أكد رئيس مصلحة الضرائب، أحمد أحمد غالب، أن اليمن يمر بأزمة اقتصادية حقيقية، مبعثها الأول الاختلال الأبرز المتمثل باستمرار دعم المشتقات النفطية.
ومع أنه أشار إلى أن ثمة إصلاحاتٍ اقتصاديةً عاجلة يجب أن تقوم بها الحكومة، إلا أنه طالب بضرورة اتخاذ قرار رفع جزء من الدعم الخاص بالمشتقات النفطية، بالتزامن مع تنفيذ تلك الإصلاحات.
وأكد أنه «من الأفضل أن نعالج هذا الوضع قبل أن نجد أنفسنا غير قادرين على توفير هذه المواد وبالأسعار المحررة، بل لن نكون قادرين على توفير الأساسيات من الغذاء والدواء».
50 مليار ريال حجم المتأخرات الضريبية المستحقة للدولة لدى الغير ومتنازع عليها في مختلف درجات التقاضي ومعظمها في المحاكم
واعتبر أن المغامرة هي أن نستسلم للتنظيرات في الوقت الضائع، ونتردد عن تنفيذ المعالجة الحقيقية، منوهاً إلى أن الظروف الحالية للبلد تجعل تلك المعالجات الاقتصادية الأخرى التي يطالب بها بعض الأكاديميين بحاجة إلى وقت لتؤتي ثمارها، بيد أن «الحقيقة هي أنه لا يوجد لدينا هذا الوقت». وقال إن «مزيداً من الانتظار يعني الذهاب الى كارثة محققة».
وحيث أسهب في تقديم المبررات المساندة لموقفه هذا، تحدث غالب في مقابلة لصحيفة المصدر اليومية عن الاختلالات الضريبية الحاصلة في الوقت الذي ينظر إليها البعض كمنقذ للاقتصاد اليمني المنهار فيما لو تم إصلاحها. وبهذا الصدد كشف عن مبلغ 50 مليار ريال هي حجم المتأخرات الضريبية المستحقة للدولة لدى الغير ومتنازع عليها في مختلف درجات التقاضي ومعظمها في المحاكم.
ومازالت كثير من الأحزاب السياسية، بينها أحزاب كبيرة مشاركة في حكومة الوفاق، ترفض حل رفع الدعم عن المشتقات النفطية، أمام ضغط البنك الدولي الداعي الى الرفع. وتطالب تلك الأحزاب الدولة بالبحث عن حلول أخرى أقل كلفة على المواطن، عبر اتخاذ إجراءات اقتصادية إصلاحية من شأنها أن تُساعد على رفد ميزانية الدولة المنهكة.
وأمام ذلك الرفض، دعا غالب الرئيس عبدربه منصور هادي إلى تسليم مصلحة الضرائب لأي جهة سياسية تمتلك القدرة على تحصيل ضرائب إضافية لإنقاذ البلد وحل أزماته الاقتصادية المتصاعدة والخانقة، معتبراً مواقف بعض الأحزاب السياسية الرافضة بشدة رفع الدعم أنها «مُماحكات سياسية»، كما اعتبر أيضاً أن ما يقوله الخبراء الاقتصاديون في هذا الجانب مجرد تنظيرات لا ترقى إلى المعالجات الحقيقية والعملية، متسائلاً: «هل ستصمد احتياطيات البنك المركزي لما تبقى من العام في حال استمرار الوضع على هذا الحال من التدهور».
ونفى رئيس مصلحة الضرائب ما تردد من شائعات صحفية تحدثت عن خلافات مع رئيس الحكومة ووزير المالية. لكنه اعترف باطّلاعه على رسالة سابقة في 2012 وُجِّهت من سفراء دول مانحة إلى وزير المالية تحذّر من أن إقالته أو إرغامه على الاستقالة سيكون له آثار سلبية على دعم المانحين. وأكد أن الوزير لم يكن لديه توجّه بإقالته وأن العلاقة معه جيدة ولا توجد بينهما أي خلافات كما يدّعي البعض.
الإعفاءات الضريبية الممنوحة من حكومة الوفاق لبعض المشاريع لم تصلنا في مصلحة الضرائب.. وحتى إذا وصلتنا فلن نتعامل معها
حاوره / عبدالحكيم هلال:
ومع أنه أشار إلى أن ثمة إصلاحاتٍ اقتصاديةً عاجلة يجب أن تقوم بها الحكومة، إلا أنه طالب بضرورة اتخاذ قرار رفع جزء من الدعم الخاص بالمشتقات النفطية، بالتزامن مع تنفيذ تلك الإصلاحات.
وأكد أنه «من الأفضل أن نعالج هذا الوضع قبل أن نجد أنفسنا غير قادرين على توفير هذه المواد وبالأسعار المحررة، بل لن نكون قادرين على توفير الأساسيات من الغذاء والدواء».
50 مليار ريال حجم المتأخرات الضريبية المستحقة للدولة لدى الغير ومتنازع عليها في مختلف درجات التقاضي ومعظمها في المحاكم
واعتبر أن المغامرة هي أن نستسلم للتنظيرات في الوقت الضائع، ونتردد عن تنفيذ المعالجة الحقيقية، منوهاً إلى أن الظروف الحالية للبلد تجعل تلك المعالجات الاقتصادية الأخرى التي يطالب بها بعض الأكاديميين بحاجة إلى وقت لتؤتي ثمارها، بيد أن «الحقيقة هي أنه لا يوجد لدينا هذا الوقت». وقال إن «مزيداً من الانتظار يعني الذهاب الى كارثة محققة».
وحيث أسهب في تقديم المبررات المساندة لموقفه هذا، تحدث غالب في مقابلة لصحيفة المصدر اليومية عن الاختلالات الضريبية الحاصلة في الوقت الذي ينظر إليها البعض كمنقذ للاقتصاد اليمني المنهار فيما لو تم إصلاحها. وبهذا الصدد كشف عن مبلغ 50 مليار ريال هي حجم المتأخرات الضريبية المستحقة للدولة لدى الغير ومتنازع عليها في مختلف درجات التقاضي ومعظمها في المحاكم.
ومازالت كثير من الأحزاب السياسية، بينها أحزاب كبيرة مشاركة في حكومة الوفاق، ترفض حل رفع الدعم عن المشتقات النفطية، أمام ضغط البنك الدولي الداعي الى الرفع. وتطالب تلك الأحزاب الدولة بالبحث عن حلول أخرى أقل كلفة على المواطن، عبر اتخاذ إجراءات اقتصادية إصلاحية من شأنها أن تُساعد على رفد ميزانية الدولة المنهكة.
وأمام ذلك الرفض، دعا غالب الرئيس عبدربه منصور هادي إلى تسليم مصلحة الضرائب لأي جهة سياسية تمتلك القدرة على تحصيل ضرائب إضافية لإنقاذ البلد وحل أزماته الاقتصادية المتصاعدة والخانقة، معتبراً مواقف بعض الأحزاب السياسية الرافضة بشدة رفع الدعم أنها «مُماحكات سياسية»، كما اعتبر أيضاً أن ما يقوله الخبراء الاقتصاديون في هذا الجانب مجرد تنظيرات لا ترقى إلى المعالجات الحقيقية والعملية، متسائلاً: «هل ستصمد احتياطيات البنك المركزي لما تبقى من العام في حال استمرار الوضع على هذا الحال من التدهور».
ونفى رئيس مصلحة الضرائب ما تردد من شائعات صحفية تحدثت عن خلافات مع رئيس الحكومة ووزير المالية. لكنه اعترف باطّلاعه على رسالة سابقة في 2012 وُجِّهت من سفراء دول مانحة إلى وزير المالية تحذّر من أن إقالته أو إرغامه على الاستقالة سيكون له آثار سلبية على دعم المانحين. وأكد أن الوزير لم يكن لديه توجّه بإقالته وأن العلاقة معه جيدة ولا توجد بينهما أي خلافات كما يدّعي البعض.
الإعفاءات الضريبية الممنوحة من حكومة الوفاق لبعض المشاريع لم تصلنا في مصلحة الضرائب.. وحتى إذا وصلتنا فلن نتعامل معها
حاوره / عبدالحكيم هلال:
• بداية.. نبدأ معكم من اللقاء التشاوري الأخير.. ما الهدف منه في مثل هذا التوقيت بالذات?
- أولاً، هو لقاء سريع ولا يمكن أن نصفه بأنه لقاء تشاوري بكل ما تعنيه الكلمة. وتوقيته ربما غريب بعض الشيء؛ لأنه يأتي في زحمة عمل مصلحة الضرائب لاستقبالها الاقرارات الضريبية. ولكن كان لا بُد من عقد مثل هذا اللقاء.
• لماذا؟ ما أهمية ذلك؟
- أولاً؛ لأنه يأتي بعد التدوير الشامل للقيادات الإشرافية والتنفيذية في ديوان عام المصلحة والوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين ومكاتب المصلحة في جميع المحافظات، إضافة إلى رغبة الاخ الوزير (وزير المالية) في القائهم لحثهم وتحفيزهم على بذل أقصى الجهود لتحصيل الإيرادات وتطبيق القوانين. ثانياً لإبلاغ الجميع بتوجيهات فخامة الأخ رئيس الجمهورية بضرورة بذل ما يمكن من جهود لتحصيل إيرادات تتجاوز ربط الخطة بنسبة تتجاوز الـ25% ..
- أولاً، هو لقاء سريع ولا يمكن أن نصفه بأنه لقاء تشاوري بكل ما تعنيه الكلمة. وتوقيته ربما غريب بعض الشيء؛ لأنه يأتي في زحمة عمل مصلحة الضرائب لاستقبالها الاقرارات الضريبية. ولكن كان لا بُد من عقد مثل هذا اللقاء.
• لماذا؟ ما أهمية ذلك؟
- أولاً؛ لأنه يأتي بعد التدوير الشامل للقيادات الإشرافية والتنفيذية في ديوان عام المصلحة والوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين ومكاتب المصلحة في جميع المحافظات، إضافة إلى رغبة الاخ الوزير (وزير المالية) في القائهم لحثهم وتحفيزهم على بذل أقصى الجهود لتحصيل الإيرادات وتطبيق القوانين. ثانياً لإبلاغ الجميع بتوجيهات فخامة الأخ رئيس الجمهورية بضرورة بذل ما يمكن من جهود لتحصيل إيرادات تتجاوز ربط الخطة بنسبة تتجاوز الـ25% ..
• يشعرنا هذا الاهتمام، ربما، بأن الدولة بدأت تدرك أهمية الإيرادات الضريبية؛ باعتبارها المنقذ البديل لرفد موازنة الدولة التي تمر بمرحلة عجز صعبة.. لكن هل يمكن تحقيق ذلك؟ أقصد الوصول إلى نسبة تتجاوز الـ25%؟
- نعم يمكن ذلك. ولكن بتوفر دعم كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها والتزامها بأحكام القوانين الضريبية وإعادة الحياة الطبيعية لكثير من المحافظات المشلولة حتى تستطيع الضرائب ممارسة مهامها بشكل طبيعي وآمن..
• حسناً.. تلك هي المشكلة الدائمة (عدم وجود دعم من أجهزة الدولة ومؤسساتها وعدم تطبيق القانون).. لكن ماذا لو استمر الوضع الحالي ولم يتوفر هذا الدعم المطلوب كالعادة؟
- من جهتنا، فنحن سنبذل جُلّ جهدنا وسنعمل ليلاً ونهاراً لتنفيذ التوجيهات الرئاسية والوزارية. ونأمل ان نوفق لتحقيق أفضل إنجاز ممكن..
أنا مع رفع الدعم عن المشتقات النفطية.. ومن الأفضل أن نُعالج هذا الخلل قبل أن نجد أنفسنا غير قادرين على توفير هذه المواد وبالأسعار المحررة بل لن نكون قادرين على توفير الأساسيات من الغذاء والدواء
• وإذا لم تصلوا إلى الرقم المطلوب؟
- بعد أن نبذل ما نستطيع من جُهد، حينها سنقول هذا جهدنا، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها..
• لكن، كما فهمت من بعض المصادر أن وزير المالية طالب الجميع بالاستقالة إن لم يتحقق الرقم المطلوب، باعتبار أن تلك هي توجيهات رئيس الجمهورية..!!
- بدون استقالات من أحد..، لأنه من حق فخامة الأخ الرئيس أو الحكومة إقالة او تغيير أو تدوير أي شخص دون الحاجة إلى طلب الاستقالة من أحد. والتغيير والتدوير سنة الحياة، ومن خصائص العمل الإداري السليم ومعايير الحكم الرشيد.
• نعود إلى الوعاء الضريبي.. ما هو حجمه؟ أقصد ما حجم ما يتم تحصيله، خصوصاً وأن هناك دعواتٍ مختلفةً لتحصيل الأوعية الضريبية والجمركية قبل الحديث عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية؟
- أنا قلت في مناسبات عديدة إن الوعاء كبير، وما يحصل لا يتناسب مع حجم الوعاء، ولكن هناك أسباب عديدة لهذا التدنِّي في الحصيلة، منها: الاعفاءات التي مازالت سارية حتى الآن، والتهريب والتهرب الواسع دون أي مكافحة، وعدم الصرامة في تطبيق القوانين، وبشكل خاص من بعض مؤسسات الدولة وأجهزتها وبقاء البعض خارج نطاق الخضوع للنظام الضريبي..
• لكن مع ذلك، من الواضح جداً - بحسب بعض المراقبين - أن نسبة الضرائب مازالت متدنية جداً مقارنة بالدول المشابهه؟
- صحيح النسبة متدنية، لكنِّي أولاً أريد أن أوضّح أمراً هاماً. فمع احترامي لكثير من المحللين هم يقارنون نسبة الضرائب جميعها إلى الناتج المحلي ببعض الدول، ويعتبرون الفارق هو الفاقد، مع أن الأمانة العلمية والمهنية تقتضي أن يبحثوا في الأسباب ويتعمقوا بالمسببات. وكما قلت لك، صحيح أن النسبة متدنية مقارنة ببعض الدول، لكنهم يغفلون الأسباب التي ذكرت بعضاً منها في إجابتي على سؤالك السابق، بالإضافة إلى الضرائب التي لا تدخل في إيرادات مصلحة الضرائب وإنما تدخل مباشرة كإيرادات مركزية في حسابات وزارة المالية المركزية، مثل الضرائب على شركات النفط وهي كبيرة، كما أن هناك أيضاً مشكلة أخرى تتمثل بتدنِّي الوعي الضريبي لدى جمهور المكلفين. فمثلاً، الالتزام الطوعي في دول العالم جميعها لا تقل عن 90%، بينما في بلادنا الالتزام متدنٍ جداً، ويكاد يكون الهرم مقلوباً، أضف إلى ذلك طول إجراءات التقاضي وتدني نسبة معدل الضريبية المفروضة مقارنة بتلك الدول.. فمثلاً، معدل ضريبة المبيعات في بلادنا هي 5% فقط، بينما في البلدان التي تمت مقارنتنا بها لا تقل عن 15% في أحسن الأحوال. وبإضافة هذه العوامل إلى ما سبق ذكره، إذا ما أخذ هذا في الاعتبار، وتكاتف الجميع في التغلب عليها، فلربما اقتربت نسبة التحصيل إلى المعدلات في الدول المشابهة، ومع ذلك، ورغم كل هذا، أؤكد أن هناك إمكانية لتحسين الوضع ببذل جهود إضافية من مصلحة الضرائب مع توفّر الحد الأدنى من التعاون من بقية أجهزة الدولة.
• هناك شائعات أن الحكومة تخطط لرفع الدعم عن المشتقات النفطية لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي.. وبحسب علمي أنك من المتحمسين لرفع الدعم عن المشتقات النفطية؟
- نعم هذا صحيح، أنا من الداعين إلى رفع الدعم..
• لماذا؟ ما هي مبرراتك؟ نريد رأياً موضوعياً وواقعياً مستندا إلى مبررات علمية، لا تجامل فيه المتحمسين لرفع الدعم وتقنع فيه المعارضين لرفعه؟
- أولاً أريد أن اؤكد لك أن موقفي هذا ليس جديداً، فأنا مع رفع هذا الدعم منذ كنت وكيلاً لوزارة المالية ومسؤولاً فنياً عن برامج الإصلاح. وأذكر أنِّي، في عام 2003، كتبت رأيي بوضوح عن خيارات الحكومة أمام معارضة مجلس النواب ليس للرفع الكامل للدعم ولكن لتخفيض ذلك الدعم. حينها كان رئيس الحكومة هو الاستاذ عبدالقادر بإجمال - شفاه الله - وقلت إن المعارضين لرفع الدعم إنما يدافعون دون وعي عن المهرّبين، ففهم بعض الأخوة أعضاء مجلس النواب من مقالتي أنِّي اتهم أعضاء المجلس بالتهريب، وثار بعضهم عليّ لولا وقوف بعض أعضاء المجلس وتوضيحهم لفحوى المقالة، بل قبل ذلك بالطبع وقوفهم مع حُرية التعبير. واليوم أقول: لو كُنا قد عالجنا هذا الاختلال في ذلك الوقت لما وصلنا إلى هذا الوضع. لماذا؟ لأننا في ذلك الوقت كان لدينا فائض سنوي يزيد عن 700 مليار ريال، وكان يمكن للحكومة أن تعمل كل الإصلاحات وتعالج أي انعكاسات لتلك الإصلاحات من خلال ذلك الفائض، لكن صوت العقل والمصلحة الوطنية توارت أمام أصوات أصحاب المصالح الخاصة الرافضين لأي إصلاح، وكان ذلك الفائض بالطبع يذهب هدراً من خلال فتح اعتمادات خاصة لتمويل دعم المشتقات النفطية، إلى جانب بعض المشاريع دون أي دراسة لجدواها.
• مازلت لم تجب عن سؤالي: ما هي المبررات الموضوعية الموجبة لرفع الدعم؟
- كنت سآتي عليها لو لم تستعجل. أولاً: بحسب الدراسات العلمية، فإن نسبة 80% من الدعم يذهب للأغنياء، بينما الـ20% المتبقية فقط هي التي تذهب – أو يستفيد منها - الفقراء على أحسن تقدير.
ثانياً: علينا أن نعلم أن كميات استهلاك المشتقات المدعومة تتزايد بصورة مهولة، تفوق قدرة البلد على الاحتمال بسبب الإسراف بالاستهلاك، وأيضاً نتيجة تهريب هذه المواد بسبب الفارق الكبير بين الأسعار المدعومة والأسعار في الدول المجاورة.
ثالثاً: لا يمكن استمرار هذا الوضع، فلم يعد البلد قادراً على تحمل الدعم وتوفير المواد المدعومة، وهذا ما يفسر الاختناقات وانعدام المواد وتوقف الأنشطة وما يسببه من إرباكات وتوقف للمصانع ووسائل النقل، بل وصل الأمر إلى محطات الكهرباء، وما يتبع ذلك من ركود اقتصادي وزيادة في معدلات البطالة والفقر. وبات من الواضح أن استمرار هذا الاختلال يأتي على حساب التنمية ومصالح عامة الشعب لصالح مجموعه مستفيدة، ومن الأفضل أن نُعالج هذا الوضع قبل أن نجد أنفسنا غير قادرين على توفير هذه المواد وبالأسعار المحررة بل لن نكون قادرين على توفير الأساسيات من الغذاء والدواء..
• لكن الأصوات ترتفع، وتكاد تكون من الجميع في معارضة رفع الدعم، والمطالبة بدلاً عن ذلك بإجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة ومُمكنة، على رأسها: تحصيل موارد الدولة من الضرائب والجمارك، وتنظيف كشوفات الراتب من الوهميين والمزدوجين وإلغاء الاعتمادات للمشايخ والنافذين وشؤون القبائل..وغيرها!
- نحن مع جميع هذه المطالب، وهي مطالب مشروعة ومنطقية، ولكن لا تلغي حقيقة أن الدعم هو الاختلال الأبرز وليس الوحيد. وأنا قلت إن المعالجة يجب أن تكون شاملة وسريعة وشفافة. وطالبت من الجميع - في إحدى المقابلات الصحفية - أن ينبذوا الخلافات ويرتفعوا بأنفسهم فوق المماحكات السياسية، لأن الوطن لا يحتمل، والمواطن لم يعد قادراً على التحمّل. فمن الواجب أن يخرج الجميع إلى الشعب بخطة شاملة للإصلاح مجمع عليها من جميع القوى والأحزاب ومجلس النواب، ويكاشف الشعب بحقيقة الوضع وحتمية المعالجة وخطر استمرار هذا الاختلال..، وبدون ذلك فنحن مقدمون على وضع كارثي. وحتى نكون منصفين، أدعو صادقا فخامة الأخ رئيس الجمهوريه إلى تسليم الضرائب والجمارك لأي جهة حزبية أو سياسية، أو أكاديمية عندها القدرة على أن تحصل موارد إضافية من الضرائب والجمارك تحل بها المشكلة وتسد بها عجز الموازنة وتخرج البلد من هذا العجز وهذا الاختلال، بل نطالب بتسليم المالية وجميع مؤسساتها لمن لديه هذه القوة والقدرة وبدون أي انتظار..
أدعو صادقاً رئيس الجمهوريه إلى تسليم الضرائب والجمارك، بل ووزارة المالية بكاملها لأي جهة حزبية أو سياسية أو أكاديمية عندها القدرة أن تحصل موارد إضافية من الضرائب والجمارك تحل بها المشكلة وتسد بها عجز الموازنة وتخرج البلد من هذا العجز وهذا الاختلال
• اتركنا من معارضة القوى السياسية الآن، التي ربما يتفق البعض - أو لا يتفق - مع رأيك أن مواقفها ترجع إلى «مماحكات سياسية».. لكن ماذا عن تحذيرات أساتذة الاقتصاد من خطورة قرار رفع الدعم على سلامة البلد؟
- سمعت وقرأت بعض المقابلات لبعض الأخوة الأكاديميين. ومع احترامي لرأيهم فهي نفس التحذيرات التي أطلقت عندما قررت الحكومة في نهاية التسعينات رفع الدعم عن القمح وهو الأخطر، لأنه القوت الوحيد لعامة الشعب، والذي كان يمثل كل الاختلالات، ووصلت الاختناقات والطوابير على هذه المادة الى الحد الذي نشهده اليوم على طوابير المشتقات النفطية. بل أتذكر أن أحد الأخوة الدكاترة قال حينذاك: «إذا رُفع الدعم عن القمح فسوف تسيل الدماء في الشوارع»، ومع ذلك تم رفع الدعم وتوفّرت المادة وبأصناف مختلفة وبأسعار مناسبة للجميع، ولم يحدث شيء مما حذّر منه الأخوة الدكاترة الأجلاء، ولكن انتقل المستفيدون والمهرّبون من القمح إلى المشتقات النفطية حالياً، بل ربما وجدوا أن المشتقات أكثر ربحية وأسهل تهريباً..
• حسنا، لكن لماذا لا نجرب تنفيذ مثل تلك الحلول الإصلاحية العاجلة التي طرحت بدلاً من المغامرة برفع دعم المشتقات؟
- أخي العزيز، المغامرة هي أن نستسلم للتنظيرات في الوقت الضائع، ونتردد عن تنفيذ المعالجة الحقيقية. فلو افترضنا أن ما يطرح ذو جدوى وممكن التنفيذ في ظل الظروف الحالية للبلد، فهو تحتاج إلى وقت لتؤيي ثماره، والحقيقة أنه لا يوجد لدينا هذا الوقت.. مزيد من الانتظار يعني الذهاب إلى كارثة محققة، وعلى الأخوة الدكاترة أن يقولوا لنا ما هي الحلول الناجعة لمعالجة الوضع وتفادي الكارثة؟ بل ما هي الوسائل التي يمكن أن نوفر فيها المادة حتى تتمكن من تسيير النشاط في البلد، وبالتالي يمكنك من تحصيل الضرائب والجمارك وبقية الإيرادات والصرف على الأمن والتنمية؟ بل من أين سوف نغطي وارداتنا من المواد البترولية؟ وبافتراض توفّر العُملة المحلية، مع استحالة ذلك، فمن أين سيتم تغطية العملة الأجنبية للاستيراد؟ هل ستصمد احتياطيات البنك المركزي لما تبقى من العام في حال استمرار الوضع على هذا الحال من التدهور.
• هل الوضع قاتم إلى هذه الدرجة؟
- بالتأكيد الوضع حرج، وعلاجه صعب، لكنه غير مستحيل، شريطة أن يبدأ الآن وفوراً وبدون تأخير وبإجماع وطني ومؤسسي..
• ربّما لعملكم الطويل مع صندوق النقد والبنك الدولي تأثرتم بنفس المدرسة، فرفع الدعم بحسب مع هو مؤكد هو شرط البنك الدولي للمساعدة، وبدونه لا تعتقدون بجدوى أي معالجات أخرى؟
- الإصلاحات جميعها ضرورة وطنية ملحة قبل أن تكون من اشتراطات المانحين للحصول على الدعم. لكن من قال إن الدعم هو العنصر الوحيد في البرنامج؟ البرنامج يجب أن يكون شاملاً لإصلاح كل الاختلالات. الدعم هو أبرزها وليس الوحيد، وحتى تكون الصورة واضحة لديك دعني أوضح لك عمل هذه المؤسسات. هناك نوعان من الدعم تقدّمه هذه المؤسسات: دعم فني واستشارات ونصائح مجانية بحكم عضوية البلد ومساهمته برأس مال تلك المؤسسات، وهو ما يُسمى «برنامج الظل» - إن كنت قد سمعت به- فهذا مُمكن تأخذه وتستفيد منه دون أي التزامات. النوع الثاني هو عبارة عن دعم مالي وفني مشروط ببرامج محددة إجراءاتها وتوقيتها وفقاً لخطة عمل تضمن معالجة الاختلالات بحسب أهميتها، وهو برنامج شامل طبعاً، لكن أهم عناصره الدعم وإصلاح المرتبات وتحديد الإنفاق على بعض القطاعات مع ملاحظة أن الدعم الذي توفّره هذه المؤسسات ليس كبيراً، لكن تكمن أهميته في أن الاتفاق مع تلك المؤسسات يمنحك جواز مرور أو شهادة حسن تصرف لتحصل على دعم ومساندة مجموعة المانحين. ومن المنطق، إذا ذهبت إلى أي شخص تطلب منه أن يقرضك شيئاً من المال، فأول شيء يتأكد منه أنك إنسان راشد بتصرفاتك، وأنك حريص، وتتصرف بمسؤولية، وأنك قادر على أن تعيد إليه أمواله، وهو ما تفعله تلك المنظمات، وتنصح به بقية المانحين الذين يعتمدون على استشارتها، والمصلحة الوطنية تقتضي أن نعالج أوضاعنا سواءً بدعم من المانحين أو بغيرهم، فأوضاعنا لم تعد تحتمل الانتظار..
• نعود إلى الضرائب، ونسأل: كم المبالغ الضريبية المستحقة للدولة أو المتأخرات الضريبية؟
- هناك مبالغ كبيرة مُتنازع عليها في مختلف درجات التقاضي، بعضها في لجان التسوية، وبعضها في لجان الطعن الضريبية. والمبالغ الكبيرة في المحاكم، ونأمل أن يستأنف الأخوة القضاة أعمالهم قبل أن ندخل في الإجازة القضائية، وهي طويلة.
• هل هناك رقم يكشف حجم هذه المبالغ، حتى نعرف حجم المشكلة القائمة؟
- تقريباً أكثر من خمسين مليار ريال..
• هذا مبلغ كبير.. لماذا لم يحصل حتى الآن؟ ولماذا لا تبذل جهوداً مضاعفة لتحصيله بشكل عاجل، لتحل جزءاً من المشكلة، على الأقل؟
- يا ليت والأمر بهذه السهولة. فإجراءاتنا، كما يعرف الجميع تقريباً، محكومة بالقانون. والقوانين لدينا كفلت حقوق الغير قبل حقوق الدولة، وفتحت إجراءات التظلم والتقاضي على آخرها، وألغيت بعض الأحكام التي كانت تحفظ جزءاً من حقوق الدولة للحد من التظلمات التي تهدف الى التطويل في التقاضي، فالكل ضد الدولة ومع الآخر..
• وماذا عن الاعفاءات التى منحتها حكومة الوفاق لبعض الشركات الكبيرة وتحدثت عنها بعض وسائل الإعلام مؤخرا؟
- هذه إشكالية أخرى جوهرية وحساسة. علينا أن نكون واضحين.. فالدستور والقوانين الضريبية واضحة: «لا ضريبة ولا إعفاء إلا بقانون». ونحن في مصلحة الضرائب لم تصلنا مثل هذه الاعفاءات. وحتى إذا وصلتنا فلن نتعامل معها ولن نقبل بها. ولقد دخلنا في معارك كبيرة حول بعض الاعفاءات التى منحتها الهيئة العامة للاستثمار في السابق والحاضر بالمخالفة لأحكام القانون فلم نقبلها ولم نتعامل معها رغم كل ما واجهناه ونواجهه..
• بسبب هذه الاعفاءات تحدثت بعض وسائل الإعلام عن مساءلة رئيس الجمهورية لوزير المالية، فارجع ذلك لتوجيهات رئيس الوزراء. بل زاد أن مصلحة الضرائب لا تتبعه ولا تنفذ توجيهاته. فما هي الحقيقية؟
- أخي العزيز هذا كلام صحافة. وبالنسبة لي، لاعتقد أنه صحيح. فأولاً لم تصلنا أي إعفاءات مما أوردها الموقع الالكتروني الذي نشر مثل هذه المعلومات. وكما قلت لك سابقاً، فنحن في مصلحة الضرائب لن نقبلها إذا وصلتنا. وثانياً، لاعتقد أن أي مسؤول يشتكي من وحدة تابعة له، بتلك الطريقة، ذلك أن الأولى به أن يستقيل إن لم يستطع السيطرة على مؤسساته وإدارتها. وبشكل عام أنا لا اعتقد أن الأخ وزير المالية من ذلك النوع الذي يشتكي، كما أن مصلحة الضرائب ليست من المؤسسات التي تتمرّد على الأنظمة والقوانين وترفض توجيهات رؤسائها القانونية..
• هل تريد هنا أن تؤكد أن علاقتكم بالوزير على ما يرام.. بعكس ما تم تناوله عبر الصحافة؟
- لا يوجد بيننا ما نختلف عليه. وإذا كانت هناك تباينات في الرؤى لبعض القضايا فهي اجتهادات تخدم المصلحة العامة ولا تخرج عن إطارها الطبيعي وسياقها الاداري السليم، أما إذا كان المقصود هو وجود خلافات شخصية، فأؤكد لك – من جانبي على الأقل - أن ذلك غيّر موجود على الإطلاق. ولا اعتقد أن هناك ما يمكن الاختلاف عليه على الصعيد الشخصي..
• حسنا.. أشيع أنه كانت هناك عدّة محاولات لإقالتكم واستبدالكم بشخصية حزبية لولا رفض رئيس الجمهورية وتدخل السفراء الغربيين، وبالتحديد سفيري بريطانيا وأمريكا السابقين.. ما حقيقة تلك المعلومات؟
- اسمع كثيراً من هذه القصص، ولكني لا أستطيع تأكيدها أو نفيها، فيما عدا تأكدي من تلك الرسالة التي أبلغها السفراء الأخ وزير المالية عبر الأخ جلال يعقوب وكيل وزارة المالية السابق مع نهاية عام 2012، في وسط المعركة المحتدمة حول الاعفاءات وضريبة المبيعات وغيرها. وما أعرفه أيضاً أنه كانت هناك مساعٍ كثيرة من المتضررين للتخلّص ممن يعتبرونهم من معيقي مصالحهم. والمحاولات في هذا الجانب مستمرة ومن كثيرين، وهذا من حقهم، لأن الوظيفة العامة من حق أي مواطن يسعى للحصول عليها، والسعي حق والمنح شيء آخر، وأنا أؤمن بصحة المبدأ الاسلامي القائل إن «الوظيفة لا تعطى لمن يطلبها»..
• هل من الممكن إطلاعنا على فحوى تلك الرسالة التي أشرت إليها؟
- بالطبع، فأنا أعمل بشفافية مطلقة، وربما تكون هذه مشكلتي الرئيسية كما يحذّرني البعض، لكنّي مع ذلك سأظل متمسكاً بهذا المبدأ؛ لأني اؤمن أن الشفافية هي القاعدة التي يجب أن يلتزم بها جميع موظفي الدولة وأجهزتها المختلفة، وهي مبدأ راسخ في الحكم الرشيد، ومن حق المواطن أن يعرف كل شيء. وللإجابة على سؤالك، فإن الرسالة تضمّنت تحذيراً من أن المطالبة بإقالة رئيس مصلحة الضرائب أو إجباره على الاستقالة سيكون له آثار سلبية على دعم المانحين، لأنه يعطي أشارة سلبية على توجّهات الحكومة، وحذّروا أنهم سيرفعون الأمر لرئيس الجمهورية..
• وماذا كان رد وزير المالية؟
- بحسب ما بلغني، أكد أنه ليس لديه هذا التوجّه ولا يعلم عن ذلك شيئاً. وأنا أؤمن أن ما قاله صحيح.
حجم الوعاء الضريبي كبير، وما يتم تحصيله متدنٍ جداً ولا يتناسب مع حجمه لأسباب عديدة منها الاعفاءات الضريبية السارية حتى الآن والتهريب والتهرب الواسع دون أي مكافحة وعدم وجود صرامة في تطبيق القوانين، خصوصاً عند بعض مؤسسات الدولة وأجهزتها وبقاء البعض خارج نطاق الخضوع للنظام الضريبي
• إذن فأنت مدعوم من مجتمع المانحين..!!
- (يضحك)..، أعتقد أن الأمر له علاقة بالإشارات السلبية التي وردت في الرسالة، أكثر من رئيس المصلحة نفسه، لاسيما وأننا – كما قلت لك – كنا نمر بمعارك إصلاحات ضريبية، ترافقت مع هجمة شرسة من قبل المتضررين. ومع ذلك أودّ هنا التنويه إلى بعض الحقائق. أولاً: لم اعتمد يوماً في حياتي المهنية على دعم أو واسطة، وتنقلت من موظف إلى رئيس مصلحة بدرجة نائب وزير مرورا بكل المواقع وبالتدريج، وكل موقع قضيت فيه أكثر من الفترة القانونية المطلوبة، وآخرها وكيل وزارة المالية لقطاع العلاقات الخارجية، حيث مكثت فيه عشر سنوات، ولم يحدث أن قفزت قفزاً أو تجاوزت أي موقع، بل أنا حالياً بدرجة نائب وزير منذ أكثر من 12 عاماً، ولم أحصل على ترقيتى القانونية حتى الآن. ثانياً: أؤكد لك ولغيرك أنه لا يشرفني أن أبقى في أي موقع بدعم أو بضغط من أي كان، طالما كنت لا أستحق هذا الموقع وجديراً به، وأستطيع من خلاله أن أقدم خدمة لبلدي بالمستوى الذي يمكن أن يقدمه شخص آخر يحظى بكل الدعم والمساندة. بل في حياتي كلها لم اطلب دعماً أو مساندة من أي جهة أو وجاهة أياً كانت، كي أتعين بموقع ما أو أبقى في أي موقع، ولا يشرفني ذلك، وشعاري دائماً «اطلبوا الحاجات بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير».
• المعذرة على الإطالة، لكن الحديث كان ذا شجون.. هل هناك شيء تود قوله في نهاية هذا اللقاء؟
- اولاً شكراً لك على إتاحة هذه الفرصة لتوضيح بعض الحقائق حول ما يثار هنا وهناك من شائعات وأباطيل. وثانياً أقول إن الوطن يمر في أخطر منعطفاته ويتعرّض لمؤامرات متعددة الأطراف والأهداف، ويتحتم على كل اليمنيين الذين لا يمتلكون أوطاناً بديلة أن يتنادوا إلى إنقاذ الوطن، ويرتفعوا بأنفسهم فوق المصالح الشخصية والحزبية والمناطقية والمذهبية. فاليمن تتسع للجميع وتستوعب كافة الآمال والتطلّعات العامة والخاصة إذا ما حافظنا عليها من التشظي والانهيار..