النهي عن التشبه ببعض الحيوانات في الصلاة
النهي عن التشبه ببعض الحيوانات في الصلاة -الشيخ د. رضا بوشامة حفظه الله و رعاه
1-النَّهي عن النَّقر كنقرة الدِّيك أو الغراب:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
بثلاثٍ ونهاني عن ثلاث؛ أمرني بركعتي الضُّحى كلَّ يوم، والوتر قبل
النَّوم، وصيام ثلاثةِ أيَّام من كلِّ شهر، ونهاني عن نَقرة كنقرَةِ الدِّيك، وإقعاءٍ كإقعاءِ الكَلب، والْتِفاتٍ كالْتِفاتِ الثعلب»
فتضمَّن الحديث النَّهي عن نَقْرِ الصَّلاة كنقر الدِّيك، وهو ما يفعله
كثيرٌ من العوام وكبار السِّنِّ من عدم الاطمئنان في الرَّفع والخفض
والسُّجود والرُّكوع، فتراه ينقر صلاته كما ينقر الدِّيك الأرض بحثًا عن
الحَبِّ والطَّعام، وسببه الجهل والاهتمام بشواغل الدُّنيا، فإذا قام إلى
الصَّلاة نقرها نقر الدِّيك فلم يتمَّ ركوعَها ولا سجودها، وهو يحسب أنَّه
صلَّى وأتمَّ صلاته.
وقد جاء ما يفسِّر ذلك في حديث آخر وأنَّه من عمل المنافقين لا من عمل
عِبَاد الله الخاشعين، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِصَلَاةِ المُنَافِقِ؛ يَدَعُ العَصْرَ
حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ ـ أَوْ عَلَى قَرْنَيِ
الشَّيْطَانِ ـ قَامَ فَنَقَرَهَا نَقَرَاتِ الدِّيكِ، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»([4]).
وعن أبي عبد الله الأشعريِّ قال: «صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
بأصحابه ثمَّ جلس في طائفةٍ منهم، فدخل رجلٌ فقام يُصلِّي، فجعل يركع
ويَنقرُ في سُجودِه، فقال: أتَرَونَ هَذَا؛ مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، يَنْقُرُ صَلَاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الغُرَابُ الدَّمَ،
إِنَّمَا مَثَل الَّذِي يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ كَالجَائِعِ
لَا يَأْكُلُ إلَّا تَمْرةً أَوْ تَمْرَتَيْنِ، فَمَا تُغْنِيَانِ عَنْهُ!؟
فَأَسْبِغُوا الوُضُوءَ، وَوَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ،
أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ»، قال أبو صالح: فقلت لأبي عبد الله
الأشعري: مَن حدَّثك بهذا الحديث؟ قال: أمراءُ الأجناد؛ عَمرو بن العاص
وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشُرحبيل ابن حَسَنة ، كلُّ هؤلاء
سمعوه من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم»([5]).
ووصَف رسول الله صلى الله عليه وسلم من يَنقر الصَّلاةَ نقرَ الدِّيك، ولا
يتمُّ ركوعها وسجودها باللِّصِّ، وجعل لِصَّ الصَّلاةِ وسارقَها شرًّا من
لِصِّ الأموال وسارقِها، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ
صَلَاتِهِ، قالوا: يا رسول الله، وكيف يَسرِق من صلاته؟ قال: لَا يُتِمُّ
رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا، أو قال: لَا يُقِيمُ صُلْبَه فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ»([6])، فصرَّح بأنَّه أسوأُ حالًا مِن سارق الأموال، ولا
رَيب أنَّ لِصَّ الدِّين شرٌّ مِن لصِّ الدُّنيا.
وعن أبي وائل، عن حُذيفة: «رأى رجلًا لا يُتمُّ رُّكوعَه ولا سجوده، فلمَّا قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليتَ، قال: وأحسبه قال: لو مُتَّ مُتَّ على غير سنَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم»([7]).
وعن سلمان الفارسي قال: «الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ، فَمَنْ أَوْفَى أُوفِيَ
[لَهُ]، وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لِلْمُطَفِّفِينَ»([8]).
لذا كان الإمام مالك رحمه الله يقول: «ويُقال: لكلِّ شيء وفاءٌ
وتطفيف»([9])، فإذا توعَّد الله سبحانه بالويل للمطفِّفين في الميزان
والأموال، فما الظَّنُّ بالمطفِّفين في الصَّلاة!؟
وعَن عمرو بن راشد اللَّيثيّ قال: «والله إنِّي لأصلِّي أمام المسور بن
مخرمة، فصلَّيت صلاةَ الشَّباب كنقر الدِّيك([10])، فزحف إليَّ فقال: قم
فصلِّ، قلت: قد صلَّيتُ عافاك الله، قال: كذبتَ، والله ما صلَّيتَ! والله
لا تريم حتى تصلِّي، فقمتُ فصلَّيتُ فأتممتُ، فقال المسور: والله لا تعصون
الله ونحن ننظرُ ما استطعنا»([11]).
والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة، فحريٌّ بالمسلم أن يكون ذا وَقَارٍ
وسكينة وطمأنينة في صلاته ليسلم من الوعيد الشَّديد، وتسلم له صلاتُه
الَّتي إذا صلحت صلح سائرُ عمله.
2 ـ الإقعاء كإقعاء الكلب أو القرد:
وتقدَّم في حديث أبي هريرة النَّهيُ عن الإقعاء كإقعاء الكلب، وفي بعض
الطُّرق كإقعاء القرد([12])، والإقعاء نوعان: أحدهما مشروع، والآخر منهيٌّ
عنه، فالمنهيُّ عنه هو ما قاله أبو عبيدة مَعمر بن المثنى: أن يلصق
إِلْيَتَيْهِ بالأرض وينتصب على ساقَيه ويضعَ يديه بالأرض، وقال في موضع
آخر: الإقعاءُ: جلوسُ الإنسان على إليتيه، ناصبًا فخذيه مثلَ إقعاء الكلب
والسَّبُع([13]).
ويُقال: أقعى الكلب ولا يُقال: قَعدَ ولا جلس، وقعودُه إقعاؤُه، ويُقال:
إنَّه ليس شيء يكون إذا قام أقصر منه إذا قعد إلَّا الكلب إذا أقعى([14]).
هذا الَّذي ورد النَّهي عنه في الحديث المتقدِّم وغيره، وأمَّا الإقعاء
المحمود فليس فيه تشبُّه بالكلب والسَّبع، أن يضع إليَتيه على عقِبيه
ورُكبتيه على الأرض، لما روى مسلم في «صحيحه» عن طاوس قال: «قلنا لابن
عبَّاس في الإقعاء على القدمين؟ فقال: هي السُّنَّة، فقلنا له: إنَّا لنراه
جفاءً بالرَّجل؟ فقال ابن عباس: بل هي سنَّة نبيِّك صلى الله عليه
وسلم!»([15]).
إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.1-النَّهي عن النَّقر كنقرة الدِّيك أو الغراب:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
بثلاثٍ ونهاني عن ثلاث؛ أمرني بركعتي الضُّحى كلَّ يوم، والوتر قبل
النَّوم، وصيام ثلاثةِ أيَّام من كلِّ شهر، ونهاني عن نَقرة كنقرَةِ الدِّيك، وإقعاءٍ كإقعاءِ الكَلب، والْتِفاتٍ كالْتِفاتِ الثعلب»
فتضمَّن الحديث النَّهي عن نَقْرِ الصَّلاة كنقر الدِّيك، وهو ما يفعله
كثيرٌ من العوام وكبار السِّنِّ من عدم الاطمئنان في الرَّفع والخفض
والسُّجود والرُّكوع، فتراه ينقر صلاته كما ينقر الدِّيك الأرض بحثًا عن
الحَبِّ والطَّعام، وسببه الجهل والاهتمام بشواغل الدُّنيا، فإذا قام إلى
الصَّلاة نقرها نقر الدِّيك فلم يتمَّ ركوعَها ولا سجودها، وهو يحسب أنَّه
صلَّى وأتمَّ صلاته.
وقد جاء ما يفسِّر ذلك في حديث آخر وأنَّه من عمل المنافقين لا من عمل
عِبَاد الله الخاشعين، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِصَلَاةِ المُنَافِقِ؛ يَدَعُ العَصْرَ
حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ ـ أَوْ عَلَى قَرْنَيِ
الشَّيْطَانِ ـ قَامَ فَنَقَرَهَا نَقَرَاتِ الدِّيكِ، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»([4]).
وعن أبي عبد الله الأشعريِّ قال: «صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
بأصحابه ثمَّ جلس في طائفةٍ منهم، فدخل رجلٌ فقام يُصلِّي، فجعل يركع
ويَنقرُ في سُجودِه، فقال: أتَرَونَ هَذَا؛ مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، يَنْقُرُ صَلَاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الغُرَابُ الدَّمَ،
إِنَّمَا مَثَل الَّذِي يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ كَالجَائِعِ
لَا يَأْكُلُ إلَّا تَمْرةً أَوْ تَمْرَتَيْنِ، فَمَا تُغْنِيَانِ عَنْهُ!؟
فَأَسْبِغُوا الوُضُوءَ، وَوَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ،
أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ»، قال أبو صالح: فقلت لأبي عبد الله
الأشعري: مَن حدَّثك بهذا الحديث؟ قال: أمراءُ الأجناد؛ عَمرو بن العاص
وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشُرحبيل ابن حَسَنة ، كلُّ هؤلاء
سمعوه من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم»([5]).
ووصَف رسول الله صلى الله عليه وسلم من يَنقر الصَّلاةَ نقرَ الدِّيك، ولا
يتمُّ ركوعها وسجودها باللِّصِّ، وجعل لِصَّ الصَّلاةِ وسارقَها شرًّا من
لِصِّ الأموال وسارقِها، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ
صَلَاتِهِ، قالوا: يا رسول الله، وكيف يَسرِق من صلاته؟ قال: لَا يُتِمُّ
رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا، أو قال: لَا يُقِيمُ صُلْبَه فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ»([6])، فصرَّح بأنَّه أسوأُ حالًا مِن سارق الأموال، ولا
رَيب أنَّ لِصَّ الدِّين شرٌّ مِن لصِّ الدُّنيا.
وعن أبي وائل، عن حُذيفة: «رأى رجلًا لا يُتمُّ رُّكوعَه ولا سجوده، فلمَّا قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليتَ، قال: وأحسبه قال: لو مُتَّ مُتَّ على غير سنَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم»([7]).
وعن سلمان الفارسي قال: «الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ، فَمَنْ أَوْفَى أُوفِيَ
[لَهُ]، وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لِلْمُطَفِّفِينَ»([8]).
لذا كان الإمام مالك رحمه الله يقول: «ويُقال: لكلِّ شيء وفاءٌ
وتطفيف»([9])، فإذا توعَّد الله سبحانه بالويل للمطفِّفين في الميزان
والأموال، فما الظَّنُّ بالمطفِّفين في الصَّلاة!؟
وعَن عمرو بن راشد اللَّيثيّ قال: «والله إنِّي لأصلِّي أمام المسور بن
مخرمة، فصلَّيت صلاةَ الشَّباب كنقر الدِّيك([10])، فزحف إليَّ فقال: قم
فصلِّ، قلت: قد صلَّيتُ عافاك الله، قال: كذبتَ، والله ما صلَّيتَ! والله
لا تريم حتى تصلِّي، فقمتُ فصلَّيتُ فأتممتُ، فقال المسور: والله لا تعصون
الله ونحن ننظرُ ما استطعنا»([11]).
والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة، فحريٌّ بالمسلم أن يكون ذا وَقَارٍ
وسكينة وطمأنينة في صلاته ليسلم من الوعيد الشَّديد، وتسلم له صلاتُه
الَّتي إذا صلحت صلح سائرُ عمله.
2 ـ الإقعاء كإقعاء الكلب أو القرد:
وتقدَّم في حديث أبي هريرة النَّهيُ عن الإقعاء كإقعاء الكلب، وفي بعض
الطُّرق كإقعاء القرد([12])، والإقعاء نوعان: أحدهما مشروع، والآخر منهيٌّ
عنه، فالمنهيُّ عنه هو ما قاله أبو عبيدة مَعمر بن المثنى: أن يلصق
إِلْيَتَيْهِ بالأرض وينتصب على ساقَيه ويضعَ يديه بالأرض، وقال في موضع
آخر: الإقعاءُ: جلوسُ الإنسان على إليتيه، ناصبًا فخذيه مثلَ إقعاء الكلب
والسَّبُع([13]).
ويُقال: أقعى الكلب ولا يُقال: قَعدَ ولا جلس، وقعودُه إقعاؤُه، ويُقال:
إنَّه ليس شيء يكون إذا قام أقصر منه إذا قعد إلَّا الكلب إذا أقعى([14]).
هذا الَّذي ورد النَّهي عنه في الحديث المتقدِّم وغيره، وأمَّا الإقعاء
المحمود فليس فيه تشبُّه بالكلب والسَّبع، أن يضع إليَتيه على عقِبيه
ورُكبتيه على الأرض، لما روى مسلم في «صحيحه» عن طاوس قال: «قلنا لابن
عبَّاس في الإقعاء على القدمين؟ فقال: هي السُّنَّة، فقلنا له: إنَّا لنراه
جفاءً بالرَّجل؟ فقال ابن عباس: بل هي سنَّة نبيِّك صلى الله عليه
وسلم!»([15]).
هذه الصورة تم تصغيرها. إضغط هنا لعرض الصورة بالحجم الطبيعي. أبعاد الصورة الأصلية هي 567×425. |
3 ـ الالتفات كالتفات الثَّعلب:
وتقدَّم الحديث في ذلك، وشبَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الملتفتَ في
صلاته بالثَّعلب؛ لأنَّ الثَّعلب يُكثر الالتفات؛ إذ هو في يقين دائم أنَّه
مَطرود مطلوبٌ، فإذا التفت العبدُ في صلاته نقصَ خشوعُه بقدر التفاته،
والواجب عليه الإقبال على الله بقلبه وجسده، وأن لا يلتفت إلى غيره ما دام
في صلاته، والالتفات إنَّما هو خَطفة يخطفها الشَّيطان من صلاة العبد، إذا
ترك الإقبال على الله والتفت إلى غيره، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:
«سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصَّلاة؟ فقال: هو
اختلاسٌ يختلسه الشَّيطانُ من صلاة العبد»([16]).
وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إِنَّ اللهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ
يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا...»
الحديث، إلى أن قال: «وَإِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا
صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَه لِوَجْهِ
عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ...» الحديث([17]).
وقد ورد ترهيب شديد ووعيد أليم فيمَن يرفع بصرَه إلى السَّماء في الصَّلاة
ولا يُقبل على الله، وهو من الالتفات المنهيِّ عنه في الأحاديث
المتقدِّمة، فعن أنس بن مالك قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا
بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي
صَلَاتِهِمْ، فَاشْتَدَّ قَوْلُه في ذلك حتَّى قال: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ
ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ»([18]).
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ
فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ»([19]).
إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.
4 ـ الافتراش كافتراش السَّبُع أو الكلب:
ومن الأمور الَّتي يتشبَّه بها بعضُ المصلِّين الجاهلين ببعض الحيوانات
المفترسة أن يفترش افتراش السَّبع في الصَّلاة، والمراد به افتراش
الذِّراعين في السُّجود، قال الزَّبيدي: «وافتَرش ذِرَاعَيْهِ : بَسَطَهُما
على الأرض، وفي الحديث: نَهَى في الصَّلاةِ عن افْتِراشِ السَّبُعِ، وهو
أَن يَبْسُطَ ذِرَاعَيْهِ في السُّجُودِ ولا يُقِلَّهُما ويرفَعَهُما عن
الأَرْضِ إِذا سَجَدَ كما يَفْتَرِشُ الذِّئْبُ والكَلْبُ ذِرَاعَيْه
ويَبْسُطُهُمَا، ويُقَالُ: افْتَرَشَ الأَسَدُ ذِرَاعَيْه : إِذا رَبَضَ
عَلَيْهِمَا ومَدَّهُمَا وكذلِكَ الذِّئْبُ قال:
تَرَى السِّرْحَانَ مُفْتَرِشًا يَدَيْهِ كَأَنَّ بَيَاضَ لَبَّتِهِ الصَّدِيعُ»([20]).
وقد ورد النَّهي عن هذا التَّشبُّه في أحاديث منها: ما روى مسلم عن عائشة
رضي الله عنها: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَفرِشُ رجلَه
اليُسرى ويَنصِب رِجلَه اليُمنى، وكان ينهى عن عقبة الشَّيطان، وينهى أن
يَفرشَ الرَّجل ذِرَاعَيْه افترَاشَ السَّبُع»([21]).
وعن أنس بن مالك، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «اعْتَدِلُوا فِي
السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ
الكَلْبِ»([22]).
وعن جابر رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا
سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ وَلَا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ
الكَلْبِ».
قال التِّرمذي: «حديث جابر حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم،
يختارون الاعتـدالَ في السُّجـود، ويَكرهون الافـتـرَاشَ كافتِراشِ
السَّبُع»([23]).
والاعتدال في السُّجود هو أن يضع يديه، وهما الكفَّان، على الأرض كما أمر بذلك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأن لا يفترش ذراعيه.
5 ـ البُروك كبروكِ البَعير:
بَرَكَ البعيرُ إذا أناخ في موضع فلَزِمه، وقد جاء النَّهيُّ عن التَّشبُّه
بالبعير في بروكه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «ِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ؛
وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ»([24]).
وقد اختلف العلماء فيما يقدِّمه المصلِّي عند إرادة السُّجود، رُكبتيه أم
يديه؟ فمَن قال بتقديم الرُّكبتين أجاب عن الحديث الوارد بأنَّه مقلوب، ـ
والحديث المقلوب في علم المصطلح مشتقٌّ من القلب وهو تبديل شيء بآخر، أو ما
وقعت المخالفة فيه بالتَّقديم والتَّأخير ـ، قالوا: إنَّ متنَ الحديث
انقلبَ على أحدِ الرُّواة، والصَّواب فيه أن يقول: «فلَيضَع رُكبتيه قبل
يديه»؛ لأنَّ البعيرَ يَبرُك على رُكبَتيه قبل يديه.
وأجاب القائلون بظاهر الحديث، فقالوا: إنَّ الحديث ليس فيه قلب، وهو على
بابه، وذلك أنَّ البعيرَ رُكبتاه في يديه، وبنو آدم ليسوا كذلك كما هو
مقرَّرٌ عند أهل اللُّغة، ومعنى الحديث: لا يَبرك على ركبتيه اللَّتين في
رِجليه كما يَبرك البعيرُ على ركبتيه اللَّتين في يديه؛ ولكن يبدأ فيضع
أوَّلًا يديه اللَّتين ليس فيهما رُكبتاه، ثمَّ يضع ركبتيه فيكون ما يفعل
في ذلك بخلاف ما يفعل البعير.
ومن رام تفصيل المسألة فعليه بكتب الحديث والفقه، والغرضُ هو مخالفة البعير
في بروكه، فمَن رأى أنَّ الصَّواب هو البدء بالرُّكبتين قبل اليدين
فليفعل ذلك مخالفة للبعير، ومن ترجَّح لديه ظاهر الحديث ـ وهو الذي تدلُّ
عليه الأدلة ـ فليبدأ بيديه، وكلٌّ على خير ما دام الاعتماد على الدَّليل
لا مجرَّد التَّعصُّب والتَّقليد.
6 ـ رفع الأيدي وقتَ السَّلام كأذناب الخيل:
ورد النَّهي في السُّنَّة عن رفع الأيدي إشارةً إلى السَّلام من الجانبين،
فعَن جابر بن سمرة قال: «كنَّا إذا صلَّينا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم قلنا: السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله، وأشار
بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلَى مَا
تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْل شُمْس؟ إِنَّمَا
يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ
عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ»([25]).
قال النَّووي في شرح هذا الحديث: «قوله صلى الله عليه وسلم: «مَالِي
أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْل شُمْس» هو
بإسكان الميم وضمِّها، وهي الَّتي لا تستقرُّ، بل تضطرب وتتحرَّك بأذنابها
وأرجلها، والمراد بالرَّفع المنهيِّ عنه هنا رفعهم أيديهم عند السَّلام
مشيرين إلى السَّلام من الجانبين»([26]).
فهذه ستُّ خصال نُهي المصلِّي عن التَّشبُّه بها ببعض الحيوانات، فجدِيرٌ
بمَن أراد الخيرَ لنفسه، واتِّباع نبيِّه صلى الله عليه وسلم في صلاته
وسائر تصرُّفاته أن يجتهِدَ في تعلُّم سنَّته ومعرفة حديثه، وأن يعرف قدر
هذه الصَّلاة ويُعظِّمها بالحرص على إتمامها والإتيان بها كما صلاَّها أفضل
الخلق عليه الصَّلاة والسَّلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
([1]) رواه البخاري في «صحيحه» (631).
([2]) «مجموع الفتاوى» (32/260).
([3]) رواه أحمد في «المسند» (13/468)، وحسَّنه الألباني في «صفة الصَّلاة» (ص 132).
([4]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/434)، وأحمد في «المسند» (31/211)، وهذا لفظه.
([5]) رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (1/332)، وصحَّحه الألباني في «صفة الصَّلاة» (ص 132).
([6]) رواه أحمد في «المسند» (37/319)، ورواه مالك في «الموطَّأ» (462) من حديث النُّعمان بن مرَّة مرسلًا.
([7]) «صحيح البخاري» (389).
([8]) «مصنَّف عبد الرزَّاق» (2 /373)، وفي إسناده سالم بن أبي الجعد: وهو
ثقة إلا أنه كثير الإرسال، ولم يذكر في شيوخه سلمان، ولم يثبت سماعه من
ثوبان، وقد توفي بعد سلمان بعشرين سنة.
([9]) «الموطَّأ» (1/42).
([10]) في الزَّمن الماضي كان نقر الصَّلاة وعدم إتمام ركوعها وسجودها
خاصًّا ببعض الشَّباب وصغار السِّنِّ لطيشهم وبُعدهم عن مجالس الذِّكر،
وأمَّا اليوم فالأمر صار خاصًّا ـ في الغالب ـ بكبار السِّنِّ، والله
المستعان.
([11]) «كتاب الزُّهد» لابن المبارك (ص 486).
([12]) عند أحمد (7595) وغيره، وحسنه الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ص131).
([13]) «السُّنن الكبرى» للبيهقي (2/120).
([14]) «موسوعة شروح الموطَّأ» (التَّمهيد ـ 4/397).
([15]) «صحيح مسلم» (1/380).
([16]) «صحيح البخاري» (751).
([17]) رواه التِّرمذي (2863)، وقال حديث: «حسن صحيح».
([18]) «صحيح البخاري» (750).
([19]) «صحيح مسلم» (1/321).
([20]) «تاج العروس» (17/308، 309 ـ مادة: فرش).
([21]) «صحيح مسلم» (1/357).
([22]) «صحيح البخاري» (822).
([23]) «جامع التِّرمذي» ( 275).
([24]) أخرجه أبو داود (840)، وغيره، وهو صحيح.
([25]) «صحيح مسلم» (1/322).
([26]) «شرح صحيح مسلم» (3/152).
إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.
إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.