ماجاء في اعتدال خلقه صلى الله عليه وسلم
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر). أخرجه الطبراني والترمذي في
الشمائل والبغوي في شرح السنة وابن سعد وغيرهم. وقال البراء بن عازب رضي
الله عنه: (كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً). أخرجه البخاري
ومسلم.
الرسول المبارك صلى الله عليه وسلم بوصفٍ شامل:
يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه ودليلهما،
خرجوا من مكة ومروا على خيمة امرأة عجوز تسمى (أم معبد)، كانت تجلس قرب
الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها
شيئاً. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في جانب الخيمة، وكان قد
نفد زادهم وجاعوا. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أم معبد: ما هذه الشاة
يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد والضعف عن الغنم. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: هل بها من لبن؟ قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلباً
فاحلبها، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمى الله
جل ثناؤه ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رجليها، ودرت. فدعا
بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، وسقى أصحابه حتى
رووا (أي شبعوا)، ثم شرب آخرهم، ثم حلب في الإناء مرة ثانية حتى ملأ
الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها. وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد)
يسوق عنزاً يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن، فقال لزوجته: من أين لك هذا
اللبن يا أم معبد والشاة عازب (أي الغنم) ولا حلوب في البيت!، فقالت: لا
والله، إنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد: صفيه لي يا
أم معبد، فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أي مشرق الوجه)، لم
تعبه نحلة (أي نحول الجسم) ولم تزر به صقلة (أنه ليس بناحلٍ ولا سمين)،
وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دعج (أي سواد)، وفي أشفاره وطف (طويل
شعر العين)، وفي صوته صحل (بحة وحسن)، وفي عنقه سطع (طول)، وفي لحيته كثاثة
(كثرة شعر)، أزج أقرن (حاجباه طويلان ومقوسان ومتصلان)، إن صمت فعليه
الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم
وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا تذر ولا هذر (كلامه بين وسط ليس
بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة (ليس بالطويل
البائن ولا بالقصير)، لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصين،
فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال
أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من
أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مفند (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من
الخرافة)، فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر
بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة
عالياً يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى الله رب الناس خير
جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد. هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد فاز من
أمسى رفيق محمد. حديث حسن قوي أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. وعن جابر
بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة
إضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر). (إضحيان هي الليلة المقمرة من
أولها إلى آخرها). وما أحسن ما قيل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل. (ثمال: مطعم، عصمة:
مانع من ظلمهم).
ما جاء في حسن النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد وصف بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب
منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما
تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر.
يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضى أو سر
إستنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه. فعن عائشة
رضي الله عنها قالت: (استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع وجهه). أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في
الدلائل والديلمي في مسند الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي.
في ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الخلقية
التي هي أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان
بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه
الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله.
رحم الله حسان بن ثابت رضي الله عنه إذ قال:
خلقت مبرءاً من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء
ويرحم الله القائل:
فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيباً باريء النسم
فتنزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وقيل في شأنه صلى الله عليه وسلم أيضاً:
بلغ العلى بكماله كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله
ورحم الله ابن الفارض حيث قال:
وعلى تفنن واصف يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
مـسألة:
من المعلوم أن النسوة قطعت أيديهم لما رأين يوسف عليه السلام إذ إنه عليه
السلام أوتي شطر الحسن، فلماذا لم يحصل مثل هذا الأمر مع النبي صلى الله
عليه وسلم؟ هل يا ترى سبب ذلك أن يوسف عليه السلام كان يفوق الرسول صلى
الله عليه وسلم حسناً وجمالاً؟
الجواب:
اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
هذا ليس صحيحا .
وتفضيل نبينا على سائر الأنبياء لا يلزم منه أن يَكون من كل وَجْه ، فإن نبي الله سليمان أُوتي مُلكا ليس لأحد من بعده .
قال الله تبارك وتعالى على لسان سليمان عليه الصلاة والسلام : ( رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ) .
ولذا لَمَّا حاول الشيطان إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمكنه الله
منه . قال عليه الصلاة والسلام : فَذَعَـتّه ، ولقد هممت أن أوثقه إلى
سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه ، فذكرت قول سليمان عليه السلام : ( رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ) فرده
الله خاسيا .
وفي رواية : إن عفريتاً من الجن .
ومعنى ذعته : أي خنقته
ومثل ذلك اختصاص يوسف عليه الصلاة والسلام بِمزيد من الحسن والجمال .
وفي حديث الإسراء والمعراج قوله عليه الصلاة والسلام : ثم عُرِج بي إلى
السماء الثالثة فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : ومن
معك ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قيل : وقد بُعِث إليه ؟ قال : قد
بُعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد
أُعْطِي شطر الحسن . رواه البخاري ومسلم .
قال العيني : وحَمَله بعضهم على أن المراد أن يوسف أُعْطِي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم ، وفيه ما فيه . اهـ .
ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم حَسَن الوَجه ، جميل الْمُحيّا ، ولا
يلزم من ذلك أن يكون أجمل من يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أعطاه الله
شَطْر الْحُسْن .
قال ابن القيم رحمه الله : ولا يلزم من كونه [ صلى الله عليه وسلم ] أحسنهم
وجها أن لا يكون يوسف اختص عن الناس بِشَطْر الْحُسْن ، واشتركوا هم في
الشطر الآخر ، ويكون النبي شارك يوسف فيما اختص به من الشطر وزاد عليه
بِحُسْن آخر من الشطر الثاني ، والله أعلم .
وأما كون افتتان النسوة خاص بيوسف عليه الصلاة والسلام ، فلِعدّة اعتبارات :
الأول : أن يوسف عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت كان شابا لم ينبت له شعر
، وهو أحسن ما يكون في الشباب ، ولذلك عُبِّر عن يوسف بـ " الفتى "
(تُرَاوِدُ فَتَاهَا) .
الثاني : كون تلك النسوة تهيأن لرؤية يوسف ، حيث أعدّت لهن امرأة العزيز مُتّكئا .
الثالث : ما سَمِعن عنه من جَمَال وافر ، فقد كانت نفوسهن مُشتاقة لرؤيته ، مما أدّى إلى تقطيع الأيدي وتجريحها .
ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم " صواحِب يوسف " مضرب مثل ! وهذا يعني أنهن كُنّ تشوّقن لرؤية يوسف عليه الصلاة والسلام .
الرابع : لا يَبعُد أن تكون امرأة العزيز زَيّنت يوسف عليه الصلاة والسلام
لتفتتن به النسوة كما فُتِنت هي به ، فيكون ذلك قدْرًا زائدا عن جمال
الصورة .
الخامس : أن يوسف عليه الصلاة والسلام قد استُرِقّ ، فكان في بيت العزيز ، فهو اقرب إلى مُجتمع النساء آنذاك .
وأما كون نبينا صلى الله عليه وسلم لم تُفتَن به نِسوة ، فلِعدّة اعتبارات أيضا :
الأول : أن افتتان النساء بالرجل مِن البلاء ، فيكون الله تبارك وتعالى
ابتلى يوسف بذلك البلاء ، وصَرَفه عن نبينا صلى الله عليه وسلم .
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم مِن فِتنة النساء .
الثاني : كونه صلى الله عليه وسلم في مُجتمع الرجال بعيدا عن مجتمع النساء .
الثالث : كون ذلك البلاء في حق يوسف في سن الشباب ، ونبينا صلى الله عليه
وسلم بُعِث في الأربعين من عمره . أي : أن معرفة الناس بِنبينا صلى الله
عليه وسلم واشتهار أمره كان بعد بعثته ، حتى قال أبو سفيان في قصته مع هرقل
: لقد أمِر أمْر ابن أبي كبشة . رواه البخاري ومسلم .
وليس صحيحا أن من وصف النبي صلى الله عليه وسلم هم صِغار الصحابة ، فقد
وصفه كِبار الصحابة أيضا ، فقد ثَبت وصف عبد الله بن سلام للنبي صلى الله
عليه وسلم ، وتثبّته مِن وجهه عليه الصلاة والسلام ، ثم قال : فعرفت أن
وجهه ليس بوَجْه كذّاب . رواه الترمذي .
ووصفه غيره مما هو مُدوّن معلوم ، وفي شمائل الترمذي كثير من أوصافه عليه
الصلاة والسلام من طُرُق عن الصحابة ، لا يختصّ ذلك بصغير دون كبير .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
* * * * * * * * * * * * * * * *
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك وابن عبدك وابن أمتك، صفوة خلقك وخليلك
الرحمة المهداة، نبيك ورسولك الأمين محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي،
مادامت السموات والأرض وبقيت الحياة في هذا الكون، منذ أن خلقت الخلق وإلى
أن تقوم الساعة، صلاة وسلاماً ترضيك عنا وتليق بقدره الطاهر عندك، وبالقدر
الذي أمرت به بقولك الحق: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ
وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، وأجعلها شاهدة لنا لا علينا، وأغنمنا شفاعته صلى
الله عليه وسلم، ولا تحرمنا لذة النظر إليك، وجواره الكريم في جنة الخلد،
صلواتك ربي وسلامك عليه وعلى آله وأصحابه أجميعن ونحن معهم يا رب العالمين.
آمين.
فعلا فعلا فعلا يستحق النقل
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر). أخرجه الطبراني والترمذي في
الشمائل والبغوي في شرح السنة وابن سعد وغيرهم. وقال البراء بن عازب رضي
الله عنه: (كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً). أخرجه البخاري
ومسلم.
الرسول المبارك صلى الله عليه وسلم بوصفٍ شامل:
يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه ودليلهما،
خرجوا من مكة ومروا على خيمة امرأة عجوز تسمى (أم معبد)، كانت تجلس قرب
الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها
شيئاً. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في جانب الخيمة، وكان قد
نفد زادهم وجاعوا. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أم معبد: ما هذه الشاة
يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد والضعف عن الغنم. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: هل بها من لبن؟ قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلباً
فاحلبها، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمى الله
جل ثناؤه ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رجليها، ودرت. فدعا
بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، وسقى أصحابه حتى
رووا (أي شبعوا)، ثم شرب آخرهم، ثم حلب في الإناء مرة ثانية حتى ملأ
الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها. وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد)
يسوق عنزاً يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن، فقال لزوجته: من أين لك هذا
اللبن يا أم معبد والشاة عازب (أي الغنم) ولا حلوب في البيت!، فقالت: لا
والله، إنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد: صفيه لي يا
أم معبد، فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أي مشرق الوجه)، لم
تعبه نحلة (أي نحول الجسم) ولم تزر به صقلة (أنه ليس بناحلٍ ولا سمين)،
وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دعج (أي سواد)، وفي أشفاره وطف (طويل
شعر العين)، وفي صوته صحل (بحة وحسن)، وفي عنقه سطع (طول)، وفي لحيته كثاثة
(كثرة شعر)، أزج أقرن (حاجباه طويلان ومقوسان ومتصلان)، إن صمت فعليه
الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم
وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا تذر ولا هذر (كلامه بين وسط ليس
بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة (ليس بالطويل
البائن ولا بالقصير)، لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصين،
فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال
أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من
أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مفند (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من
الخرافة)، فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر
بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة
عالياً يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى الله رب الناس خير
جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد. هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد فاز من
أمسى رفيق محمد. حديث حسن قوي أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. وعن جابر
بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة
إضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر). (إضحيان هي الليلة المقمرة من
أولها إلى آخرها). وما أحسن ما قيل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل. (ثمال: مطعم، عصمة:
مانع من ظلمهم).
ما جاء في حسن النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد وصف بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب
منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما
تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر.
يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضى أو سر
إستنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه. فعن عائشة
رضي الله عنها قالت: (استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع وجهه). أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في
الدلائل والديلمي في مسند الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي.
في ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الخلقية
التي هي أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان
بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه
الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله.
رحم الله حسان بن ثابت رضي الله عنه إذ قال:
خلقت مبرءاً من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء
ويرحم الله القائل:
فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيباً باريء النسم
فتنزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وقيل في شأنه صلى الله عليه وسلم أيضاً:
بلغ العلى بكماله كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله
ورحم الله ابن الفارض حيث قال:
وعلى تفنن واصف يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
مـسألة:
من المعلوم أن النسوة قطعت أيديهم لما رأين يوسف عليه السلام إذ إنه عليه
السلام أوتي شطر الحسن، فلماذا لم يحصل مثل هذا الأمر مع النبي صلى الله
عليه وسلم؟ هل يا ترى سبب ذلك أن يوسف عليه السلام كان يفوق الرسول صلى
الله عليه وسلم حسناً وجمالاً؟
الجواب:
اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
هذا ليس صحيحا .
وتفضيل نبينا على سائر الأنبياء لا يلزم منه أن يَكون من كل وَجْه ، فإن نبي الله سليمان أُوتي مُلكا ليس لأحد من بعده .
قال الله تبارك وتعالى على لسان سليمان عليه الصلاة والسلام : ( رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ) .
ولذا لَمَّا حاول الشيطان إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمكنه الله
منه . قال عليه الصلاة والسلام : فَذَعَـتّه ، ولقد هممت أن أوثقه إلى
سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه ، فذكرت قول سليمان عليه السلام : ( رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ) فرده
الله خاسيا .
وفي رواية : إن عفريتاً من الجن .
ومعنى ذعته : أي خنقته
ومثل ذلك اختصاص يوسف عليه الصلاة والسلام بِمزيد من الحسن والجمال .
وفي حديث الإسراء والمعراج قوله عليه الصلاة والسلام : ثم عُرِج بي إلى
السماء الثالثة فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : ومن
معك ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قيل : وقد بُعِث إليه ؟ قال : قد
بُعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد
أُعْطِي شطر الحسن . رواه البخاري ومسلم .
قال العيني : وحَمَله بعضهم على أن المراد أن يوسف أُعْطِي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم ، وفيه ما فيه . اهـ .
ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم حَسَن الوَجه ، جميل الْمُحيّا ، ولا
يلزم من ذلك أن يكون أجمل من يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أعطاه الله
شَطْر الْحُسْن .
قال ابن القيم رحمه الله : ولا يلزم من كونه [ صلى الله عليه وسلم ] أحسنهم
وجها أن لا يكون يوسف اختص عن الناس بِشَطْر الْحُسْن ، واشتركوا هم في
الشطر الآخر ، ويكون النبي شارك يوسف فيما اختص به من الشطر وزاد عليه
بِحُسْن آخر من الشطر الثاني ، والله أعلم .
وأما كون افتتان النسوة خاص بيوسف عليه الصلاة والسلام ، فلِعدّة اعتبارات :
الأول : أن يوسف عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت كان شابا لم ينبت له شعر
، وهو أحسن ما يكون في الشباب ، ولذلك عُبِّر عن يوسف بـ " الفتى "
(تُرَاوِدُ فَتَاهَا) .
الثاني : كون تلك النسوة تهيأن لرؤية يوسف ، حيث أعدّت لهن امرأة العزيز مُتّكئا .
الثالث : ما سَمِعن عنه من جَمَال وافر ، فقد كانت نفوسهن مُشتاقة لرؤيته ، مما أدّى إلى تقطيع الأيدي وتجريحها .
ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم " صواحِب يوسف " مضرب مثل ! وهذا يعني أنهن كُنّ تشوّقن لرؤية يوسف عليه الصلاة والسلام .
الرابع : لا يَبعُد أن تكون امرأة العزيز زَيّنت يوسف عليه الصلاة والسلام
لتفتتن به النسوة كما فُتِنت هي به ، فيكون ذلك قدْرًا زائدا عن جمال
الصورة .
الخامس : أن يوسف عليه الصلاة والسلام قد استُرِقّ ، فكان في بيت العزيز ، فهو اقرب إلى مُجتمع النساء آنذاك .
وأما كون نبينا صلى الله عليه وسلم لم تُفتَن به نِسوة ، فلِعدّة اعتبارات أيضا :
الأول : أن افتتان النساء بالرجل مِن البلاء ، فيكون الله تبارك وتعالى
ابتلى يوسف بذلك البلاء ، وصَرَفه عن نبينا صلى الله عليه وسلم .
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم مِن فِتنة النساء .
الثاني : كونه صلى الله عليه وسلم في مُجتمع الرجال بعيدا عن مجتمع النساء .
الثالث : كون ذلك البلاء في حق يوسف في سن الشباب ، ونبينا صلى الله عليه
وسلم بُعِث في الأربعين من عمره . أي : أن معرفة الناس بِنبينا صلى الله
عليه وسلم واشتهار أمره كان بعد بعثته ، حتى قال أبو سفيان في قصته مع هرقل
: لقد أمِر أمْر ابن أبي كبشة . رواه البخاري ومسلم .
وليس صحيحا أن من وصف النبي صلى الله عليه وسلم هم صِغار الصحابة ، فقد
وصفه كِبار الصحابة أيضا ، فقد ثَبت وصف عبد الله بن سلام للنبي صلى الله
عليه وسلم ، وتثبّته مِن وجهه عليه الصلاة والسلام ، ثم قال : فعرفت أن
وجهه ليس بوَجْه كذّاب . رواه الترمذي .
ووصفه غيره مما هو مُدوّن معلوم ، وفي شمائل الترمذي كثير من أوصافه عليه
الصلاة والسلام من طُرُق عن الصحابة ، لا يختصّ ذلك بصغير دون كبير .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
* * * * * * * * * * * * * * * *
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك وابن عبدك وابن أمتك، صفوة خلقك وخليلك
الرحمة المهداة، نبيك ورسولك الأمين محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي،
مادامت السموات والأرض وبقيت الحياة في هذا الكون، منذ أن خلقت الخلق وإلى
أن تقوم الساعة، صلاة وسلاماً ترضيك عنا وتليق بقدره الطاهر عندك، وبالقدر
الذي أمرت به بقولك الحق: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ
وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، وأجعلها شاهدة لنا لا علينا، وأغنمنا شفاعته صلى
الله عليه وسلم، ولا تحرمنا لذة النظر إليك، وجواره الكريم في جنة الخلد،
صلواتك ربي وسلامك عليه وعلى آله وأصحابه أجميعن ونحن معهم يا رب العالمين.
آمين.
فعلا فعلا فعلا يستحق النقل