قصيدة تحت خطّ الشّعر لـــ محمد علاء الدين عبد المولى
من كان ينتظر الرحيلَ،
سيلتقي بجسوره عريانةً وفقيرةَ العرباتِ
يسقط فوقها بومٌ وينقضّ الغرابُ
فلتُبقِ من خطواتكَ الأخرى
قليلاً من صباحٍ لا يورّثهُ الخرابُ
سيسلّطونَ على هوائكَ كل قطعان الذئابِ
ويدمغون على قميصكَ نعيةًً بيضاءَ
تُملأ كل يومٍ بالمزيد من الفواتحٍ،
أنتَ لم تشهد على تفجيرِ ليلٍ ناحلٍ بحجارةٍ نوويّةٍ
إذ كنتَ تقرأ في الحصى أفقاً جديداً...
هل تصدّق ما يحسّ به الحصى
وتخونُ ما يملي الكتابُ؟
كذب الكتابُ ومن كتبْ
والحبرُ دجّالٌ ومحتالٌ
ينصّبُ أيَّ نصابٍ إماماً منتجبْ
زحزحْ صليباً ما صَلَبْ
وانهضْ... فلن يجد المؤذّنُ نجمةً
ليشقّ صمتَكَ بالّلهبْ
خذ شمعةً ذبلت على الكرسيّ
والبس شرشفَ الأشباحِ
واستعجل لوجهكَ زهرةً صوفيّةً
كبرتْ وغافلتِ الحديقة...
لا تودّع مَنْ غفا
واصعدْ على دَرجِ المياه الصّلبِ حتى تلتقي
بجلالِ خلاّقٍ هرِمْ
يا بن القوارير العتيقةِ
قيل رفقاً، فهي أصلاً تنهدْم
... ... ...
... ... ...
الدائخون مع الدخان
الناهضون من الضريح
تبادلوا أكفانهم وأتوا إلينا
من يحسن التلويحَ للموتى إذا عادوا؟
ـ أنا...؛
فأنا ـ ومنذ طفولتي ـ أرتادُ قربَ الحيّ مقبرةً
أثرثر مع جماجمها
وعند الفجرِ أشرقُ نحو بيتي مسرعاً
من قبل أن يستيقظ الموتى
ويذهب والدي للجامعِ المسقوفِ بالمطر الغزير
أنا ألوّح عادةً للنّادمين على ارتكابِ العمرِ
أعطيهم ضحاياهم وأرجع من مزاياها نصيبي
لي حبيبٌ لم أزلْ أقصي مراياهُ وألغي عطره
ليظلّ وقتٌ للنحيبِ على حبيبي
لي رثاءٌ مدلهمّ الطّقسِ
أذكر أنني أشبعتُ أزلامَ الطغاةِ بهجوهم
وبأنّ عرش الماءِ مالَ لقلّة الأمطار في لغتي
خسرتُ من القصائد بعضها
لأطوّب الجثث التي سكنت مخيّلتي
وما زالتْ تلاسنني وتسخر بي
تقولُ: لقد ذوى الطاغوت مثل الظلّ
والموتُ الجماعيّ انكشفْ
فبأي قافية ستسندُ أمّةً
كم قيل فيها أنها أمةٌ وكم قالوا مَعارضُ للتحفْ
هبطت بدون مظلّةٍ في الهاوية؟
(أرجوكَ لا تكملْ لئلا تلتقي في الدّربِ نفسَ القاف..لةْ)
قلتُ: القصائد لا تؤرخُ
بل تحيطُ بكوكبٍ خربٍ وتركض مثل مجنون أضاع مسالكَ الشهواتِ:
ليلى أو بثينةُ أو دمشقُ، ويمكن الآن اقتسام الشرق في الأشعارِ
بيروتٌ وبغدادُ وقدسٌ يوسفيّ أو حجازٌ خلّبيٌّ
كلّ جغرافيا الكلامِ ذبائحٌ في فرن أشعاري
سأذكرُ ـ في سبيل الذكرياتِ ـ عصابَ هولاكو
وأذكر انفصاماً في رؤى الحجاجِ
أو سيفاً يحزّ به أمير جماعةٍ أعناقَ عائلةٍ
لأن جدارها ملأته أسماءٌ لآل البيتِ، صوّرهم ليعرضَ فيلمهم في سهرة الاثنين...
صلّ على النبيّ
زدِ الصلاةَ على النبيّ
لأنه سيسامح الفقراء لو كفروا...
... ... ...
و(هتلرُ) كان قد أوحى إلى (موسى)
أن استعمل عصاكَ بدون أفعى واكتملْ
هذي عشائرُ أمّةٍ شردتْ خيامهمُ عظامٌ ليّناتٌ
فانتقمْ مني بهمْ
عمّق لهم فرناً فضائياً
ولكنْ ضع على أبوابه بعضَ النسيمِ
حتى تصيد الباحثين عن الهواء ولو على طرف الجحيم
وزيّن الشّباك باللوحات،
طبعاً لا تضع لوحات (دافنتشي) لأن (الموناليزا)
لن تحوزَ على الرّهانِ
وضع لـ (بيكاسو) حروباً لفّها في جوربِ الألوانِ
واندلعْت على (أسبانيا) ريشاته
كمكعّباتٍ مظلمةْ
... هل كان (هتلرُ) طغمةً أم نخبةً من دون أن يدري؟
ـ أتجهلُ؟
ـ لا ولكني أعيد قراءة الطغيانِ
ـ أنت الآن تلميذٌ لـ (سلفادور دالي)
ـ ما لي به، أنا دماري واضحُ المعنى
وأوضح منه ما يلهو به المبنى
وأوضح من غمامته ـ
ومن عكازهِ ـ
ساعاتهِ وعقاربٍ ذبلتْ ودارت عكس خارطة الليالي
وأنا ثيابي جبّةٌ مسكونةٌ بالريحِ
أوضح من شواربه
وما لي من يديّ سوى وبالي
أنا شرطُ كل جنازةٍ
وغذاءُ كل مذابح الأمم الخوالي
ومعي جرارٌ هشّةٌ
وسقوفُ قلبي رخوةٌ
وأنا ضئيل العرس
أوضحُ من عجوزٍ علّموها أين سرّ العشبِ
فانقلبت صبيّةْ
وأنا عجوزٌ في بلادٍ هرهرتْ
وصلت إلى سرداب عقمٍ جاهزٍ للانتحار
أنا بلاءٌ سرمديٌّ ملصقٌ فوق الجبينِ
ولا غبار على محاصصتي مع الشيطانِ
أعقدُ أيّ حلفٍ باهتٍ
لا ليس من جدوى
وجديُ الحلم سكّيرٌ إذا جدّ الرعاةُ
ـ يا شعرُ أربكتَ التّلقّي واشتكى منك الرواةُ
حتى هواةُ الشائعاتِ تأوّلوا فيما تهلوسُ
واكتفوا بالقول إنك تحت خطٌ الشعرِ...
ـ هذي شائعاتُ
فلتبتعد عن هزّة الذكرى وإلا فليكن
طوفانُ (موحٍ)
ـ أنت تخطئُ
ـ بل أصوّبُ...
إن نوحاً ضاق باستعماله النمطيّ في ملهى الحداثةِ
وانزياحٍ القول عن قول رتيبٍِ
ناح أكثر من لزوميّات نوّاحٍ
فدعه واتبع الموحي
ولا تحمل على فُلْك النبّوةِ أيما زوجٍ بهيجٍ
دعه يمخرْ وحده متثاقلاً من حمله الأبديّ من قففِ الرماد
واقتل إذا ما شئتَ نفسكَ
دع (جيناتِ) الكون عاطلةً
نسيجَ العمر مقصوصاً من الأعماقِ
دع كلّ الأراملِ والبغايا والضحايا
وإذا سمعت قتيلةً تبكي فساعدها على
أن تدخل النفق الأخير
حتى تنظّف كل جزئيات هذا الكونِ من نطف الفسادِ
ومن مراوغة المرايا
وجهاً لوجة أنت والموحي بأي بلاغة أخرى
وأيّ حمامةٍ أخرى
ولا تنهكه بالشكوى
ولا تأخذه بالبلوى
أفضِ من شاهق الرؤيا
إلى مستودع العدم الكبيرْ
وأبدأ مع الموحي قصيدتك الجديدةْ
لا تعط عاشقة كماناً أو بيانو
لا تصغْ للنّادباتِ جنازة أخرى
لقد ملّ الوجود من البكاءِ
وضجّ حراس الجحيم من المجازرِ
لا تصف للبحر مجزرةً
وأغمض عينكَ اليمنى
وهرّشْ عينكَ اليسرى
لتبطشْ بالبقية من دموعكَ
وأسترح في يومك الثاني
لترقص بينما الصلبان تفعل فعلها
والطائرات تصيبُ حتى ما ترجّع من صدى في أبعد الوديانِ
هذا الكون:
مهبولٌ ومخذولٌ
ومسطولٌ وسطيّلٌ وأسطولٌ ومسطالٌ
وإسطبلٌ ومَسْلَطَةٌ ومفسدةٌ
ومفسودٌ وسفّودٌ
وفاسودٌ وفسّادٌ وإفسادٌ...
ومنذ سنين قلتُ بأنّه:
العاهورُ والعهيّر والمعهورُ
والعهرورُ والعّهورُ والعهّارُ والمعهارُ والعهريرُ
ـ لا تعلك مزيداً من معاجمكَ القديمةْ
اترك حليمةْ
رجعت ولم ترجعْ، سواءُ
قل أي شيءٍ لم تقله، فالغناءُ
ناعورة يبست، وطاحونٌ هراءُ
أنجبْ قليلاً من بياض الصفحة العذراءِ
وادخل في محيط سرابها
واصنع لها كوخاً حداثياً
وإمّا شئتَ بدئيّاً
لترتع فيه أنت ويوسف النجارُ
ـ ماذا يفعل النجارُ؟
ـ قد تغشاك صاعقة فتقتلُ
وهو يصنع من عظامك شبه تابوتٍ لتُرمى في المياهِ
ـ أما ضجرتُ من السقوط على الحنوطِ
من المحيط إلى القنوطِ؟
ومن قوافٍ علّةٍ معلولةٍ
غشاشةٍ مغشوشةٍ
أكّالةٍِ للسّحتِ أو مأكولةٍ؟
... ... ...
أخفضْ سُعاركَ يا فتى
الشّعر مشروعٌ حريريٌ إذا ما جاء تموزٌ
ومحروسٌ بآلافِ القناديل الرخيمةِ
بعد شحّ الزيتِ
متروكِ كمعتقل وراء الكونِ لا يدري به أحدٌ
ولا يعطيه سجانوه منفضةً ليرمي نفسه فيها
وهذا الشعرُ كانَ طوافَ أهل الروح في سُكْرَيْنِ
حتى تاه عن محرابه
ومضى وحيداً بالثيابِ المستعارةْ
الشعر يا بن الوهم يدبكُ في الفراغِ
ورقصةُ المعنى انتهت من قبل بدء العزفِ
في قصر الدعارةْ
(والله ما شئت التداعي في القوافي
غير أني لم أجد بدّاً
لذا فأنا أقدّمُ للقصيدةِ عذريَ الواهي
على حشوٍ ضروريٍّ وهذي الاستعارةْ)
... وإذاً
هو الشعرُ المعرّى من جماليّاتهِ الأولى
ومن ينبوعهِ السّحريّ
محرومٌ من التّحديقِ في السمواتِ
محنيّ كشيخِ تالفٍ في آخرِ المشوارِ
قبل صعوده درجَ النهايةْ
الشعرُ قلْ دكّانةٌ مهجورةٌ
كانت تبيع ملبّساً لقوافل الأطفالِ
والحلوى لعاشقةٍ رمت جدّولةً شقراءَ فوق عبيرها
والآن...؛
مات البائع العفويّ
وانكسرت أواني روحه
ورفوفه الزرقاءُ جمهورية محتلّة
من كل غزوٍ طارئ أو ثابتٍ
ما أوحش الدّكانَ يحشوها الغبارُ
تزورُ عنها الشمسُ يُخرجها المدارُ
الزائرون تراجعوا
والبائعون تكاثروا كأرانب اللغة الرخيصةِ,
يا زمان الفجر والصلوات خلف إمام هيمانين
ارحلْ يا زمانُ
نعسَ المغنّي
والندامى ضيّعوا مصباحَهم
وتلاعبَ الحرّاسُ بالأنفاسِ واحتضر الحصانُ
لم يبق للشعر اليتيم أبٌ ولا أمّ ولا جارٌ
ونطّ الكلّ فوق الحبلِ
حتى قدّ من دبرٍ
وقُطعت الأيادي وهي تعجنه
فلم يخسر ولم يربح
ولم ينفع رهانُ
يا بن الينابيع البخيلةْ
الشعر مرميٌ على باب العدمْ
اقرعه بالأهدابِ لا تُخرج قلمْ
تكْ تكْ دَدَمْ
دوّنه دونَ أصابعٍ
أنشده لا وتراً وفمْ
نغّم على موّالهِ
حتى يطيب لكَ النّغمْ
دَمْ دمْ ـ ددمْ
دَم دَمْ ـ ددمْ
دَمْ
دَمْ
دَدَمْ
من كان ينتظر الرحيلَ،
سيلتقي بجسوره عريانةً وفقيرةَ العرباتِ
يسقط فوقها بومٌ وينقضّ الغرابُ
فلتُبقِ من خطواتكَ الأخرى
قليلاً من صباحٍ لا يورّثهُ الخرابُ
سيسلّطونَ على هوائكَ كل قطعان الذئابِ
ويدمغون على قميصكَ نعيةًً بيضاءَ
تُملأ كل يومٍ بالمزيد من الفواتحٍ،
أنتَ لم تشهد على تفجيرِ ليلٍ ناحلٍ بحجارةٍ نوويّةٍ
إذ كنتَ تقرأ في الحصى أفقاً جديداً...
هل تصدّق ما يحسّ به الحصى
وتخونُ ما يملي الكتابُ؟
كذب الكتابُ ومن كتبْ
والحبرُ دجّالٌ ومحتالٌ
ينصّبُ أيَّ نصابٍ إماماً منتجبْ
زحزحْ صليباً ما صَلَبْ
وانهضْ... فلن يجد المؤذّنُ نجمةً
ليشقّ صمتَكَ بالّلهبْ
خذ شمعةً ذبلت على الكرسيّ
والبس شرشفَ الأشباحِ
واستعجل لوجهكَ زهرةً صوفيّةً
كبرتْ وغافلتِ الحديقة...
لا تودّع مَنْ غفا
واصعدْ على دَرجِ المياه الصّلبِ حتى تلتقي
بجلالِ خلاّقٍ هرِمْ
يا بن القوارير العتيقةِ
قيل رفقاً، فهي أصلاً تنهدْم
... ... ...
... ... ...
الدائخون مع الدخان
الناهضون من الضريح
تبادلوا أكفانهم وأتوا إلينا
من يحسن التلويحَ للموتى إذا عادوا؟
ـ أنا...؛
فأنا ـ ومنذ طفولتي ـ أرتادُ قربَ الحيّ مقبرةً
أثرثر مع جماجمها
وعند الفجرِ أشرقُ نحو بيتي مسرعاً
من قبل أن يستيقظ الموتى
ويذهب والدي للجامعِ المسقوفِ بالمطر الغزير
أنا ألوّح عادةً للنّادمين على ارتكابِ العمرِ
أعطيهم ضحاياهم وأرجع من مزاياها نصيبي
لي حبيبٌ لم أزلْ أقصي مراياهُ وألغي عطره
ليظلّ وقتٌ للنحيبِ على حبيبي
لي رثاءٌ مدلهمّ الطّقسِ
أذكر أنني أشبعتُ أزلامَ الطغاةِ بهجوهم
وبأنّ عرش الماءِ مالَ لقلّة الأمطار في لغتي
خسرتُ من القصائد بعضها
لأطوّب الجثث التي سكنت مخيّلتي
وما زالتْ تلاسنني وتسخر بي
تقولُ: لقد ذوى الطاغوت مثل الظلّ
والموتُ الجماعيّ انكشفْ
فبأي قافية ستسندُ أمّةً
كم قيل فيها أنها أمةٌ وكم قالوا مَعارضُ للتحفْ
هبطت بدون مظلّةٍ في الهاوية؟
(أرجوكَ لا تكملْ لئلا تلتقي في الدّربِ نفسَ القاف..لةْ)
قلتُ: القصائد لا تؤرخُ
بل تحيطُ بكوكبٍ خربٍ وتركض مثل مجنون أضاع مسالكَ الشهواتِ:
ليلى أو بثينةُ أو دمشقُ، ويمكن الآن اقتسام الشرق في الأشعارِ
بيروتٌ وبغدادُ وقدسٌ يوسفيّ أو حجازٌ خلّبيٌّ
كلّ جغرافيا الكلامِ ذبائحٌ في فرن أشعاري
سأذكرُ ـ في سبيل الذكرياتِ ـ عصابَ هولاكو
وأذكر انفصاماً في رؤى الحجاجِ
أو سيفاً يحزّ به أمير جماعةٍ أعناقَ عائلةٍ
لأن جدارها ملأته أسماءٌ لآل البيتِ، صوّرهم ليعرضَ فيلمهم في سهرة الاثنين...
صلّ على النبيّ
زدِ الصلاةَ على النبيّ
لأنه سيسامح الفقراء لو كفروا...
... ... ...
و(هتلرُ) كان قد أوحى إلى (موسى)
أن استعمل عصاكَ بدون أفعى واكتملْ
هذي عشائرُ أمّةٍ شردتْ خيامهمُ عظامٌ ليّناتٌ
فانتقمْ مني بهمْ
عمّق لهم فرناً فضائياً
ولكنْ ضع على أبوابه بعضَ النسيمِ
حتى تصيد الباحثين عن الهواء ولو على طرف الجحيم
وزيّن الشّباك باللوحات،
طبعاً لا تضع لوحات (دافنتشي) لأن (الموناليزا)
لن تحوزَ على الرّهانِ
وضع لـ (بيكاسو) حروباً لفّها في جوربِ الألوانِ
واندلعْت على (أسبانيا) ريشاته
كمكعّباتٍ مظلمةْ
... هل كان (هتلرُ) طغمةً أم نخبةً من دون أن يدري؟
ـ أتجهلُ؟
ـ لا ولكني أعيد قراءة الطغيانِ
ـ أنت الآن تلميذٌ لـ (سلفادور دالي)
ـ ما لي به، أنا دماري واضحُ المعنى
وأوضح منه ما يلهو به المبنى
وأوضح من غمامته ـ
ومن عكازهِ ـ
ساعاتهِ وعقاربٍ ذبلتْ ودارت عكس خارطة الليالي
وأنا ثيابي جبّةٌ مسكونةٌ بالريحِ
أوضح من شواربه
وما لي من يديّ سوى وبالي
أنا شرطُ كل جنازةٍ
وغذاءُ كل مذابح الأمم الخوالي
ومعي جرارٌ هشّةٌ
وسقوفُ قلبي رخوةٌ
وأنا ضئيل العرس
أوضحُ من عجوزٍ علّموها أين سرّ العشبِ
فانقلبت صبيّةْ
وأنا عجوزٌ في بلادٍ هرهرتْ
وصلت إلى سرداب عقمٍ جاهزٍ للانتحار
أنا بلاءٌ سرمديٌّ ملصقٌ فوق الجبينِ
ولا غبار على محاصصتي مع الشيطانِ
أعقدُ أيّ حلفٍ باهتٍ
لا ليس من جدوى
وجديُ الحلم سكّيرٌ إذا جدّ الرعاةُ
ـ يا شعرُ أربكتَ التّلقّي واشتكى منك الرواةُ
حتى هواةُ الشائعاتِ تأوّلوا فيما تهلوسُ
واكتفوا بالقول إنك تحت خطٌ الشعرِ...
ـ هذي شائعاتُ
فلتبتعد عن هزّة الذكرى وإلا فليكن
طوفانُ (موحٍ)
ـ أنت تخطئُ
ـ بل أصوّبُ...
إن نوحاً ضاق باستعماله النمطيّ في ملهى الحداثةِ
وانزياحٍ القول عن قول رتيبٍِ
ناح أكثر من لزوميّات نوّاحٍ
فدعه واتبع الموحي
ولا تحمل على فُلْك النبّوةِ أيما زوجٍ بهيجٍ
دعه يمخرْ وحده متثاقلاً من حمله الأبديّ من قففِ الرماد
واقتل إذا ما شئتَ نفسكَ
دع (جيناتِ) الكون عاطلةً
نسيجَ العمر مقصوصاً من الأعماقِ
دع كلّ الأراملِ والبغايا والضحايا
وإذا سمعت قتيلةً تبكي فساعدها على
أن تدخل النفق الأخير
حتى تنظّف كل جزئيات هذا الكونِ من نطف الفسادِ
ومن مراوغة المرايا
وجهاً لوجة أنت والموحي بأي بلاغة أخرى
وأيّ حمامةٍ أخرى
ولا تنهكه بالشكوى
ولا تأخذه بالبلوى
أفضِ من شاهق الرؤيا
إلى مستودع العدم الكبيرْ
وأبدأ مع الموحي قصيدتك الجديدةْ
لا تعط عاشقة كماناً أو بيانو
لا تصغْ للنّادباتِ جنازة أخرى
لقد ملّ الوجود من البكاءِ
وضجّ حراس الجحيم من المجازرِ
لا تصف للبحر مجزرةً
وأغمض عينكَ اليمنى
وهرّشْ عينكَ اليسرى
لتبطشْ بالبقية من دموعكَ
وأسترح في يومك الثاني
لترقص بينما الصلبان تفعل فعلها
والطائرات تصيبُ حتى ما ترجّع من صدى في أبعد الوديانِ
هذا الكون:
مهبولٌ ومخذولٌ
ومسطولٌ وسطيّلٌ وأسطولٌ ومسطالٌ
وإسطبلٌ ومَسْلَطَةٌ ومفسدةٌ
ومفسودٌ وسفّودٌ
وفاسودٌ وفسّادٌ وإفسادٌ...
ومنذ سنين قلتُ بأنّه:
العاهورُ والعهيّر والمعهورُ
والعهرورُ والعّهورُ والعهّارُ والمعهارُ والعهريرُ
ـ لا تعلك مزيداً من معاجمكَ القديمةْ
اترك حليمةْ
رجعت ولم ترجعْ، سواءُ
قل أي شيءٍ لم تقله، فالغناءُ
ناعورة يبست، وطاحونٌ هراءُ
أنجبْ قليلاً من بياض الصفحة العذراءِ
وادخل في محيط سرابها
واصنع لها كوخاً حداثياً
وإمّا شئتَ بدئيّاً
لترتع فيه أنت ويوسف النجارُ
ـ ماذا يفعل النجارُ؟
ـ قد تغشاك صاعقة فتقتلُ
وهو يصنع من عظامك شبه تابوتٍ لتُرمى في المياهِ
ـ أما ضجرتُ من السقوط على الحنوطِ
من المحيط إلى القنوطِ؟
ومن قوافٍ علّةٍ معلولةٍ
غشاشةٍ مغشوشةٍ
أكّالةٍِ للسّحتِ أو مأكولةٍ؟
... ... ...
أخفضْ سُعاركَ يا فتى
الشّعر مشروعٌ حريريٌ إذا ما جاء تموزٌ
ومحروسٌ بآلافِ القناديل الرخيمةِ
بعد شحّ الزيتِ
متروكِ كمعتقل وراء الكونِ لا يدري به أحدٌ
ولا يعطيه سجانوه منفضةً ليرمي نفسه فيها
وهذا الشعرُ كانَ طوافَ أهل الروح في سُكْرَيْنِ
حتى تاه عن محرابه
ومضى وحيداً بالثيابِ المستعارةْ
الشعر يا بن الوهم يدبكُ في الفراغِ
ورقصةُ المعنى انتهت من قبل بدء العزفِ
في قصر الدعارةْ
(والله ما شئت التداعي في القوافي
غير أني لم أجد بدّاً
لذا فأنا أقدّمُ للقصيدةِ عذريَ الواهي
على حشوٍ ضروريٍّ وهذي الاستعارةْ)
... وإذاً
هو الشعرُ المعرّى من جماليّاتهِ الأولى
ومن ينبوعهِ السّحريّ
محرومٌ من التّحديقِ في السمواتِ
محنيّ كشيخِ تالفٍ في آخرِ المشوارِ
قبل صعوده درجَ النهايةْ
الشعرُ قلْ دكّانةٌ مهجورةٌ
كانت تبيع ملبّساً لقوافل الأطفالِ
والحلوى لعاشقةٍ رمت جدّولةً شقراءَ فوق عبيرها
والآن...؛
مات البائع العفويّ
وانكسرت أواني روحه
ورفوفه الزرقاءُ جمهورية محتلّة
من كل غزوٍ طارئ أو ثابتٍ
ما أوحش الدّكانَ يحشوها الغبارُ
تزورُ عنها الشمسُ يُخرجها المدارُ
الزائرون تراجعوا
والبائعون تكاثروا كأرانب اللغة الرخيصةِ,
يا زمان الفجر والصلوات خلف إمام هيمانين
ارحلْ يا زمانُ
نعسَ المغنّي
والندامى ضيّعوا مصباحَهم
وتلاعبَ الحرّاسُ بالأنفاسِ واحتضر الحصانُ
لم يبق للشعر اليتيم أبٌ ولا أمّ ولا جارٌ
ونطّ الكلّ فوق الحبلِ
حتى قدّ من دبرٍ
وقُطعت الأيادي وهي تعجنه
فلم يخسر ولم يربح
ولم ينفع رهانُ
يا بن الينابيع البخيلةْ
الشعر مرميٌ على باب العدمْ
اقرعه بالأهدابِ لا تُخرج قلمْ
تكْ تكْ دَدَمْ
دوّنه دونَ أصابعٍ
أنشده لا وتراً وفمْ
نغّم على موّالهِ
حتى يطيب لكَ النّغمْ
دَمْ دمْ ـ ددمْ
دَم دَمْ ـ ددمْ
دَمْ
دَمْ
دَدَمْ