ملخص الخطبة
1- عداوة الشيطان لآدم وذريته. 2- التعوذ بالله من شر الشيطان. 3- الذكر عند دخول البيت والتسليم على الأهل. 4- تلاوة القرآن في البيت. 5- التحذير من الصور والتماثيل. 6- التحذير من اقتناء الكلاب. 7- ذكر الله تعالى عند الدخول والجماع. 8- فضل الكلمة الطيبة. 9- ذكر الله عند الأكل والشرب وعند النوم وعند الخلاء وعند الخروج من البيت. 10- صلاة النافلة في البيوت.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله:
إن الله جل جلاله بين لنا في كتابه العزيز عداوة الشيطان لنا، وأن تلك العداوة، عداوةٌ قديمة، عدوٌ لأبينا آدم عليه السلام، وعدو لذريته، وعدو الله لما أيس من رحمة الله، سعى في إضلال بني آدم، فوسوس لأبينا آدم، حتى زين له الأكل من تلكم الشجرة التي نهاه الله عنها، فأحبط آدم وزوجته إلى الأرض، كل ذلك بأسباب وسوسة عدو الله.
وقد بين الله لنا في كتابه عدواته لنا، وأنه طلب من رب العالمين أن ينظره إلى يوم الدين، وأقسم بعزة رب العالمين ليغوينَّ بني آدم، قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ % ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ [الأعراف:16-17].
ولكن الله عصم منه عباده المخلصين إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ [الحجر:42]. ولله حكمة في ذلك، فقد سلطه الله على العباد ابتلاء وامتحاناً، قال تعالى: وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأمْوٰلِ وَٱلأولَـٰدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُورًا [الإسراء:64]. وقال لنا: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50].
أيها المسلم:
يحصِّنك من مكائد الشيطان التعوذ بالله من شره، وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [فصلت:36].
أيها المسلم:
تحصن بالله من مكائد عدو الله، فإنه يجري منك مجرى الدم، لا يدع فرصة يستطيع أن ينفذ منها إلى قلبك إلا فعل، إلا إن تحصنت عنه بذكر الله والالتجاء إليه، فإن الله يكفيك شره ومكائده، فهو عدو متربص بك، وأنت في جهاد معه ما دمت في هذه الحياة.
أيها المسلمون، إن المؤمن يحصِّن نفسه، ويحصِّن بيته وولده من مكائد عدو الله، يحصنها بالالتجاء إلى الله، والأذكار التي شرعها رسول الله ، لتكون حصنا للمسلم من مكائد عدو الله.
فمن ذلكم يا عباد الله، أنه شرع لنا إذا دخل أحدنا بيته أن يذكر الله جل وعلا، ليبعد عنه الشيطان، ففي حديث أبي مالك الأشعري، أنه قال: ((إذا ولج [الرجل في] بيته [فليقل]: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله [ربنا] توكلنا، ثم ليسلم [على أهله]))[1] فذاك حصن له يقيه مكائد عدو الله.
ومنها أن النبي أمر المسلم أن يسلم إذا دخل على بيته وقد بين الله في كتابه بقوله: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةً طَيّبَةً [النور:61]. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال لي رسول الله : ((يا بني، إذا أتيت منزلك فسلم على أهل بيتك، يكن بركة عليك وعليهم))[2] فإذا دخلت منزلك – أيها المسلم – وقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تكن تلك التحية بركة عليك وعلى أهل بيتك.
وقد بين أيضاً فضل ذلك فقال: ((ثلاثة ضامنون على الله: رجل خرج غازياً في سبيل الله، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه الله ويدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل خرج إلى المسجد، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه الله فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل سلم على أهل بيته، فهو ضامن على الله))[3].
ومن ذلكم تلاوة القرآن في المنزل، فتلاوة القرآن، تعطّر المنزل، وتنزل فيه البركة والرحمات، ويذهب عنه مكائد الشيطان، فكتاب الله، الذكر الحكيم، الذي تطمئن به القلوب، وترتاح له النفوس، إذا قرئ في المنزل فإن قراءته خير للمنزل، نور يحلّ به، وشر يرتفع عنه، وبركات تحل بأهله، والنبي يقول: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مر))[4]، فالقرآن إذا تلي في البيت نزلت فيه الخيرات.
فيا أخي المسلم نوِّر بيتك بكتاب الله، واقرأ ما تيسر منه في منزلك، ففي ذلك خير لك، وكفاية لك من عدو الله.
روى أبو سعيد رضي الله عنهما أن أسيد بن حضير صلى في مربده[5] ليلة فقرأ فجالت فرسُه[6]، ثم قرأ فجالت فرسه، ثم قرأ فجالت، قال: وخفتها على ابني يحيى، فقمت ورفعت رأسي، وإذا فوق رأسي مثل الظلة[7]، فيها أمثال السرج[8]، عرجت إلى الجو فلم أرها، فلما أصبحت غدوت على رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، كنت أقرأ القرآن في مربدي، في جوف الليل، فجالت فرسي جولة، قال: ((اقرأ القرآن يا ابن حضير))، قال: فقرأت فجالت، فقال: ((اقرأ يا ابن حضير))، قال: فقرأت فجالت، فخفت أن تطأ ابني يحيى، قال: ((يا ابن حضير، لو دمت تقرأ لبقيت الملائكة حتى تصبح يراها الناس ما تستتر منهم))[9]، فانظر كيف قراءة القرآن وآثارها، وتلك الملائكة الذين جاؤوا لاستماع القرآن.
فيا أخي، لا تحرم نفسك من تلاوة القرآن في منزلك، ففي ذلك الخير الكثير.
ومن ذلكم قراءة سورة البقرة في المنزل، فإنها تطرد عدو الله، يقول : ((لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع فيه سورة البقرة))[10].
أيها المسلم:
فحصن بيتك بتلاوة سورة البقرة، فذاك خير لك.
ومن ذلكم يا عباد الله، مما يحصن به الله، أن المؤمن يبتعد عن كل شيء يقرب الشر والبلاء، ويبعد عنه أسباب الرحمة، فالنبي حذرنا من الصور في المنازل، حذرنا من الصور والتماثيل في المنازل، وأخبرنا أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تماثيل أو صور[11].
إذاً يا أخي، فأبعد الصور عن منزلك، وأبعد التماثيل عن منزلك، حتى يبتعد عنك الشيطان، فإذا وضعت التماثيل والصور في مجالسك، مهما كانت تلك الصور، ما لم تكن من الأمور التي تضطر إليها، وأما الصور التي وضعت للتفاخر، ووضعت من باب الأناقة في المنازل، فتلك – يا عباد الله – مبعدة لملائكة الرحمة عنك، ومقربة للشيطان إليك.
ومن ذلكم يا عباد الله، أن وجود الكلب في المنزل، الذي وجد لغير صيد، ولغير حراسة ضرورية، أن وجوده يمنع ملائكة الرحمة، فالملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة[12]، وعد جبريل النبي أن يأتيه ساعة، فانتظره النبي حين حانت تلك الساعة، فلما تأخر وفي يده عصا، ألقاها وقال: ((ما يخلف الله ولا رسله وعده))، ثم نظر فإذا جِرْو كلب[13] تحت سريره، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟))، فقالت: ما علمت دخلوه، فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال: ((انتظرتك في هذه الساعة، وجلست لك))، قال: إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب، منعني ذلك الكلب الذي في منزلك[14]، وفي الحديث: ((من اقتنى كلبا إلا كلب صيد نقص من أجره كل يوم قيراط))[15].
أيها المسلم، حصِّن ولدك، وحصّن زوجتك بذكر الله، فإن ذكر الله حصن للجميع، في الحديث عنه أنه أرشد من خطب امرأة ودخل بها أن يأخذ بناصيتها ويقول: ((اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلت عليه))[16].
وأرشد إلى ذكر الله حتى عند جماع المرأة، فقال: ((لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً))[17].
هذه فائدة ذكر الله، وإبعادها للشيطان عن كل خير لك – أيها المسلم-.
أيها المسلم، إن الكلمة الطيبة، والمعاملة الحسنة للمرأة من أسباب حلول الخير، وابتعاد الشيطان عنك.
فيا أيها المسلم، إذا شاهدت في منزلك بين أهلك وولدك أصواتاً مرتفعة، ولغطاً، وعناداً، وسوء تعامل، فاعلم أن الشيطان قد دنا من منزلك، وأنه بوساوسه وشره قد أفسد عليك بيتك.
لذا تحصن منه بذكر الله، وتحصن منه بكل قول حسن، فقد أخبرنا أن الشيطان يضع عرشه على الماء، ويبعث جنوده، فأدناهم منه أكثرهم فتنة، فيأتيه أحدهم يقول: ما زلت بفلان حتى فارق أباه، قال: ما عملت شيئاً، يوشك أن يصل أباه، وذا يقول: ما زلت به حتى قطع رحمه، قال: يوشك أن يعود إلى رحمه، ويأتيه الآخر ويقول: ما زلت بفلان حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه ويقول: أنت أنت[18].
فعدو الله يشعل الفتنة في البيوت، ويفرق القلوب، إلا إذا تحصن المسلمون منه بذكر الله تعالى.
أيها المسلمون، ومما يدفع مكائد عدو الله عنك في طعامك وشرابك ذكرك لربك جل وعلا، عند دخول المنزل، وعند الأكل والشرب، فيروي جابر بن عبد الله أن النبي قال: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله، وعند عشائه، قال الشيطان لجنده: لا مبيت لكم الليلة ولا عشاء، فإن لم يذكر الله [عند دخوله] قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر الله عند عشائه قال: أدركتم المبيت والعشاء))[19]، فعدو الله لا يبعده عنك إلا ذكرك لربك فهو الذي يبعده عنك، ويحصنك من مكائده.
ومن ذلك ذكرك لربك عند نومك، فإن النبي قال: ((من قرأ آية الكرسي كل ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح))[20]، وقال: ((من قرأهما – أي خواتم سورة البقرة – في ليلة كفتاه))[21]، فذكرك لله عند منامك، وذكرك لله عند يقظتك، مما يبعد الشيطان عنك، فإن النبي أخبرنا ((أن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدنا إن هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فنم، فإن قام المسلم وذكر الله انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت العقد كلها، فأصبح طيب النفس نشيطاً، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))[22].
وشرع لنا ذكر الله عند إرادة الخلاء، فكان إذا دخل الخلاء قال: ((أعوذ بالله من الخبث والخبائث))[23]، لأن الحشوش مأوى الشياطين، فيستعيذ بالله من شرها، وإذا خرج كان يقول: ((الحمد لله، أذهب عني الأذى، وعافاني))[24].
فيا أيها المسلم: اصحب الذكر في كل أحوالك.
وأخبرنا : ((أن المسلم إذا خرج من منزله فقال: بسم الله توكلت على الله، قال له الملك: هديت وكفيت، وتنحى عنه الشيطان. وقال: ما لي برجل قد هدي وكفي ووقي))[25].
فأكثر من ذكر الله، واتبع السنة، ليقيك الله مكائد الشيطان ويعيذك من شره.
وقد شرع لنا ربنا عند قراءة القرآن أن نستعيذ بالله من شره، فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ [النحل:98].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب من سننه [5096] ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة [225].
[2] أخرجه الترمذي في كتاب الاستئذان من سننه [2698] ، وقال : "هذا حديث حسن صحيح غريب" ، لكن في سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف ، ولذا ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب [290].
[3] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد [2494] من حديث أبي أمامة الباهلي ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود [2178].
[4] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن [5020] ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين [797] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[5] مربد كمنبر ، وهو الموضع الذي ييبس فيه التمر ويجفف ، كالبيدر للحنطة ونحوها.
[6] جالت فرسه أي: وثبت واضطربت.
[7] الظلة السحابة أو كل ما يستظل به.
[8] السرج جمع سراج وهي المصابيح.
[9] أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين [796] بنحوه ، وعلقهُ البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن قال : قال الليث: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن الحضير.
[10] أخرجه الحاكم (1/561) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وصححه ووافقه الذهبي ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [588].
[11] الأحاديث في ذلك في الصحيحين ، منها ما أخرجه مسلم في كتاب اللباس [2112] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير)).
[12] حديث : ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة)) ، أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق [3322] ، ومسلم في كتاب اللباس [2106] من حديث أبي طلحة رضي الله عنه.
[13] جرو كلب أي ولد الكلب.
[14] أخرجه مسلم في كتاب اللباس [2104] من حديث عائشة رضي الله عنها.
[15] أخرجه البخاري في المزارعة [2323] ، ومسلم في المساقاة [1576] من حديث سفيان بن أبي زهير بلفظ : ((من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعا. . ))، وورد من حديث ابن عمر ومن حديث أبي هريرة وكلها في الصحيح.
[16] أخرجه أبو داود في كتاب النكاح [2160] ، وابن ماجه في كتاب النكاح [1918] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود [1892].
[17] أخرجه البخاري في بدء الخلق [3271] ، ومسلم في النكاح [1434] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[18] أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة [2813] من حديث جابر رضي الله عنهما بنحوه.
[19] أخرجه مسلم في كتاب الأشربة [2018].
[20] جاء هذا في حديث أبي هريرة في قصته مع الشيطان الذي أراد أن يسرق من زكاة رمضان ، فأرشده إلى أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة ، وفي آخره قال : ((صدقك وهو كذوب)) . البخاري في كتاب بدء الخلق [3275].
[21] أخرجه البخاري في كتاب المغازي [4008] ، ومسلم في صلاة المسافرين [807] من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه بنحوه
[22] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة [1142] ، ومسلم في صلاة المسافرين [776] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[23] أخرجه البخاري في كتاب الوضوء [142] ، ومسلم في كتاب الحيض [375] من حديث أنس رضي الله عنه.
[24] أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة [301] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وقال البوصيري في الزوائد:"إسماعيل بن مسلم متفق على تضعيفه ، والحديث بهذا اللفظ غير ثابت". وكذا ضعفه الألباني في الإرواء [53].
[25] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب [5095] ، والترمذي في كتاب الدعوات [3426] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وقال : "هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وصححه الضياء المقدسي في المختارة (4/373) ، والألباني في صحيح سنن أبي داود [4249].
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، يقول الله جل وعلا: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28]. ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ [الرعد:29].
فيا أيها المسلم، أكثر من ذكر الله، ففي ذكر الله الخير الكثير في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم:
ولقد شرع لنا نبينا أن نؤدي صلاة النوافل في بيوتنا، لتكون نوراً لبيوتنا، وإبعاداً للشيطان عنها، ولأن ذلك أدعى للإخلاص، وأبعد عن الرياء، وليقتدي بك أهلك من زوجة أو أولاد، فالنبي يقول: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً))[1].
فالقبور لا يصح الصلاة بها، أما المنازل فيشرع أن نصلي فيها صلاة النافلة، ضحى أو وتر أو نحو ذلك، لكي يكون نوراً لمنازلنا، والنبي يقول: ((أفضل صلاة العبد في بيته إلا المكتوبة))[2]، فالمكتوبة هي الواجبة في المساجد. وأما النوافل فكوننا نصليها في المنزل أفضل، لتكون نوراً لمنازلنا، وأنساًً لمنازلنا، وإبعاداً للشياطين عنا.
أعانني الله وإياكم على شكره، وذكره، وحسن عبادته.
واعلموا – رحمكم الله – أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا – رحمكم الله – على نبيكم محمد . . .
[1] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة [432] ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين [777] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الأذان [731] ، ومسلم في صلاة المسافرين [781] ، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
منقول للافادة
1- عداوة الشيطان لآدم وذريته. 2- التعوذ بالله من شر الشيطان. 3- الذكر عند دخول البيت والتسليم على الأهل. 4- تلاوة القرآن في البيت. 5- التحذير من الصور والتماثيل. 6- التحذير من اقتناء الكلاب. 7- ذكر الله تعالى عند الدخول والجماع. 8- فضل الكلمة الطيبة. 9- ذكر الله عند الأكل والشرب وعند النوم وعند الخلاء وعند الخروج من البيت. 10- صلاة النافلة في البيوت.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله:
إن الله جل جلاله بين لنا في كتابه العزيز عداوة الشيطان لنا، وأن تلك العداوة، عداوةٌ قديمة، عدوٌ لأبينا آدم عليه السلام، وعدو لذريته، وعدو الله لما أيس من رحمة الله، سعى في إضلال بني آدم، فوسوس لأبينا آدم، حتى زين له الأكل من تلكم الشجرة التي نهاه الله عنها، فأحبط آدم وزوجته إلى الأرض، كل ذلك بأسباب وسوسة عدو الله.
وقد بين الله لنا في كتابه عدواته لنا، وأنه طلب من رب العالمين أن ينظره إلى يوم الدين، وأقسم بعزة رب العالمين ليغوينَّ بني آدم، قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ % ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ [الأعراف:16-17].
ولكن الله عصم منه عباده المخلصين إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ [الحجر:42]. ولله حكمة في ذلك، فقد سلطه الله على العباد ابتلاء وامتحاناً، قال تعالى: وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأمْوٰلِ وَٱلأولَـٰدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُورًا [الإسراء:64]. وقال لنا: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50].
أيها المسلم:
يحصِّنك من مكائد الشيطان التعوذ بالله من شره، وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [فصلت:36].
أيها المسلم:
تحصن بالله من مكائد عدو الله، فإنه يجري منك مجرى الدم، لا يدع فرصة يستطيع أن ينفذ منها إلى قلبك إلا فعل، إلا إن تحصنت عنه بذكر الله والالتجاء إليه، فإن الله يكفيك شره ومكائده، فهو عدو متربص بك، وأنت في جهاد معه ما دمت في هذه الحياة.
أيها المسلمون، إن المؤمن يحصِّن نفسه، ويحصِّن بيته وولده من مكائد عدو الله، يحصنها بالالتجاء إلى الله، والأذكار التي شرعها رسول الله ، لتكون حصنا للمسلم من مكائد عدو الله.
فمن ذلكم يا عباد الله، أنه شرع لنا إذا دخل أحدنا بيته أن يذكر الله جل وعلا، ليبعد عنه الشيطان، ففي حديث أبي مالك الأشعري، أنه قال: ((إذا ولج [الرجل في] بيته [فليقل]: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله [ربنا] توكلنا، ثم ليسلم [على أهله]))[1] فذاك حصن له يقيه مكائد عدو الله.
ومنها أن النبي أمر المسلم أن يسلم إذا دخل على بيته وقد بين الله في كتابه بقوله: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةً طَيّبَةً [النور:61]. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال لي رسول الله : ((يا بني، إذا أتيت منزلك فسلم على أهل بيتك، يكن بركة عليك وعليهم))[2] فإذا دخلت منزلك – أيها المسلم – وقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تكن تلك التحية بركة عليك وعلى أهل بيتك.
وقد بين أيضاً فضل ذلك فقال: ((ثلاثة ضامنون على الله: رجل خرج غازياً في سبيل الله، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه الله ويدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل خرج إلى المسجد، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه الله فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل سلم على أهل بيته، فهو ضامن على الله))[3].
ومن ذلكم تلاوة القرآن في المنزل، فتلاوة القرآن، تعطّر المنزل، وتنزل فيه البركة والرحمات، ويذهب عنه مكائد الشيطان، فكتاب الله، الذكر الحكيم، الذي تطمئن به القلوب، وترتاح له النفوس، إذا قرئ في المنزل فإن قراءته خير للمنزل، نور يحلّ به، وشر يرتفع عنه، وبركات تحل بأهله، والنبي يقول: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مر))[4]، فالقرآن إذا تلي في البيت نزلت فيه الخيرات.
فيا أخي المسلم نوِّر بيتك بكتاب الله، واقرأ ما تيسر منه في منزلك، ففي ذلك خير لك، وكفاية لك من عدو الله.
روى أبو سعيد رضي الله عنهما أن أسيد بن حضير صلى في مربده[5] ليلة فقرأ فجالت فرسُه[6]، ثم قرأ فجالت فرسه، ثم قرأ فجالت، قال: وخفتها على ابني يحيى، فقمت ورفعت رأسي، وإذا فوق رأسي مثل الظلة[7]، فيها أمثال السرج[8]، عرجت إلى الجو فلم أرها، فلما أصبحت غدوت على رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، كنت أقرأ القرآن في مربدي، في جوف الليل، فجالت فرسي جولة، قال: ((اقرأ القرآن يا ابن حضير))، قال: فقرأت فجالت، فقال: ((اقرأ يا ابن حضير))، قال: فقرأت فجالت، فخفت أن تطأ ابني يحيى، قال: ((يا ابن حضير، لو دمت تقرأ لبقيت الملائكة حتى تصبح يراها الناس ما تستتر منهم))[9]، فانظر كيف قراءة القرآن وآثارها، وتلك الملائكة الذين جاؤوا لاستماع القرآن.
فيا أخي، لا تحرم نفسك من تلاوة القرآن في منزلك، ففي ذلك الخير الكثير.
ومن ذلكم قراءة سورة البقرة في المنزل، فإنها تطرد عدو الله، يقول : ((لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع فيه سورة البقرة))[10].
أيها المسلم:
فحصن بيتك بتلاوة سورة البقرة، فذاك خير لك.
ومن ذلكم يا عباد الله، مما يحصن به الله، أن المؤمن يبتعد عن كل شيء يقرب الشر والبلاء، ويبعد عنه أسباب الرحمة، فالنبي حذرنا من الصور في المنازل، حذرنا من الصور والتماثيل في المنازل، وأخبرنا أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تماثيل أو صور[11].
إذاً يا أخي، فأبعد الصور عن منزلك، وأبعد التماثيل عن منزلك، حتى يبتعد عنك الشيطان، فإذا وضعت التماثيل والصور في مجالسك، مهما كانت تلك الصور، ما لم تكن من الأمور التي تضطر إليها، وأما الصور التي وضعت للتفاخر، ووضعت من باب الأناقة في المنازل، فتلك – يا عباد الله – مبعدة لملائكة الرحمة عنك، ومقربة للشيطان إليك.
ومن ذلكم يا عباد الله، أن وجود الكلب في المنزل، الذي وجد لغير صيد، ولغير حراسة ضرورية، أن وجوده يمنع ملائكة الرحمة، فالملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة[12]، وعد جبريل النبي أن يأتيه ساعة، فانتظره النبي حين حانت تلك الساعة، فلما تأخر وفي يده عصا، ألقاها وقال: ((ما يخلف الله ولا رسله وعده))، ثم نظر فإذا جِرْو كلب[13] تحت سريره، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟))، فقالت: ما علمت دخلوه، فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال: ((انتظرتك في هذه الساعة، وجلست لك))، قال: إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب، منعني ذلك الكلب الذي في منزلك[14]، وفي الحديث: ((من اقتنى كلبا إلا كلب صيد نقص من أجره كل يوم قيراط))[15].
أيها المسلم، حصِّن ولدك، وحصّن زوجتك بذكر الله، فإن ذكر الله حصن للجميع، في الحديث عنه أنه أرشد من خطب امرأة ودخل بها أن يأخذ بناصيتها ويقول: ((اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلت عليه))[16].
وأرشد إلى ذكر الله حتى عند جماع المرأة، فقال: ((لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً))[17].
هذه فائدة ذكر الله، وإبعادها للشيطان عن كل خير لك – أيها المسلم-.
أيها المسلم، إن الكلمة الطيبة، والمعاملة الحسنة للمرأة من أسباب حلول الخير، وابتعاد الشيطان عنك.
فيا أيها المسلم، إذا شاهدت في منزلك بين أهلك وولدك أصواتاً مرتفعة، ولغطاً، وعناداً، وسوء تعامل، فاعلم أن الشيطان قد دنا من منزلك، وأنه بوساوسه وشره قد أفسد عليك بيتك.
لذا تحصن منه بذكر الله، وتحصن منه بكل قول حسن، فقد أخبرنا أن الشيطان يضع عرشه على الماء، ويبعث جنوده، فأدناهم منه أكثرهم فتنة، فيأتيه أحدهم يقول: ما زلت بفلان حتى فارق أباه، قال: ما عملت شيئاً، يوشك أن يصل أباه، وذا يقول: ما زلت به حتى قطع رحمه، قال: يوشك أن يعود إلى رحمه، ويأتيه الآخر ويقول: ما زلت بفلان حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه ويقول: أنت أنت[18].
فعدو الله يشعل الفتنة في البيوت، ويفرق القلوب، إلا إذا تحصن المسلمون منه بذكر الله تعالى.
أيها المسلمون، ومما يدفع مكائد عدو الله عنك في طعامك وشرابك ذكرك لربك جل وعلا، عند دخول المنزل، وعند الأكل والشرب، فيروي جابر بن عبد الله أن النبي قال: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله، وعند عشائه، قال الشيطان لجنده: لا مبيت لكم الليلة ولا عشاء، فإن لم يذكر الله [عند دخوله] قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر الله عند عشائه قال: أدركتم المبيت والعشاء))[19]، فعدو الله لا يبعده عنك إلا ذكرك لربك فهو الذي يبعده عنك، ويحصنك من مكائده.
ومن ذلك ذكرك لربك عند نومك، فإن النبي قال: ((من قرأ آية الكرسي كل ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح))[20]، وقال: ((من قرأهما – أي خواتم سورة البقرة – في ليلة كفتاه))[21]، فذكرك لله عند منامك، وذكرك لله عند يقظتك، مما يبعد الشيطان عنك، فإن النبي أخبرنا ((أن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدنا إن هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فنم، فإن قام المسلم وذكر الله انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت العقد كلها، فأصبح طيب النفس نشيطاً، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))[22].
وشرع لنا ذكر الله عند إرادة الخلاء، فكان إذا دخل الخلاء قال: ((أعوذ بالله من الخبث والخبائث))[23]، لأن الحشوش مأوى الشياطين، فيستعيذ بالله من شرها، وإذا خرج كان يقول: ((الحمد لله، أذهب عني الأذى، وعافاني))[24].
فيا أيها المسلم: اصحب الذكر في كل أحوالك.
وأخبرنا : ((أن المسلم إذا خرج من منزله فقال: بسم الله توكلت على الله، قال له الملك: هديت وكفيت، وتنحى عنه الشيطان. وقال: ما لي برجل قد هدي وكفي ووقي))[25].
فأكثر من ذكر الله، واتبع السنة، ليقيك الله مكائد الشيطان ويعيذك من شره.
وقد شرع لنا ربنا عند قراءة القرآن أن نستعيذ بالله من شره، فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ [النحل:98].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب من سننه [5096] ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة [225].
[2] أخرجه الترمذي في كتاب الاستئذان من سننه [2698] ، وقال : "هذا حديث حسن صحيح غريب" ، لكن في سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف ، ولذا ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب [290].
[3] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد [2494] من حديث أبي أمامة الباهلي ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود [2178].
[4] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن [5020] ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين [797] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[5] مربد كمنبر ، وهو الموضع الذي ييبس فيه التمر ويجفف ، كالبيدر للحنطة ونحوها.
[6] جالت فرسه أي: وثبت واضطربت.
[7] الظلة السحابة أو كل ما يستظل به.
[8] السرج جمع سراج وهي المصابيح.
[9] أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين [796] بنحوه ، وعلقهُ البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن قال : قال الليث: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن الحضير.
[10] أخرجه الحاكم (1/561) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وصححه ووافقه الذهبي ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [588].
[11] الأحاديث في ذلك في الصحيحين ، منها ما أخرجه مسلم في كتاب اللباس [2112] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير)).
[12] حديث : ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة)) ، أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق [3322] ، ومسلم في كتاب اللباس [2106] من حديث أبي طلحة رضي الله عنه.
[13] جرو كلب أي ولد الكلب.
[14] أخرجه مسلم في كتاب اللباس [2104] من حديث عائشة رضي الله عنها.
[15] أخرجه البخاري في المزارعة [2323] ، ومسلم في المساقاة [1576] من حديث سفيان بن أبي زهير بلفظ : ((من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعا. . ))، وورد من حديث ابن عمر ومن حديث أبي هريرة وكلها في الصحيح.
[16] أخرجه أبو داود في كتاب النكاح [2160] ، وابن ماجه في كتاب النكاح [1918] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود [1892].
[17] أخرجه البخاري في بدء الخلق [3271] ، ومسلم في النكاح [1434] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[18] أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة [2813] من حديث جابر رضي الله عنهما بنحوه.
[19] أخرجه مسلم في كتاب الأشربة [2018].
[20] جاء هذا في حديث أبي هريرة في قصته مع الشيطان الذي أراد أن يسرق من زكاة رمضان ، فأرشده إلى أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة ، وفي آخره قال : ((صدقك وهو كذوب)) . البخاري في كتاب بدء الخلق [3275].
[21] أخرجه البخاري في كتاب المغازي [4008] ، ومسلم في صلاة المسافرين [807] من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه بنحوه
[22] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة [1142] ، ومسلم في صلاة المسافرين [776] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[23] أخرجه البخاري في كتاب الوضوء [142] ، ومسلم في كتاب الحيض [375] من حديث أنس رضي الله عنه.
[24] أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة [301] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وقال البوصيري في الزوائد:"إسماعيل بن مسلم متفق على تضعيفه ، والحديث بهذا اللفظ غير ثابت". وكذا ضعفه الألباني في الإرواء [53].
[25] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب [5095] ، والترمذي في كتاب الدعوات [3426] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وقال : "هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وصححه الضياء المقدسي في المختارة (4/373) ، والألباني في صحيح سنن أبي داود [4249].
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، يقول الله جل وعلا: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28]. ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ [الرعد:29].
فيا أيها المسلم، أكثر من ذكر الله، ففي ذكر الله الخير الكثير في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم:
ولقد شرع لنا نبينا أن نؤدي صلاة النوافل في بيوتنا، لتكون نوراً لبيوتنا، وإبعاداً للشيطان عنها، ولأن ذلك أدعى للإخلاص، وأبعد عن الرياء، وليقتدي بك أهلك من زوجة أو أولاد، فالنبي يقول: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً))[1].
فالقبور لا يصح الصلاة بها، أما المنازل فيشرع أن نصلي فيها صلاة النافلة، ضحى أو وتر أو نحو ذلك، لكي يكون نوراً لمنازلنا، والنبي يقول: ((أفضل صلاة العبد في بيته إلا المكتوبة))[2]، فالمكتوبة هي الواجبة في المساجد. وأما النوافل فكوننا نصليها في المنزل أفضل، لتكون نوراً لمنازلنا، وأنساًً لمنازلنا، وإبعاداً للشياطين عنا.
أعانني الله وإياكم على شكره، وذكره، وحسن عبادته.
واعلموا – رحمكم الله – أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا – رحمكم الله – على نبيكم محمد . . .
[1] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة [432] ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين [777] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الأذان [731] ، ومسلم في صلاة المسافرين [781] ، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
منقول للافادة