اليهود ونقض العهد
لم يحترم اليهود عهودهم مع النبي
صلى الله عليه وسلم فحاولوا إشعال الفتنة بين صفوف المسلمين، فهذا شاس بن
قيس اليهودي أرسل فتى من فتيان اليهود يُذَكِّرُ الأنصار بما كان بينهم في
الجاهلية، ففعل الفتى حتى كادوا أن يتقاتلوا، فخرج إليهم النبي صلى الله
عليه وسلم، ونهاهم عن العودة إلى الجاهلية، وذكرهم بالإسلام والحب الذي ربط
الله به قلوبهم، فعادوا إلى رشدهم وصوابهم.
ولما نصر الله رسولَه
والمسلمين على المشركين في غزوة بدر حسدتهم اليهود على ما أنعم الله تعالى
به عليهم، فقال فنحاص اليهودي: لا يغرن محمدًا أن غلب قريشًا وقتلهم، إن
قريشًا لا تحسن القتال، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله جمع
اليهود في سوق بني قينقاع وحذرهم من الغدر ودعاهم إلى الإسلام، وذكرهم بما
عندهم من العلم برسالته ونبوته فقال لهم: (احذروا من الله مثل ما نزل
بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم
وعهد الله إليكم) فقالوا: يا محمد إنك ترى أنا كقومك؟ لا يغرنك أنك لقيت
قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت فرصة، أما والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن
الناس.
فأنزل الله -سبحانه- على نبيه من القرآن ما يجيبهم به ويرد
عليهم ما قالوا وما بغوا، فقال تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى
جهنم وبئس
المهاد . قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل
الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في
ذلك لعبرة لأولي الأبصار} [آل عمران: 12-13].
إن كلام اليهود هذا تهديد
واضح للرسول صلى الله عليه وسلم بالحرب، وتأكيد لنقضهم للمعاهدة التي بينهم
وبينه، ومع ذلك فقد صبر عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم أصروا على
نقضهم للعهد.
طرد يهود بني قينقاع من المدينة:
ذات يوم ذهبت امرأة
مسلمة إلى سوق بني قينقاع لبيع ذهب معها، فاحتال عليها اليهود لتكشف وجهها
فأبت، فأخذ الصائغ طرف ثوبها، وربطه إلى
ظهرها -وهي لا تعلم- فلما قامت انكشفت عورتها، وأخذوا يضحكون
منها،
فصاحت المرأة تستغيث بعد أن طعنت في كرامتها، فوثب رجل مسلم على اليهودي
الذي أهان المرأة فقتله، فقام اليهود بقتل ذلك المسلم، فكان شهيدًا في سبيل
الله، فقامت الحرب بين المسلمين واليهود بسبب غدرهم ووقاحتهم وسوء أدبهم.
_[الواقدي].
فلما علم بنو قينقاع بقدوم المسلمين فروا إلى حصونهم
واختبئوا فيها؛ فحاصرهم المسلمون وحبسوهم في حصونهم، واستمر هذا الحصار
خمسة عشر يومًا، بعدها اضطر اليهود إلى أن يفتحوا الحصون ويستسلموا رعبًا
وخوفًا من المسلمين، فجاء عبد الله بن أُبي بن سلول، وقال: (يا محمد أحسن
في موالي (حلفائي) وظل
ابن سلول يتشفع لهم عند الرسول حتى اكتفى النبي
صلى الله عليه وسلم بطردهم من المدينة، فخرجوا تاركين وراءهم أموالهم غنيمة
للمسلمين، وذهبوا إلى بلدة تسمي أذرعات في الشام، وهناك سلط الله عليهم
وباء مات فيه أغلبهم.
قتل كعب بن الأشرف اليهودي:
بقيت في المدينة
طائفتان كبيرتان من اليهود: بنو النضير، وبنو قريظة، وما زالوا يعادون
المسلمين رغم العهد الذي قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم
معهم، فهذا
رجل من أغنيائهم اسمه كعب بن الأشرف، لم يكتفِ بالحزن على قتلى الكفار في
بدر، بل ذهب إلى مكة وعزَّاهم، وأخذ يرثي قتلاهم بشِعره ويشعل نار الثأر في
قلوبهم كي يحاربوا المسلمين، ولم يكتف بهذا، فقد تطاول بإيذاء المسلمين
مباشرة فأخذ يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم
والصحابة -رضي الله عنهم- ويقع في أعراضهم.
فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله
ورسوله؟) فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال:
(نعم) قال: فأذن لي أن أقول شيئًا (أي يعيب الرسول صلى الله عليه وسلم
والمسلمين حتى يطمئن إليه كعب) قال صلى الله عليه وسلم: (قل) فذهب محمد بن
مسلمة إلى كعب بن الأشرف اليهودي، فقال له: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة
(أي مالا) وإنه قد عنانا (أتعبنا) وإني قد أتيتك أستسلفك (أي أطلب منك
مالا) قال كعب: وأيضًا والله لتملنه (يصيبكم الملل من صحبة محمد) قال محمد
بن مسلمة: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه (نتركه) ننظر إلى أي شيء يصير
شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين (الوسق: كيل معلوم) فقال: نعم
ارهنوني.
قالوا: أي شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك
نساءنا وأنت أجمل العرب، قال: فارهنوني أبناءكم؟ قالوا: كيف نرهنك أبناءنا
فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللأمة
(السلاح) فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة -وهو أخو كعب من
الرضاعة-
فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين المخرج هذه الساعة؟
قال: إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، فنزل إليهم وهو ينفح منه ريح
الطيب، فقال أبو نائلة: ما أريت كاليوم ريحًا أطيب، أتأذن لي أن أشم رأسك؟
قال: نعم، فلما استمكن منه قال: دونكم فاقتلوه، فقتلوه، ثم أتوا النبي صلى
الله عليه وسلم فأخبروه. [الترمذي].
لم يحترم اليهود عهودهم مع النبي
صلى الله عليه وسلم فحاولوا إشعال الفتنة بين صفوف المسلمين، فهذا شاس بن
قيس اليهودي أرسل فتى من فتيان اليهود يُذَكِّرُ الأنصار بما كان بينهم في
الجاهلية، ففعل الفتى حتى كادوا أن يتقاتلوا، فخرج إليهم النبي صلى الله
عليه وسلم، ونهاهم عن العودة إلى الجاهلية، وذكرهم بالإسلام والحب الذي ربط
الله به قلوبهم، فعادوا إلى رشدهم وصوابهم.
ولما نصر الله رسولَه
والمسلمين على المشركين في غزوة بدر حسدتهم اليهود على ما أنعم الله تعالى
به عليهم، فقال فنحاص اليهودي: لا يغرن محمدًا أن غلب قريشًا وقتلهم، إن
قريشًا لا تحسن القتال، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله جمع
اليهود في سوق بني قينقاع وحذرهم من الغدر ودعاهم إلى الإسلام، وذكرهم بما
عندهم من العلم برسالته ونبوته فقال لهم: (احذروا من الله مثل ما نزل
بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم
وعهد الله إليكم) فقالوا: يا محمد إنك ترى أنا كقومك؟ لا يغرنك أنك لقيت
قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت فرصة، أما والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن
الناس.
فأنزل الله -سبحانه- على نبيه من القرآن ما يجيبهم به ويرد
عليهم ما قالوا وما بغوا، فقال تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى
جهنم وبئس
المهاد . قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل
الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في
ذلك لعبرة لأولي الأبصار} [آل عمران: 12-13].
إن كلام اليهود هذا تهديد
واضح للرسول صلى الله عليه وسلم بالحرب، وتأكيد لنقضهم للمعاهدة التي بينهم
وبينه، ومع ذلك فقد صبر عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم أصروا على
نقضهم للعهد.
طرد يهود بني قينقاع من المدينة:
ذات يوم ذهبت امرأة
مسلمة إلى سوق بني قينقاع لبيع ذهب معها، فاحتال عليها اليهود لتكشف وجهها
فأبت، فأخذ الصائغ طرف ثوبها، وربطه إلى
ظهرها -وهي لا تعلم- فلما قامت انكشفت عورتها، وأخذوا يضحكون
منها،
فصاحت المرأة تستغيث بعد أن طعنت في كرامتها، فوثب رجل مسلم على اليهودي
الذي أهان المرأة فقتله، فقام اليهود بقتل ذلك المسلم، فكان شهيدًا في سبيل
الله، فقامت الحرب بين المسلمين واليهود بسبب غدرهم ووقاحتهم وسوء أدبهم.
_[الواقدي].
فلما علم بنو قينقاع بقدوم المسلمين فروا إلى حصونهم
واختبئوا فيها؛ فحاصرهم المسلمون وحبسوهم في حصونهم، واستمر هذا الحصار
خمسة عشر يومًا، بعدها اضطر اليهود إلى أن يفتحوا الحصون ويستسلموا رعبًا
وخوفًا من المسلمين، فجاء عبد الله بن أُبي بن سلول، وقال: (يا محمد أحسن
في موالي (حلفائي) وظل
ابن سلول يتشفع لهم عند الرسول حتى اكتفى النبي
صلى الله عليه وسلم بطردهم من المدينة، فخرجوا تاركين وراءهم أموالهم غنيمة
للمسلمين، وذهبوا إلى بلدة تسمي أذرعات في الشام، وهناك سلط الله عليهم
وباء مات فيه أغلبهم.
قتل كعب بن الأشرف اليهودي:
بقيت في المدينة
طائفتان كبيرتان من اليهود: بنو النضير، وبنو قريظة، وما زالوا يعادون
المسلمين رغم العهد الذي قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم
معهم، فهذا
رجل من أغنيائهم اسمه كعب بن الأشرف، لم يكتفِ بالحزن على قتلى الكفار في
بدر، بل ذهب إلى مكة وعزَّاهم، وأخذ يرثي قتلاهم بشِعره ويشعل نار الثأر في
قلوبهم كي يحاربوا المسلمين، ولم يكتف بهذا، فقد تطاول بإيذاء المسلمين
مباشرة فأخذ يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم
والصحابة -رضي الله عنهم- ويقع في أعراضهم.
فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله
ورسوله؟) فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال:
(نعم) قال: فأذن لي أن أقول شيئًا (أي يعيب الرسول صلى الله عليه وسلم
والمسلمين حتى يطمئن إليه كعب) قال صلى الله عليه وسلم: (قل) فذهب محمد بن
مسلمة إلى كعب بن الأشرف اليهودي، فقال له: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة
(أي مالا) وإنه قد عنانا (أتعبنا) وإني قد أتيتك أستسلفك (أي أطلب منك
مالا) قال كعب: وأيضًا والله لتملنه (يصيبكم الملل من صحبة محمد) قال محمد
بن مسلمة: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه (نتركه) ننظر إلى أي شيء يصير
شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين (الوسق: كيل معلوم) فقال: نعم
ارهنوني.
قالوا: أي شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك
نساءنا وأنت أجمل العرب، قال: فارهنوني أبناءكم؟ قالوا: كيف نرهنك أبناءنا
فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللأمة
(السلاح) فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة -وهو أخو كعب من
الرضاعة-
فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين المخرج هذه الساعة؟
قال: إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، فنزل إليهم وهو ينفح منه ريح
الطيب، فقال أبو نائلة: ما أريت كاليوم ريحًا أطيب، أتأذن لي أن أشم رأسك؟
قال: نعم، فلما استمكن منه قال: دونكم فاقتلوه، فقتلوه، ثم أتوا النبي صلى
الله عليه وسلم فأخبروه. [الترمذي].