في ليلة بدر كان أصحاب رسول الله وقد وصلوا إلى ميدان المعركة - وكانوا خارجين لمقابلة التجارة التي كان فيها أبو سفيان وعمرو بن العاص وأربعون رجلاً من قريش ، وكانت هذه التجارة في طريقها من بلاد الشام وبها مكاسب ومغانم كثيرة فنزل سيدنا جبريل وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه أن أبا سفيان وعمرو بن العاص آتين من بلاد الشام ومعهم أربعون رجلاً ومعهم مال وفير ، فاخرجوا فربما يعوضكم الله ويغنمكم هذا المال مقابل المال الذي اغتصبوه منكم في مكة ، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عدد قليل حوالي ثلاث مائة وثلاث عشرة رجلاً ولم يعرفوا أنهم خرجوا من أجل الحرب ولذلك كانت الأسلحة التي معهم قليلة ومعهم ثلاثة من الخيول ومن الجمال سبعون جملاً ولذلك كان كل ثلاثة يتناوبون على جمل واحد حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه كان يتناوب مع اثنين من أصحابه وعندما قالوا له يا رسول الله عليك أن تركب ونحن أقوى على المشي فقال {أعلم أنكم تكفونني ذلك ولكنني لا غنى لي عن الأجر} يعني أريد الأجر مثلكم فضرب لنا المثل في القدوة وعلمنا كيف يكون قائد الجيش نفسه شريكاً لجنده ، ورغم أن الأسلحة كانت قليلة والعدد كان قليلاً إلا أنه شاءت إرادة الله أن يكون القتال ، مع أن جلَّ الذي خرج لا يريد إلا الغنيمة والأموال والأرباح والمكاسب التي بالتجارة ، وعندما علم أبو سفيان بخروج المسلمين غيَّر الطريق ونجا بكل من معه ولكنه كان قد أرسل رسولاً إلى أهل مكة يعلمهم بأن تجارتهم معرضة لسوء ليخرجوا إليه فخرجوا في تسعمائة وخمسون فارساً ومعهم مائة فرس ومعهم من الجمال عدد كثير وأموال كثيرة وأسلحة وفير وخرجوا واستعدوا لحماية تجارتهم ، وفي نفس الوقت كانوا موتورين لأن الرسول خرج من بينهم ولم يستطيعوا أن يصنعوا معه شيئاً مع أنهم كانوا قد دبروا خطة محكمة لقتله فخرج بإذن الله من بينهم فكانوا يريدون الانتقام فالتقى الجيشان عند ماء بدر وصل الكفار أولاً عند ماء بدر وسمي بدر لأن هناك بئر يسمى بدر ومياهه عذبة ، فعندما نزل الكفار أولاً نزلوا بجوار البئر وجعلوه خلفهم وحموه حتى لا يشرب منه المسلمون ولا يغتسلون ولا يحصلون منه على ماء ، وعندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكانوا قد قطعوا أربعة أيام في الطريق سيراً على الأقدام وكان الجو حاراً والطريق في الصحراء ونتيجة للتعب الشديد حدثت آيات عظيمة من آيات الله من أجل أن تثبتهم في هذه الليلة ، كانوا متعبين ونتيجة للتعب والكفار بجوارهم قسمهم الرسول إلى ثلاث مجموعات مجموعة تنام الثلث الأول من الليل ومجموعة تنام الثلث الثاني من الليل ومجموعة تنام الثلث الأخير من الليل ، وبعدما قسم الجيش وقفت المجموعة التي تتولى حراسة الجيش وأقاموا له خيمة صغيرة في مؤخرة الجيش أخذ يصلي فيها لله وشاءت إرادة الله للجميع أن يناموا من شدة التعب ومن طول السفر والسير على الأقدام ، حتى الذين كانوا موكلين بالحراسة ناموا ومعهم سيوفهم وهم واقفون في أماكن حراستهم ولم يقعوا على الأرض بقدرة الله ، حتى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نام في سجوده فغشّاهم الله بالنُّعاس جميعاً وحرستهم ملائكة السماء من عيون الكفار ومن دوريات الكفار ، وهذه كانت أول آية من آيات الله التي ذكرت في سورة الأنفال {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ} الأنفال11 وفي الصباح وعادة عندما يكون الإنسان متعباً أو ينام في جو بارد يحتلم فأصبح كثير منهم وقد أصابته جنابة ، فوسوس لهم الشيطان وقال كيف تكونوا أولياء لله وفيكم رسول الله وتحسبون أنكم على الحق ولا تستطيعون الوضوء أو الصلاة؟ وكيف تقابلون أعدائكم بهذه الكيفية ، والمياه كما قلنا قبل ذلك مع الكفار فحدثت الآية العظيمة الثانية من آيات الله {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} الأنفال11 فنزل الماء من أجل هذه الأمور الثلاثة : أولاً : ليتطهروا به فاغتسلوا وتوضأوا وأخذوا منه في قربهم وقاموا ببناء أحواض فامتلأت بالماء وأصبح عندهم ماءٌ أكثر مما عند الكفار ثانياً : ليذهب عنكم رجس الشيطان وهي الوسوسة التي وسوس بها الشيطان في نفوسهم والتي ربما كانت تتسبب في ضعف عزيمتهم فذهبت وقوى الإيمان لأنهم علموا أن الله معهم وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمـــان فطالما معهم عناية الله يطمئنوا ثالثاً : أن الأرض كانت رملية والأقدام كانت تغوص في الرمال فنزل المطر وجعل الأرض مُلبّدة لا تغوص فيها الأقدام ، وهذه كانت آية من آيات الله في المكان الذي فيه المسلمون ، أما المكان الذي فيه الكفار فقد نزل فيه مطر كثير فأصبحت الأرض طيناً (وَحْلاً) لا يستطيع الواحد منهم أن يتحرك فيها وتغوص أقدامه في الطين وهذه عناية الله للمؤمنين وبدأت المعركة في الصباح وقبل المعركة تفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ميدان القتال ومعه كبار قادة الجيش ، وحدد بيده الشريفة الأماكن التي يُقْتل فيها صناديد الكفر فيقول هنا سيقتل أبو جهل هنا سيقتل أمية بن خلف هنا سيقتل فلان وفلان فحدد الأماكن التي يقتل فيها الكفار وقد كان من عظيم قدرة الله بعد المعركة أن كل مكان حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل رجل وجدوه في نفس المكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندما اصطفت الصفوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي {أعطني حفنة من الحصى من الأرض} فوضعه في كفه ورمى به الكافرين ماذا تفعل هذه الحفنة من الحصى في هذا العدد الكبير؟ لكن الحصى غطّى التسعمائة والخمسين جميعاً وأصابهم في أعينهم من أجل أن يثبت الله المؤمنين وفي ذلك يقول {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} الأنفال17 وبدأت المعركة وفي أثنائها توالت المعجزات النبوية فسيدنا عكاشة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يحارب حتى كسر سيفه ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن معه احتياطي لأن كل واحد معه سيف فقط ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ أحضر عوداً من الحطب وأعطاه له وقال له اضرب بهذا العود فتعجب سيدنا عكاشة وحرك عود الحطب بشدة فوجده سيفاً عظيماً مصقولاً لامعاً وكأنه خارج من المصنع وظل يحارب بهذا السيف طوال عمره حتى مات ، ومُعاذ بن عفراء وهو رجل من الأنصار وهو يحارب ضربه عكرمة بن أبي جهل بالسيف على كتفه فقطع ذراعه فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ من ريقه الشريف ووضعه على مكان الجُرْح وأعاد الذراع إلى مكانه فشفى في الحال بإذن الله وكأنه لم يصبه ضرر سبحان الله العظيم لم يحتج رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى خياطة ولا بنج ولا أدوية ولا طبيب تخدير ولا طبيب جراح ولا غير ذلك مع أن العظم تكسّر وتقطعت الشرايين والأوردة ولكنه تأييد الله لأهل بدر لأنها كانت معركة فاصلة |