ملخص الخطبة
1- تشريف الله قدر نبيه . 2- علامات محبة النبي والإيمان به. 3- صور من محبة الصحابة له . 4- صفات النبي الخلقية. 5- من صفات النبي (رقته، طيبه). 6- أسماء النبي . 7- شيء من معجزاته. 8- وفاة النبي .
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، أيها المؤمنون بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام رسولاً ونبياً، خطبتنا
هذا الأسبوع مع شخص لا تؤمن حتى تحبه, ولا تكفي محبته, بل لابد أن يكون أعظم محبوب في قلبك بعد الله، وأجلّ إنسان في نظرك، وأكرم مخلوق فيتصورك, هو إنسان, لكن ليس أي إنسان, وبشر لكن ليس أي بشر, يسري حبه في عروق الصالحين كما يسري الماء في الشجر, يفدى بالآباء و الأمهات, ويقدم حبه على حب البنين والبنات, إنه إمام الهدى والأئمة, ونور الدجى وزعيم الأمة, إنه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه صلاةً وسلاماً متلازمين إلى يوم الدين، ذلك النبي الذي أنار الله به البشرية، وأنقذها به من الجهالة والتبعية، بعثه الله إلى أمة الخمور والزنا، والعهر والفجور، فتحولت بإذن الله إلى أمة الخير والفلاح، والنجاة والصلاح، بعثه الله قائداً ومعلماً، ومرشداً ورحيماً.
ومجلسنا اليوم سوف يتضوع بذكره، نعيد أذهاننا مئات السنين إلى الوراء، ونستمع إلى أصحابه وهم يصفونه، كأنك تراه أمامك، وننظر إلى شيء من حياته كيف كان يعيش.
إن محمداً عليه الصلاة والسلام فخر لكل مسلم, رجل كلمه الله بلا ترجمان, رجل أقسم الله بروحه وبحياته, وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع، وجاه عريض، قال ابن عباس ـ عند قوله تعالى ـ: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72], قال: (ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أكرم عليه من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة غيره). أهـ ، فأي مكانة تلك! وأي تشريف هذا!
ولهذه المنزلة العظيمة، والمكانة الكريمة لم يكن الإنسان مؤمناً حتى يكون عليه الصلاة والسلام أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين, بل محبته عليه الصلاة والسلام من أسباب تذوق حلاوة الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان, أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)).
ولمحبته عليه الصلاة والسلام علامات وأمارات، تدل على صدق المحبة في قلب المسلم، فمن علامات المحبة له تصديقه والإيمان بكل ما جاء به، والحذر الحذر من إنكار شيء أتى به عليه الصلاة والسلام، فإن إنكار شيء مما جاء عن الله أو ثبت عن رسوله كفر وخروج عن الملة والدين.
ولذلك فمن علامات الكفر الصريح والنفاق الواضح: التولي والإعراض عن الله ورسوله,
وَيِقُولُونَ امَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذالِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:47-51].
ومن علامات محبته اتباعه فيما أمر، وعدم مخالفته، فإن بعض من يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم ينفرون من متابعته في هديه وسنته، وهذا ناقص المحبة إن لم يكن فاقدها بالكلية، فإن المحب لمن يحب مطيع، وفي ذلك إيذان بهلاك الله للعبد المخالف للرسول صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ومهما صغرت المخالفة أو عظمت، فهي مخالفة يُخشى على صاحبها من الهلاك الدنيوي والأخروي.
ولذلك تجد الصالحين الصادقين في محبته عليه الصلاة والسلام يتأسون به غاية التأسي، ويتتبعونه في أمور حياته أعظم تتبع، وذلك لأثر المحبة في قلوبهم.
بل وُجِد من الصحابة من شرب دم النبي صلى الله عليه وسلم حين احتجم، وهو عبد الله بن الزبير، وكاد الصحابة يقتتلون على شعره حين حلقه في الحج، فأعطى أبا طلحة نصفه، فبكى أبو طلحة من شدة الفرح.
أي محبة أعظم من هذه؟! كان ابن عمر يقلد النبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، وحج فجعل ينزل في الأماكن التي نزل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن له بها حاجة.
أيها المؤمنون, وأرى بأن النفوس قد تشوقت إلى ذكر بعض صفاته عليه الصلاة والسلام، وقد وجدت في كتب السلف حرصاً منهم على تخليد صورته في الأذهان، ولعلمهم بأن أناساً سيوجدون من بعدهم يتمنون معرفة صفاته صلى الله عليه وسلم.
كان عليه الصلاة والسلام ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، معتدل القامة، أبيض مليح الوجه مستديره، إذا تبسم فكأنما وجهه البدر من جماله، وكان رجل الشعر، أزهر اللون، مشرباً بحمرة، في بياض ساطع، أكحل العين، وليس بهما كحل، طويل أهداب العين، طويل النظر إلى الأرض، شديد الحياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، أسود الشعر، كث اللحية، إذا مشى كأنه يتكفأ، وإذا التفت التفت بجميع بدنه، واسع الفم، حسن الأنف، ضخم اليدين، لينهما، مات ولم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبة.
حدث عنه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان ـ يعني مكتملة البدر ـ فجعلت أنظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، وعليه حلة حمراء، فإذا هو عندي أحسن من القمر).
وحدثت عائشة رضي الله عنها فقالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً ـ تعني غارقاً في ضحكه ـ وإنما كان ضحكه التبسم.
وفي حديث أم معبد، وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين جاءها وأبو بكر معه، فذكرت من جملة وصفها له تقول: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، لم تعبه نحلة، ولم تزر به صقلة ـ تعني لا نحيف ولا سمين ـ وفي صوته صهل ـ تعني بحة حسن ـ أزج أقرن
ـ تعني حاجباه متصلان مقوسان ـ إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر ـ تعني متوسط القامة ـ له رفقاء يحفون به، إذا قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود ـ تعني محاط من أصحابه ومطاع ـ لا عابس ولا مفند ـ تعني طلق الوجه ليس بعابس وكلامه خال من الخرافات ـ.
ومن أعظم صفاته صلى الله عليه وسلم خاتم النبوة، وكان بين كتفيه، قال جابر بن سمرة: (رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدة حمراء مثل بيضة الحمام، يشبه جسده).
وكان للرسول صلى الله عليه وسلم رائحة أطيب من المسك والعنبر، فعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست ديباجاً، ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً، ولا عنبراً، أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم).
وعن أنس أيضاً قال: قال ـ يعني نام في القيلولة ـ قال عندنا الرسول صلى الله عليه وسلم فعرق، فجاءت أمي بقارورة، فجعلت تأخذ العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟)) قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو أطيب من الطيب.
وكان عليه الصلاة والسلام يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل, فأي جمال هذا؟! وأي حسن؟!
هذه صفاته, كلها كمال إنساني وتجميل رباني.
أما أسماؤه, فله خمسة أسماء، قال عليه الصلاة والسلام: ((لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي)).
وسماه الله فقال تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128].
ويجري الله على يد هذا النبي العظيم أعظم المعجزات، لتدل على صدقه في دعوته، فأولها معجزة القرآن، هو كلام من جنس كلام العرب، ولكن الله تحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، فكان المعجزة الكبرى.
وتحدت قريش رسول الله أن يشق لهم القمر نصفين؛ ليستدلوا على أنه صادق؛ فأشار بيده فانشق القمر نصفين في السماء، وكان يأخذ الطعام اليسير بين يديه، فيبارك الله فيه، فيطعم به الجيش ويشبعهم ويزيد، واحتاج الصحابة إلى ماء ذات مرة ليشربوا ويتطهروا، فلم يجدوا إلاّ قدحاً فيه ماء قليل، فوضع عليه الصلاة والسلام كفه فيه، فنبع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، كأنه عيون فشربوا منه وتوضؤوا جميعاً.
وكان يخطب إلى جذع نخلة، فصنع له منبر ليخطب عليه، فلما قام فوق المنبر، إذا بصوت بكاء وحنين، فإذا هو جذع النخلة يبكي على فراق الرسول صلى الله عليه وسلم، فينزل عليه الصلاة والسلام من على منبره ويضم الجذع فيسكن.
وشكا صحابي إليه بعيراً له لا يطيعه، فذهب النبي إلى البستان، فجاء البعير مسرعاً حين رأى النبي حتى أطرق عنده وشكا إليه قسوة الصحابي ودموعه تذرف، فعرف ذلك النبي، وأمر الرجل بالإحسان إليه.
وخرج يوماً إلى الخلاء لقضاء حاجته، فلم يجد ما يستتر به إلاّ شجرتين متباعدتين، فدعاهما فأتتاه، ثم أمرهما فافترقتا.
وجعل له السم في ذراع شاة، فكلمه ذراع الشاة المسمومة، بأنه مسموم، وكان يمسح على الشاة الهزيلة فتدر لبناً بإذن الله.
وجاءه علي بن أبي طالب يشكو رمداً في عينه فتفل في عينه فصح من حينه، ولم يرمد بعدها أبداً.
وجاءه رجل وعينه مدلاة قد سقطت، فأخذها بكفه، فردها مكانها، قال الصحابي: فكانت خيراً من أختها، وكانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه عليه الصلاة والسلام.
ومعجزاته، أكثر من تحصر في مقام كهذا، فقد ألفت الكتب في ذلك.
ومع كل هذه المعجزات للنبي عليه الصلاة والسلام، لم يتكبر ولم يتباهى أو يفخر، وإنما ظل باكياً خاشعاً، تدمع عيناه، ويتفاعل مع أصحابه، يحزن لحزنهم، ويضحك لضحكهم.
ضحكت لك الأيام يا علم الهدى ……واستبشرت بقدومك الأعوام
وتوقف التأريخ عندك مذعناً …تملي عليه وصحبك الأقلام
اضحك لأنك جئت بشرى للورى …في راحتيه السلم والإسلام
اضحك فبسمتك الصعود وفجرها …ميلاد جيل ما عليه ظلام
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ [الأحزاب:40].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ...
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين ولا عدوان إلاّ على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى جميع الثقلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد, قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ [الزمر:30].
لما انتهت رسالة الحبيب المصطفى، وكان بشراً كالبشر، إنساناً كالإنس كتب الله عليه الفناء، كتب الله الموت عليه وعلى كل مخلوق: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ [الرحمن:26، 27], وجاءت النهاية المحتومة، نزل ملك الموت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يصطحبه جبريل، ويستأذن له أن يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدخل ملك الموت ويستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستأذن أحداً بعده، ثم يقبض روحه، وتفيض الروح إلى باريها، وما إن انتهى الصحابة من دفن ذلك الجثمان الطاهر، حتى أحسوا من قلوبهم تغيراً واضحاً، مات المعلم، مات الموجه، وتفتحت أبواب الدنيا للناس، فتنافسوها.
أمة الإسلام, ما مات رسول الهدى، حتى بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك.
ومع مضي السنين, بدأ الناس في التنازل عن دينهم، والله المستعان.
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مازال يوصي بتعاليم دينه, يوصي بالصلاة، ويوصي بالنساء، ويوصي بالاجتماع، ويحذر من الفرقة, ثم تلاشت تلك النصائح المحمدية من قلوب الناس إلاّ من رحم ربك.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبي الرحمة، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم امتثالاً لأمر ربكم جل وعلا حيث يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
الرقاق والأخلاق والآداب, قضايا في الاعتقاد
الاتباع, اللباس والزينة**ملخص الخطبة
1- لا يقبل الله العمل إلا بشرطي الإخلاص والمتابعة. 2- اتباع النبي دليل محبته. 3- أثر المعصية في ذل العبد وانكساره. 4- التحذير من مخالفة أمر الله ورسوله. 5- تحريم بعض صور الزينة. 6- صيام عاشوراء.
الخطبة الأولى***اما بعد 00اخوة الايمان والاسلام
عباد الله اتقوا الله تبارك وتعالى وأطيعوه وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد أمركم بطاعة رسوله ومتابعته, واعلموا أنه تبارك وتعالى كما لا يقبل العمل حتى يكون الإخلاص متحققاً فيه، كذلك لا يقبله حتى يكون متابعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولقد قال الله تبارك وتعالى في الآية الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين من سورة آل عمران: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31، 32].
قوله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر كاذب في دعواه, ولهذا كما قال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون الله تبارك وتعالى فابتلاهم بهذه الآية: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل لكم فوق ما طلبتم، يحصل لكم ما هو أعظم, محبة الله إياكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويتفضل عليكم بعد الفضل العظيم بمحبته إياكم ويتفضل عليكم بمغفرة الذنوب فهو غفور رحيم، فكل قول وعمل ينبغي أن يوزن بقول وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن وافقه وإلا فهو مردود على صاحبه. كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي فهو مردود عليه.
ثم قال الله تبارك وتعالى: قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ أطيعوا الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, وإياكم والمعصية وإياكم ومحدثات الأمور، فمعصية الله ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم تُنذر بالذل في القلوب وعلى الوجوه ولو كان العاصي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في نعيم وفي رفاهية وعز ومجد بين الناس في الدنيا. قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "وإن هملجت بهم البراذين (جمع برذون: وهو ما بين الحصان والبغل, قصير إذا ركبه صاحبه مشى به متراقصاً مهتزاً. فلا يركبه إلا المترفون).
يقول: "وإن همجلت بهم البراذين ـ ظهرت عليهم بذلك آثار الغنى ـ وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في قلوبهم وعلى وجوههم, يأبى الله إلا أن يذل من عصاه", وذلك أن من أطاع الله فقد والاه, ولا يذل من والاه ربه كما في دعاء القنوت((إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت)).
ولِم لا وقد أخبر الله تبارك وتعالى في القران العظيم أنه لو أدرك نبيٌ رسولَ الله محمد صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا اتباعه والدخول في شريعته صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان من المرسلين ـ أي كان صاحب رسالة ـ أو كان من أولي العزم كما قال الله تعالى في نفس السورة في الآية الحادية والثمانين: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ [آل عمران:81].
لئن أدركتم محمداً صلى الله عليه وسلم لتؤمنن به ولتنصرنه وإن لم تدركوه فأوصوا أتباعكم إن هم أدركوه أن يطيعوه. قَالَ ءأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِى [آل عمران:81]، قال: أأقررتم وأخذتم العهد قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].
كذلك في الآية الخامسة والستين من سورة النساء نفى الله الإيمان عمن لم يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وإلى كتاب الله وسنة رسوله بعد مماته غير واجد من حكمه في نفسه حرجاً, بل وعليه أن يُسلم تسليماً قال: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].
ومن ثَم قال بعد هذه الآية بخمس عشرة آية: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء:80].
ومن ثَم ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)).
هو الذي يأبى، الذي يعصيني ولا يطيعني وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي: إن عليك إلا البلاغ, ومن عصاك فلا يضر إلا نفسه. كما في الصحيحين كذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه)).
ثم تقول الآية ـ من سورة الأعراف ـ الثامنة والخمسون بعد المائة في نهايتها: فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىّ الامّىّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره لعلكم تهتدون الصراط المستقيم.
وفي سورة المائدة قال في الآية الثانية والتسعين: وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة:92].
وقال في الآية العشرين وما وليها من سورة الأنفال: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20].
أي اسمعوا سمع من يدرك ويفهم وينقادوَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ [الأنفال:21]، فإن من قال سمعت ولا ينقاد له مثل في الآية التالية: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ [الأنفال:22].
ثم قال الله تبارك وتعالى محذراً نهاية الآية الثالثة والستين من سورة النور: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أي عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
أي ليخش من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصيبهم فتنة من كفر أو نفاق أو بدعة، ليحذر المخالفون أن يؤول أمرهم للكفر أو النفاق أو البدعة, فإن من عود نفسه مخالفة الرسول قسا قلبه وأشرب البدعة ولم يقبل بعد ذلك سنةً من هديه صلى الله عليه وسلم فابتلى بالكفر أو النفاق أو البدعة أوعَذَابٌ أَلِيمٌ ليحذروا كذلك أن يُبتلوا في الدنيا بقتل أو حد فليحذروا.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش والدواب اللاتي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها)).*قال: ((فذلك مثلي ومثلكم, أنا أخذ بحجزكم عن النار أقول: هلم عن النار وأنتم تغلبوني وتقتحمون فيها)).
انظروا إلى هذا المثل, يمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل أوقد ناراً, وقف يحجز الفراش والدواب عن الوقوع في هذه النار, وهو صلى الله عليه وسلم بأوامره ونهيه وطريقته قد بين السبيل وكأنه قام أمام النار ويحجز كل من أراد الخوض فيها بعمله الخبيث, ولكنهم يأبون فيقعون فيها.
وفي آخر آية نستشهد بها ـ والآيات في ذلك كثيرة ـ آية سورة الحشر السابعة: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ أي مهما أمركم الرسول بأمره فأتمروا ومهما نهاكم عن أمر فاجتنبوه وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7].**ولهذا فقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري عن منصور عن علقمة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)).
الواشمات: يقمن بدق وشم من أجل الزينة أو الحلية في الذراعين أو في أي مكان في الوجه مثلاً، ولعن الله المتنمصات اللائي يأخذن شعر الوجه (شعر الحاجبين) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شعر الحاجبين, ـ كما هو معروف ـ وأما إن نبت للمرأة شعر تخالف به أمر النساء وتشبه به الرجال فلها أن تزيله بلا خلاف, وأما شعر الحاجبين فلا تقربه. المتنمصات والمتفلجات للحسن اللائي يفرجن بين الأسنان لتبدو المرأة بذلك في غاية الحسن. المغيرات خلق الله ، يغيرين بذلك خلق الله، لعنهن الله تبارك وتعالى.
قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد في البيت يقال لها أم يعقوب فغضبت فقالت لعبد الله: أنت الذي تقول كيت وكيت، قال: نعم وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالت: فلعله أنه يكون في بعض أهلك ـ لعل ما تنهى عنه وتلعن فاعله يكون متفشياً ظاهراً في بعض أهلك ـ قال ادخلي فانظري, فدخلت فلم ترَ من حاجتها شيئاً, فخرجت فقالت: لم أرَ بأساً فقال في بعض الروايات: أما حفظت وصية العبد الصالح ـ أنا أقول ذلك وقد مرت عليّ وصية العبد الصالح ـ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ يعني بذلك شعيباً عندما قال لقومه وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88]، أنا أنهاكم عن شيء ثم آتيه، وقال لها في الرواية التي في الصحيحين: (إذن لا تجامعنا) أي لو أن امرأة من أهلي تفعل ذلك لم تعاشرنا.
وَاتَّقُواْ اللَّهَ أي اتقوه بامتثال أوامره وترك زواجره إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ شديد العقاب لمن خالف أمره وعصاه.
وبعد هذه الآيات والأحاديث أقول إن بعض الناس قد ردوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفعون بصدور النصوص وأعجازها بالنصوص بنفس الكلام يقولون التقوى هاهنا كلما دعوا إلى مفارقة منكر أو لزوم معروف عارضوه بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التقوى هاهنا)) حتى ولو كانوا عاكفين عن منكر واضح ظاهر النكارة يقولون التقوى هاهنا, وهم في لهو ولعب وإعراض عن ذكر الله تبارك وتعالى بل قد يكونوا خائضين في أمور ليس لهم أن يخوضوا فيها ويقولون: التقوى هاهنا.
ويقال لهم: لم يغب عمن قالها ((التقوى هاهنا)) لم يغب عنه ذلك عندما نهى عن هذه المحرمات التي أنتم عاكفون عليها, ويقال لهم أيضاً: لو اتقى هاهنا(أي القلب) لاتقى ما هاهنا في كل مكان في البدن والجسد فالبدن تابع للقلب، القلب أمير وملك على الجوارح كلها، لو اتقى لاتقت كل الجوارح ولظهر ذلك على الأعضاء وعلى الجسد فهو تابع لهذا القلب.
وأقول كذلك إننا في بيوتنا قد فتحنا لأولادنا نافذة على كل الملهيات والمسليات وكل ما يحقق الشهوات ولم نفتح لهم نافذة على معرفة الله ورسوله فشب الأولاد حتى صاروا غلماناً ولم يعرفوا عن ذلك إلا اليسير الذي يعرض عليهم في الكتب المدرسية ثم بعد ذلك نشتري لهم السيارت التي يصولون بها ويجولون لا ليقضوا بها حوائجهم وإنما ليتعرضوا بها للنساء. نرثي لأحوالهم ونحن الذين تسببنا لهم في ذلك بما ظننا أنه رحمة وأنه شفقة, أن يُعطوا كل ما يسألونه من المال فساءت الأحوال ونشأ جيل لا يعرفون الله تبارك وتعالى, ولو عرفوه لأطاعوه ولامتلأت المساجد طاعة ولاستراحت النساء من المعاكسات، حتى لو أخرجت إحداهن تبغى المراودة وتبغى بذلك أن تزل أقدام الشباب لوجدت من يعتصمون كما استعصم يوسف عليه السلام إذ شهدت له امرأة العزيز بسلامة الباطن والظاهر فقالت: وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ [يوسف:32]، استعصم يوسف عليه السلام ورفض المراودة, وجاء جيل لم يعرفوا ربهم تبارك وتعالى, لم يعرفوا أنه جدير بالتقوى, وأنه جدير بالطاعة وأنه مطلع عليهم, قريب منهم ونعاني من ذلك ما نعانيه.
لكن لابد من الثبات في هذا الميدان لابد من المقاومة لما وقر في أذهان بعض الناس من خلال ما زينه الشيطان وألقته أبواق الدعاية لأدعياء وأعداء الإسلام من النهي عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة أنها مُؤخرة صادة عن التقدم والرقى فيظن بعض الناس أنهم لو التزموا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ساءت أحوالهم ومنعوا من زينة الدنيا وتخلفوا عن البناء والإنتاج، لا والله ما منع الإسلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعملوا ويتّجروا بالأسواق, ما منع أن يغتني منهم من اغتنى ماداموا يعرفون لله حقه في أموالهم.
هذه دعوى الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة: إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا رد الله عليهم وقال: أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [القصص:57] يقولون: إن اتبعنا هذا الدين واتبعنا ما فيه من السنن وحرمنا وقيل لنا: حرام حرام, من الذي يملك أن يحرم زينة الله تبارك وتعالى؟!
قال في الآية الثانية والثلاثين من سورة الأعراف: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف:32].
اللهم ارزقنا طاعتك وطاعة رسولك باطناً وظاهراً وعلانية وسراً، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
***الخطبة الثانية*****جزء من خطبة عن عاشوراء
الحمد لله رب العالمين وأشهد لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين اللهم صل وسلم على نبينا وإمامنا وقدوتنا وعلى آله وصحبه أجمعين.****أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الحجة تقوم عليكم من خلال ما تسمعون من الآيات ومن السنة فعودوا إلى الحق والزموه فعما قليل يطلب الله تبارك وتعالى وديعته فينا وهي الروح ونؤول إلى ما قد علمنا من تراب وظلمة ودود وغير ذلك, إلاّ على من وسع الله تبارك وتعالى ونوّر وفتح له باباً إلى الجنة يعرف به أنه من أهلها جزاءً من ربك عطاءً حساباً, وأما غير ذلك من العصاة المارقين فلهم باب إلى النار بشرى عاجلة بالعذاب الأليم والنكال والجحيم جزاءً وفاقاً, واعلموا أيضاً أنكم في شهر حرام قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه فيما أخرجه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)) ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من هذا الشهر أكثره.لأن الله تبارك وتعالى نجّى فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون ـ عليه لعائن الله المتكررة وقومه ـ نجاهم الله في هذا الشهر, فصام اليهود اليوم العاشر شكراً لله تبارك وتعالى.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عِلم ذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((نحن أولى بموسى)) فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.**وروى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام يوم عاشوراء (اليوم العاشر من محرم) سُئل عنه صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية)).*يوم واحد صوموه يكفر سنةً ماضية من الذنوب.وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)).
فعرفنا بذلك أن علينا أن نصوم يوماً قبله أو يوماً بعده, فقد استقر الأمر على ذلك مخالفةً لليهود، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا دائماً أن نتميز وأن نخالف اليهود والنصارى والمشركين صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحسد
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
أمراض القلوب
-----------------------
أحمد حسن المعلم
المكلا
6/8/1419
خالد بن الوليد
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- قصة حسد ابن آدم لأخيه. 2- من سن سنة سيئة بين الناس حمل وزرهم. 3- شناعة القتل والظلم. 4- العدل بين الأولاد يدفع الحسد.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
إخوة الأسلام, يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءادَمَ بِالْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاْخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَاذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:27-31].
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
مع قصة من قصص القرآن نعيش اليوم, لنأخذ منها درساً وعبراً لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى [يوسف:111].
يقول سبحانه وتعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءادَمَ بِالْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاْخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءادَمَ بِالْحَقّ أي: اقصص عليهم هذا النبأ العظيم وهذا الخبر العجيب بالحق كما كان وكما حصل وكما حدث بلا زيادة أو نقصان.
قال أهل التفسير: "لما هبط آدم وحواء إلى الأرض بدأ التناسل والتكاثر، وولدت حواء 20 بطناً كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى، فكان أول أولادهما قابيل وأخته ثم هابيل وأخته، وكان من شريعة آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن لا يجوز للأخ أن يتزوج بأخته التوأم, وكان يتزوج بأي أخت من أخواته غير التوأم التي لم تكن معه في نفس البطن، وكانت أخت قابيل جميلة، وأخت هابيل دميمة، فطلب هابيل أن يتزوج أخت قابيل الجميلة ـ كما شرع الله ـ ولكن قابيل رفض وقال: أنا أحق بأختي مع أن هذا حرام في شريعة آدم عليه السلام.
وكان قابيل في طبعه خشونة وشدة، وأما هابيل فكان فيه لِين ورقة، وكان قابيل يعمل في الزراعة وأما هابيل فكان يعمل برعي الأغنام، وكان من شريعة آدم عليه السلام تقديم القرابين، والقربان هدية تهدى لله سبحانه وتعالى كهدي الحج، وكانت علامة قبول القربان أن تأتي نار فتأكل هذا القربان، وإذا لم تأكل النار هذا القربان فهذا علامة على عدم قبول هذا القربان، فقدم هابيل كبشاً وكان من أفضل المواشي عنده، وأما قابيل فجاء بزرع نتن غير صالح للأكل فقدمه قرباناً.
فلما جاءا في اليوم التالي وجدا أن قربان هابيل قد قُبل وأكلته النار, وأما قربان قابيل لم يتقبل, بقي كما هو لم تأكله النار, فزاد حسده على أخيه وزاد حنقه وحقده وغضبه، وما كان من قابيل إلا أن قال لأخيه هابيل: أينظر الناس إليّ وأنت خير مني؟ لا والله لأقتلنك، فقال له أخوه هابيل: وما ذنبي أنا إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
وسوس الشيطان لقابيل أن يقتل أخاه وزين له ذلك ولم يكن القتل معروفاً ولم تحدث أي جريمة قتل قبل ذلك، قال قابيل لأخيه هابيل: لأقتلنك فما كان من أخيه هابيل إلا أن ذكره بالله عز وجل وقال له: لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يعني لن أدافع عن نفسي ولن أقاوم ولن أعاملك بالمثل ولكن أُذَكِرك الله رب العالمين، مع أنه كان أقوى من أخيه وقادر على التغلب عليه، ولكن منعه الخوف من الله، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (وايم الله إن كان أشد الرجلين, ولكن منعه الورع).
ولكن لم ينفع ذلك فأخذ هابيل يخوفه من عذاب الله وانتقل من الترغيب إلى الترهيب وقال له: إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ يعني سوف تحمل إثم قتلي فوق آثامك الماضية وتكون من أصحاب النار عياذاً بالله تعالى، ولكن لم ينفع الترغيب ولا الترهيب, لأن الشيطان قد استحوذ عليه وملأ قلبه حسداً وحقداً على أخيه.
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ حصلت الجريمة أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية سببها الحسد، فكان الحسد أول معصية يعصى بها الله سبحانه وتعالى في الأرض.
في ليلة سوداء بينما كان هابيل نائماً جاء قابيل بصخرة فهشم بها رأس أخيه فقتله وكانت الجريمة.
احتار قابيل في جثة أخيه ماذا يعمل بها؟ كيف يستر جريمته، فقد كانت أول جثة ولا يعرف ماذا يفعل، فما كان منه إلا أن حمل هذه الجثة على ظهره وأخذ يمشي بها في الأرض، وبينما هو كذلك إذ أنزل الله غرابين أخوين فتقاتلا وقتل أحدهما الآخر، ومات الغراب أمام نظر قابيل، ثم إن الغراب الحي بدأ يحفر التراب ثم دفع بجثة الغراب الميت وحثا عليه التراب، فتعلم قابيل من الغراب أين يدفن أخاه، فحفر في الأرض ووضع أخاه في الحفرة ثم حثا عليه التراب وأصبح نادماً على ما فعل، ولكنه ما استغفر وما تاب وما أناب، وهذا قوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَاذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ.
معاشر المسلمين, في قصة ابني آدم دروس:
أول هذه الدروس: ((من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)).
يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل)).
ولذلك يقول سبحانه وتعالى بعد هذه الآيات: مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْراءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].
الدرس الثاني: شناعة هذه الجريمة ـ جريمة القتل ـ وعظيم عقوبتها عند الله، فهي أعظم معصية عُصي بها الله تعالى بعد الإشراك بالله تعالى، يقول سبحانه وتعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93].
وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)).
وفي الحديث أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)) وقد اجتمع هذان الأمران ـ البغي وقطيعة الرحم ـ في قابيل أجارنا الله جميعا,ً وصرف عنا أسباب غضبه ومقته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله جل وعلا هدى ورحمة للعالمين, محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله الطيبين الطاهرين.
عباد الله, اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وتدبروا القرآن الكريم، وتمسكوا بسنة خاتم النبيين، وتفقهوا في الدين، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
أما بعد, فالدرس الثالث في قصة ابني آدم عليه السلام: أن الحسد مركوز في فطرة الناس، قال الحسن رحمه الله: "ما خلا جسد من حسد". ولكن المؤمن يدفعه، ويعتقد أن الحسد من أكبر الخطايا والذنوب, وأنه من أقبح السيئات, وأنه يأكل الحسنات, وأنه ينحل الجسم, وأنه يذهب بالتقوى والورع, وأنه يغضب الرب على العبد.
ألا قل لمن بات لي حاسداً……أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله سبحانه……لأنك لم ترض لي ما وهب
فمن حسد فقد أساء الأدب مع الله، وقد اعترض على القضاء والقدر، فقد ضيع نفسه وكره فضل ربه على الناس أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54].
فالحسد مقيت وهو أول ما عُصي الله به في الأرض ـ كما مر بنا ـ نعوذ بالله منه.
وواجب الحاسد أن يتوب إلى الله وأن يراجع حسابه مع الله, وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يحسن إلى المحسود, وأن يهدي له, وأن يدعو له, وأن يعلم أنه ارتكب خطيئة ما بعدها خطيئة.
الدرس الرابع: أن المحن تقع بين الإخوة إذا فُضِّل بعضهم على بعض، فمن حسن التربية أن يساووا في كل شيء, في الحب والعطاء والتكاليف, وفي كل شيء، فلا يقدم أحدهم على الآخر ولو كان مطيعاً ولو كان باراً, فلا ينبغي أن يفضل على إخوانه، يقول النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ميزني بشيء من القسمة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أفعلت هذا بولدك كلهم))؟ قال: لا يا رسول الله، قال: ((فلا تشهدني إذاً فإني لا أشهد على جور)) يعني على ظلم، أو قال: ((فأشهد على هذا غيري))، أو قال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)).
فمن الظلم كل الظلم أن يُقدّم ويُفضّل أحد الأبناء على الآخرين، لأن هذا يؤدي إلى المكيدة والعداوة بين الأبناء، أعاذنا الله جميعاً.
منقول
1- تشريف الله قدر نبيه . 2- علامات محبة النبي والإيمان به. 3- صور من محبة الصحابة له . 4- صفات النبي الخلقية. 5- من صفات النبي (رقته، طيبه). 6- أسماء النبي . 7- شيء من معجزاته. 8- وفاة النبي .
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، أيها المؤمنون بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام رسولاً ونبياً، خطبتنا
هذا الأسبوع مع شخص لا تؤمن حتى تحبه, ولا تكفي محبته, بل لابد أن يكون أعظم محبوب في قلبك بعد الله، وأجلّ إنسان في نظرك، وأكرم مخلوق فيتصورك, هو إنسان, لكن ليس أي إنسان, وبشر لكن ليس أي بشر, يسري حبه في عروق الصالحين كما يسري الماء في الشجر, يفدى بالآباء و الأمهات, ويقدم حبه على حب البنين والبنات, إنه إمام الهدى والأئمة, ونور الدجى وزعيم الأمة, إنه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه صلاةً وسلاماً متلازمين إلى يوم الدين، ذلك النبي الذي أنار الله به البشرية، وأنقذها به من الجهالة والتبعية، بعثه الله إلى أمة الخمور والزنا، والعهر والفجور، فتحولت بإذن الله إلى أمة الخير والفلاح، والنجاة والصلاح، بعثه الله قائداً ومعلماً، ومرشداً ورحيماً.
ومجلسنا اليوم سوف يتضوع بذكره، نعيد أذهاننا مئات السنين إلى الوراء، ونستمع إلى أصحابه وهم يصفونه، كأنك تراه أمامك، وننظر إلى شيء من حياته كيف كان يعيش.
إن محمداً عليه الصلاة والسلام فخر لكل مسلم, رجل كلمه الله بلا ترجمان, رجل أقسم الله بروحه وبحياته, وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع، وجاه عريض، قال ابن عباس ـ عند قوله تعالى ـ: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72], قال: (ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أكرم عليه من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة غيره). أهـ ، فأي مكانة تلك! وأي تشريف هذا!
ولهذه المنزلة العظيمة، والمكانة الكريمة لم يكن الإنسان مؤمناً حتى يكون عليه الصلاة والسلام أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين, بل محبته عليه الصلاة والسلام من أسباب تذوق حلاوة الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان, أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)).
ولمحبته عليه الصلاة والسلام علامات وأمارات، تدل على صدق المحبة في قلب المسلم، فمن علامات المحبة له تصديقه والإيمان بكل ما جاء به، والحذر الحذر من إنكار شيء أتى به عليه الصلاة والسلام، فإن إنكار شيء مما جاء عن الله أو ثبت عن رسوله كفر وخروج عن الملة والدين.
ولذلك فمن علامات الكفر الصريح والنفاق الواضح: التولي والإعراض عن الله ورسوله,
وَيِقُولُونَ امَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذالِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:47-51].
ومن علامات محبته اتباعه فيما أمر، وعدم مخالفته، فإن بعض من يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم ينفرون من متابعته في هديه وسنته، وهذا ناقص المحبة إن لم يكن فاقدها بالكلية، فإن المحب لمن يحب مطيع، وفي ذلك إيذان بهلاك الله للعبد المخالف للرسول صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ومهما صغرت المخالفة أو عظمت، فهي مخالفة يُخشى على صاحبها من الهلاك الدنيوي والأخروي.
ولذلك تجد الصالحين الصادقين في محبته عليه الصلاة والسلام يتأسون به غاية التأسي، ويتتبعونه في أمور حياته أعظم تتبع، وذلك لأثر المحبة في قلوبهم.
بل وُجِد من الصحابة من شرب دم النبي صلى الله عليه وسلم حين احتجم، وهو عبد الله بن الزبير، وكاد الصحابة يقتتلون على شعره حين حلقه في الحج، فأعطى أبا طلحة نصفه، فبكى أبو طلحة من شدة الفرح.
أي محبة أعظم من هذه؟! كان ابن عمر يقلد النبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، وحج فجعل ينزل في الأماكن التي نزل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن له بها حاجة.
أيها المؤمنون, وأرى بأن النفوس قد تشوقت إلى ذكر بعض صفاته عليه الصلاة والسلام، وقد وجدت في كتب السلف حرصاً منهم على تخليد صورته في الأذهان، ولعلمهم بأن أناساً سيوجدون من بعدهم يتمنون معرفة صفاته صلى الله عليه وسلم.
كان عليه الصلاة والسلام ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، معتدل القامة، أبيض مليح الوجه مستديره، إذا تبسم فكأنما وجهه البدر من جماله، وكان رجل الشعر، أزهر اللون، مشرباً بحمرة، في بياض ساطع، أكحل العين، وليس بهما كحل، طويل أهداب العين، طويل النظر إلى الأرض، شديد الحياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، أسود الشعر، كث اللحية، إذا مشى كأنه يتكفأ، وإذا التفت التفت بجميع بدنه، واسع الفم، حسن الأنف، ضخم اليدين، لينهما، مات ولم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبة.
حدث عنه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان ـ يعني مكتملة البدر ـ فجعلت أنظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، وعليه حلة حمراء، فإذا هو عندي أحسن من القمر).
وحدثت عائشة رضي الله عنها فقالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً ـ تعني غارقاً في ضحكه ـ وإنما كان ضحكه التبسم.
وفي حديث أم معبد، وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين جاءها وأبو بكر معه، فذكرت من جملة وصفها له تقول: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، لم تعبه نحلة، ولم تزر به صقلة ـ تعني لا نحيف ولا سمين ـ وفي صوته صهل ـ تعني بحة حسن ـ أزج أقرن
ـ تعني حاجباه متصلان مقوسان ـ إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر ـ تعني متوسط القامة ـ له رفقاء يحفون به، إذا قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود ـ تعني محاط من أصحابه ومطاع ـ لا عابس ولا مفند ـ تعني طلق الوجه ليس بعابس وكلامه خال من الخرافات ـ.
ومن أعظم صفاته صلى الله عليه وسلم خاتم النبوة، وكان بين كتفيه، قال جابر بن سمرة: (رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدة حمراء مثل بيضة الحمام، يشبه جسده).
وكان للرسول صلى الله عليه وسلم رائحة أطيب من المسك والعنبر، فعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست ديباجاً، ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً، ولا عنبراً، أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم).
وعن أنس أيضاً قال: قال ـ يعني نام في القيلولة ـ قال عندنا الرسول صلى الله عليه وسلم فعرق، فجاءت أمي بقارورة، فجعلت تأخذ العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟)) قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو أطيب من الطيب.
وكان عليه الصلاة والسلام يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل, فأي جمال هذا؟! وأي حسن؟!
هذه صفاته, كلها كمال إنساني وتجميل رباني.
أما أسماؤه, فله خمسة أسماء، قال عليه الصلاة والسلام: ((لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي)).
وسماه الله فقال تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128].
ويجري الله على يد هذا النبي العظيم أعظم المعجزات، لتدل على صدقه في دعوته، فأولها معجزة القرآن، هو كلام من جنس كلام العرب، ولكن الله تحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، فكان المعجزة الكبرى.
وتحدت قريش رسول الله أن يشق لهم القمر نصفين؛ ليستدلوا على أنه صادق؛ فأشار بيده فانشق القمر نصفين في السماء، وكان يأخذ الطعام اليسير بين يديه، فيبارك الله فيه، فيطعم به الجيش ويشبعهم ويزيد، واحتاج الصحابة إلى ماء ذات مرة ليشربوا ويتطهروا، فلم يجدوا إلاّ قدحاً فيه ماء قليل، فوضع عليه الصلاة والسلام كفه فيه، فنبع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، كأنه عيون فشربوا منه وتوضؤوا جميعاً.
وكان يخطب إلى جذع نخلة، فصنع له منبر ليخطب عليه، فلما قام فوق المنبر، إذا بصوت بكاء وحنين، فإذا هو جذع النخلة يبكي على فراق الرسول صلى الله عليه وسلم، فينزل عليه الصلاة والسلام من على منبره ويضم الجذع فيسكن.
وشكا صحابي إليه بعيراً له لا يطيعه، فذهب النبي إلى البستان، فجاء البعير مسرعاً حين رأى النبي حتى أطرق عنده وشكا إليه قسوة الصحابي ودموعه تذرف، فعرف ذلك النبي، وأمر الرجل بالإحسان إليه.
وخرج يوماً إلى الخلاء لقضاء حاجته، فلم يجد ما يستتر به إلاّ شجرتين متباعدتين، فدعاهما فأتتاه، ثم أمرهما فافترقتا.
وجعل له السم في ذراع شاة، فكلمه ذراع الشاة المسمومة، بأنه مسموم، وكان يمسح على الشاة الهزيلة فتدر لبناً بإذن الله.
وجاءه علي بن أبي طالب يشكو رمداً في عينه فتفل في عينه فصح من حينه، ولم يرمد بعدها أبداً.
وجاءه رجل وعينه مدلاة قد سقطت، فأخذها بكفه، فردها مكانها، قال الصحابي: فكانت خيراً من أختها، وكانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه عليه الصلاة والسلام.
ومعجزاته، أكثر من تحصر في مقام كهذا، فقد ألفت الكتب في ذلك.
ومع كل هذه المعجزات للنبي عليه الصلاة والسلام، لم يتكبر ولم يتباهى أو يفخر، وإنما ظل باكياً خاشعاً، تدمع عيناه، ويتفاعل مع أصحابه، يحزن لحزنهم، ويضحك لضحكهم.
ضحكت لك الأيام يا علم الهدى ……واستبشرت بقدومك الأعوام
وتوقف التأريخ عندك مذعناً …تملي عليه وصحبك الأقلام
اضحك لأنك جئت بشرى للورى …في راحتيه السلم والإسلام
اضحك فبسمتك الصعود وفجرها …ميلاد جيل ما عليه ظلام
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ [الأحزاب:40].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ...
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين ولا عدوان إلاّ على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى جميع الثقلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد, قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ [الزمر:30].
لما انتهت رسالة الحبيب المصطفى، وكان بشراً كالبشر، إنساناً كالإنس كتب الله عليه الفناء، كتب الله الموت عليه وعلى كل مخلوق: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ [الرحمن:26، 27], وجاءت النهاية المحتومة، نزل ملك الموت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يصطحبه جبريل، ويستأذن له أن يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدخل ملك الموت ويستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستأذن أحداً بعده، ثم يقبض روحه، وتفيض الروح إلى باريها، وما إن انتهى الصحابة من دفن ذلك الجثمان الطاهر، حتى أحسوا من قلوبهم تغيراً واضحاً، مات المعلم، مات الموجه، وتفتحت أبواب الدنيا للناس، فتنافسوها.
أمة الإسلام, ما مات رسول الهدى، حتى بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك.
ومع مضي السنين, بدأ الناس في التنازل عن دينهم، والله المستعان.
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مازال يوصي بتعاليم دينه, يوصي بالصلاة، ويوصي بالنساء، ويوصي بالاجتماع، ويحذر من الفرقة, ثم تلاشت تلك النصائح المحمدية من قلوب الناس إلاّ من رحم ربك.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبي الرحمة، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم امتثالاً لأمر ربكم جل وعلا حيث يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
الرقاق والأخلاق والآداب, قضايا في الاعتقاد
الاتباع, اللباس والزينة**ملخص الخطبة
1- لا يقبل الله العمل إلا بشرطي الإخلاص والمتابعة. 2- اتباع النبي دليل محبته. 3- أثر المعصية في ذل العبد وانكساره. 4- التحذير من مخالفة أمر الله ورسوله. 5- تحريم بعض صور الزينة. 6- صيام عاشوراء.
الخطبة الأولى***اما بعد 00اخوة الايمان والاسلام
عباد الله اتقوا الله تبارك وتعالى وأطيعوه وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد أمركم بطاعة رسوله ومتابعته, واعلموا أنه تبارك وتعالى كما لا يقبل العمل حتى يكون الإخلاص متحققاً فيه، كذلك لا يقبله حتى يكون متابعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولقد قال الله تبارك وتعالى في الآية الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين من سورة آل عمران: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31، 32].
قوله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر كاذب في دعواه, ولهذا كما قال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون الله تبارك وتعالى فابتلاهم بهذه الآية: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل لكم فوق ما طلبتم، يحصل لكم ما هو أعظم, محبة الله إياكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويتفضل عليكم بعد الفضل العظيم بمحبته إياكم ويتفضل عليكم بمغفرة الذنوب فهو غفور رحيم، فكل قول وعمل ينبغي أن يوزن بقول وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن وافقه وإلا فهو مردود على صاحبه. كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي فهو مردود عليه.
ثم قال الله تبارك وتعالى: قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ أطيعوا الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, وإياكم والمعصية وإياكم ومحدثات الأمور، فمعصية الله ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم تُنذر بالذل في القلوب وعلى الوجوه ولو كان العاصي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في نعيم وفي رفاهية وعز ومجد بين الناس في الدنيا. قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "وإن هملجت بهم البراذين (جمع برذون: وهو ما بين الحصان والبغل, قصير إذا ركبه صاحبه مشى به متراقصاً مهتزاً. فلا يركبه إلا المترفون).
يقول: "وإن همجلت بهم البراذين ـ ظهرت عليهم بذلك آثار الغنى ـ وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في قلوبهم وعلى وجوههم, يأبى الله إلا أن يذل من عصاه", وذلك أن من أطاع الله فقد والاه, ولا يذل من والاه ربه كما في دعاء القنوت((إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت)).
ولِم لا وقد أخبر الله تبارك وتعالى في القران العظيم أنه لو أدرك نبيٌ رسولَ الله محمد صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا اتباعه والدخول في شريعته صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان من المرسلين ـ أي كان صاحب رسالة ـ أو كان من أولي العزم كما قال الله تعالى في نفس السورة في الآية الحادية والثمانين: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ [آل عمران:81].
لئن أدركتم محمداً صلى الله عليه وسلم لتؤمنن به ولتنصرنه وإن لم تدركوه فأوصوا أتباعكم إن هم أدركوه أن يطيعوه. قَالَ ءأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِى [آل عمران:81]، قال: أأقررتم وأخذتم العهد قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].
كذلك في الآية الخامسة والستين من سورة النساء نفى الله الإيمان عمن لم يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وإلى كتاب الله وسنة رسوله بعد مماته غير واجد من حكمه في نفسه حرجاً, بل وعليه أن يُسلم تسليماً قال: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].
ومن ثَم قال بعد هذه الآية بخمس عشرة آية: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء:80].
ومن ثَم ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)).
هو الذي يأبى، الذي يعصيني ولا يطيعني وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي: إن عليك إلا البلاغ, ومن عصاك فلا يضر إلا نفسه. كما في الصحيحين كذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه)).
ثم تقول الآية ـ من سورة الأعراف ـ الثامنة والخمسون بعد المائة في نهايتها: فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىّ الامّىّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره لعلكم تهتدون الصراط المستقيم.
وفي سورة المائدة قال في الآية الثانية والتسعين: وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة:92].
وقال في الآية العشرين وما وليها من سورة الأنفال: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20].
أي اسمعوا سمع من يدرك ويفهم وينقادوَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ [الأنفال:21]، فإن من قال سمعت ولا ينقاد له مثل في الآية التالية: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ [الأنفال:22].
ثم قال الله تبارك وتعالى محذراً نهاية الآية الثالثة والستين من سورة النور: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أي عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
أي ليخش من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصيبهم فتنة من كفر أو نفاق أو بدعة، ليحذر المخالفون أن يؤول أمرهم للكفر أو النفاق أو البدعة, فإن من عود نفسه مخالفة الرسول قسا قلبه وأشرب البدعة ولم يقبل بعد ذلك سنةً من هديه صلى الله عليه وسلم فابتلى بالكفر أو النفاق أو البدعة أوعَذَابٌ أَلِيمٌ ليحذروا كذلك أن يُبتلوا في الدنيا بقتل أو حد فليحذروا.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش والدواب اللاتي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها)).*قال: ((فذلك مثلي ومثلكم, أنا أخذ بحجزكم عن النار أقول: هلم عن النار وأنتم تغلبوني وتقتحمون فيها)).
انظروا إلى هذا المثل, يمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل أوقد ناراً, وقف يحجز الفراش والدواب عن الوقوع في هذه النار, وهو صلى الله عليه وسلم بأوامره ونهيه وطريقته قد بين السبيل وكأنه قام أمام النار ويحجز كل من أراد الخوض فيها بعمله الخبيث, ولكنهم يأبون فيقعون فيها.
وفي آخر آية نستشهد بها ـ والآيات في ذلك كثيرة ـ آية سورة الحشر السابعة: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ أي مهما أمركم الرسول بأمره فأتمروا ومهما نهاكم عن أمر فاجتنبوه وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7].**ولهذا فقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري عن منصور عن علقمة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)).
الواشمات: يقمن بدق وشم من أجل الزينة أو الحلية في الذراعين أو في أي مكان في الوجه مثلاً، ولعن الله المتنمصات اللائي يأخذن شعر الوجه (شعر الحاجبين) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شعر الحاجبين, ـ كما هو معروف ـ وأما إن نبت للمرأة شعر تخالف به أمر النساء وتشبه به الرجال فلها أن تزيله بلا خلاف, وأما شعر الحاجبين فلا تقربه. المتنمصات والمتفلجات للحسن اللائي يفرجن بين الأسنان لتبدو المرأة بذلك في غاية الحسن. المغيرات خلق الله ، يغيرين بذلك خلق الله، لعنهن الله تبارك وتعالى.
قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد في البيت يقال لها أم يعقوب فغضبت فقالت لعبد الله: أنت الذي تقول كيت وكيت، قال: نعم وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالت: فلعله أنه يكون في بعض أهلك ـ لعل ما تنهى عنه وتلعن فاعله يكون متفشياً ظاهراً في بعض أهلك ـ قال ادخلي فانظري, فدخلت فلم ترَ من حاجتها شيئاً, فخرجت فقالت: لم أرَ بأساً فقال في بعض الروايات: أما حفظت وصية العبد الصالح ـ أنا أقول ذلك وقد مرت عليّ وصية العبد الصالح ـ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ يعني بذلك شعيباً عندما قال لقومه وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88]، أنا أنهاكم عن شيء ثم آتيه، وقال لها في الرواية التي في الصحيحين: (إذن لا تجامعنا) أي لو أن امرأة من أهلي تفعل ذلك لم تعاشرنا.
وَاتَّقُواْ اللَّهَ أي اتقوه بامتثال أوامره وترك زواجره إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ شديد العقاب لمن خالف أمره وعصاه.
وبعد هذه الآيات والأحاديث أقول إن بعض الناس قد ردوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفعون بصدور النصوص وأعجازها بالنصوص بنفس الكلام يقولون التقوى هاهنا كلما دعوا إلى مفارقة منكر أو لزوم معروف عارضوه بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التقوى هاهنا)) حتى ولو كانوا عاكفين عن منكر واضح ظاهر النكارة يقولون التقوى هاهنا, وهم في لهو ولعب وإعراض عن ذكر الله تبارك وتعالى بل قد يكونوا خائضين في أمور ليس لهم أن يخوضوا فيها ويقولون: التقوى هاهنا.
ويقال لهم: لم يغب عمن قالها ((التقوى هاهنا)) لم يغب عنه ذلك عندما نهى عن هذه المحرمات التي أنتم عاكفون عليها, ويقال لهم أيضاً: لو اتقى هاهنا(أي القلب) لاتقى ما هاهنا في كل مكان في البدن والجسد فالبدن تابع للقلب، القلب أمير وملك على الجوارح كلها، لو اتقى لاتقت كل الجوارح ولظهر ذلك على الأعضاء وعلى الجسد فهو تابع لهذا القلب.
وأقول كذلك إننا في بيوتنا قد فتحنا لأولادنا نافذة على كل الملهيات والمسليات وكل ما يحقق الشهوات ولم نفتح لهم نافذة على معرفة الله ورسوله فشب الأولاد حتى صاروا غلماناً ولم يعرفوا عن ذلك إلا اليسير الذي يعرض عليهم في الكتب المدرسية ثم بعد ذلك نشتري لهم السيارت التي يصولون بها ويجولون لا ليقضوا بها حوائجهم وإنما ليتعرضوا بها للنساء. نرثي لأحوالهم ونحن الذين تسببنا لهم في ذلك بما ظننا أنه رحمة وأنه شفقة, أن يُعطوا كل ما يسألونه من المال فساءت الأحوال ونشأ جيل لا يعرفون الله تبارك وتعالى, ولو عرفوه لأطاعوه ولامتلأت المساجد طاعة ولاستراحت النساء من المعاكسات، حتى لو أخرجت إحداهن تبغى المراودة وتبغى بذلك أن تزل أقدام الشباب لوجدت من يعتصمون كما استعصم يوسف عليه السلام إذ شهدت له امرأة العزيز بسلامة الباطن والظاهر فقالت: وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ [يوسف:32]، استعصم يوسف عليه السلام ورفض المراودة, وجاء جيل لم يعرفوا ربهم تبارك وتعالى, لم يعرفوا أنه جدير بالتقوى, وأنه جدير بالطاعة وأنه مطلع عليهم, قريب منهم ونعاني من ذلك ما نعانيه.
لكن لابد من الثبات في هذا الميدان لابد من المقاومة لما وقر في أذهان بعض الناس من خلال ما زينه الشيطان وألقته أبواق الدعاية لأدعياء وأعداء الإسلام من النهي عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة أنها مُؤخرة صادة عن التقدم والرقى فيظن بعض الناس أنهم لو التزموا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ساءت أحوالهم ومنعوا من زينة الدنيا وتخلفوا عن البناء والإنتاج، لا والله ما منع الإسلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعملوا ويتّجروا بالأسواق, ما منع أن يغتني منهم من اغتنى ماداموا يعرفون لله حقه في أموالهم.
هذه دعوى الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة: إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا رد الله عليهم وقال: أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [القصص:57] يقولون: إن اتبعنا هذا الدين واتبعنا ما فيه من السنن وحرمنا وقيل لنا: حرام حرام, من الذي يملك أن يحرم زينة الله تبارك وتعالى؟!
قال في الآية الثانية والثلاثين من سورة الأعراف: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف:32].
اللهم ارزقنا طاعتك وطاعة رسولك باطناً وظاهراً وعلانية وسراً، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
***الخطبة الثانية*****جزء من خطبة عن عاشوراء
الحمد لله رب العالمين وأشهد لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين اللهم صل وسلم على نبينا وإمامنا وقدوتنا وعلى آله وصحبه أجمعين.****أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الحجة تقوم عليكم من خلال ما تسمعون من الآيات ومن السنة فعودوا إلى الحق والزموه فعما قليل يطلب الله تبارك وتعالى وديعته فينا وهي الروح ونؤول إلى ما قد علمنا من تراب وظلمة ودود وغير ذلك, إلاّ على من وسع الله تبارك وتعالى ونوّر وفتح له باباً إلى الجنة يعرف به أنه من أهلها جزاءً من ربك عطاءً حساباً, وأما غير ذلك من العصاة المارقين فلهم باب إلى النار بشرى عاجلة بالعذاب الأليم والنكال والجحيم جزاءً وفاقاً, واعلموا أيضاً أنكم في شهر حرام قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه فيما أخرجه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)) ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من هذا الشهر أكثره.لأن الله تبارك وتعالى نجّى فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون ـ عليه لعائن الله المتكررة وقومه ـ نجاهم الله في هذا الشهر, فصام اليهود اليوم العاشر شكراً لله تبارك وتعالى.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عِلم ذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((نحن أولى بموسى)) فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.**وروى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام يوم عاشوراء (اليوم العاشر من محرم) سُئل عنه صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية)).*يوم واحد صوموه يكفر سنةً ماضية من الذنوب.وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)).
فعرفنا بذلك أن علينا أن نصوم يوماً قبله أو يوماً بعده, فقد استقر الأمر على ذلك مخالفةً لليهود، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا دائماً أن نتميز وأن نخالف اليهود والنصارى والمشركين صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحسد
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
أمراض القلوب
-----------------------
أحمد حسن المعلم
المكلا
6/8/1419
خالد بن الوليد
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- قصة حسد ابن آدم لأخيه. 2- من سن سنة سيئة بين الناس حمل وزرهم. 3- شناعة القتل والظلم. 4- العدل بين الأولاد يدفع الحسد.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
إخوة الأسلام, يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءادَمَ بِالْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاْخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَاذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:27-31].
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
مع قصة من قصص القرآن نعيش اليوم, لنأخذ منها درساً وعبراً لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى [يوسف:111].
يقول سبحانه وتعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءادَمَ بِالْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاْخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءادَمَ بِالْحَقّ أي: اقصص عليهم هذا النبأ العظيم وهذا الخبر العجيب بالحق كما كان وكما حصل وكما حدث بلا زيادة أو نقصان.
قال أهل التفسير: "لما هبط آدم وحواء إلى الأرض بدأ التناسل والتكاثر، وولدت حواء 20 بطناً كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى، فكان أول أولادهما قابيل وأخته ثم هابيل وأخته، وكان من شريعة آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن لا يجوز للأخ أن يتزوج بأخته التوأم, وكان يتزوج بأي أخت من أخواته غير التوأم التي لم تكن معه في نفس البطن، وكانت أخت قابيل جميلة، وأخت هابيل دميمة، فطلب هابيل أن يتزوج أخت قابيل الجميلة ـ كما شرع الله ـ ولكن قابيل رفض وقال: أنا أحق بأختي مع أن هذا حرام في شريعة آدم عليه السلام.
وكان قابيل في طبعه خشونة وشدة، وأما هابيل فكان فيه لِين ورقة، وكان قابيل يعمل في الزراعة وأما هابيل فكان يعمل برعي الأغنام، وكان من شريعة آدم عليه السلام تقديم القرابين، والقربان هدية تهدى لله سبحانه وتعالى كهدي الحج، وكانت علامة قبول القربان أن تأتي نار فتأكل هذا القربان، وإذا لم تأكل النار هذا القربان فهذا علامة على عدم قبول هذا القربان، فقدم هابيل كبشاً وكان من أفضل المواشي عنده، وأما قابيل فجاء بزرع نتن غير صالح للأكل فقدمه قرباناً.
فلما جاءا في اليوم التالي وجدا أن قربان هابيل قد قُبل وأكلته النار, وأما قربان قابيل لم يتقبل, بقي كما هو لم تأكله النار, فزاد حسده على أخيه وزاد حنقه وحقده وغضبه، وما كان من قابيل إلا أن قال لأخيه هابيل: أينظر الناس إليّ وأنت خير مني؟ لا والله لأقتلنك، فقال له أخوه هابيل: وما ذنبي أنا إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
وسوس الشيطان لقابيل أن يقتل أخاه وزين له ذلك ولم يكن القتل معروفاً ولم تحدث أي جريمة قتل قبل ذلك، قال قابيل لأخيه هابيل: لأقتلنك فما كان من أخيه هابيل إلا أن ذكره بالله عز وجل وقال له: لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يعني لن أدافع عن نفسي ولن أقاوم ولن أعاملك بالمثل ولكن أُذَكِرك الله رب العالمين، مع أنه كان أقوى من أخيه وقادر على التغلب عليه، ولكن منعه الخوف من الله، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (وايم الله إن كان أشد الرجلين, ولكن منعه الورع).
ولكن لم ينفع ذلك فأخذ هابيل يخوفه من عذاب الله وانتقل من الترغيب إلى الترهيب وقال له: إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ يعني سوف تحمل إثم قتلي فوق آثامك الماضية وتكون من أصحاب النار عياذاً بالله تعالى، ولكن لم ينفع الترغيب ولا الترهيب, لأن الشيطان قد استحوذ عليه وملأ قلبه حسداً وحقداً على أخيه.
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ حصلت الجريمة أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية سببها الحسد، فكان الحسد أول معصية يعصى بها الله سبحانه وتعالى في الأرض.
في ليلة سوداء بينما كان هابيل نائماً جاء قابيل بصخرة فهشم بها رأس أخيه فقتله وكانت الجريمة.
احتار قابيل في جثة أخيه ماذا يعمل بها؟ كيف يستر جريمته، فقد كانت أول جثة ولا يعرف ماذا يفعل، فما كان منه إلا أن حمل هذه الجثة على ظهره وأخذ يمشي بها في الأرض، وبينما هو كذلك إذ أنزل الله غرابين أخوين فتقاتلا وقتل أحدهما الآخر، ومات الغراب أمام نظر قابيل، ثم إن الغراب الحي بدأ يحفر التراب ثم دفع بجثة الغراب الميت وحثا عليه التراب، فتعلم قابيل من الغراب أين يدفن أخاه، فحفر في الأرض ووضع أخاه في الحفرة ثم حثا عليه التراب وأصبح نادماً على ما فعل، ولكنه ما استغفر وما تاب وما أناب، وهذا قوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَاذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ.
معاشر المسلمين, في قصة ابني آدم دروس:
أول هذه الدروس: ((من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)).
يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل)).
ولذلك يقول سبحانه وتعالى بعد هذه الآيات: مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْراءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].
الدرس الثاني: شناعة هذه الجريمة ـ جريمة القتل ـ وعظيم عقوبتها عند الله، فهي أعظم معصية عُصي بها الله تعالى بعد الإشراك بالله تعالى، يقول سبحانه وتعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93].
وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)).
وفي الحديث أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)) وقد اجتمع هذان الأمران ـ البغي وقطيعة الرحم ـ في قابيل أجارنا الله جميعا,ً وصرف عنا أسباب غضبه ومقته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله جل وعلا هدى ورحمة للعالمين, محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله الطيبين الطاهرين.
عباد الله, اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وتدبروا القرآن الكريم، وتمسكوا بسنة خاتم النبيين، وتفقهوا في الدين، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
أما بعد, فالدرس الثالث في قصة ابني آدم عليه السلام: أن الحسد مركوز في فطرة الناس، قال الحسن رحمه الله: "ما خلا جسد من حسد". ولكن المؤمن يدفعه، ويعتقد أن الحسد من أكبر الخطايا والذنوب, وأنه من أقبح السيئات, وأنه يأكل الحسنات, وأنه ينحل الجسم, وأنه يذهب بالتقوى والورع, وأنه يغضب الرب على العبد.
ألا قل لمن بات لي حاسداً……أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله سبحانه……لأنك لم ترض لي ما وهب
فمن حسد فقد أساء الأدب مع الله، وقد اعترض على القضاء والقدر، فقد ضيع نفسه وكره فضل ربه على الناس أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54].
فالحسد مقيت وهو أول ما عُصي الله به في الأرض ـ كما مر بنا ـ نعوذ بالله منه.
وواجب الحاسد أن يتوب إلى الله وأن يراجع حسابه مع الله, وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يحسن إلى المحسود, وأن يهدي له, وأن يدعو له, وأن يعلم أنه ارتكب خطيئة ما بعدها خطيئة.
الدرس الرابع: أن المحن تقع بين الإخوة إذا فُضِّل بعضهم على بعض، فمن حسن التربية أن يساووا في كل شيء, في الحب والعطاء والتكاليف, وفي كل شيء، فلا يقدم أحدهم على الآخر ولو كان مطيعاً ولو كان باراً, فلا ينبغي أن يفضل على إخوانه، يقول النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ميزني بشيء من القسمة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أفعلت هذا بولدك كلهم))؟ قال: لا يا رسول الله، قال: ((فلا تشهدني إذاً فإني لا أشهد على جور)) يعني على ظلم، أو قال: ((فأشهد على هذا غيري))، أو قال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)).
فمن الظلم كل الظلم أن يُقدّم ويُفضّل أحد الأبناء على الآخرين، لأن هذا يؤدي إلى المكيدة والعداوة بين الأبناء، أعاذنا الله جميعاً.
منقول