ينكر كثيرون، من أكاديميين وإعلاميين وحتى من الرسميين، أهمية وضرورة الحرية للفضائيات العربية، باعتبارها بمثابة التجديد الدائم لما يدور حولنا من هواء، وأنه لا بد من فتح النوافذ لتجديد هواء الغرفة، وهو حال ينعكس في كل الأحوال مع حدوثه بالطبع على أجهزة الإعلام عموما والفضائيات خصوصاً.
ومنذ قرون عديدة، حُرم عالمنا العربي من أجواء الحرية، إلى أن تغير الحال حاليا نتيجة لثورة الاتصالات، والانفتاح الهائل في مجال المعلومات وتدفقها بالشكل الذي يؤكد صعوبة الحجر أو الحجب.
ويعتقد كثيرون أن الفضائيات استطاعت أن تستفيد من هذه الأجواء وتدفق المعلومات، لكن من المهم في الوقت نفسه، ألا تتخذ هذه الفضائيات من الحرية جسراً إلى الخوض فيما لا يخدم قضايا الأمة، ويعمل على تشتيتها ولا يجمعها.
ومن هنا فعلى الإعلامي أن يدرك أنه في مهمة يقوم فيها بدور البناء وليس الهدم والشكل الذي يخدم رسالته ويحقق أهداف أمته، فلا يسعى إلى شهوة تحقيق السبق الإعلامي على حساب ثوابت الأمة، وأن يكون حريصا أيضا على عدم الوقوع في المزالق التي يقع فيها البعض نتيجة انفلات في مجال الحرية، أو لسوء استخدامها.
لذلك فمن الضروري للإعلامي ألا يدخل في قضايا الإثارة من أجل الإثارة نفسها، ومن الممكن أن يناقش كافة القضايا مستخدما في ذلك تقنية الحوار، وألا يغيب الهدف الأساسي له وهو تأكيد قيم الحرية والعدالة وليس بغرض قلب المائدة على الآخرين، أو إحداث فرقعة إعلامية.
ولا يعني ذلك أننا ننفي حق الحوار التلفزيوني في مناقشة القضايا الساخنة بالصوت العالي الذي يكاد يكون مطلوبا في بعض الأحيان، ولكن من المهم أن يتجنب المذيع ظاهرة الصوت العالي أو اللجوء إلى إشعال الصراخ بين ضيوفه، ويظهر حالهم بما يشبه "صراع الديوك" فيضيع مع ذلك المنطق، وتغيب الموضوعية ويفتقد المذيع المصداقية، وهذا ينعكس بالطبع على برامجه فيفقد مشاهديه.
وليس بالضرورة أن كل من يصرخ في الذهب يلمع، بل إن البرميل الفارغ قد يُحدث تأثيرا أقوى من غيره، وأشير في هذا السياق إلى أهمية أن يراعي القائمون على أمر الفضائيات التي تتبنى البرامج الساخنة عند مناقشة السياسة منها أن يكون هدفها هو مصلحة الأمة وتحقيقها وليس الإثارة أو تغليب الشهوة في السباق الإعلامي كما سبقت الإشارة.
وحتى ألا أكون متناقضة، إذ ذكرت أن الصوت العالي في مناقشة القضايا الساخنة قد يكون مطلوبا، لكن من المهم الحد من الدخول في "مهاترات" أخرى، حتى لا تتحول المناقشة إلى ظاهرة مزعجة، تفتقد أصول الحوار والنقاش الموضوعي.
وهنا، فإن الأمر يتطلب من الإعلاميين أن يكون طموحهم إلى الحرية يتلازم معه مسؤولية من جانبهم، فالحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن الفصل بينهما أو فصل وجه منهما عن الآخر، فمثلما يسعى الإعلامي للحصول على الحرية أو انتزاعها، فإن من حق المجتمع عليه أن يحترم في برامجه قيم هذا المجتمع وتقاليده.
وحتى لا يكون حديثنا، في هذا السياق، خاليا من الاستشهاد بمدى الحرية المتاحة لبعض القنوات المتزنة، فهناك بعض الفضائيات التي تعلن الحرية المسؤولة لها عما تبثه من مواد.
ولذلك يطمح الراغبون في الحرية إلى إنهاء الرقابة، إلا من ضمائرهم، ومعها مهنيتهم، حتى لا يتم إعطاء الفرصة للغير للتدخل في توجيه برامجهم قبل أن تذاع، بما يعد تدخلا حكوميا، أو من أصحاب رأس المال.
ومن منطلق الاقتناع بمفهوم الحرية والتأكيد عليه فإن كل الاتجاهات الفكرية التي ينبغي أن تكون ممثلة في وسائل وأجهزة إعلامهم الوطنية، ينبغي لها الاحتكام في ذلك إلى أدب الحوار والضمير الوطني، ليكون إعلاما مسؤولا لا يعمل لخدمة "أجندات" بعينها أو تكتلات "فردية أوفئوية"، إلا لمصلحة الوطن والأمة، لتقدم هذه الوسائل مساحة غير مسبوقة في إعلامنا العربي.
قضية الصراع.. أنموذجاً للحرية الإعلامية
ونتوقف هنا، عند أولويات الإعلام العربي، وما ينبغي أن يضعه في "أجندته"، ليكون دليلا على ممارسته للحرية الفعلية، وهو ما يرتبط بقضية الصراع العربي "الإسرائيلي"، ورصد المشهد الإعلامي في تعاطيه مع هذه القضية، خاصة بعد أن اتسعت القنوات العربية في الفضاء.
وأيا كانت نتائج محصلة الفترة الماضية للفضائيات العربية في تناولها للحرب على غزة، فإن الإعلام العربي مطالب بأن يكون دوره أكثر فاعلية في إثارة الحماسة لدى الشعب العربي لدعم الموقف الفلسطيني ماديا ومعنويا كما كان حادثا مع بدء الانتفاضة، ومن ثم الضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات قوية ضد العدو"إسرائيل".
وفي هذا الإطار لا ينبغي للفضائيات العربية أن تترك الساحة العالمية للدعاية الصهيونية حتى لا تستغلها "إسرائيل" في الترويج لأكاذيبها التي تجد إلى حد ما تعاطفا عالميا على مستوى الرأي العام.
والحقيقة فإن الإعلام العربي الفضائي موجه معظمه -حتى الآن- إلى العرب فقط سواء في الداخل أو المقيمين في الخارج، وإن كان هذا مطلوبا لفترة محددة ولفئة معينة يخاطبها الإعلام العربي سواء للمهاجرين في الخارج أو المقيمين في الداخل لدعمهم، إلا أنه من الضروري تشكيل لوبي إعلامي عربي قوي، لا يقل قوة وكفاءة مهنية عن الإعلام اليهودي الذي يشكل عنصرا ضاغطا في الرأي العالمي.
ومن المفترض أن تتوجه الفضائيات العربية إلى العالم الأوروبي والأمريكي بلغات أجنبية، أو بلغة واحدة على الأقل وبالأسلوب الذي يفهمه، لكي تحدث هذه الفضائيات أسلوبا للمخاطبة وتشكل لقضيتنا رأيا عاما، وألا تقف عند حدود الترفيه والتسلية، فضلا عن أنها لم تستخدم إمكاناتها في توجيه رسالة لخدمة مصالحنا الإسلامية، ونصرة الحق العربي والإسلامي في إطار الصراع مع "إسرائيل".
ومن الضروري الاستفادة من الكوادر الإعلامية العربية للقيام بتشكيل فضائية عربية موحدة تتوجه بالرسالة العربية والسياسية إلى الدول الغربية التي تتنوع اتجاهات أفرادها ومصالحهم أيضا.
وعلى الفضائيات العربية أن تخرج عن نطاق الإعلام الموسمي الذي تتعامل به مع القضية الفلسطينية، حيث تتعامل معها بحماسة في أوقات معينة، وسرعان ما تنخفض هذه الحماسة وتهدأ بمرور الوقت، الأمر الذي يفسر أنها لم تجعلها ضمن أولوياتها أو أنها لم تتعامل معها بشكل منهجي أو استراتيجي.
وفي هذا السياق من الضروري أن يستفيد الإعلام العربي من إمكاناته في عرض القضية عبر البرامج السياسية والبرامج الوثائقية التي تؤكد الهوية العربية والإسلامية للقدس، وألا تصبح مرتبطة بوقت معين، حتى لا تترك القضية للظروف أو المصادفة، أو عشوائية الطرح، ومن ثم لا تقودنا إلى هدف أو إلى خطة محددة، على أن يتم مناقشتها بحرية مسؤولة، بعيدا عن "التزويق" والتهوين في الوقت نفسه.
ومنذ قرون عديدة، حُرم عالمنا العربي من أجواء الحرية، إلى أن تغير الحال حاليا نتيجة لثورة الاتصالات، والانفتاح الهائل في مجال المعلومات وتدفقها بالشكل الذي يؤكد صعوبة الحجر أو الحجب.
ويعتقد كثيرون أن الفضائيات استطاعت أن تستفيد من هذه الأجواء وتدفق المعلومات، لكن من المهم في الوقت نفسه، ألا تتخذ هذه الفضائيات من الحرية جسراً إلى الخوض فيما لا يخدم قضايا الأمة، ويعمل على تشتيتها ولا يجمعها.
ومن هنا فعلى الإعلامي أن يدرك أنه في مهمة يقوم فيها بدور البناء وليس الهدم والشكل الذي يخدم رسالته ويحقق أهداف أمته، فلا يسعى إلى شهوة تحقيق السبق الإعلامي على حساب ثوابت الأمة، وأن يكون حريصا أيضا على عدم الوقوع في المزالق التي يقع فيها البعض نتيجة انفلات في مجال الحرية، أو لسوء استخدامها.
لذلك فمن الضروري للإعلامي ألا يدخل في قضايا الإثارة من أجل الإثارة نفسها، ومن الممكن أن يناقش كافة القضايا مستخدما في ذلك تقنية الحوار، وألا يغيب الهدف الأساسي له وهو تأكيد قيم الحرية والعدالة وليس بغرض قلب المائدة على الآخرين، أو إحداث فرقعة إعلامية.
ولا يعني ذلك أننا ننفي حق الحوار التلفزيوني في مناقشة القضايا الساخنة بالصوت العالي الذي يكاد يكون مطلوبا في بعض الأحيان، ولكن من المهم أن يتجنب المذيع ظاهرة الصوت العالي أو اللجوء إلى إشعال الصراخ بين ضيوفه، ويظهر حالهم بما يشبه "صراع الديوك" فيضيع مع ذلك المنطق، وتغيب الموضوعية ويفتقد المذيع المصداقية، وهذا ينعكس بالطبع على برامجه فيفقد مشاهديه.
وليس بالضرورة أن كل من يصرخ في الذهب يلمع، بل إن البرميل الفارغ قد يُحدث تأثيرا أقوى من غيره، وأشير في هذا السياق إلى أهمية أن يراعي القائمون على أمر الفضائيات التي تتبنى البرامج الساخنة عند مناقشة السياسة منها أن يكون هدفها هو مصلحة الأمة وتحقيقها وليس الإثارة أو تغليب الشهوة في السباق الإعلامي كما سبقت الإشارة.
وحتى ألا أكون متناقضة، إذ ذكرت أن الصوت العالي في مناقشة القضايا الساخنة قد يكون مطلوبا، لكن من المهم الحد من الدخول في "مهاترات" أخرى، حتى لا تتحول المناقشة إلى ظاهرة مزعجة، تفتقد أصول الحوار والنقاش الموضوعي.
وهنا، فإن الأمر يتطلب من الإعلاميين أن يكون طموحهم إلى الحرية يتلازم معه مسؤولية من جانبهم، فالحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن الفصل بينهما أو فصل وجه منهما عن الآخر، فمثلما يسعى الإعلامي للحصول على الحرية أو انتزاعها، فإن من حق المجتمع عليه أن يحترم في برامجه قيم هذا المجتمع وتقاليده.
وحتى لا يكون حديثنا، في هذا السياق، خاليا من الاستشهاد بمدى الحرية المتاحة لبعض القنوات المتزنة، فهناك بعض الفضائيات التي تعلن الحرية المسؤولة لها عما تبثه من مواد.
ولذلك يطمح الراغبون في الحرية إلى إنهاء الرقابة، إلا من ضمائرهم، ومعها مهنيتهم، حتى لا يتم إعطاء الفرصة للغير للتدخل في توجيه برامجهم قبل أن تذاع، بما يعد تدخلا حكوميا، أو من أصحاب رأس المال.
ومن منطلق الاقتناع بمفهوم الحرية والتأكيد عليه فإن كل الاتجاهات الفكرية التي ينبغي أن تكون ممثلة في وسائل وأجهزة إعلامهم الوطنية، ينبغي لها الاحتكام في ذلك إلى أدب الحوار والضمير الوطني، ليكون إعلاما مسؤولا لا يعمل لخدمة "أجندات" بعينها أو تكتلات "فردية أوفئوية"، إلا لمصلحة الوطن والأمة، لتقدم هذه الوسائل مساحة غير مسبوقة في إعلامنا العربي.
قضية الصراع.. أنموذجاً للحرية الإعلامية
ونتوقف هنا، عند أولويات الإعلام العربي، وما ينبغي أن يضعه في "أجندته"، ليكون دليلا على ممارسته للحرية الفعلية، وهو ما يرتبط بقضية الصراع العربي "الإسرائيلي"، ورصد المشهد الإعلامي في تعاطيه مع هذه القضية، خاصة بعد أن اتسعت القنوات العربية في الفضاء.
وأيا كانت نتائج محصلة الفترة الماضية للفضائيات العربية في تناولها للحرب على غزة، فإن الإعلام العربي مطالب بأن يكون دوره أكثر فاعلية في إثارة الحماسة لدى الشعب العربي لدعم الموقف الفلسطيني ماديا ومعنويا كما كان حادثا مع بدء الانتفاضة، ومن ثم الضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات قوية ضد العدو"إسرائيل".
وفي هذا الإطار لا ينبغي للفضائيات العربية أن تترك الساحة العالمية للدعاية الصهيونية حتى لا تستغلها "إسرائيل" في الترويج لأكاذيبها التي تجد إلى حد ما تعاطفا عالميا على مستوى الرأي العام.
والحقيقة فإن الإعلام العربي الفضائي موجه معظمه -حتى الآن- إلى العرب فقط سواء في الداخل أو المقيمين في الخارج، وإن كان هذا مطلوبا لفترة محددة ولفئة معينة يخاطبها الإعلام العربي سواء للمهاجرين في الخارج أو المقيمين في الداخل لدعمهم، إلا أنه من الضروري تشكيل لوبي إعلامي عربي قوي، لا يقل قوة وكفاءة مهنية عن الإعلام اليهودي الذي يشكل عنصرا ضاغطا في الرأي العالمي.
ومن المفترض أن تتوجه الفضائيات العربية إلى العالم الأوروبي والأمريكي بلغات أجنبية، أو بلغة واحدة على الأقل وبالأسلوب الذي يفهمه، لكي تحدث هذه الفضائيات أسلوبا للمخاطبة وتشكل لقضيتنا رأيا عاما، وألا تقف عند حدود الترفيه والتسلية، فضلا عن أنها لم تستخدم إمكاناتها في توجيه رسالة لخدمة مصالحنا الإسلامية، ونصرة الحق العربي والإسلامي في إطار الصراع مع "إسرائيل".
ومن الضروري الاستفادة من الكوادر الإعلامية العربية للقيام بتشكيل فضائية عربية موحدة تتوجه بالرسالة العربية والسياسية إلى الدول الغربية التي تتنوع اتجاهات أفرادها ومصالحهم أيضا.
وعلى الفضائيات العربية أن تخرج عن نطاق الإعلام الموسمي الذي تتعامل به مع القضية الفلسطينية، حيث تتعامل معها بحماسة في أوقات معينة، وسرعان ما تنخفض هذه الحماسة وتهدأ بمرور الوقت، الأمر الذي يفسر أنها لم تجعلها ضمن أولوياتها أو أنها لم تتعامل معها بشكل منهجي أو استراتيجي.
وفي هذا السياق من الضروري أن يستفيد الإعلام العربي من إمكاناته في عرض القضية عبر البرامج السياسية والبرامج الوثائقية التي تؤكد الهوية العربية والإسلامية للقدس، وألا تصبح مرتبطة بوقت معين، حتى لا تترك القضية للظروف أو المصادفة، أو عشوائية الطرح، ومن ثم لا تقودنا إلى هدف أو إلى خطة محددة، على أن يتم مناقشتها بحرية مسؤولة، بعيدا عن "التزويق" والتهوين في الوقت نفسه.