الرؤية السردية في اوراق
ان السارد يتبين في علاقته مع المسرود حياة ادريس رؤيتين سرديتين ، فهو يجسد تارة الرؤية مع لكونه يجهل بعض الاشياء التي ستحدث لا حقا ( مستقبلا ) فمعغرفته تكون اذا مساوية لمعرفته كشخصية لكنه يجسد تارة اخرى الرؤية من خلف بحيث تنشطر انا / السارد عن انا / البطل فتحصل بينهما مسافة زمنية وسيكولوجية كافية ليعيد السارد رؤية ذاته ليجادلها ويحكم عليها ، ونجد مثالا لهذه الرؤية في المقطع 14 ص 44 ، حيث يقول ادريس توقف استعيد المشهد لالحق به خاتمة تليق بفتى مصمم على ان يعيش حسب تعاليم الابطال وعلى الرغم من وجود هذه الرؤية ، فان الهيمنة في اوراق ادريس تظل الرؤية الاولى .
أي الرؤية مع ، وهو ما يسمح باعطاء صورة عن دواخل هذه الشخصية وبواطنها . وما دام السارد يتبنى في معظم الاحيان منظور الشخصية / ادريس – وهو ما ينسجم مع طبيعة المذكرات – فانه يتوقف عند حدود معرفتها في ذلك الزمن ان هذا السارد الذاتي يضاعف بالنص في بسارد اخر يشكل شخصية شاهدة ومشاركة في الحدث ، وان بقدر يسير ان هذا السارد الشهاد يحاول من خلال حواراته مع شعيب ان يجعل من اوراق ادريس سيرة ، وذلك بتنظيمها وتبويبها وشرح ما غمض منها ، اعتمادا على معرفته بصاحبها ومعاشرته له طيلة ايام الدراسة فهو من هذا المنظور يملك معرفة خارجية كما انه يعتمد في استقاء معرفته عن ادريس على تلك الاوراق ذاتها وهو ما يمكنه من رؤية داخلية . ان هذا السارد يحكي بضمير جميع المتكلمين تارة وبضمير الغائب تارة اخرى . والسؤال المطروح هنا هو ماهي حدود و طبيعة معرفة هذا السارد ؟ يعتمد السارد في استحضار ما يعرفه عن ادريس وعلى الذاكرة ، وبما ان العهد قد طال بينه وبين معرفته به فان كثيرا من المعلومات تسرب اليها النسيان يقول هذه شذرات من الماضي متناثرة باهثة اجهد نفسي لكي استخلضها من النسيان ص 28 ، ولعل هذا ما يبرر توظيفه لتعابير صوغية من قبيل يغلب على ظني ص 26 ارجع انه سجلها ص 33 واظن انها .... ص 43 والتي تسمح للسارد ان يقول بشكل افتراضي ما يعجز عن تاكيده . واذا كانت معاشرته لادريس لا تسمح له الا برؤية خارجية محدودة وهو مايبرر التصريح بجهله وعدم معرفته اذ انه باح لشعيب في عدة مناسبات بمحدودية معرفته ص 112 و 121 فان تأخر فعله السردي ، قد اتاح له معرفة خارجية موسعة هيأتها له المسافة الزمنية والسيكولوجية التي تفصله عن الاحداث ، فالسارد يعرف اكثر مما كان يعرف ايام كان شخصية في العمل الادبي / اوراق . ولعل هذا هو ما يسمح له القيام باستباقات مؤكدة ، واتاح له ذلك اعادة تأويل وتفسير الوقائع التي عاشها وعاشتها الشخصيات بشكل اكثر موضوعية ، لقد اشار السارد في اكثر من موضع الى هذه المسافة الادراكية التي تفصل بين معرفته في راهن السرد وجهله السابق . ويمكن القول ان هذا الانتقال المعرفي الذي هيأت له مجموعة من العوامل فضلا عن التأخر الزمني ، يعد جوهريا في المؤلف الذي نحن بصدد دراسته ، لانه هو الذي يسمح للسارد بمراجعة ادراكه السابق بل بابراز الطابع النسبي للإدراك بل الطابع التناريخي للمعرفة ، كما هو الشأن في ادراكه كمحاضرة الراهب ليب او تأثير فلوبير على تجربة ادريس التعبيرية . والى جانب هذه الوظيفة السردية نجده قد اضطلع بعدة وظائف اخرى ثانوية نشير منها الى
1- وظيفة العرض : فالسارد ينهض بوظيفة تقديم الاوراق وعرضها على المتلقي
2- وظيفة المراقب : مراقبة تواليها وتسلسلها وادراج ما يراه مناسبا لسياق الحكي
3- وظيفة التاويل : تأويله للاوراق اعتمادا على معرفته بادريس من ذلك ما ورد في سياق تأويله لما ورد في المقطع 22 يقول " لا يخامرني شك ان مارغريتا هي مرجانة ... ص 75
4- وظيفة الشرح والتفسير : انه يقوم بشرح وتفسير ما غنض من الاوراق وذلك تحت الحاح او طلب شعيب الذي ينوب عن المتلقي في طلب التوظيح والشرح .
5- وظيفة التعليق والنقد : نقد ادريس والتعليق على اوراقه وهي وظيفة تحددت معالمها منذ مطلع المؤلف " شبح شعيب " يقول مثلا " بقيت زوايا كثيرة من ذهن ادريس خارج نقد نيتشه ، بل بعض القيم التي تعلق بها ، والتي تبدو نيتشوية ، وهي في الحقيقة تقليدية موروثة ... ص 114
6- وظيفة التوثيق والتحقيق : فغالبا ما يلجأ السارد الى المقارنة بين ما يسوقه ادريس في الاوراق وبين ما يعرفه هو شخصيا عن ادريس ، لتحقيق التوافق المطلوب " انا على يقين ان هذه المعلومات لا تنطبق على شعور ادريس لانها في غالبها مقحمة " ص 20
ان هذا الشكل السردي الذي وظفه عبد الله العروي في عمله الادبي يقوم على تعدد الرؤى وتداخلها ، ليخلف بذلك ثنائية صوتية قلما نجد لها مثيلا في الرواية التقليدية ، ان ( اوراق ) تؤلف بين عدة انماط سردية ، وتجمع بين رؤى متباينة ، فمن الرؤية الخارجية المحايدة والدرامية الى الرؤية الذاتية ، ينسج السرد خيوطه ، وينتقل بالقارئ من رؤية الى اخرى مكسرا الرتابة التي يستشعرها المتلقي في الرواية الاحادية الصوت .
ان السارد يتبين في علاقته مع المسرود حياة ادريس رؤيتين سرديتين ، فهو يجسد تارة الرؤية مع لكونه يجهل بعض الاشياء التي ستحدث لا حقا ( مستقبلا ) فمعغرفته تكون اذا مساوية لمعرفته كشخصية لكنه يجسد تارة اخرى الرؤية من خلف بحيث تنشطر انا / السارد عن انا / البطل فتحصل بينهما مسافة زمنية وسيكولوجية كافية ليعيد السارد رؤية ذاته ليجادلها ويحكم عليها ، ونجد مثالا لهذه الرؤية في المقطع 14 ص 44 ، حيث يقول ادريس توقف استعيد المشهد لالحق به خاتمة تليق بفتى مصمم على ان يعيش حسب تعاليم الابطال وعلى الرغم من وجود هذه الرؤية ، فان الهيمنة في اوراق ادريس تظل الرؤية الاولى .
أي الرؤية مع ، وهو ما يسمح باعطاء صورة عن دواخل هذه الشخصية وبواطنها . وما دام السارد يتبنى في معظم الاحيان منظور الشخصية / ادريس – وهو ما ينسجم مع طبيعة المذكرات – فانه يتوقف عند حدود معرفتها في ذلك الزمن ان هذا السارد الذاتي يضاعف بالنص في بسارد اخر يشكل شخصية شاهدة ومشاركة في الحدث ، وان بقدر يسير ان هذا السارد الشهاد يحاول من خلال حواراته مع شعيب ان يجعل من اوراق ادريس سيرة ، وذلك بتنظيمها وتبويبها وشرح ما غمض منها ، اعتمادا على معرفته بصاحبها ومعاشرته له طيلة ايام الدراسة فهو من هذا المنظور يملك معرفة خارجية كما انه يعتمد في استقاء معرفته عن ادريس على تلك الاوراق ذاتها وهو ما يمكنه من رؤية داخلية . ان هذا السارد يحكي بضمير جميع المتكلمين تارة وبضمير الغائب تارة اخرى . والسؤال المطروح هنا هو ماهي حدود و طبيعة معرفة هذا السارد ؟ يعتمد السارد في استحضار ما يعرفه عن ادريس وعلى الذاكرة ، وبما ان العهد قد طال بينه وبين معرفته به فان كثيرا من المعلومات تسرب اليها النسيان يقول هذه شذرات من الماضي متناثرة باهثة اجهد نفسي لكي استخلضها من النسيان ص 28 ، ولعل هذا ما يبرر توظيفه لتعابير صوغية من قبيل يغلب على ظني ص 26 ارجع انه سجلها ص 33 واظن انها .... ص 43 والتي تسمح للسارد ان يقول بشكل افتراضي ما يعجز عن تاكيده . واذا كانت معاشرته لادريس لا تسمح له الا برؤية خارجية محدودة وهو مايبرر التصريح بجهله وعدم معرفته اذ انه باح لشعيب في عدة مناسبات بمحدودية معرفته ص 112 و 121 فان تأخر فعله السردي ، قد اتاح له معرفة خارجية موسعة هيأتها له المسافة الزمنية والسيكولوجية التي تفصله عن الاحداث ، فالسارد يعرف اكثر مما كان يعرف ايام كان شخصية في العمل الادبي / اوراق . ولعل هذا هو ما يسمح له القيام باستباقات مؤكدة ، واتاح له ذلك اعادة تأويل وتفسير الوقائع التي عاشها وعاشتها الشخصيات بشكل اكثر موضوعية ، لقد اشار السارد في اكثر من موضع الى هذه المسافة الادراكية التي تفصل بين معرفته في راهن السرد وجهله السابق . ويمكن القول ان هذا الانتقال المعرفي الذي هيأت له مجموعة من العوامل فضلا عن التأخر الزمني ، يعد جوهريا في المؤلف الذي نحن بصدد دراسته ، لانه هو الذي يسمح للسارد بمراجعة ادراكه السابق بل بابراز الطابع النسبي للإدراك بل الطابع التناريخي للمعرفة ، كما هو الشأن في ادراكه كمحاضرة الراهب ليب او تأثير فلوبير على تجربة ادريس التعبيرية . والى جانب هذه الوظيفة السردية نجده قد اضطلع بعدة وظائف اخرى ثانوية نشير منها الى
1- وظيفة العرض : فالسارد ينهض بوظيفة تقديم الاوراق وعرضها على المتلقي
2- وظيفة المراقب : مراقبة تواليها وتسلسلها وادراج ما يراه مناسبا لسياق الحكي
3- وظيفة التاويل : تأويله للاوراق اعتمادا على معرفته بادريس من ذلك ما ورد في سياق تأويله لما ورد في المقطع 22 يقول " لا يخامرني شك ان مارغريتا هي مرجانة ... ص 75
4- وظيفة الشرح والتفسير : انه يقوم بشرح وتفسير ما غنض من الاوراق وذلك تحت الحاح او طلب شعيب الذي ينوب عن المتلقي في طلب التوظيح والشرح .
5- وظيفة التعليق والنقد : نقد ادريس والتعليق على اوراقه وهي وظيفة تحددت معالمها منذ مطلع المؤلف " شبح شعيب " يقول مثلا " بقيت زوايا كثيرة من ذهن ادريس خارج نقد نيتشه ، بل بعض القيم التي تعلق بها ، والتي تبدو نيتشوية ، وهي في الحقيقة تقليدية موروثة ... ص 114
6- وظيفة التوثيق والتحقيق : فغالبا ما يلجأ السارد الى المقارنة بين ما يسوقه ادريس في الاوراق وبين ما يعرفه هو شخصيا عن ادريس ، لتحقيق التوافق المطلوب " انا على يقين ان هذه المعلومات لا تنطبق على شعور ادريس لانها في غالبها مقحمة " ص 20
ان هذا الشكل السردي الذي وظفه عبد الله العروي في عمله الادبي يقوم على تعدد الرؤى وتداخلها ، ليخلف بذلك ثنائية صوتية قلما نجد لها مثيلا في الرواية التقليدية ، ان ( اوراق ) تؤلف بين عدة انماط سردية ، وتجمع بين رؤى متباينة ، فمن الرؤية الخارجية المحايدة والدرامية الى الرؤية الذاتية ، ينسج السرد خيوطه ، وينتقل بالقارئ من رؤية الى اخرى مكسرا الرتابة التي يستشعرها المتلقي في الرواية الاحادية الصوت .