجزئه ووجب عليه الإعادة. أما إذا كان القريب مستحقا للزكاة ولا تجب نفقته فبذل الفطرة له من البر والصلة وهو آكد من البعيد.
ولا يجوز دفع الزكاة للقريب الذي تلزم نفقته من والد وولد بإتفاق الفقهاء قال ابن المنذر : (أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه).
والواجب على التجار ومراكز البيع أن يتحروا الدقة في الموازين ويصدقوا مع الله في تجارتهم وتكون أقوالهم مطابقة للواقع في نوع الطعام ومستوى جودته ومقدار وزنه ولا يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا لأن هذه التجارة تتعلق بعبادة مالية لا تبرأ الذمة إلا بأدائها على الوجه الشرعي.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة