دور علم اللغة في تعليم اللغة : [1]
أخذ علم اللغة يؤدي دوراً مهما في مجال تعليم اللغات الأجنبية ، وبصورة فعالة بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد اتخذ هذا الدور صورا منظمة ، حيث طبق المدرسون كثيرا من نتائجه في ميدان عملهم . (لقد بدأ الأثر الكبير لعلوم اللغة على تعليم اللغات الأجنبية ، منذ الحرب العالمية الثانية ، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ) .
وإن كان هذا لا ينفي أن عدداً من الحقائق التي أنتجها هذا العلم ، قد وجدت طريقها إلى مجال تعليم اللغات الأجنبية قبل ذلك التاريخ . ومن ناحية أخرى ، يمكن القول إن كثيرا من النتائج ، التي حققتها الدراسات اللغوية الحديثة ، لا زالت بمنأى عن مجالات تعليم اللغة الأجنبية . ولما كانت فترة ازدهار علم اللغة هي منتصف القرن العشرين ، كان من الطبيعي أن تكون تلك الفترة أكثر تأثيراً في مجال تعليم اللغات الأجنبية من غيرها . ومما يوضح تأثير علماء اللغة في مجال تعليم اللغة الأجنبية، ما حدث في القرن التاسع عشر ، الذي شهد تطوراً كبيراً في مجال الدراسة الصوتية . ( … غير أنه في العقد التاسع من القرن التاسع عشر ، استطاع بعض علماء اللغة من ذوي النزعة العلمية من أمثال هنري سويت في بريطانيا ، وفلهام فيتور في ألمانيا ، وبول باسـي في فرنسا ، توفير الريادة الفكرية ، التي منحت أفكار أولئك المصلحين المصداقية والقبول الواسع . لقد قام هؤلاء العلماء بتجديد علم اللغة ، ونفخوا فيه روحا جديدة ، وأسسوا علم الأصوات ، وقدموا آراء ثاقبة عن عمليات الكلام . وأكد اللغـويون أن الكلام ، وليست الكتابة ، هو الشكل الأساسي للغة ) .
انعكس ذلك التطور على مجال تعليم اللغة الأجنبية ، حيث وجَّه مدرسو اللغة عناية كبيرة لتقويم النطق وإصلاحه في اللغة الأجنبية ، وكان هدفهم في تلك الفترة ، الوصول إلى دارس يؤدي اللغة الأجنبية بطريقة مقاربة لأداء أهل اللغة ، إن لم تكن مطابقة لها . وهذا التوجه التطبيقي الذي حدث ، إنما كان بتأثير من أفكار علماء اللغة في تلك الفترة . واشتد التأثير بصورة عامة خلال القرن العشرين ، عندما نمت الدراسات اللغوية وتطورت ، ونشأت لها فروع عديدة . ( أما الدراسات اللغوية الحديثة ، فقد أعطت تعليم اللغة أثمن ما يعتز به في الوقت الحاضر ، من تغلغل النـظرة في المادة ، وشمول النظرة، والكشف عن البنية ، ووضوح الأقسام ، ودقة المصطلحات . وقد تبدى كل ذلك لأول وهلة في الدراسات الصوتية ، التي لم يكن لتعليم اللغة عهد بها ، ثم توالت النتائج الباهرة ، في فروع الدراسات اللغوية الأخرى ) .
نخلص مما تقدم إلى أن مهمة علم اللغة الأساسية ، هي أن يزيد معرفتنا بطبيعة اللغة وماهيتها، وهدفه النهائي تقديم الوصف اللغوي الأمثل ، وهو لا يضع في اعتباره غاية تعليمية ، غير أن الوصف اللغوي الذي يطرحه يستفاد منه في ميدان تعليم اللغة . وهذه الملاحظة تعني أن علم اللغة لا يعنى بتقديم المساعدة لمدرسي اللغة الأجنبية بشكل مباشر ، كما أن التطورات التي تصيب علم اللغة ، لا تؤدي بالضرورة إلى تطورات مماثلة في ميدان تعليم اللغة الأجنبية . ( لا ترمي دراسة علم اللغة إلى أغراض عملية ، فالباحث اللغوي يدرس اللغة لغرض الدراسة نفسها ، فهو يدرسها دراسة موضوعية ، تستهدف الكشف عن حقيقتها ، فليس من موضوع دراسته ، أن يحقق أغراضا تربوية مثلا ، أو أية أغراض عملية أخرى. فهو لا يدرسها بغرض الارتقاء بها مثلا، أو تصحيح جوانب منها ، أو القضاء على عـوج فيها ، فإن عملـه يجب أن يقـتصر على وصفها وتحليلها ، بطريقة موضوعية ) .
ينحصر دور علماء اللغة إذن في دراسة الظاهرة اللغوية . . وصفا وتحليلا ، ولا يضعون في اعتبارهم أغراضا تعليمية . ويبدأ دور مدرسي اللغة عند النقطة التي ينتهي فيها دور علماء اللغة . ( أما وظيفة علم اللغة الوصفي ، فهي أساسا وضع الأسس والمعايير ، التي تقبل التطبيق على مادة اللغة كلها، وكذلك وصف اللغات كل على حدة بدقة . ومن الممكن أن نستخلص من هذه الدراسات الوصفية أسسا مفيدة ، ومناهج تساعد في تعليم اللغة وتعلمها ، إذا أريد توجيه الأعمال الوصفية للنفع بدقة وذكاء، ولكن مهمة عالم اللغة تنتهي بمجرد أن يقدم لنا بكل دقة أعماله الوصفية . وفيما وراء ذلك ، فإما أن يحوّل عالم اللغة الوصفي نفسه إلى معلـم لغة " وهو غالبا غير مؤهل لذلك " أو أن يترك الميدان لمعلم اللغة المؤهل ) .
وإذا كان عالم اللغة – كما سبق – يعمل دون أن يضع في اعتباره ، ما سيقوم به مدرس اللغة من عمل ، فإن مدرس اللغة لا يستطيع أداء عمله بفاعلية ، إذا لم يستعن بما يطرحه عالم اللغة من نظريات وآراء. ومن الصعب أن نتصور مدرسا يدرّس اللغة ، وهو بمعزل عن هذا العلم . وليس المطلوب – كما ذكرنا - أن يحيط مدرس اللغة بهذا العلم ، وأن يكون مختصا فيه ، فذلك ميدان له رجاله. ويكفي مدرس اللغة أن يكون على صلة وثيقة، بما يقدمه أولئك الرجال. ( … ومعلم اللغة – أكثر من غيره – بحاجة لمثل هذه المعرفة ، بحيث تتكون لديه خلفية قوية من اللغة وطبيعتها . هل يستطيع معلمو اللغة الأجنبية تدريسها – على سبيل المثال – بطريقة فعالة ، إذا لم يكونوا على دراية – ولو عامة – بشيء من العلاقة بين اللغة والمعرفة ، وأنظمة الكتابة ، والاتصال غير اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي ، واكتساب اللغة الأولى ؟ والمعلمون – على كل حال – ليسوا مطالبين بأن يكونوا خبراء متخصصين في علم اللغة ، ولكنهم لا يستطيعون تدريس جزء ( لغة معينة ) دون أن يكون لديـهم تصور واضح عن الكل المتمثل بالظاهرة اللغوية ) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] نعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في ضوء المناهج الحديثة ، د. مختار الطاهر حسين ص ص 116 - 117
أخذ علم اللغة يؤدي دوراً مهما في مجال تعليم اللغات الأجنبية ، وبصورة فعالة بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد اتخذ هذا الدور صورا منظمة ، حيث طبق المدرسون كثيرا من نتائجه في ميدان عملهم . (لقد بدأ الأثر الكبير لعلوم اللغة على تعليم اللغات الأجنبية ، منذ الحرب العالمية الثانية ، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ) .
وإن كان هذا لا ينفي أن عدداً من الحقائق التي أنتجها هذا العلم ، قد وجدت طريقها إلى مجال تعليم اللغات الأجنبية قبل ذلك التاريخ . ومن ناحية أخرى ، يمكن القول إن كثيرا من النتائج ، التي حققتها الدراسات اللغوية الحديثة ، لا زالت بمنأى عن مجالات تعليم اللغة الأجنبية . ولما كانت فترة ازدهار علم اللغة هي منتصف القرن العشرين ، كان من الطبيعي أن تكون تلك الفترة أكثر تأثيراً في مجال تعليم اللغات الأجنبية من غيرها . ومما يوضح تأثير علماء اللغة في مجال تعليم اللغة الأجنبية، ما حدث في القرن التاسع عشر ، الذي شهد تطوراً كبيراً في مجال الدراسة الصوتية . ( … غير أنه في العقد التاسع من القرن التاسع عشر ، استطاع بعض علماء اللغة من ذوي النزعة العلمية من أمثال هنري سويت في بريطانيا ، وفلهام فيتور في ألمانيا ، وبول باسـي في فرنسا ، توفير الريادة الفكرية ، التي منحت أفكار أولئك المصلحين المصداقية والقبول الواسع . لقد قام هؤلاء العلماء بتجديد علم اللغة ، ونفخوا فيه روحا جديدة ، وأسسوا علم الأصوات ، وقدموا آراء ثاقبة عن عمليات الكلام . وأكد اللغـويون أن الكلام ، وليست الكتابة ، هو الشكل الأساسي للغة ) .
انعكس ذلك التطور على مجال تعليم اللغة الأجنبية ، حيث وجَّه مدرسو اللغة عناية كبيرة لتقويم النطق وإصلاحه في اللغة الأجنبية ، وكان هدفهم في تلك الفترة ، الوصول إلى دارس يؤدي اللغة الأجنبية بطريقة مقاربة لأداء أهل اللغة ، إن لم تكن مطابقة لها . وهذا التوجه التطبيقي الذي حدث ، إنما كان بتأثير من أفكار علماء اللغة في تلك الفترة . واشتد التأثير بصورة عامة خلال القرن العشرين ، عندما نمت الدراسات اللغوية وتطورت ، ونشأت لها فروع عديدة . ( أما الدراسات اللغوية الحديثة ، فقد أعطت تعليم اللغة أثمن ما يعتز به في الوقت الحاضر ، من تغلغل النـظرة في المادة ، وشمول النظرة، والكشف عن البنية ، ووضوح الأقسام ، ودقة المصطلحات . وقد تبدى كل ذلك لأول وهلة في الدراسات الصوتية ، التي لم يكن لتعليم اللغة عهد بها ، ثم توالت النتائج الباهرة ، في فروع الدراسات اللغوية الأخرى ) .
نخلص مما تقدم إلى أن مهمة علم اللغة الأساسية ، هي أن يزيد معرفتنا بطبيعة اللغة وماهيتها، وهدفه النهائي تقديم الوصف اللغوي الأمثل ، وهو لا يضع في اعتباره غاية تعليمية ، غير أن الوصف اللغوي الذي يطرحه يستفاد منه في ميدان تعليم اللغة . وهذه الملاحظة تعني أن علم اللغة لا يعنى بتقديم المساعدة لمدرسي اللغة الأجنبية بشكل مباشر ، كما أن التطورات التي تصيب علم اللغة ، لا تؤدي بالضرورة إلى تطورات مماثلة في ميدان تعليم اللغة الأجنبية . ( لا ترمي دراسة علم اللغة إلى أغراض عملية ، فالباحث اللغوي يدرس اللغة لغرض الدراسة نفسها ، فهو يدرسها دراسة موضوعية ، تستهدف الكشف عن حقيقتها ، فليس من موضوع دراسته ، أن يحقق أغراضا تربوية مثلا ، أو أية أغراض عملية أخرى. فهو لا يدرسها بغرض الارتقاء بها مثلا، أو تصحيح جوانب منها ، أو القضاء على عـوج فيها ، فإن عملـه يجب أن يقـتصر على وصفها وتحليلها ، بطريقة موضوعية ) .
ينحصر دور علماء اللغة إذن في دراسة الظاهرة اللغوية . . وصفا وتحليلا ، ولا يضعون في اعتبارهم أغراضا تعليمية . ويبدأ دور مدرسي اللغة عند النقطة التي ينتهي فيها دور علماء اللغة . ( أما وظيفة علم اللغة الوصفي ، فهي أساسا وضع الأسس والمعايير ، التي تقبل التطبيق على مادة اللغة كلها، وكذلك وصف اللغات كل على حدة بدقة . ومن الممكن أن نستخلص من هذه الدراسات الوصفية أسسا مفيدة ، ومناهج تساعد في تعليم اللغة وتعلمها ، إذا أريد توجيه الأعمال الوصفية للنفع بدقة وذكاء، ولكن مهمة عالم اللغة تنتهي بمجرد أن يقدم لنا بكل دقة أعماله الوصفية . وفيما وراء ذلك ، فإما أن يحوّل عالم اللغة الوصفي نفسه إلى معلـم لغة " وهو غالبا غير مؤهل لذلك " أو أن يترك الميدان لمعلم اللغة المؤهل ) .
وإذا كان عالم اللغة – كما سبق – يعمل دون أن يضع في اعتباره ، ما سيقوم به مدرس اللغة من عمل ، فإن مدرس اللغة لا يستطيع أداء عمله بفاعلية ، إذا لم يستعن بما يطرحه عالم اللغة من نظريات وآراء. ومن الصعب أن نتصور مدرسا يدرّس اللغة ، وهو بمعزل عن هذا العلم . وليس المطلوب – كما ذكرنا - أن يحيط مدرس اللغة بهذا العلم ، وأن يكون مختصا فيه ، فذلك ميدان له رجاله. ويكفي مدرس اللغة أن يكون على صلة وثيقة، بما يقدمه أولئك الرجال. ( … ومعلم اللغة – أكثر من غيره – بحاجة لمثل هذه المعرفة ، بحيث تتكون لديه خلفية قوية من اللغة وطبيعتها . هل يستطيع معلمو اللغة الأجنبية تدريسها – على سبيل المثال – بطريقة فعالة ، إذا لم يكونوا على دراية – ولو عامة – بشيء من العلاقة بين اللغة والمعرفة ، وأنظمة الكتابة ، والاتصال غير اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي ، واكتساب اللغة الأولى ؟ والمعلمون – على كل حال – ليسوا مطالبين بأن يكونوا خبراء متخصصين في علم اللغة ، ولكنهم لا يستطيعون تدريس جزء ( لغة معينة ) دون أن يكون لديـهم تصور واضح عن الكل المتمثل بالظاهرة اللغوية ) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] نعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في ضوء المناهج الحديثة ، د. مختار الطاهر حسين ص ص 116 - 117