لأمراض النفسية بين العلم والطب والشعوذة
د. لطفي الشربيني
2006-04-19
أضواء على بعض الجوانب الخفية للأمراض النفسية
يدور هذا الموضوع حول قضية هامة هي علاقة الروحانيات بالمرض النفسي وهنا نجيب علي أسئلة تدور بالأذهان منها علي سبيل المثال:
هل يسبب الشيطان المرض النفسي؟
ما رأي الطب النفسي في كلام الجن والشياطين على لسان بعض المرضى؟
هل لحالات الوسواس القهري والصرع علاقة بوساوس الشياطين ومس الجن؟
ما هي وجهة نظر الطب النفسي في معتقدات الناس حول الشعوذة والأمراض النفسية؟
وهنا - عزيزي القارئ - أتناول بعض الجوانب النفسية للعلاقة بين الشعوذة والمرض النفسي.. فلنقرأ معاً سطور هذا الموضوع..
كيمياء الأمراض النفسية..
هناك اعتقاد قوي لدى قطاعات كبيرة من الناس خصوصاً المصابين باضطرابات نفسية وأقاربهم بأن هناك قوى خفية تسببت في إصابتهم بالمرض النفسي، وهم يتفقون علي ذلك وكأنه حقيقة مسلم بها، ويظل الخلاف في الكيفية التي يعمل بها الجن أو الشياطين فيتصور البعض أنهم يدخلون إلي داخل جسد الإنسان ويسببون له الاضطراب الذي لا يشفى إلا بخروجهم منه، ويعتقد البعض الآخر أن مجرد المس من جانب هذه المخلوقات يكفي لحدوث المرض، ويرى آخرون أن المسألة هي وساوس يقوم بتوجيهها الشيطان إلى ضحاياه عن بعد..
والشيطان في كل الحالات متهم بأنه السبب الرئيسي وربما الوحيد وراء المرض النفسي علي وجه الخصوص وأحياناً بعض الحالات المرضية الأخرى، ويدفع هذا الاعتقاد الكثير من المرضى إلى طلب العلاج لدى الدجالين والمشعوذين الذين يتعاملون مع الجن والشياطين دون التفكير في اللجوء إلى الطب النفسي إلا بعد مرور وقت طويل من المعاناة.
وبحكم العمل في الطب النفسي فإن نسبة لا تقل عن 70 % من المرضى يذهبون في البداية إلى المعالجين الشعبيين أو المشعوذين قبل أن يفكروا في زيارة الطبيب النفسي، ورغم انه لا يوجد دليل واحد على علاقة الشيطان بالأمراض النفسية فإن بعضاً من المتعلمين إلى جانب البسطاء لا يستطيع فهم الحقائق العلمية التي تؤكد أن غالبية الأمراض النفسية الرئيسية قد تم التوصل إلى معرفة أسبابها وأنها نتيجة تغييرات كيميائية في الجهاز العصبي ويمكن علاجها عن طريق تعديل الخلل الذي يعاني منه المريض باستخدام الأدوية النفسية الحديثة أو العلاج النفسي، وكما سنعرض نماذج لذلك في هذا الموضوع فإن الشيطان ليس له دور مطلقاً في هذه المسألة.
عندما يتكلم الشيطان!!
من الحالات الغريبة التي يتناقل الناس الحديث حولها في المجتمعات العربية حالات لمرضى يغيبون عن الوعي ويبدأ الشيطان أو الجن في الحديث من داخلهم!!.. فالكلام يصدر عنهم لكنه بنبرات وأسلوب يختلف عن طريقتهم المعتادة في الحديث، والكل هنا يؤكد أن المتحدث هو المخلوق الغريب بداخلهم، وربما يذكر هذا المتحدث اسمه وديانته والمكان الذي حضر منه فهناك الجن الكافر، وهناك الشيطان الصغير، والفتاة المثقفة، والمرأة التي تبدى رغبتها في الزواج من المريض، أو الرجل الذي يؤكد أنه يحب ضحيته ولن يتركها، وكل هذه نماذج من الشياطين الذين يتحاورون مع
المحيطين بالمريض وكثيراً ما يقدم الواحد منهم بعض المطالب حتي يتخلى عن المهمة التي يقوم بها مع هذا المريض ويتركه وشأنه.. والكلام هنا مؤكد، وتسمعه من مصادر كثيرة لدرجة أن بعض الناس يقول لك أن لديه تسجيلات لهذه الوقائع بصوت الشيطان نفسه حتي يصدق الجميع ذلك.. فما تفسير هذا من وجهة نظر الطب النفسي!؟
الواقع أنني شخصياً قد استمعت إلى مثل هذه الأشياء في حياتي العملية عدة مرات.. لكن هذه الحالة أيضاً لا علاقة لها بالشيطان نهائياً، والمتحدث هنا هو المريض نفسه وهو في حالة نطلق عليها التحول الهستيري يغيب فيها عن الوعي مؤقتاً وتظهر بعض محتويات عقله الباطن فيقوم بالتنفيس عن بعض رغباته المكبوتة ويهرب من الواقع والضغوط التي لا يحتملها فيتصور الجميع أن بداخله شيطان يتكلم، وهذه الحالات لا تحتاج إلى جلسات " الزار " أو الذهاب إلى الدجالين، أو ضرب المريض بقسوة لإخراج الجن، كل ما في الأمر هو تهدئة المريض وبحث حالته النفسية والتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها، وهنا تتحسن الحالة دون تعامل مع الشيطان.
د. لطفي الشربيني
2006-04-19
أضواء على بعض الجوانب الخفية للأمراض النفسية
يدور هذا الموضوع حول قضية هامة هي علاقة الروحانيات بالمرض النفسي وهنا نجيب علي أسئلة تدور بالأذهان منها علي سبيل المثال:
هل يسبب الشيطان المرض النفسي؟
ما رأي الطب النفسي في كلام الجن والشياطين على لسان بعض المرضى؟
هل لحالات الوسواس القهري والصرع علاقة بوساوس الشياطين ومس الجن؟
ما هي وجهة نظر الطب النفسي في معتقدات الناس حول الشعوذة والأمراض النفسية؟
وهنا - عزيزي القارئ - أتناول بعض الجوانب النفسية للعلاقة بين الشعوذة والمرض النفسي.. فلنقرأ معاً سطور هذا الموضوع..
كيمياء الأمراض النفسية..
هناك اعتقاد قوي لدى قطاعات كبيرة من الناس خصوصاً المصابين باضطرابات نفسية وأقاربهم بأن هناك قوى خفية تسببت في إصابتهم بالمرض النفسي، وهم يتفقون علي ذلك وكأنه حقيقة مسلم بها، ويظل الخلاف في الكيفية التي يعمل بها الجن أو الشياطين فيتصور البعض أنهم يدخلون إلي داخل جسد الإنسان ويسببون له الاضطراب الذي لا يشفى إلا بخروجهم منه، ويعتقد البعض الآخر أن مجرد المس من جانب هذه المخلوقات يكفي لحدوث المرض، ويرى آخرون أن المسألة هي وساوس يقوم بتوجيهها الشيطان إلى ضحاياه عن بعد..
والشيطان في كل الحالات متهم بأنه السبب الرئيسي وربما الوحيد وراء المرض النفسي علي وجه الخصوص وأحياناً بعض الحالات المرضية الأخرى، ويدفع هذا الاعتقاد الكثير من المرضى إلى طلب العلاج لدى الدجالين والمشعوذين الذين يتعاملون مع الجن والشياطين دون التفكير في اللجوء إلى الطب النفسي إلا بعد مرور وقت طويل من المعاناة.
وبحكم العمل في الطب النفسي فإن نسبة لا تقل عن 70 % من المرضى يذهبون في البداية إلى المعالجين الشعبيين أو المشعوذين قبل أن يفكروا في زيارة الطبيب النفسي، ورغم انه لا يوجد دليل واحد على علاقة الشيطان بالأمراض النفسية فإن بعضاً من المتعلمين إلى جانب البسطاء لا يستطيع فهم الحقائق العلمية التي تؤكد أن غالبية الأمراض النفسية الرئيسية قد تم التوصل إلى معرفة أسبابها وأنها نتيجة تغييرات كيميائية في الجهاز العصبي ويمكن علاجها عن طريق تعديل الخلل الذي يعاني منه المريض باستخدام الأدوية النفسية الحديثة أو العلاج النفسي، وكما سنعرض نماذج لذلك في هذا الموضوع فإن الشيطان ليس له دور مطلقاً في هذه المسألة.
عندما يتكلم الشيطان!!
من الحالات الغريبة التي يتناقل الناس الحديث حولها في المجتمعات العربية حالات لمرضى يغيبون عن الوعي ويبدأ الشيطان أو الجن في الحديث من داخلهم!!.. فالكلام يصدر عنهم لكنه بنبرات وأسلوب يختلف عن طريقتهم المعتادة في الحديث، والكل هنا يؤكد أن المتحدث هو المخلوق الغريب بداخلهم، وربما يذكر هذا المتحدث اسمه وديانته والمكان الذي حضر منه فهناك الجن الكافر، وهناك الشيطان الصغير، والفتاة المثقفة، والمرأة التي تبدى رغبتها في الزواج من المريض، أو الرجل الذي يؤكد أنه يحب ضحيته ولن يتركها، وكل هذه نماذج من الشياطين الذين يتحاورون مع
المحيطين بالمريض وكثيراً ما يقدم الواحد منهم بعض المطالب حتي يتخلى عن المهمة التي يقوم بها مع هذا المريض ويتركه وشأنه.. والكلام هنا مؤكد، وتسمعه من مصادر كثيرة لدرجة أن بعض الناس يقول لك أن لديه تسجيلات لهذه الوقائع بصوت الشيطان نفسه حتي يصدق الجميع ذلك.. فما تفسير هذا من وجهة نظر الطب النفسي!؟
الواقع أنني شخصياً قد استمعت إلى مثل هذه الأشياء في حياتي العملية عدة مرات.. لكن هذه الحالة أيضاً لا علاقة لها بالشيطان نهائياً، والمتحدث هنا هو المريض نفسه وهو في حالة نطلق عليها التحول الهستيري يغيب فيها عن الوعي مؤقتاً وتظهر بعض محتويات عقله الباطن فيقوم بالتنفيس عن بعض رغباته المكبوتة ويهرب من الواقع والضغوط التي لا يحتملها فيتصور الجميع أن بداخله شيطان يتكلم، وهذه الحالات لا تحتاج إلى جلسات " الزار " أو الذهاب إلى الدجالين، أو ضرب المريض بقسوة لإخراج الجن، كل ما في الأمر هو تهدئة المريض وبحث حالته النفسية والتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها، وهنا تتحسن الحالة دون تعامل مع الشيطان.