حاولت أن أدعو صديقاً لي في العمل للإسلام والإيمان
بالله فقال إن الحاجز الذي يعيقه عن الإيمان بالله هو أن الأطفال البريئين
يتألمون في هذه الدنيا ، وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا يحصل هذا الشيء .
فما هي الطريقة المثلى لأُجيبه على هذا الإشكال؟.
ينبغي أن يعلم الناس جميعاً أن الله تعالى حكيم ، وأن في أوامره
وتقديراته الحكمة البالغة ، وأنه قد يعلم عباده أو بعض عباده حكمته فيها ، وقد
يخفيها عنهم ابتلاء واختباراً .
والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة ، وذلك كإرسال النبي
صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر أنه أرسله رحمة للعالمين ، ومثلها خلق الجن والإنس
إنما هو لتوحيده سبحانه وتعالى .
قال ابن تيمية :
وعلى هذا فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة ، وهذا يكفينا من
حيث الجملة ، وإن لم نعرف التفصيل ، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا
بكيفية ذاته ، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته
فغير معلومة لنا : فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل
هذا الكمال ـ ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به ، وعدم علْمنا بالحكمة
فى بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته ، فلا نكذب بما علمناه من حكمته
ما لم نعلمه من تفصيلها .
ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن
متصفاً بصفاتهم التى استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو : لم يمكنه
أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه ، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته فى خلقه
من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو ، فاعتراضهم على حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً
للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح فى الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشىءٍ من
ذلك . " مجموع الفتاوى " ( 6 / 128 ) .
وإيلام الله تعالى للأطفال لا شك ولا ريب أنه لحكمٍ عظيمة لكنها
قد تخفى على بعض الناس فينكر تقدير الله تعالى لهذا الأمر ، ويَدخل عليه الشيطان من
خلاله فيصده عن الحق والهدى .
ومن حِكم الله تعالى في ألم الأطفال :
1. الاستدلال به على مرضه أو وجعه ، ولولا ذلك ما عُلم ما به من
مرض .
2. البكاء الذي يولٍّده الألم ، وفيه منافع عظيمة لجسم الطفل .
3. الاعتبار والاتعاظ ، فقد يكون أهل الطفل هذا من مرتكبي
المحرَّمات أو تاركي الواجبات ، فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يرجعهم ذلك إلى ترك
المحرَّمات كأكل الربا أو الزنا أو ترك الصلوات أو شرب الدخان ، وخاصة إذا كان هذا
الألم بسبب مرض تسببوا بوجوده كبعض ما سبق ذكره من المحرَّمات .
4. التفكر في الدار الآخرة ، وأنه لا سعادة ولا هناء إلا في
الجنة ، ولا يكون هناك ألَم ولا عذاب ، بل صحة وعافية وسعادة ، والتفكر في النار
وأنها دار الألَم الدائم غير المنقطع ، فيعمل ما يقربه إلى الجنة ، ويباعده عن
النار .
قال ابن قيم الجوزية :
ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من
المنفعة ؛ فإن الأطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحِكمته ، وقالوا : في أدمغة
الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمةً ، فالبكاء يسيِّل ذلك
ويحدِّره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح .
وأيضاً : فإن البكاء والعِياط – أي : الصراخ - يوسِّع عليه مجاري
النَّفَس ، ويفتح العروق ، ويصلِّبها ، ويقوِّي الأعصاب .
وكم للطفل مِن منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه ، فإذا
كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد
تخطر ببالك : فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة مِن الحكَم ما قد
خفي على أكثر النَّاس ، واضطرب عليهم الكلام في حِكمته اضطراب الأرشية – أي :
الخصوم - . " مفتاح دار السعادة " ( 2 / 228 ) .
وقال – أيضاً - :
هذه الآلام هي من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها
الإنسان ولا الحيوان ، فلو تجرَّد عنها لم يكن إنساناً بل كان ملَكا أو خلقاً آخر .
وليست آلام الأطفال بأصعب من آلام البالغين ، لكن لما صارت لهم
عادة سهُل موقعها عندهم ، وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل .
وكل ذلك من مقتضى الإنسانية وموجب الخلقة ، فلو لم يُخلق كذلك
لكان خلقاً آخر ، أفترى أن الطفل إذا جاع أو عطش أو برَد أو تعب قد خُصَّ من ذلك
بما لم يُمتحن به الكبير ؟ فإيلامه بغير ذلك من الأوجاع والأسقام كإيلامه بالجوع
والعطش والبرد والحر دون ذلك أو فوقه ، وما خلق الإنسان بل الحيوان إلا على هذه
النشأة .
قالوا : فإن سأل سائل وقال : فلم خُلق كذلك ؟ وهلا خُلق خلقة غير
قابلة للألم ؟
فهذا سؤال فاسد ؛ فإن الله تعالى خلَقه في عالم الابتلاء
والامتحان من مادة ضعيفة ، فهي عرضة للآفات ، وركبَّه تركيباً معرَّضا للأنواع من
الآلام ...
فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على
المعاد ، وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين : دار خالصة للذات لا
يشوبها ألم ما ، ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما ، والدار الأولى : الجنة ،
والدار الثانية : النار ... " مفتاح دار السعادة " ( 2 / 230 ، 231 ) .
والله أعلم
بالله فقال إن الحاجز الذي يعيقه عن الإيمان بالله هو أن الأطفال البريئين
يتألمون في هذه الدنيا ، وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا يحصل هذا الشيء .
فما هي الطريقة المثلى لأُجيبه على هذا الإشكال؟.
الحمد لله
ينبغي أن يعلم الناس جميعاً أن الله تعالى حكيم ، وأن في أوامره
وتقديراته الحكمة البالغة ، وأنه قد يعلم عباده أو بعض عباده حكمته فيها ، وقد
يخفيها عنهم ابتلاء واختباراً .
والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة ، وذلك كإرسال النبي
صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر أنه أرسله رحمة للعالمين ، ومثلها خلق الجن والإنس
إنما هو لتوحيده سبحانه وتعالى .
قال ابن تيمية :
وعلى هذا فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة ، وهذا يكفينا من
حيث الجملة ، وإن لم نعرف التفصيل ، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا
بكيفية ذاته ، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته
فغير معلومة لنا : فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل
هذا الكمال ـ ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به ، وعدم علْمنا بالحكمة
فى بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته ، فلا نكذب بما علمناه من حكمته
ما لم نعلمه من تفصيلها .
ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن
متصفاً بصفاتهم التى استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو : لم يمكنه
أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه ، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته فى خلقه
من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو ، فاعتراضهم على حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً
للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح فى الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشىءٍ من
ذلك . " مجموع الفتاوى " ( 6 / 128 ) .
وإيلام الله تعالى للأطفال لا شك ولا ريب أنه لحكمٍ عظيمة لكنها
قد تخفى على بعض الناس فينكر تقدير الله تعالى لهذا الأمر ، ويَدخل عليه الشيطان من
خلاله فيصده عن الحق والهدى .
ومن حِكم الله تعالى في ألم الأطفال :
1. الاستدلال به على مرضه أو وجعه ، ولولا ذلك ما عُلم ما به من
مرض .
2. البكاء الذي يولٍّده الألم ، وفيه منافع عظيمة لجسم الطفل .
3. الاعتبار والاتعاظ ، فقد يكون أهل الطفل هذا من مرتكبي
المحرَّمات أو تاركي الواجبات ، فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يرجعهم ذلك إلى ترك
المحرَّمات كأكل الربا أو الزنا أو ترك الصلوات أو شرب الدخان ، وخاصة إذا كان هذا
الألم بسبب مرض تسببوا بوجوده كبعض ما سبق ذكره من المحرَّمات .
4. التفكر في الدار الآخرة ، وأنه لا سعادة ولا هناء إلا في
الجنة ، ولا يكون هناك ألَم ولا عذاب ، بل صحة وعافية وسعادة ، والتفكر في النار
وأنها دار الألَم الدائم غير المنقطع ، فيعمل ما يقربه إلى الجنة ، ويباعده عن
النار .
قال ابن قيم الجوزية :
ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من
المنفعة ؛ فإن الأطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحِكمته ، وقالوا : في أدمغة
الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمةً ، فالبكاء يسيِّل ذلك
ويحدِّره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح .
وأيضاً : فإن البكاء والعِياط – أي : الصراخ - يوسِّع عليه مجاري
النَّفَس ، ويفتح العروق ، ويصلِّبها ، ويقوِّي الأعصاب .
وكم للطفل مِن منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه ، فإذا
كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد
تخطر ببالك : فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة مِن الحكَم ما قد
خفي على أكثر النَّاس ، واضطرب عليهم الكلام في حِكمته اضطراب الأرشية – أي :
الخصوم - . " مفتاح دار السعادة " ( 2 / 228 ) .
وقال – أيضاً - :
هذه الآلام هي من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها
الإنسان ولا الحيوان ، فلو تجرَّد عنها لم يكن إنساناً بل كان ملَكا أو خلقاً آخر .
وليست آلام الأطفال بأصعب من آلام البالغين ، لكن لما صارت لهم
عادة سهُل موقعها عندهم ، وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل .
وكل ذلك من مقتضى الإنسانية وموجب الخلقة ، فلو لم يُخلق كذلك
لكان خلقاً آخر ، أفترى أن الطفل إذا جاع أو عطش أو برَد أو تعب قد خُصَّ من ذلك
بما لم يُمتحن به الكبير ؟ فإيلامه بغير ذلك من الأوجاع والأسقام كإيلامه بالجوع
والعطش والبرد والحر دون ذلك أو فوقه ، وما خلق الإنسان بل الحيوان إلا على هذه
النشأة .
قالوا : فإن سأل سائل وقال : فلم خُلق كذلك ؟ وهلا خُلق خلقة غير
قابلة للألم ؟
فهذا سؤال فاسد ؛ فإن الله تعالى خلَقه في عالم الابتلاء
والامتحان من مادة ضعيفة ، فهي عرضة للآفات ، وركبَّه تركيباً معرَّضا للأنواع من
الآلام ...
فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على
المعاد ، وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين : دار خالصة للذات لا
يشوبها ألم ما ، ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما ، والدار الأولى : الجنة ،
والدار الثانية : النار ... " مفتاح دار السعادة " ( 2 / 230 ، 231 ) .
والله أعلم