كيف تعبد الله
[size=25]عبادة الله لا تتم إلا بالحب والخوف والرجاء
فإن الواجب على المكلف أن يعبد ربه بالحب والخوف والرجاء جميعاً، وإن من
عبد الله بالحب وحده تزندق كحال من ترك التكاليف من فساق الصوفية بحجة
الوصول، ومن عبد الله بالخوف فقط فهو كالخوارج، ومن عبد الله بالرجاء فقط
وقع في بدعة الإرجاء، والتوسط والقصد أن يكون في القلب الحب لله مع الخوف
منه، ورجاء رحمته وعفوه، وقد قال ابن قدامة في كتاب مختصر منهاج القاصدين:
فضيلة كل شيء بقدر إعانته على طلب السعادة، وهي لقاء الله تعالى، والقرب
منه، فكل ما أعان على ذلك فهو فضيلة، قال الله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ.
وقال تعالى: رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لا أجمع
على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، إن أمنني في الدنيا، أخفته يوم
القيامة، وإن خافني في الدنيا، أمنته يوم القيامة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عينان لا
تمسهما النار أبداً، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله.
واعلم أن قول القائل: أيما أفضل الخوف أو الرجاء؟ كقوله: أيما أفضل الخبز أو الماء؟
وجوابه: أن يقال الخبز للجائع أفضل، والماء للعطشان أفضل، فإن اجتمعا نظر
إلى الأغلب، فإن استويا، فهما متساويان، والخوف والرجاء دواءان يداوى بهما
القلوب، ففضلهما بحسب الداء الموجود، فإن كان الغالب على القلب الأمن من
مكر الله، فالخوف أفضل، وكذلك إن كان الغالب على العبد المعصية، وإن كان
الغالب عليه اليأس والقنوط، فالرجاء أفضل، ويجوز أن يقال مطلقاً: الخوف
أفضل، كما يقال: الخبز أفضل من السكنجبين لأن الخبز يعالج به مرض الجوع،
والسكنجبين يعالج به مرض الصفراء، ومرض الجوع أغلب وأكثر، فالحاجة إلى
الخبز أكثر، فهو أفضل بهذا الاعتبار، لأن المعاصي والاغترار من الخلق أغلب.
وإن نظرنا إلى موضع الخوف والرجاء فالرجاء أفضل، لأن الرجاء يُسقى من بحر الرحمة, والخوف يُسقى من بحر الغضب.
وأما المتقي، فالأفضل عنده اعتدال الخوف والرجاء، ولذلك قيل: لو وزن خوف
المؤمن ورجاؤه لاعتدلا، قال بعض السلف: لو نودي: ليدخل الجنة كل الناس إلا
رجلاً واحداً، لخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل. ولو نودي: ليدخل النار كل
الناس إلا رجلاً واحداً، لرجوت أن أكون أنا ذلك الرجل. وهذا ينبغي أن يكون
مختصاً بالمؤمن المتقي.
فإن قيل: كيف اعتدال الخوف والرجاء في قلب المؤمن، وهو على قدم التقوى؟ فينبغي أن يكون رجاؤه أقوى.
فالجواب: أن المؤمن غير متيقن صحة عمله، فمثله من بذر بذراً ولم يجرب جنسه
في أرض غريبة، والبذر الإيمان، وشروط صحته دقيقة، والأرض القلب، وخفايا
خبثه وصفائه من النفاق، وخبايا الأخلاق غامضة، والصواعق أهوال سكرات الموت،
وهناك تضطرب العقائد، وكل هذا يوجب الخوف عليه، وكيف لا يخاف المؤمن؟
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة رضي الله عنه: هل أنا من
المنافقين؟ وإنما خاف أن تلتبس حاله عليه، ويستتر عيبه عنه، فالخوف المحمود
هو الذي يبعث على العمل، ويزعج القلب عن الركون إلى الدنيا، وأما عند
نزول الموت، فالأصلح للإنسان الرجاء، لأن الخوف كالسوط الباعث على العمل،
وليس ثمة عمل، فلا يستفيد الخائف حينئذ إلا تقطيع نياط قلبه، والرجاء في
هذه الحال يقوي قلبه، ويحبب إليه ربه، فلا ينبغي لأحد أن يفارق الدنيا إلا
محباً لله تعالى، محباً للقائه، حسن الظن به، وقد قال سليمان التيمي عند
الموت لمن حضره: حدثني بالرخص، لعلي ألقى الله وأنا أحسن الظن به. انتهى
باختصار، وانظر الفتوى رقم: 32984، والفتوى رقم: 46155.
والله أعلم.[/size]