بسم الله الرحمن الرحيم
هناك نقطة أساسية لو وعاها كل
واحد ما تجبَّر أحدٌ ولا تكبَّر ولكفى الخلق شروره ودام في الدنيا وفى
الآخرة سروره ولكن قتل الإنسان ما أكفره قال الله تعالى كتابه الكريم {قُلِ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الله أمر عباده
بتطبيق شرعه وكتابه فإذا طبقوا شرعه وكتابه فسيكونون في خير دائم وإذا
أعرضوا عن الله يُسلط نفوساً على نفوس
كما رأينا في جميع مراحل
التاريخ وكما شاهدنا بأم أعيننا في الأيام الماضية في أحداث ثورة مصر في 25
يناير 2011 من بعد ثورة تونس قبلها بأسابيع قليلة والثورات الأخرى الجارية
حالياً بالمنطقة فما أريد أن ألفت أنظاركم إليه هو أمرٌ غاب بشدة عن أذهان
الكثيرين من الحكام والمحكومين
غاب عن الحكام فطغوا وتجبروا
وتزينوا بما لا يحقُّ لهم وغاب عن المحكومين أيضاً فخنعوا وخضعوا وتركوا ما
يحقُّ لهم أتعرفون ما هو؟ هو العزَّة نعم العزَّة فالعزَّة هي مربط الفرس
وحجر الزاوية والنقطة التي تزلُّ فيها الأقدام ويسيل لها لعاب الحكام وأولو
الأمر وأهل المال والنفوذ فيهلكون فيها ويضيع فيها أيضاً المحكومون
ويرتضون المهانة والمذلة ويرخون الحبال لحكامهم فيحكمونها حول رقابهم هل
فهمنا؟ الأمر من الطرفين كيف؟
قال المصطفى صلي الله عليه وسلم في
الحديث الشريف مخبراً عن الغيوب العليَّة {إِنّ لله ثَلاثَةَ أَثْوابٍ
اتّزَرَ الْعِزَّةَ وَتَسَرْبَلَ الرّحْمَة وَارْتَدَى الْكِبرياء فَمَنْ
تَعَزَّزَ بِغَيْرِ ما أَعَزَّهُ الله فَذلِكَ الّذِي يُقال لَهُ {ذُقْ
إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وَمَنْ رَحِمَ النّاسَ بِرَحْمَةِ
الله فَذلِكَ الّذِي تَسَرْبَلَ بِسِربالِهِ الّذي يَنْبَغي لَهُ وَمَنْ
نَازَعَ الله رِداءَهُ الّذِي يَنْبَغي لَهُ فَإِنّ الله يَقولُ: لا
يَنْبَغي لِمَنْ نازَعَني أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّة }[1]
فالكبرياء
ثوب ليس لأحد إلا لله والرحمة ثوبٌ يحب الله من خلقه جميعاً أن يتزيوا به
أما العزَّة فإن الله تعالى يذلُّ كل من تعزز بغير ما أعزَّه الله به فبمَ
أعزنا الله؟ أعزنا الله به سبحانه وبرسوله وبدينه الإسلام واسمعوا لما جرى
بين عمر وأبى عبيدة بن الجراح في موقف من أندر الحوادث في التاريخ {لما قدم
عمر الشام عرضت لـه مخاضة فنزل عمر عن بعيره ونزع خفيه ثم أخذ بخطام
راحلته وخاض المخاضة فقال لـه أبو عبيدة: لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلاً
عظيماً عند أهل الأرض نزعت خفيك وقدمت راحلتك وخضت المخاضة قال: فصك عمر
بيده في صدر أبي عبيدة فقال: أوه لو غيرك يقولـها يا أبا عبيدة أنتم كنتم
أقلَّ الناس وأذلَّ الناس فأعزَّكم اللـه بالإسلام فمهما تطلبوا العزَّة
بغيره يذلكم اللـه تعالى}[2] فمن أراد العزَّة وأحبَّ أن يكون عزيزاً فليس
إلا سبيلٌ واحدٌ {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً}
فكلها لله وهو
يهبها لمن اتبع دينه فكان على هداه فصار متسربلاً بسربال عزة دين الله
وليس لهواه عليه من سبيل {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ويعلم كل طالب للعزة والرفعة والمنعة أنها حق أحقه الله
بدين الله لجميع أهل الإيمان فمهما أعزَّه الله بالمال أو السلطان فلا يرى
نفسه فوق الناس فهم جميعا يلبسون نفس ثوب عزة الإسلام وليس لأحد أن يكون
أعزَّ ولا أكرم من إخوانه المسلمين مهما ولاه الله تعالى من أمورهم وشئونهم
ويأتي الوجه الآخر للقضية فلو تعزَّز أحد بغير دين الله وأراد أن
يذيق الناس الذَّل والهوان ويخلع عنهم ثوب عزة دين الله الذي أعزَّهم الله
به فهل يتركونه يخلع عنهم ما كساهم الله؟ لو تركوه يفعل ذلك بهم لاستحقوا
الذَّل والهوان لتفريطهم في حقهم لماذا؟ لأن تحذير رسول الله في الحديث
للطرفين المؤمن دائماً عزيز بالله وبدين الله فإن حَكَمَ عزَّ وتعزَّز
بالله وبدينه لا بشيء سواه من السلطة أو الزخرف والجاه والمال
وإن
حُكِمَ فهو أيضاً عزيز بالله وبدين الله ولا يرى لحاكمه عزة فوق عزته فكلهم
عزتهم بالله وبدينه وهو أبداً لا يرضى بالذل ولا بالهوان ولا بالاستكانة
ولا بالضعف ولا يسمح لأحد ما كان أن يسلبه ثوب العزة وسأعطيكم أمثلة على
عزة المؤمنين محكومين من العامة أو أعلى مثل العلماء أو السفراء مثلاً أو
حتى الأسرى وحكاماً في السلم والحرب حتى تعلموا أن العزة هي رأس مال المسلم
أينما ذهب وأينما حل وإليكم الأمثلة:
حكي أن عضد الدولة أراد أن
يبعث رسولاً إلى الروم وعلم أنهم يسألون ويناظرون فأشاروا عليه أن يرسل
القاضي أبا بكر فبعثه إلى قيصر فلما وصل وأراد الدخول علم الحاجب أنه لا
يسجد للملك كما تفعل الرسل فصنعوا له باباً قصيراً ليدخل منه إلى قيصر
ولابد له أن ينحني ليدخل فلما رأى القاضي الباب عرف ذلك ولم يخش إلا الله و
أدار ظهره إلى الباب ودخل راكعاً ظهره إلى الباب وإلى الملك فتعجب قيصر من
فطنته ووقع في نفسه هيبته وشجاعته وعزَّته وعزَّة الدين الذي أتى باسمه
والقصة
لم تنته لأن القاضي بفطنته فقه أنهم يريدون إذلاله والانتقاص من عزَّة
دينه فشحذَّ همته وأحبَّ أن يعطيهم مثلاً آخر أنَّ العزة لله ولرسوله
وللمؤمنين فقد رأى القاضي عنده بعض الرهبان فخاطب الراهب وقال له مستهزئاً:
كيف أنت وكيف أولادك؟ فقال له قيصر: إنك مقدم علماء هذه الملة ولا تعلم
أنَّ هؤلاء متنزهون عن الزوجة والولد فقال القاضي: فإنكم لا تنزهون الله عن
الأهل والولد وتنزهون هؤلاء فرهبانكم أجلُّ وأعزُّ عندكم من الله تعالى
فأفحموا جميعاً وباءوا بالذل والخزي
فقال بعض حاشية طاغية الروم
للقاضي يريد أن يذلَّه بالخوض في موضوع الإفك الذي جرى لعائشة رضي الله
عنها فقال للقاضي: اخبرني عن زوجة نبيكم عائشة وما قيل فيها فقال القاضي
فوراً: قيل في حق عائشة ما قيل في حق مريم بنت عمران وعائشة لم تلد ومريم
ولدت وقد برأ الله تعالى كل واحدة منهما فأفحموا ولم ينطقوا بكلمة [3] وحين
وجّه سيدنا عمر جيشاً إلى الروم وفيهم صحابي يقال له عبد الله بن حذافه
فأسره الروم وأتوا به ملكهم وقالوا له إنه من أصحاب محمد فقال له: هل لك أن
تتنصر وأشرِكَك في ملكي وسلطاني؟
فرد عليه: لو أعطيتني
ما تملك وجميع ملك العرب على أن أرجع عن دين محمد طَرْفة عين ما فعلت فقال:
إذاً أقتلك قال: أنت وذاك فأَمر به فصُلب وأمر الرماة أن يرعبوه بالسهام
وهو يعرض عليه و يأبى فأمر به فأنزل ثم دعا بقدر ضخم فيه ماء يغلى فأحرق
يداه في الماء ثم دعا بأسير من المسلمين فألقي في الماء وهو يعرض عليه
النصرانية ويأبى ثم أمر به أن يُلقى فيها فلما ذُهب به بكى فأعادوه إلى
الملك فعرض عليه النصرانية فأبى فقال: ما أبكاك إذاً؟
قال: أبكاني
أنك أمرت أن ألقى في القدر فأموت من ساعتي وكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة
في جسدي نَفْس تموت في الله فقال له الطاغية: هل لك أن تقبّل رأسي وأخلّي
عنك؟ قال له عبد الله: وعن جميع أساري المسلمين؟ قال: نعم قال عبد الله:
فقلت في نفسي: لا أبالى أن أقبِّل رأس عدواً من أعداء الله يطلق سراحي ومعي
أساري المسلمين فقبّل رأسه فدفع إليه الأسرى (ثمانين أسيراً) فقدم بهم على
عمر فقال عمر {حقٌّ على كل مسلم أن يقبّل رأس عبد الله بن حذافه وأنا أبدأ
فقام عمر فقبّل رأسه}[4] فانظر إلى عزتهم كيف كانت على الأعداء رفعة لشأن
الإسلام وكيف كانت تلك العزة تذوب بينهم فتصير ماءاً زلالاً لينفعوا بعضهم
كما قال تعالى { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكَافِرِينَ}
[1] عن أبي هريرة رضي الله، المستدرك على الصحيحين وابن مردويه والبيهقى
[2] عن طارق بن شهاب: المستدرك على الصحيحين
[3] آثار البلاد وأخبار العباد للخطيب محمد القزوينى وغيرها من المراجع
[4] أخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي رافع حياة الصحابة لمحمد بن يوسف الكاندهلوى كذا في كنز العمال
هناك نقطة أساسية لو وعاها كل
واحد ما تجبَّر أحدٌ ولا تكبَّر ولكفى الخلق شروره ودام في الدنيا وفى
الآخرة سروره ولكن قتل الإنسان ما أكفره قال الله تعالى كتابه الكريم {قُلِ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الله أمر عباده
بتطبيق شرعه وكتابه فإذا طبقوا شرعه وكتابه فسيكونون في خير دائم وإذا
أعرضوا عن الله يُسلط نفوساً على نفوس
كما رأينا في جميع مراحل
التاريخ وكما شاهدنا بأم أعيننا في الأيام الماضية في أحداث ثورة مصر في 25
يناير 2011 من بعد ثورة تونس قبلها بأسابيع قليلة والثورات الأخرى الجارية
حالياً بالمنطقة فما أريد أن ألفت أنظاركم إليه هو أمرٌ غاب بشدة عن أذهان
الكثيرين من الحكام والمحكومين
غاب عن الحكام فطغوا وتجبروا
وتزينوا بما لا يحقُّ لهم وغاب عن المحكومين أيضاً فخنعوا وخضعوا وتركوا ما
يحقُّ لهم أتعرفون ما هو؟ هو العزَّة نعم العزَّة فالعزَّة هي مربط الفرس
وحجر الزاوية والنقطة التي تزلُّ فيها الأقدام ويسيل لها لعاب الحكام وأولو
الأمر وأهل المال والنفوذ فيهلكون فيها ويضيع فيها أيضاً المحكومون
ويرتضون المهانة والمذلة ويرخون الحبال لحكامهم فيحكمونها حول رقابهم هل
فهمنا؟ الأمر من الطرفين كيف؟
قال المصطفى صلي الله عليه وسلم في
الحديث الشريف مخبراً عن الغيوب العليَّة {إِنّ لله ثَلاثَةَ أَثْوابٍ
اتّزَرَ الْعِزَّةَ وَتَسَرْبَلَ الرّحْمَة وَارْتَدَى الْكِبرياء فَمَنْ
تَعَزَّزَ بِغَيْرِ ما أَعَزَّهُ الله فَذلِكَ الّذِي يُقال لَهُ {ذُقْ
إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وَمَنْ رَحِمَ النّاسَ بِرَحْمَةِ
الله فَذلِكَ الّذِي تَسَرْبَلَ بِسِربالِهِ الّذي يَنْبَغي لَهُ وَمَنْ
نَازَعَ الله رِداءَهُ الّذِي يَنْبَغي لَهُ فَإِنّ الله يَقولُ: لا
يَنْبَغي لِمَنْ نازَعَني أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّة }[1]
فالكبرياء
ثوب ليس لأحد إلا لله والرحمة ثوبٌ يحب الله من خلقه جميعاً أن يتزيوا به
أما العزَّة فإن الله تعالى يذلُّ كل من تعزز بغير ما أعزَّه الله به فبمَ
أعزنا الله؟ أعزنا الله به سبحانه وبرسوله وبدينه الإسلام واسمعوا لما جرى
بين عمر وأبى عبيدة بن الجراح في موقف من أندر الحوادث في التاريخ {لما قدم
عمر الشام عرضت لـه مخاضة فنزل عمر عن بعيره ونزع خفيه ثم أخذ بخطام
راحلته وخاض المخاضة فقال لـه أبو عبيدة: لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلاً
عظيماً عند أهل الأرض نزعت خفيك وقدمت راحلتك وخضت المخاضة قال: فصك عمر
بيده في صدر أبي عبيدة فقال: أوه لو غيرك يقولـها يا أبا عبيدة أنتم كنتم
أقلَّ الناس وأذلَّ الناس فأعزَّكم اللـه بالإسلام فمهما تطلبوا العزَّة
بغيره يذلكم اللـه تعالى}[2] فمن أراد العزَّة وأحبَّ أن يكون عزيزاً فليس
إلا سبيلٌ واحدٌ {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً}
فكلها لله وهو
يهبها لمن اتبع دينه فكان على هداه فصار متسربلاً بسربال عزة دين الله
وليس لهواه عليه من سبيل {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ويعلم كل طالب للعزة والرفعة والمنعة أنها حق أحقه الله
بدين الله لجميع أهل الإيمان فمهما أعزَّه الله بالمال أو السلطان فلا يرى
نفسه فوق الناس فهم جميعا يلبسون نفس ثوب عزة الإسلام وليس لأحد أن يكون
أعزَّ ولا أكرم من إخوانه المسلمين مهما ولاه الله تعالى من أمورهم وشئونهم
ويأتي الوجه الآخر للقضية فلو تعزَّز أحد بغير دين الله وأراد أن
يذيق الناس الذَّل والهوان ويخلع عنهم ثوب عزة دين الله الذي أعزَّهم الله
به فهل يتركونه يخلع عنهم ما كساهم الله؟ لو تركوه يفعل ذلك بهم لاستحقوا
الذَّل والهوان لتفريطهم في حقهم لماذا؟ لأن تحذير رسول الله في الحديث
للطرفين المؤمن دائماً عزيز بالله وبدين الله فإن حَكَمَ عزَّ وتعزَّز
بالله وبدينه لا بشيء سواه من السلطة أو الزخرف والجاه والمال
وإن
حُكِمَ فهو أيضاً عزيز بالله وبدين الله ولا يرى لحاكمه عزة فوق عزته فكلهم
عزتهم بالله وبدينه وهو أبداً لا يرضى بالذل ولا بالهوان ولا بالاستكانة
ولا بالضعف ولا يسمح لأحد ما كان أن يسلبه ثوب العزة وسأعطيكم أمثلة على
عزة المؤمنين محكومين من العامة أو أعلى مثل العلماء أو السفراء مثلاً أو
حتى الأسرى وحكاماً في السلم والحرب حتى تعلموا أن العزة هي رأس مال المسلم
أينما ذهب وأينما حل وإليكم الأمثلة:
حكي أن عضد الدولة أراد أن
يبعث رسولاً إلى الروم وعلم أنهم يسألون ويناظرون فأشاروا عليه أن يرسل
القاضي أبا بكر فبعثه إلى قيصر فلما وصل وأراد الدخول علم الحاجب أنه لا
يسجد للملك كما تفعل الرسل فصنعوا له باباً قصيراً ليدخل منه إلى قيصر
ولابد له أن ينحني ليدخل فلما رأى القاضي الباب عرف ذلك ولم يخش إلا الله و
أدار ظهره إلى الباب ودخل راكعاً ظهره إلى الباب وإلى الملك فتعجب قيصر من
فطنته ووقع في نفسه هيبته وشجاعته وعزَّته وعزَّة الدين الذي أتى باسمه
والقصة
لم تنته لأن القاضي بفطنته فقه أنهم يريدون إذلاله والانتقاص من عزَّة
دينه فشحذَّ همته وأحبَّ أن يعطيهم مثلاً آخر أنَّ العزة لله ولرسوله
وللمؤمنين فقد رأى القاضي عنده بعض الرهبان فخاطب الراهب وقال له مستهزئاً:
كيف أنت وكيف أولادك؟ فقال له قيصر: إنك مقدم علماء هذه الملة ولا تعلم
أنَّ هؤلاء متنزهون عن الزوجة والولد فقال القاضي: فإنكم لا تنزهون الله عن
الأهل والولد وتنزهون هؤلاء فرهبانكم أجلُّ وأعزُّ عندكم من الله تعالى
فأفحموا جميعاً وباءوا بالذل والخزي
فقال بعض حاشية طاغية الروم
للقاضي يريد أن يذلَّه بالخوض في موضوع الإفك الذي جرى لعائشة رضي الله
عنها فقال للقاضي: اخبرني عن زوجة نبيكم عائشة وما قيل فيها فقال القاضي
فوراً: قيل في حق عائشة ما قيل في حق مريم بنت عمران وعائشة لم تلد ومريم
ولدت وقد برأ الله تعالى كل واحدة منهما فأفحموا ولم ينطقوا بكلمة [3] وحين
وجّه سيدنا عمر جيشاً إلى الروم وفيهم صحابي يقال له عبد الله بن حذافه
فأسره الروم وأتوا به ملكهم وقالوا له إنه من أصحاب محمد فقال له: هل لك أن
تتنصر وأشرِكَك في ملكي وسلطاني؟
فرد عليه: لو أعطيتني
ما تملك وجميع ملك العرب على أن أرجع عن دين محمد طَرْفة عين ما فعلت فقال:
إذاً أقتلك قال: أنت وذاك فأَمر به فصُلب وأمر الرماة أن يرعبوه بالسهام
وهو يعرض عليه و يأبى فأمر به فأنزل ثم دعا بقدر ضخم فيه ماء يغلى فأحرق
يداه في الماء ثم دعا بأسير من المسلمين فألقي في الماء وهو يعرض عليه
النصرانية ويأبى ثم أمر به أن يُلقى فيها فلما ذُهب به بكى فأعادوه إلى
الملك فعرض عليه النصرانية فأبى فقال: ما أبكاك إذاً؟
قال: أبكاني
أنك أمرت أن ألقى في القدر فأموت من ساعتي وكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة
في جسدي نَفْس تموت في الله فقال له الطاغية: هل لك أن تقبّل رأسي وأخلّي
عنك؟ قال له عبد الله: وعن جميع أساري المسلمين؟ قال: نعم قال عبد الله:
فقلت في نفسي: لا أبالى أن أقبِّل رأس عدواً من أعداء الله يطلق سراحي ومعي
أساري المسلمين فقبّل رأسه فدفع إليه الأسرى (ثمانين أسيراً) فقدم بهم على
عمر فقال عمر {حقٌّ على كل مسلم أن يقبّل رأس عبد الله بن حذافه وأنا أبدأ
فقام عمر فقبّل رأسه}[4] فانظر إلى عزتهم كيف كانت على الأعداء رفعة لشأن
الإسلام وكيف كانت تلك العزة تذوب بينهم فتصير ماءاً زلالاً لينفعوا بعضهم
كما قال تعالى { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكَافِرِينَ}
[1] عن أبي هريرة رضي الله، المستدرك على الصحيحين وابن مردويه والبيهقى
[2] عن طارق بن شهاب: المستدرك على الصحيحين
[3] آثار البلاد وأخبار العباد للخطيب محمد القزوينى وغيرها من المراجع
[4] أخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي رافع حياة الصحابة لمحمد بن يوسف الكاندهلوى كذا في كنز العمال