في 14 من رمضان 630 هـ ـ الموافق 24 من يونيو 1233 م : توفى مظفر الدين كوكبوري ، أمير إربل ، واحد من كبار القادة الذين شاركوا صلاح الدين الأيوبي في جهاده ضد الصليبيين .
كان مولد مظفر الدين كُوكُبُوري في (( 27 من المحرم 549 هـ )) وكلمة "كُوكُبُوري" تركية معناها "الذئب الأزرق" ، وقد اشتهر بهذا اللقب تقديراً لشجاعته وإقدامه ، و"إربل" مدينة كبيرة ، تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة الموصل العراقية ، على بعد 80 كم منها .
نشأ "مظفر الدين" في كنف والده "زين الدين علي بن بكتكين" حاكم إربل ، وعهد به إلى مَن يقوم على تثقيفه وتربيته وتعليمه الفروسية وفنون القتال ، ثم توفي أبوه سنة (( 563 هـ )) وكان "مظفر الدين" في الرابعة عشرة من عمره فخلف أباه في حكم إربل ، ولكنه كان قاصراً عن مباشرة شئون الحكم والإدارة بنفسه لصغر سنِّه ، فقام نائب الإمارة "مجاهد الدين قايماز" بتدبير شئون الدولة وإدارة أمور الحكم ، ولم يبق لمظفر الدين من الملك سوى مظاهره .
ولما اشتد عود "مظفر الدين" نشب خلاف بينه وبين الوصي على الحكم "مجاهد الدين قايماز" ، انتهى بخلع "مظفر الدين" من إمارة "إربل" سنة (( 569 هـ )) وإقامة أخيه "زين الدين يوسف" خلفاً لمظفر الدين على إربل .
جهاده مع صلاح الدين
اتجه مظفر الدين نحو "الموصل" لعله يجد من حاكمها "سيف الدين غازي الثاني" معاونة صادقة تمكّنه من استرداد إمارته ، لكن "سيف الدين" لم يحقق له رغبته وعوضه عن "إربل" بأن أدخله في حاشيته ، وأقطعه مدينة "حران" ، فانتقل إليها المظفر وأقام بها تابعاً لسلطان الموصل ، وظل يحكم حران منذ سنة 569 هـ حتى سنة 578 هـ .
انفصل "مظفر الدين" عن "الموصل" ودخل في طاعة صلاح الدين وحكمه ، ومن ثَم انفتح له مجال الجهاد ضد الصليبيين وأصبح من العاملين مع صلاح الدين الذي أعجب به وبشجاعته ، وثباته معه في ميادين الجهاد ، وتحول الإعجاب إلى توثيق للصلة بين الرجليْن ، فأقدم صلاح الدين على تزويج أخته "ربيعة خاتون" لمظفر الدين .
وقد شارك "مظفر الدين" في معظم الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين ، بدءاً من فتح "حصن الكرك" سنة 580 هـ ، وكان صاحب هذا الحصن "أرناط" الصليبي كثيراً ما يتعرض للقوافل التجارية بالسلب والنهب .
وفي معركة حطين (( 583 هـ )) التي حشد لها صلاح الدين ثمانين ألفاً من المجاهدين ، كان لمظفر الدين مهمة بارزة في تلك المعركة الخالدة ؛ فقد تولى قيادة جيوش الموصل والجزيرة وأبلى في المعركة بلاءً حسناً .
ويذكر له التاريخ أنه هو الذي أوحى بفكرة إحراق الحشائش التي كانت تحيط بأرض المعركة حين وجد الريح في مواجهة الصليبيين تلفح وجوههم فلما نفذت الفكرة وأضرمت النار في الحشائش ، حملت الريح الدخان واللهب والحرارة إلى وجوه الصليبيين ، فشلَّتْ حركتهم عن القتال ، وحلت بهم الهزيمة المنكرة .
وظل مظفر يشارك صلاح الدين في جهاده حتى تم الصلح بينه وبين ريتشارد ملك إنجلترا في (( شعبان 588 هـ )) فعاد إلى بلاده ، ثم تولى مظفر الدين ولاية "إربل" بعد وفاة أخيه "زين الدين يوسف" سنة (( 586 هـ )) .
وهنا يبرز دور آخر له لا يقل روعة وبهاء عن دوره في ميادين القتال والجهاد ؛ فهو رجل دولة وإدارة يُعنى بشئون إمارته ؛ فيقيم لها المدارس والمستشفيات ويقوم على نشر العلم وتشجيع العلماء وينهض بالزراعة والتجارة ويشارك أهل إمارته أفراحهم ويحيا حياة بسيطة هي أقرب إلى الزهد والتقشف من حياة التوسط والاكتفاء .
أقام مظفر الدين لذوي العاهات دُوراً خاصة بهم ؛ خصصت فيها مساكن لهم ، وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم ، وكان يأتي لزيارتهم بنفسه مرتين في الأسبوع يتفقدهم واحداً واحداً ويباسطهم ويمزح معهم .
كما أقام دوراً لمَن فقدوا آباءهم وليس لهم عائل ؛ حيث يجدون فيها كل ما يحتاجون حتى اللقطاء بنى لهم داراً ، وجعل فيها مرضعات يقمن برعايتهم ومشرفات ينهضن بتربيتهم ، وأنشأ للزَّمْنَي - وهم المرضى بالجذام - داراً يقيمون فيها ، وزودها بكل الوسائل التي تعينهم على الحياة الكريمة من طعام وشراب وكساء وعلاج ، وجعل لكل مريض خادماً خاصاً به يقوم على رعايته وخدمته .
وامتدَّ بره إلى فقراء المسلمين في الحرمين الشريفين : مكة والمدينة ؛ فكان يرسل إلى فقرائهما كل سنة غذاءً وكساءً ، ما قيمته ثلاثون ألف دينار توزع عليهم ، كما بنى بالمدينتين المقدستين خزّانات لخزن ماء المطر حتى يجد سكانهما الماء طوال العام ، وذلك بعد أن رأى احتياجهما إلى الماء وما يجدونه من مشقة في الحصول عليه خاصة في مواسم الحج .
ورأى المظفر أنه مسئول عن الأسرى الذين يقعون في أيدي الصليبيين فلم يتوانَ في شراء حريتهم ، فكان يرسل نوّابه إلى الصليبيين لفداء الأسرى ، وقد أُحصي الأسرى الذين خلصهم من الأسر مدة حكمه ، فبلغوا ستين ألفًا ما بين رجل وامرأة .
ظل مظفر الدين يحكم مدينة إربل نصف قرن من الزمان حتى جاوز عمره الثمانين عاماً ، ثم وافاه الأجل في يوم الأربعاء في الرابع عشر من رمضان عام 630 هـ في إربل ، وكانت له وصية أن يُدفن بمكة ، فلما توجَّه الركب إليها بجثمان مظفر الدين ليدفن بها ، وجدوا أن الماء معدم في مكة فرجعوا من الطريق ودفنوه بالكوفة بالقرب من مشهد الإمام علي بن أبي طالب .
كان مولد مظفر الدين كُوكُبُوري في (( 27 من المحرم 549 هـ )) وكلمة "كُوكُبُوري" تركية معناها "الذئب الأزرق" ، وقد اشتهر بهذا اللقب تقديراً لشجاعته وإقدامه ، و"إربل" مدينة كبيرة ، تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة الموصل العراقية ، على بعد 80 كم منها .
نشأ "مظفر الدين" في كنف والده "زين الدين علي بن بكتكين" حاكم إربل ، وعهد به إلى مَن يقوم على تثقيفه وتربيته وتعليمه الفروسية وفنون القتال ، ثم توفي أبوه سنة (( 563 هـ )) وكان "مظفر الدين" في الرابعة عشرة من عمره فخلف أباه في حكم إربل ، ولكنه كان قاصراً عن مباشرة شئون الحكم والإدارة بنفسه لصغر سنِّه ، فقام نائب الإمارة "مجاهد الدين قايماز" بتدبير شئون الدولة وإدارة أمور الحكم ، ولم يبق لمظفر الدين من الملك سوى مظاهره .
ولما اشتد عود "مظفر الدين" نشب خلاف بينه وبين الوصي على الحكم "مجاهد الدين قايماز" ، انتهى بخلع "مظفر الدين" من إمارة "إربل" سنة (( 569 هـ )) وإقامة أخيه "زين الدين يوسف" خلفاً لمظفر الدين على إربل .
جهاده مع صلاح الدين
اتجه مظفر الدين نحو "الموصل" لعله يجد من حاكمها "سيف الدين غازي الثاني" معاونة صادقة تمكّنه من استرداد إمارته ، لكن "سيف الدين" لم يحقق له رغبته وعوضه عن "إربل" بأن أدخله في حاشيته ، وأقطعه مدينة "حران" ، فانتقل إليها المظفر وأقام بها تابعاً لسلطان الموصل ، وظل يحكم حران منذ سنة 569 هـ حتى سنة 578 هـ .
انفصل "مظفر الدين" عن "الموصل" ودخل في طاعة صلاح الدين وحكمه ، ومن ثَم انفتح له مجال الجهاد ضد الصليبيين وأصبح من العاملين مع صلاح الدين الذي أعجب به وبشجاعته ، وثباته معه في ميادين الجهاد ، وتحول الإعجاب إلى توثيق للصلة بين الرجليْن ، فأقدم صلاح الدين على تزويج أخته "ربيعة خاتون" لمظفر الدين .
وقد شارك "مظفر الدين" في معظم الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين ، بدءاً من فتح "حصن الكرك" سنة 580 هـ ، وكان صاحب هذا الحصن "أرناط" الصليبي كثيراً ما يتعرض للقوافل التجارية بالسلب والنهب .
وفي معركة حطين (( 583 هـ )) التي حشد لها صلاح الدين ثمانين ألفاً من المجاهدين ، كان لمظفر الدين مهمة بارزة في تلك المعركة الخالدة ؛ فقد تولى قيادة جيوش الموصل والجزيرة وأبلى في المعركة بلاءً حسناً .
ويذكر له التاريخ أنه هو الذي أوحى بفكرة إحراق الحشائش التي كانت تحيط بأرض المعركة حين وجد الريح في مواجهة الصليبيين تلفح وجوههم فلما نفذت الفكرة وأضرمت النار في الحشائش ، حملت الريح الدخان واللهب والحرارة إلى وجوه الصليبيين ، فشلَّتْ حركتهم عن القتال ، وحلت بهم الهزيمة المنكرة .
وظل مظفر يشارك صلاح الدين في جهاده حتى تم الصلح بينه وبين ريتشارد ملك إنجلترا في (( شعبان 588 هـ )) فعاد إلى بلاده ، ثم تولى مظفر الدين ولاية "إربل" بعد وفاة أخيه "زين الدين يوسف" سنة (( 586 هـ )) .
وهنا يبرز دور آخر له لا يقل روعة وبهاء عن دوره في ميادين القتال والجهاد ؛ فهو رجل دولة وإدارة يُعنى بشئون إمارته ؛ فيقيم لها المدارس والمستشفيات ويقوم على نشر العلم وتشجيع العلماء وينهض بالزراعة والتجارة ويشارك أهل إمارته أفراحهم ويحيا حياة بسيطة هي أقرب إلى الزهد والتقشف من حياة التوسط والاكتفاء .
أقام مظفر الدين لذوي العاهات دُوراً خاصة بهم ؛ خصصت فيها مساكن لهم ، وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم ، وكان يأتي لزيارتهم بنفسه مرتين في الأسبوع يتفقدهم واحداً واحداً ويباسطهم ويمزح معهم .
كما أقام دوراً لمَن فقدوا آباءهم وليس لهم عائل ؛ حيث يجدون فيها كل ما يحتاجون حتى اللقطاء بنى لهم داراً ، وجعل فيها مرضعات يقمن برعايتهم ومشرفات ينهضن بتربيتهم ، وأنشأ للزَّمْنَي - وهم المرضى بالجذام - داراً يقيمون فيها ، وزودها بكل الوسائل التي تعينهم على الحياة الكريمة من طعام وشراب وكساء وعلاج ، وجعل لكل مريض خادماً خاصاً به يقوم على رعايته وخدمته .
وامتدَّ بره إلى فقراء المسلمين في الحرمين الشريفين : مكة والمدينة ؛ فكان يرسل إلى فقرائهما كل سنة غذاءً وكساءً ، ما قيمته ثلاثون ألف دينار توزع عليهم ، كما بنى بالمدينتين المقدستين خزّانات لخزن ماء المطر حتى يجد سكانهما الماء طوال العام ، وذلك بعد أن رأى احتياجهما إلى الماء وما يجدونه من مشقة في الحصول عليه خاصة في مواسم الحج .
ورأى المظفر أنه مسئول عن الأسرى الذين يقعون في أيدي الصليبيين فلم يتوانَ في شراء حريتهم ، فكان يرسل نوّابه إلى الصليبيين لفداء الأسرى ، وقد أُحصي الأسرى الذين خلصهم من الأسر مدة حكمه ، فبلغوا ستين ألفًا ما بين رجل وامرأة .
ظل مظفر الدين يحكم مدينة إربل نصف قرن من الزمان حتى جاوز عمره الثمانين عاماً ، ثم وافاه الأجل في يوم الأربعاء في الرابع عشر من رمضان عام 630 هـ في إربل ، وكانت له وصية أن يُدفن بمكة ، فلما توجَّه الركب إليها بجثمان مظفر الدين ليدفن بها ، وجدوا أن الماء معدم في مكة فرجعوا من الطريق ودفنوه بالكوفة بالقرب من مشهد الإمام علي بن أبي طالب .