احمد سمير
الفصل الأول : ترسيخ العقيدة وتحقيق العبودية في كل أمر من أمور الحياة
يُعد
هذا الهدف أهم أهداف التربية الإسلامية وكل الأهداف تنبثق منه ، وقد جبل
الله- عز وجل- النفوس على التوحيد ولكنها تحتاج أن تتعلم أصول الإيمان
وجزيئاته ، وأصْلَحُ أوقات غرس العقيدة السنواتُ الأولى في حياة الطفل؛
لأنه يصغي إلى المربي بكل جوارحه ، ويقبلها دون نقاش كما أن خياله الواسع
يساعده على تخيل الجنّة والنار وأهوال القيامة والملائكة وعالم الجن وغيرها
مما يتصور .
* وهناك عدة وسائل لتحقيق وغرس العقيدة وهي :
1-
ترسيخ العقيدة الصحيحة عن طريق التلقين : أولُ ما يلقّن الطفل كلمة التوحيد
، إذ أن السلف يعلمون الطفل في أول حياته كلمة التوحيد ، ويؤذِّنون في
أذنيه عند ولادته ، ليكون أول ما يقرع سمعه . وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم : افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله
ثم يُعَلّم
القرآن "وَتَعَلُّمُ الصِّبيان القرآن أصل من أصول الإسلام ، فينشئون على
الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكّن الأهواء منها" وهو خير من
تعليم الجدل والفلسفة وقد يسر الله تعالى حفظ القرآن ، وإن الصبي ليحفظ
منه كثيراً بقليل من الجهد ولو حاول حفظ غيره من العلوم لقضى في ذلك أضعاف
ما يقضيه في حفظ القرآن ثم إن قصاره تشتمل على أصول الإيمان فيبدأ الطفل
بحفظها وتدبر معانيها .
ثم مع حفظ القرآن يُعَلَّم السيرة النبوية والمغازي وسير الصحابة والتابعين وحكايات الأبرار والصالحين
كما
على المربي أن يحدث الطفل عن حقائق الإيمان ويجيب على أسئلته بصدق ،
مهتدياً بالرسول صلى الله عليه وسلم حين حدّث ابن عمر - رضي الله عنهما-
فقال : يا غلام احفظ الله يحفظك . . . وقد كان الصغار يحضرون الجمعة
والجماعات ويسمعون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى المربي أن يحدّث
الطفل عن الجنة والنار ، ويصفها بأوصاف يفهمها الطفل فيتخيلها ، ويرسخ في
ذهنه وجودهما .
2- ترسيخ العقيدة عن طريق تعليمه الأذكار : وليس
المراد فقط أن يحفظ أذكار الأحوال والمناسبات من أكل وشرب ونوم ويقظة ، بل
يعلمه الدعاء وطلب الحاجة من الله ، وإذا مشى في الظلام علِّمه ذكر الله
والاستئناس به ، والتسمية عند الفزع ، والدعاء عند المرض ، حتى يتعلم
الاستغاثة ، ويعلمه الرُّقية الشرعية والتوكل على الله وطلب الحاجة منه
وحده .
3- ترسيخ العقيدة عن طريق التدبر : بأن يلفت نظر الطفل إلى
مظاهر الكون وارتباطها بالتوحيد ، وهذا الربط يشعر الطفل بالتوازن النفسي ،
ويحس بأنه جزء من أجزاء الكون المتناسقة ويبين له أن هذا الكون بكل ما فيه
يسبَح لله ، ويرشده إلى التسبيح ليكون مع الركب المسبّح .
كما أن المربي يستطيع تعليم الطفل صفات الله عز وجل وأسمائه عن طريق التدبر في جمال الكون وعظمة الطبيعة ونظامها
"واعلم
أن ما ذكرناه . . . ينبغي أن يقدم للطفل في أول نشوئه ليُحفظ حفظاً ، ثم
لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئَاَ فشيئاً ، فابتداؤه الحفظ ثم الفهم
ثم الاعتقاد والإيمان والتصديق به ، وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان "
4-
حمايته من الشرك ووسائله : فإن بعض الناس يلفت نظر الطفل إلى رقابة الناس
والاستخفاء ببعض الأمور ، ويجعل الطفل مهتمّاً برضا الناس خائفاً من سخطهم ،
ويتكرر هذا حتى يغلب على مراقبة الله والاهتمام برضاه والخوف من سخطه ،
فيتعلم الرياء ، ويعمل طلباً لرضا الناس وإن غابوا عنه لم يعمل أي عمل ، أو
يعمل عادةً دون ابتغاء الأجر من الله
الفصل الثاني : التنشئة على العبادات القلبية والبدنية والأخلاق الفاضلة
يسعى
المربي الناجح إلى تنشئة ولده على العبادات ليضمن تعلقه بالدين وليحفظه من
الانحراف ، ومن الخطأ أن نهمل الطفل ثم نلزمه بالتكاليف الشرعية بعد بلوغه
، وقد ذكر العلماء أن تعليم المميِّز الصلاة لا لوجوبها عليه ولكن ليتعود
عليها حتى إذا بلغ الحُلم كانت الصلاة يسيرة عليه وتعلق قلبه بها ولم يقدر
على تركها .
والصلاة أهمُّ عبادة قلبية بدنية يجب تعويد الطفل عليها ،
فإن كان ذكراً أمرَ بالصلاة مع الجماعة وهو ابن سبع سنين ، ويؤمر بها إلى
أن يبلغَ العشر ، فإذا بلغ العشر وترك الصلاة عوقب بالضرب .
وعلى الأب
أن يأمر أولاده بالصلاة إذا دخل وقتها ، ويذكرهم بالله ويرغَبهم ويخوفهم ثم
يدعوهم إلى الوضوء ويأخذهم معه إلى المسجد أو يشترط عليهم أن يراهم قريباً
منه .
ويجب أن يلزمهم بكل ما يُشترط لصحة الصلاة من طهارة وخشوع وستر عورة وغيرها
وقد
يكره بعض المميزين الصلاة في المسجد ؛ لأن والده يأخذه إلى المسجد مبكراً
فينتظر عشر دقائق أو أكثر ، وهو يسمع أصوات الأطفال في الخارج ، ويؤمر
بالجلوس وقراءة القرآن وهو الصبي المحب للحركة ، والوسط خير ، فإذا كان
عمره أقل من الثالثة عشر عاماً فإنه يؤمر بالصلاة ويشترط والده أن يصلي
قريبَا منه ويترك له الحرية في التبكير أو التأخير إلى وقت إقامة الصلاة ،
وإذا كان بلغ الثالثة عشر فالواجب أن يأخذه منذ أن يؤذن أو يتركه يأتي
بمفرده إلا أنه يجب أن يحرص على التأكد من حضوره للصلاة .
كما عليه أن
يعودهم على العبادات المختلفة اهتداءً بمن سلف ، فقد كان الصحابة- رضوان
الله عليهم- يصوِّمون أولادهم ويعطونهم اللعب ليتلهَّوا عن الجوع ، ويصلون
معهم الجمعة والتراويح والعيدين ، ويؤذنون ، ويحجون معهم ، كل ذلك على سبيل
التدريب والتعليم
وأفضل الوسائل للتعويد على العبادات مكافأة الصبي
وترغيبه وتشجيعه على الإكثار من العبادات على منهج وسط ، ويرغَّب في الثواب
الأخروي ، يربط بالقدوة الأول صلى الله عليه وسلم ، ولكن ينبغي الحذر من
الإكثار من مكافأته حتى لا يرتبط بالهدايا ، بل يرتبط باللّه سبحانه وتعالى
، ومع استمرار العبادات يوجه الطفل إلى الخشوع وإحسان العمل وتصحيحه من
الخطأ .
وأما التنشئة على الأخلاق الفاضلة فهي جزء من الدين ، لأن المسلم إنما يتحلى بالخُلق ابتغاء الجزاء من الله سبحانه
والتنشئة الخلقية تحتاج إلى مراحل هي :
(1)
غرس العادات في مرحلة مبكرة فإن الطفل "ينشأ على ما عوده المربي في صغره
من حر وغضب ولجاج وخفة مع هواه ، وطيش وحدّة وجشع ، فيصعب عليه في كبره
تلافي ذلك " ومما يعين على جعل الطفل ذا طبيعة هادئة مراعاة حاجاته
الفطرية ، فيرضع في وقت طلبه لأن التأخير الشديد يجعله متوتراً ، وعدم قطعه
من الرضاعة حتى يرتوي ، فكثرة الانقطاع عن الرضاعة والقيام عنه مرات يجعله
سريع الانفعال ، وملاعبته حتى في أيامه الأولى يجعله متزناً وكذلك تنويمه
في الوقت الذي يريد في بداية الأمر ، وإذا بكى الطفل من الجوع أو المرض
يترك قليلاً ليتعود الصبر ، وإذا طلب شيئَاَ قريباً منه أرشد إلى خدمة نفسه
ليتعود الجد والاعتماد على النفس ، وإذا شاهد فقيراً بين له المربي حاله
ليرحمه ويشفق عليه ، فيتعلم الرحمة والتواضع ، وهكذا يمكن للمربي أن يعوده
على الفضائل في السنوات الخمس الأول .
(2) إلزامه الأحكام والآداب
الشرعية كآداب الطعام واللباس والاستئذان والنوم وكافة الآداب التي وردت ،
ويكون هذا التعويد في السنوات الأولى ، ويمنعه من مفسدات الأخلاق ، ومن
المعاصي ، وإن أكبر ما يفسدها أشعار الغزل والأغاني إذ تبذرُ فيه بذرة
الفساد ، ويُلحق بها الروايات والقصص الغرامية والأفلام المفسدة ، ويجب أن
يحرص الوالدان على حماية أبنائهم من رؤية ما يخدش الحياء سواءً في وسائل
الإعلام أو في البيت ، فتكون علاقتهما الجنسية في غاية السرية لأن الطفل
الصغير الذي ينام مع والديه يرى من الأمور ما يجعله يقلد والديه تقليداً
بريئاً ، فإذا زجره المربي عن تلك الحركات أحس أنها خطأ يستخفي به الأبوان
ولذا كان أحد الصحابة يخرج الرضيع من الحجرة إذا أراد أهله . 3
(3) ويجب
أن يجنبه لبس الحرير- إذا كان ذكراً- والذهب والتنعم لأن ذلك يعوده على
فعل الحرام والتشبه بالنساء ويمنع من قص الشعر تشبهاً وكذلك الصبيَّة تمنع
من التشبه بالرجال أو الكفار ، وهذا باب واسع ، والأصل فيه إلزام الطفل بكل
حلال ومنعه من كل حرام ، ويأثم وليه بتمكينه من المعاصي دون الصبي وقد
يقول قائل إنك تلزم ولدك بالشرع ثم ما يلبث أن يشتد عوده فيترك ما كان
يفعله خوفاً منك أو احتراماً لك ، فنقول ليس شرطاً أن يحدث ذلك ، ثم إن
إلزام المربي ولده بذلك هو واجبه الذي أمر الله به ، وقد يكون الإلزام بذلك
بدايةً للتعود ثم يصبح الطفل رجلا عاقلا ذا دين يفعل ما أمر به ابتغاء
الثواب ، وهب أنه ترك كل ما ألزمه به المربي فإنه تكون الذمة قد برئت منه .
(4) حثه على مكارم الأخلاق مع ربه أولاً ، ثم مع الناس والحيوان
والجماد ؛ لأن الأخلاق تشمل ذلك كله وهذا الحث يجب أن يكون بالتلقين وتكوين
العاطفة التي تدفع إلى التطبيق ابتغاء الأجر ، وتقوية إرادته ليقدر على
قهر الهوى وضبط النفس فيقال : إن الصدق خلق حسن ، يقود صاحبه إلى الخير ،
ويُحكى له قصص الصادقين وجزاءهم في الدنيا والآخرة ، وبهذا يحب الصدق
وتتكون لديه عاطفة تدفعه للصدق ، ولابد أن يتسلح بالإرادة والعزيمة .
الفصل الأول : ترسيخ العقيدة وتحقيق العبودية في كل أمر من أمور الحياة
يُعد
هذا الهدف أهم أهداف التربية الإسلامية وكل الأهداف تنبثق منه ، وقد جبل
الله- عز وجل- النفوس على التوحيد ولكنها تحتاج أن تتعلم أصول الإيمان
وجزيئاته ، وأصْلَحُ أوقات غرس العقيدة السنواتُ الأولى في حياة الطفل؛
لأنه يصغي إلى المربي بكل جوارحه ، ويقبلها دون نقاش كما أن خياله الواسع
يساعده على تخيل الجنّة والنار وأهوال القيامة والملائكة وعالم الجن وغيرها
مما يتصور .
* وهناك عدة وسائل لتحقيق وغرس العقيدة وهي :
1-
ترسيخ العقيدة الصحيحة عن طريق التلقين : أولُ ما يلقّن الطفل كلمة التوحيد
، إذ أن السلف يعلمون الطفل في أول حياته كلمة التوحيد ، ويؤذِّنون في
أذنيه عند ولادته ، ليكون أول ما يقرع سمعه . وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم : افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله
ثم يُعَلّم
القرآن "وَتَعَلُّمُ الصِّبيان القرآن أصل من أصول الإسلام ، فينشئون على
الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكّن الأهواء منها" وهو خير من
تعليم الجدل والفلسفة وقد يسر الله تعالى حفظ القرآن ، وإن الصبي ليحفظ
منه كثيراً بقليل من الجهد ولو حاول حفظ غيره من العلوم لقضى في ذلك أضعاف
ما يقضيه في حفظ القرآن ثم إن قصاره تشتمل على أصول الإيمان فيبدأ الطفل
بحفظها وتدبر معانيها .
ثم مع حفظ القرآن يُعَلَّم السيرة النبوية والمغازي وسير الصحابة والتابعين وحكايات الأبرار والصالحين
كما
على المربي أن يحدث الطفل عن حقائق الإيمان ويجيب على أسئلته بصدق ،
مهتدياً بالرسول صلى الله عليه وسلم حين حدّث ابن عمر - رضي الله عنهما-
فقال : يا غلام احفظ الله يحفظك . . . وقد كان الصغار يحضرون الجمعة
والجماعات ويسمعون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى المربي أن يحدّث
الطفل عن الجنة والنار ، ويصفها بأوصاف يفهمها الطفل فيتخيلها ، ويرسخ في
ذهنه وجودهما .
2- ترسيخ العقيدة عن طريق تعليمه الأذكار : وليس
المراد فقط أن يحفظ أذكار الأحوال والمناسبات من أكل وشرب ونوم ويقظة ، بل
يعلمه الدعاء وطلب الحاجة من الله ، وإذا مشى في الظلام علِّمه ذكر الله
والاستئناس به ، والتسمية عند الفزع ، والدعاء عند المرض ، حتى يتعلم
الاستغاثة ، ويعلمه الرُّقية الشرعية والتوكل على الله وطلب الحاجة منه
وحده .
3- ترسيخ العقيدة عن طريق التدبر : بأن يلفت نظر الطفل إلى
مظاهر الكون وارتباطها بالتوحيد ، وهذا الربط يشعر الطفل بالتوازن النفسي ،
ويحس بأنه جزء من أجزاء الكون المتناسقة ويبين له أن هذا الكون بكل ما فيه
يسبَح لله ، ويرشده إلى التسبيح ليكون مع الركب المسبّح .
كما أن المربي يستطيع تعليم الطفل صفات الله عز وجل وأسمائه عن طريق التدبر في جمال الكون وعظمة الطبيعة ونظامها
"واعلم
أن ما ذكرناه . . . ينبغي أن يقدم للطفل في أول نشوئه ليُحفظ حفظاً ، ثم
لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئَاَ فشيئاً ، فابتداؤه الحفظ ثم الفهم
ثم الاعتقاد والإيمان والتصديق به ، وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان "
4-
حمايته من الشرك ووسائله : فإن بعض الناس يلفت نظر الطفل إلى رقابة الناس
والاستخفاء ببعض الأمور ، ويجعل الطفل مهتمّاً برضا الناس خائفاً من سخطهم ،
ويتكرر هذا حتى يغلب على مراقبة الله والاهتمام برضاه والخوف من سخطه ،
فيتعلم الرياء ، ويعمل طلباً لرضا الناس وإن غابوا عنه لم يعمل أي عمل ، أو
يعمل عادةً دون ابتغاء الأجر من الله
الفصل الثاني : التنشئة على العبادات القلبية والبدنية والأخلاق الفاضلة
يسعى
المربي الناجح إلى تنشئة ولده على العبادات ليضمن تعلقه بالدين وليحفظه من
الانحراف ، ومن الخطأ أن نهمل الطفل ثم نلزمه بالتكاليف الشرعية بعد بلوغه
، وقد ذكر العلماء أن تعليم المميِّز الصلاة لا لوجوبها عليه ولكن ليتعود
عليها حتى إذا بلغ الحُلم كانت الصلاة يسيرة عليه وتعلق قلبه بها ولم يقدر
على تركها .
والصلاة أهمُّ عبادة قلبية بدنية يجب تعويد الطفل عليها ،
فإن كان ذكراً أمرَ بالصلاة مع الجماعة وهو ابن سبع سنين ، ويؤمر بها إلى
أن يبلغَ العشر ، فإذا بلغ العشر وترك الصلاة عوقب بالضرب .
وعلى الأب
أن يأمر أولاده بالصلاة إذا دخل وقتها ، ويذكرهم بالله ويرغَبهم ويخوفهم ثم
يدعوهم إلى الوضوء ويأخذهم معه إلى المسجد أو يشترط عليهم أن يراهم قريباً
منه .
ويجب أن يلزمهم بكل ما يُشترط لصحة الصلاة من طهارة وخشوع وستر عورة وغيرها
وقد
يكره بعض المميزين الصلاة في المسجد ؛ لأن والده يأخذه إلى المسجد مبكراً
فينتظر عشر دقائق أو أكثر ، وهو يسمع أصوات الأطفال في الخارج ، ويؤمر
بالجلوس وقراءة القرآن وهو الصبي المحب للحركة ، والوسط خير ، فإذا كان
عمره أقل من الثالثة عشر عاماً فإنه يؤمر بالصلاة ويشترط والده أن يصلي
قريبَا منه ويترك له الحرية في التبكير أو التأخير إلى وقت إقامة الصلاة ،
وإذا كان بلغ الثالثة عشر فالواجب أن يأخذه منذ أن يؤذن أو يتركه يأتي
بمفرده إلا أنه يجب أن يحرص على التأكد من حضوره للصلاة .
كما عليه أن
يعودهم على العبادات المختلفة اهتداءً بمن سلف ، فقد كان الصحابة- رضوان
الله عليهم- يصوِّمون أولادهم ويعطونهم اللعب ليتلهَّوا عن الجوع ، ويصلون
معهم الجمعة والتراويح والعيدين ، ويؤذنون ، ويحجون معهم ، كل ذلك على سبيل
التدريب والتعليم
وأفضل الوسائل للتعويد على العبادات مكافأة الصبي
وترغيبه وتشجيعه على الإكثار من العبادات على منهج وسط ، ويرغَّب في الثواب
الأخروي ، يربط بالقدوة الأول صلى الله عليه وسلم ، ولكن ينبغي الحذر من
الإكثار من مكافأته حتى لا يرتبط بالهدايا ، بل يرتبط باللّه سبحانه وتعالى
، ومع استمرار العبادات يوجه الطفل إلى الخشوع وإحسان العمل وتصحيحه من
الخطأ .
وأما التنشئة على الأخلاق الفاضلة فهي جزء من الدين ، لأن المسلم إنما يتحلى بالخُلق ابتغاء الجزاء من الله سبحانه
والتنشئة الخلقية تحتاج إلى مراحل هي :
(1)
غرس العادات في مرحلة مبكرة فإن الطفل "ينشأ على ما عوده المربي في صغره
من حر وغضب ولجاج وخفة مع هواه ، وطيش وحدّة وجشع ، فيصعب عليه في كبره
تلافي ذلك " ومما يعين على جعل الطفل ذا طبيعة هادئة مراعاة حاجاته
الفطرية ، فيرضع في وقت طلبه لأن التأخير الشديد يجعله متوتراً ، وعدم قطعه
من الرضاعة حتى يرتوي ، فكثرة الانقطاع عن الرضاعة والقيام عنه مرات يجعله
سريع الانفعال ، وملاعبته حتى في أيامه الأولى يجعله متزناً وكذلك تنويمه
في الوقت الذي يريد في بداية الأمر ، وإذا بكى الطفل من الجوع أو المرض
يترك قليلاً ليتعود الصبر ، وإذا طلب شيئَاَ قريباً منه أرشد إلى خدمة نفسه
ليتعود الجد والاعتماد على النفس ، وإذا شاهد فقيراً بين له المربي حاله
ليرحمه ويشفق عليه ، فيتعلم الرحمة والتواضع ، وهكذا يمكن للمربي أن يعوده
على الفضائل في السنوات الخمس الأول .
(2) إلزامه الأحكام والآداب
الشرعية كآداب الطعام واللباس والاستئذان والنوم وكافة الآداب التي وردت ،
ويكون هذا التعويد في السنوات الأولى ، ويمنعه من مفسدات الأخلاق ، ومن
المعاصي ، وإن أكبر ما يفسدها أشعار الغزل والأغاني إذ تبذرُ فيه بذرة
الفساد ، ويُلحق بها الروايات والقصص الغرامية والأفلام المفسدة ، ويجب أن
يحرص الوالدان على حماية أبنائهم من رؤية ما يخدش الحياء سواءً في وسائل
الإعلام أو في البيت ، فتكون علاقتهما الجنسية في غاية السرية لأن الطفل
الصغير الذي ينام مع والديه يرى من الأمور ما يجعله يقلد والديه تقليداً
بريئاً ، فإذا زجره المربي عن تلك الحركات أحس أنها خطأ يستخفي به الأبوان
ولذا كان أحد الصحابة يخرج الرضيع من الحجرة إذا أراد أهله . 3
(3) ويجب
أن يجنبه لبس الحرير- إذا كان ذكراً- والذهب والتنعم لأن ذلك يعوده على
فعل الحرام والتشبه بالنساء ويمنع من قص الشعر تشبهاً وكذلك الصبيَّة تمنع
من التشبه بالرجال أو الكفار ، وهذا باب واسع ، والأصل فيه إلزام الطفل بكل
حلال ومنعه من كل حرام ، ويأثم وليه بتمكينه من المعاصي دون الصبي وقد
يقول قائل إنك تلزم ولدك بالشرع ثم ما يلبث أن يشتد عوده فيترك ما كان
يفعله خوفاً منك أو احتراماً لك ، فنقول ليس شرطاً أن يحدث ذلك ، ثم إن
إلزام المربي ولده بذلك هو واجبه الذي أمر الله به ، وقد يكون الإلزام بذلك
بدايةً للتعود ثم يصبح الطفل رجلا عاقلا ذا دين يفعل ما أمر به ابتغاء
الثواب ، وهب أنه ترك كل ما ألزمه به المربي فإنه تكون الذمة قد برئت منه .
(4) حثه على مكارم الأخلاق مع ربه أولاً ، ثم مع الناس والحيوان
والجماد ؛ لأن الأخلاق تشمل ذلك كله وهذا الحث يجب أن يكون بالتلقين وتكوين
العاطفة التي تدفع إلى التطبيق ابتغاء الأجر ، وتقوية إرادته ليقدر على
قهر الهوى وضبط النفس فيقال : إن الصدق خلق حسن ، يقود صاحبه إلى الخير ،
ويُحكى له قصص الصادقين وجزاءهم في الدنيا والآخرة ، وبهذا يحب الصدق
وتتكون لديه عاطفة تدفعه للصدق ، ولابد أن يتسلح بالإرادة والعزيمة .