"لأن ابني هو الشخص الوحيد على ظهر الأرض الذي أودّ أن أراه أفضل مني".
بهذه العبارة كان يفتتح أبي أي حديث معي عن مستقبلي الدراسي وأنا صغير، وعن طموحاتي في مرحلة الصبا، ورؤيتي في الحياة بعدما صرت رجلاً يافعاً.
ظلّ أبي يرددها طول ثلاثين عاماً، دونما كلل أو ملل؛ بل دون أن يعيد النظر في جدواها، وكأنها تنزيل مقدّس.
من أجلها مارس أبي ضدي جميع أشكال الضغط كي أُصبح مهندساً عظيماً، يرددها على أذني صباح مساء، وكثيراً ما كان يصرخ بها بصوته الجهوري مؤنباً ومعاتباً وربما مؤدباً.
وبرغم فشلي في تحقيق الحد الأدنى من طموحاته، لم يُرد أبي أن يعيد النظر في هذه المقولة أو يجري عليها بعض التعديلات.
لم يشأ أبي -وكثير من آباء هذا الزمان- أن يراجع نفسه، ويصحّح سلوكه، ويكون أكثر صدقاً وواقعية مع نفسه وأبنائه، ويعترف بأنه أراد أن يحقق أحلامه هو من خلال ولده، طامساً كل حلم أو طموح خاص لديه.
الأب الطبيب الذي يريد من يرث اسمه وعيادته التي صنعها بعرق الجبين، الأب المحامي الذي يريد أن يظلّ مكتبه مفتوحاً أبد الدهر، الأب التاجر الذي يطمح في من يحافظ على كيانه الذي أصبح مثار حسد وغيرة البعض.. مطالب مشروعة في نظر صاحبها؛ لكنها في كثير من الأحيان تكون ظالمة للطرف الآخر.
ولأنني لست من الصنف الذي يعشق البكاء على اللبن المسكوب، ويُدمن الشكوى على ما فات، قررت أن أعيد ترتيب عبارة أبي المقدسة بشكل أفضل لكلينا (الأب والابن)!
وهكذا قررت أن أعيش وفق قاعدتي الشخصية التي تقول "ابني هو الشخص الوحيد على ظهر الأرض الذي أودّ أن أراه أسعد مني"، وليس أفضل مني!
أسعد مني بأسلوبه وفكره وأحلامه وأمانيه، بتجاربه الخاصة، ورؤاه الشخصية، وطموحاته التي قد تكون غريبة عليّ وعلى جيلي وقتها.
قررت -صادقاً- ألا أسرق منه حلمه أو أُجهض أمانيه، أو أضطهد أحلامه وتطلّعاته، فقط له مني النصح والتوجيه والإرشاد؛ لكنني أبداً لن أمارس سُلُطاتي في جعله مسخاً من مجموع المسوخ الذين نصطدم بهم صباح مساء، وهم ذاهبون لتأدية أعمال لم يختاروها بملء إرادتهم، والدوران في دائرة وجدوا أنفسهم فجأة بداخلها.
إن أساتذة التربية الحديثة، والمهتمون بالصحة النفسية، ما برحوا يؤكدون حقيقة هامة جداً، وهي أن الطفل الذي ينشأ في مناخ من الحرية، هو فقط القادر على الإبداع والارتقاء، وأكّدوا أن ما يقف عائقاً أمام إبداع أطفالنا ويحطم بداخلهم بواعث الابتكار والتميز هو سيل الأوامر والنواهي التي يتلقونها سواء من الوالدين أو المدرسة.
لبِنَة أخرى في وعينا التربوي يضيفها المختصون بأمور المراهقة؛ بأن المراهق الذي يشعر بغربة بين أبويه، وبُعد مسافة بين أفكاره وأفكارهم، ولا يسمع منهم سوى الفَرَمانات واجبة النفاذ، يكون أكثر تطرفاً في سلوكه من ذلك الذي ينشأ في بيئة تعتمد مبدأ الحوار بين شركاء الأسرة الواحدة.
إن لوم آبائنا ليس هدفي هاهنا؛ فنواياهم الحسنة الطيبة تغفر الكثير من الأخطاء التربوية التي مورست في حقّنا.
لكنني أحببت تنبيه الآباء الصغار من زوار هذه الزاوية إلى أن سعادة أبنائنا تتأتّى من قدرتنا على جعلهم أكثر وعياً في اكتشاف أنفسهم، ومشاهدة جميع جوانب شخصياتهم، والإدراك الحقيقي لمفهوم الاستقلالية الشخصية.
سعادتهم تتأتّى بنصحهم، وإنارة الطريق لهم، وإعطائهم المصباح الذي أوقدناه بزيت الخبرة والتجربة؛ لكنهم وحدهم من سيمشون في الطريق ويتحملون نتائجه وتبعاته.
وكل هذا لن يكون سوى بجيل من الآباء المثقفين، المودّعين عُقَد الماضي وآثاره، الطامحين في بناء جيل قادر على إحداث التغيير الذي حلمنا بتحقيقيه نحن.. ولكن بأسلوبهم.
بهذه العبارة كان يفتتح أبي أي حديث معي عن مستقبلي الدراسي وأنا صغير، وعن طموحاتي في مرحلة الصبا، ورؤيتي في الحياة بعدما صرت رجلاً يافعاً.
ظلّ أبي يرددها طول ثلاثين عاماً، دونما كلل أو ملل؛ بل دون أن يعيد النظر في جدواها، وكأنها تنزيل مقدّس.
من أجلها مارس أبي ضدي جميع أشكال الضغط كي أُصبح مهندساً عظيماً، يرددها على أذني صباح مساء، وكثيراً ما كان يصرخ بها بصوته الجهوري مؤنباً ومعاتباً وربما مؤدباً.
وبرغم فشلي في تحقيق الحد الأدنى من طموحاته، لم يُرد أبي أن يعيد النظر في هذه المقولة أو يجري عليها بعض التعديلات.
لم يشأ أبي -وكثير من آباء هذا الزمان- أن يراجع نفسه، ويصحّح سلوكه، ويكون أكثر صدقاً وواقعية مع نفسه وأبنائه، ويعترف بأنه أراد أن يحقق أحلامه هو من خلال ولده، طامساً كل حلم أو طموح خاص لديه.
الأب الطبيب الذي يريد من يرث اسمه وعيادته التي صنعها بعرق الجبين، الأب المحامي الذي يريد أن يظلّ مكتبه مفتوحاً أبد الدهر، الأب التاجر الذي يطمح في من يحافظ على كيانه الذي أصبح مثار حسد وغيرة البعض.. مطالب مشروعة في نظر صاحبها؛ لكنها في كثير من الأحيان تكون ظالمة للطرف الآخر.
ولأنني لست من الصنف الذي يعشق البكاء على اللبن المسكوب، ويُدمن الشكوى على ما فات، قررت أن أعيد ترتيب عبارة أبي المقدسة بشكل أفضل لكلينا (الأب والابن)!
وهكذا قررت أن أعيش وفق قاعدتي الشخصية التي تقول "ابني هو الشخص الوحيد على ظهر الأرض الذي أودّ أن أراه أسعد مني"، وليس أفضل مني!
أسعد مني بأسلوبه وفكره وأحلامه وأمانيه، بتجاربه الخاصة، ورؤاه الشخصية، وطموحاته التي قد تكون غريبة عليّ وعلى جيلي وقتها.
قررت -صادقاً- ألا أسرق منه حلمه أو أُجهض أمانيه، أو أضطهد أحلامه وتطلّعاته، فقط له مني النصح والتوجيه والإرشاد؛ لكنني أبداً لن أمارس سُلُطاتي في جعله مسخاً من مجموع المسوخ الذين نصطدم بهم صباح مساء، وهم ذاهبون لتأدية أعمال لم يختاروها بملء إرادتهم، والدوران في دائرة وجدوا أنفسهم فجأة بداخلها.
إن أساتذة التربية الحديثة، والمهتمون بالصحة النفسية، ما برحوا يؤكدون حقيقة هامة جداً، وهي أن الطفل الذي ينشأ في مناخ من الحرية، هو فقط القادر على الإبداع والارتقاء، وأكّدوا أن ما يقف عائقاً أمام إبداع أطفالنا ويحطم بداخلهم بواعث الابتكار والتميز هو سيل الأوامر والنواهي التي يتلقونها سواء من الوالدين أو المدرسة.
لبِنَة أخرى في وعينا التربوي يضيفها المختصون بأمور المراهقة؛ بأن المراهق الذي يشعر بغربة بين أبويه، وبُعد مسافة بين أفكاره وأفكارهم، ولا يسمع منهم سوى الفَرَمانات واجبة النفاذ، يكون أكثر تطرفاً في سلوكه من ذلك الذي ينشأ في بيئة تعتمد مبدأ الحوار بين شركاء الأسرة الواحدة.
إن لوم آبائنا ليس هدفي هاهنا؛ فنواياهم الحسنة الطيبة تغفر الكثير من الأخطاء التربوية التي مورست في حقّنا.
لكنني أحببت تنبيه الآباء الصغار من زوار هذه الزاوية إلى أن سعادة أبنائنا تتأتّى من قدرتنا على جعلهم أكثر وعياً في اكتشاف أنفسهم، ومشاهدة جميع جوانب شخصياتهم، والإدراك الحقيقي لمفهوم الاستقلالية الشخصية.
سعادتهم تتأتّى بنصحهم، وإنارة الطريق لهم، وإعطائهم المصباح الذي أوقدناه بزيت الخبرة والتجربة؛ لكنهم وحدهم من سيمشون في الطريق ويتحملون نتائجه وتبعاته.
وكل هذا لن يكون سوى بجيل من الآباء المثقفين، المودّعين عُقَد الماضي وآثاره، الطامحين في بناء جيل قادر على إحداث التغيير الذي حلمنا بتحقيقيه نحن.. ولكن بأسلوبهم.