توبة أبي الفضل محمد بن ناصر
قرأت على الشيخ أبي عبد الله مظفر بن أبي نصر البواب و ابنه أبي محمد عبد الله بن مظفر ببغداد ، قلت لهما : حدثكما الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي ، قال :
كنت أسمع الفقهاء من أصحاب الشافعي في [ النظامية ] يقولون ـ يعني ـ : القرآن معنى قائم بالذات ، و الحروف و الأصوات عبارات و دلالات على الكلام القديم القائم بالذات . فحصل في قلبي شيء من ذلك حتى صرت أقول بقولهم موافقة .
و كنت إذا صليت أدعو الله تعالى أن يوفقني لأحب المذاهب و الاعتقادات إليه . فبقيت على ذلك مدة طويلة أقول : أللهم وفقني لأحب المذاهب إليك و أقربها عندك ، فلما كان في أول ليلة من رجب سنة أربع و تسعين و أربعمائة رأيت في المنام كأني قد جئت إلى مسجد الشيخ أبي منصور محمد بن أحمد المقرئ الخياط في مسجد ابن جردة و الناس على باب المسجد مجتمعون ، و هم يقولون : إن النبي صلى الله عليه و سلم عند الشيخ أبي منصور . . فدخلت المسجد و قصدت إلى الزاوية التي كان يجلس فيها الشيخ أبي منصور ، فرأيت الشيخ أبا منصور قد خرج من زاويته و جلس بين يدي الشخص ، فما رأيت شخصاً أحسن منه على نعت النبي صلى الله عليه و سلم الذي وصف لنا ، و عليه ثياب ما رأيت أشد بياضاً منها ، و على رأسه عمامة بيضاء و الشيخ أبو منصور مقبل عليه بوجهه . فدخلت فسلمت ، فرد علي السلام و لم أتحقق من الراد علي لدهشتي برؤية النبي صلى الله عليه و سلم ، و جلست بين أيديهما . فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير أن أسأله عن شيء أو أستفتحه بكلام أصلاً ، و قال لي : عليك بمذهب هذا الشيخ ، عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ ، ثلاثاً .
قال الحافظ أبو الفضل ، و أنا أقسم بالله ثلاثاً ، و أشهد بالله ثلاثاً ، لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثاً ، و يشير في كل مرة بيده اليمنى إلى الشيخ أبي منصور . قال : فانتهبت و أعضائي ترعد ، فناديت والدتي رابعة بنت الشيخ أبي حكيم الخبري و حكيت لها ما رأيت .
فقالت : يا بني هذا منام و حي ، فاعتمد عليه . فلما أصبحت بكرت إلى الصلاة خلف الشيخ أبي منصور . فلما صلينا الصبح قصصت عليه المنام ، فدمعت عيناه و خشع قلبه . و قال لي : يا بني ! مذهب الشافعي حسن ، فتكون على مذهب الشافعي في الفروع و على مذهب أحمد و أصحاب الحديث في الأصول . فقلت له : أي سيدي ! ما أريد أن أكون لونين ! و أنا أشهد الله و ملائكته و أنبياءه ، و أشهدك علي أني منذ اليوم لا أعتقد و لا أدين الله و لا أعتمد إلا على مذهب أحمد في الأصول و الفروع . فقبل الشيخ أبو منصور رأسي و قال : وفقك الله ، فقبلت يده .
و قال لي الشيخ أبو منصور : أنا كنت في ابتداء أمري شافعياً ، و كنت أتفقه على القاضي الإمام أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري و أسمع الخلاف عليه . فحضرت يوماً عند الشيخ أبي الحسن علي بن عمر القزويني الزاهد الصالح لأقرأ عليه القرآن ، فابتدأت أقرأ عليه القرآن ، فقطع علي القراءة مرة أو مرتين . ثم قال : قالوا و قلنا ، و قلنا و قالوا ! فلا نحن نرجع إليهم و لا هم يرجعون إلى قولنا ، و رجعنا إلى عاداتنا ، فأي فائدة في هذا ؟ ثم كرر علي هذا الكلام . فقلت في نفسي : و الله ما عنى الشيخ بهذا أحد غيري . فتركت الاشتغال بالخلاف ، و قرأت مختصر أبي القاسم الخرقي على رجل كان يقرئ القرآن .
قال الحافظ : و رأيت بعد ذلك ما زادني يقيناً ، و علمت أن ذلك تثبيت من الله لي و تعليم لأعرف حق نعمة الله علي و أ شكره ، إذ أنقذني من اعتقاد البدعة إلى اعتقاد السنة ، و الله المسؤول الخاتمة بالموت على الإسلام و السنة
كتاب التوابين لابن قدامة
قرأت على الشيخ أبي عبد الله مظفر بن أبي نصر البواب و ابنه أبي محمد عبد الله بن مظفر ببغداد ، قلت لهما : حدثكما الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي ، قال :
كنت أسمع الفقهاء من أصحاب الشافعي في [ النظامية ] يقولون ـ يعني ـ : القرآن معنى قائم بالذات ، و الحروف و الأصوات عبارات و دلالات على الكلام القديم القائم بالذات . فحصل في قلبي شيء من ذلك حتى صرت أقول بقولهم موافقة .
و كنت إذا صليت أدعو الله تعالى أن يوفقني لأحب المذاهب و الاعتقادات إليه . فبقيت على ذلك مدة طويلة أقول : أللهم وفقني لأحب المذاهب إليك و أقربها عندك ، فلما كان في أول ليلة من رجب سنة أربع و تسعين و أربعمائة رأيت في المنام كأني قد جئت إلى مسجد الشيخ أبي منصور محمد بن أحمد المقرئ الخياط في مسجد ابن جردة و الناس على باب المسجد مجتمعون ، و هم يقولون : إن النبي صلى الله عليه و سلم عند الشيخ أبي منصور . . فدخلت المسجد و قصدت إلى الزاوية التي كان يجلس فيها الشيخ أبي منصور ، فرأيت الشيخ أبا منصور قد خرج من زاويته و جلس بين يدي الشخص ، فما رأيت شخصاً أحسن منه على نعت النبي صلى الله عليه و سلم الذي وصف لنا ، و عليه ثياب ما رأيت أشد بياضاً منها ، و على رأسه عمامة بيضاء و الشيخ أبو منصور مقبل عليه بوجهه . فدخلت فسلمت ، فرد علي السلام و لم أتحقق من الراد علي لدهشتي برؤية النبي صلى الله عليه و سلم ، و جلست بين أيديهما . فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير أن أسأله عن شيء أو أستفتحه بكلام أصلاً ، و قال لي : عليك بمذهب هذا الشيخ ، عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ ، ثلاثاً .
قال الحافظ أبو الفضل ، و أنا أقسم بالله ثلاثاً ، و أشهد بالله ثلاثاً ، لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثاً ، و يشير في كل مرة بيده اليمنى إلى الشيخ أبي منصور . قال : فانتهبت و أعضائي ترعد ، فناديت والدتي رابعة بنت الشيخ أبي حكيم الخبري و حكيت لها ما رأيت .
فقالت : يا بني هذا منام و حي ، فاعتمد عليه . فلما أصبحت بكرت إلى الصلاة خلف الشيخ أبي منصور . فلما صلينا الصبح قصصت عليه المنام ، فدمعت عيناه و خشع قلبه . و قال لي : يا بني ! مذهب الشافعي حسن ، فتكون على مذهب الشافعي في الفروع و على مذهب أحمد و أصحاب الحديث في الأصول . فقلت له : أي سيدي ! ما أريد أن أكون لونين ! و أنا أشهد الله و ملائكته و أنبياءه ، و أشهدك علي أني منذ اليوم لا أعتقد و لا أدين الله و لا أعتمد إلا على مذهب أحمد في الأصول و الفروع . فقبل الشيخ أبو منصور رأسي و قال : وفقك الله ، فقبلت يده .
و قال لي الشيخ أبو منصور : أنا كنت في ابتداء أمري شافعياً ، و كنت أتفقه على القاضي الإمام أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري و أسمع الخلاف عليه . فحضرت يوماً عند الشيخ أبي الحسن علي بن عمر القزويني الزاهد الصالح لأقرأ عليه القرآن ، فابتدأت أقرأ عليه القرآن ، فقطع علي القراءة مرة أو مرتين . ثم قال : قالوا و قلنا ، و قلنا و قالوا ! فلا نحن نرجع إليهم و لا هم يرجعون إلى قولنا ، و رجعنا إلى عاداتنا ، فأي فائدة في هذا ؟ ثم كرر علي هذا الكلام . فقلت في نفسي : و الله ما عنى الشيخ بهذا أحد غيري . فتركت الاشتغال بالخلاف ، و قرأت مختصر أبي القاسم الخرقي على رجل كان يقرئ القرآن .
قال الحافظ : و رأيت بعد ذلك ما زادني يقيناً ، و علمت أن ذلك تثبيت من الله لي و تعليم لأعرف حق نعمة الله علي و أ شكره ، إذ أنقذني من اعتقاد البدعة إلى اعتقاد السنة ، و الله المسؤول الخاتمة بالموت على الإسلام و السنة
كتاب التوابين لابن قدامة