مناظرة بين فرعون وموسى
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهدِ الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).
*أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهَدي هَدي محمل صلى الله عليه وسلم، وشر الأُمورِ مُحدثاتُها، وكل مُحدَثةِ بِدعة، وكلً بِدعة ضلالة، وكل ضلالةِ في النار.
* أيها الناس:
نحن مع موسى بن عمران في هذا اليوم، وموسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، شخصية لامِعة في عالم الدعوة، بل هو بطل القصص القرآني، الذي أنزله الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، تسلية له ولأصحابه صلى الله عليه وسلم وأخذاَ للعِبَر والعِظات ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى)).
وكما يقول بعض المفكرين: إن المناظرة بين موسى و فرعون كانت جدلية، تنظيرية، عسكرية، اقتصادية، تربوية في نفس الوقت.
فحيا الله موسى بن عمران ، وأهلاً وسهلاً ببطل الدعوة، الذي خاض غِمارها، أكثر من خمسين عاماً.
فتعالوا نستمع إلى القرآن وهو يقص علينا من نبأ هذا النبي الكريم، فمن القرآن نأخذ القصص، ومنه نأخذ طرق الدعوة وأساليبها، ومنه نأخذ الأحكام والعقائد والسلوك.
موسى في الصحراء، عصاه في يمينه، يجلس في ظل شجرة بعد أن أعياه هشُّه على غنمه، فتأتيه عناية الله، وفضل الله، ووحي الله، يأتيه الأمر الإلهي بالذهاب إلى طاغية الأرض، السّفّاك المجرم، والإرهابي العميل، إلى فرعون الضال، الذي قتل النساء، والذي ذبح الأطفال، والذي دمر الأجيال، والذي استعبد الشعوب، والذي عاثَ في الأرض فساداً.
يقول الله تعالى: ((وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)).
ثم كانت المفاجأة التي لم يكن ينتظرها، ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)) وكأن موسى َعليه السلام يتساءل: مَن أنت؟
ما حقيقتك؟
دُلني عليك؟
فيقول الله عز وجل: ((إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)).
هذا هو رب العالمين، هذه حقيقته عند أهل السنة والجماعة، إذا قال لك أحد مَن هو الله؟
فقل هو الله..
الذي لا إله إلّا هو.
فالله يعرف نفسه لـموسى عليه السلام كأنه يقول له: اعرفني قبل أن تعرف بي، وقبل أن تنطلق بالدعوة إليَّ ((إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)).
فهذه ثلاث قضايا ينبغي أن يعرفها كل مَن يتصدر للدعوة إلى الله عز وجل.
القضية الأولى: قضية التوحيد والعبودية ((إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)) فلا بد أن تعلم هذه القضية، قولاً وعملاً، وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلمها، ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الله)).
فلا معبود بحق إلا الله، ولا مُتَصرٌف إلا الله، ولا خالق، ولا مدبر، ولا حاكم، ولا مُسَيطر، ولا مرجو، ولا مقصود إلّا الله تبارك وتعالى.
القضية الثانية: قضية الصلاة، فلا دين لمَن لا صلاة له، ولا امتثال لمعالِم العقيدة بغير صلاة.
والقضية الثالثة: قضية الإيمان باليوم الآخر، وهي قضية كبرى، ركّز عليها القرآن في مواضع كثيرة، وأبطَل زعم الذين أنكروا هذا اليوم ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ)) فعقيدة لا تُبنَى على اليوم الآخر عقيدة مهزوزة، وأدب وفن وجمال وتصوير، لا يُؤَسسُ على الإيمان باليوم الآخر، جهالة وعمالة ولعنة من الله تعالى.
ويوم سخر الكَتَبَةُ أقلامهم في خدمة الإلحاد، وفي الاستهزاء باليوم الآخر، ضاعوا، وضلوا، ولُعِنُوا في الدنيا والآخرة.
((إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَ * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى)) ثم يتحدث الله بعد ذلك مع موسى حديثاً شيقاً، حديث الأُنس واللطف، ليُزيل الدهشة عنه، وليطرد الرعب من نفسه، لأنه موقف صعب، لا يتحمله أي إنسان، تصور أنك تكلم الله تعالى، وتستمع إلى خطاب ملك الملوك، موسى كاد يطير قلبه من بين جوانحه، فألقى الله عليه خطاب المؤانسة والمُلاطفة، حتى لا يستوحش، وحتى لا تسيطر عليه الأوهام، والعرب كانت تعرف ذلك، فهذا الأزدي يقول في قصيدته:
أُحادثُ ضيفي قبَل إنزالِ رَحلهِ ويخصب عندي والمكانُ جديبُ
وما الخصب للأضياف أن يَكثُرَ القِرى ولكنما وجهُ الكريمِ خصيب
فيقول الله لـموسى عليه السلام: ((وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)) ليلاطفه، وليؤانسه وفهم موسى ذلك، فلم يقل: هي عصاً وسكت، وإنما لما لذ له الخطاب زاد في الجواب؟
ليستمر الحوار بينه وبين رب العزّة ((قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)).
قال ابن عباس رضي الله عنه: [رحم الله موسى ، إنما كان يكفيه أن يقول عصا، ولكنه ارتاح لخطاب ربه فزاد في الكلام].
والله يسأله عن العصا؛ لأنها سوف تكون تاريخاً، وسوف تكون درساً للأجيال، وسوف تكون قروناً من العِبَر.
((قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى)).
يا سبحان الله!! إن موسى عليه السلام لا يعرف هذه الخوارق، ولا هذه المفاجآت، إنه يعرف أن السماء هي السماء، لا تتغير ولا تتبذل، ويعرف أن الأرض هي هذه الأرض التي يسير عليها، وأن العصا هي العصا، وأن الحية هي الحية.
الليلُ ليلُ والنهارُ نهارُ والأرضُ فيها الماءُ والأشجارُ
فلماذا تنقلب العصا إلى حية تسعى؟
ففر موسى خائفاً، وتصور موسى وهو يفر خائفاً من رب العالمين، فيطمئنه ربه، ويهدئه ((قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى)) فعاد فأخذها، فإذا هي عصا.
موسى عليه السلام فر خائفاً من عصاه، ومع ذلك أرسله الله عز وجل إلى ذاك الطاغية المجرم، المستبد السفاك، الذي كان يُلقي المحاضرات، على الرعاع الأغبياء البُلَداء، ويقول لهم: ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) فيصفّقون له، ويقول لهم: ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)) فيهزّون رؤوسهم طرباً، ويسجدون له تذللاً.
قال بعض المفسرين: كان على قصر فرعون ، ستة وثلاثون ألفاً من الحرس، كل واحد منهم يرى أن فرعون إلهه وخالِقه، ورازِقه ومُحييه، ومُميته!! والعِياذ بالله.
ثم قال الله لـموسى : ((وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى))، فهذه آية أخرى من آيات الله عز وجلّ، أدخِل يدك يا موسى في إبطك، ثم أخرجها، تخرج بيضاء من غير برص ولا بهق ((آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى)).
ثم بدأ التكليف بالدعوة، بدأت الرحلة الشاقّة المُضنية، ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) وتَصَور موسى عليه السلام وهو يستمع إلى هذا الأمر الإلهي، لقد فرّ موسى من فرعون ؟
لأنه تمرد عليه، وقتل شخصاً من رعيته، وقد حكم عليه فرعون بالإعدام غيابياً، ثم يأتي الأمر الإلهي: ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) لم يقل له اذهب إلى حاشية فرعون ، أو جنود فرعون ، أو أرسل إليه رسالة، وإنما أمره بالتوجّه مباشرة إلى هذا المجرم الطاغية، ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ)) لماذا؟
((إِنَّهُ طَغَى)) لقد تجاوز الحد؟
سفك دماء الأبرياء، قتل الأطفال، نشر الفساد، أرهَبَ العِباد، دمر البلاد، داسَ الأجيال تحت قدميه.
فماذا طلب موسى من ربه؟
وعلى الدّعاة أن يتنبَّهُوا إلى هذا الطلب: ((قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي)).
فـموسى عليه السلام ما كان يبين في حديثه، بل كان يأكل بعض الحروف إذا تكلم، فليس في استطاعته أن يُبلغ الدعوة، وسوف يضحك عليه هذا المجرم العتل، وقد فعل ذلك بالفعل، حيث عقد مقارنة بينه وبين موسى عليه السلام، وفضل نفسه على نبي من أنبياء الله، ورسول من أُولي العزم، قال في سورة الزخرف: ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ)).
يقول: إنني أغنى منه مالاً، وأعظم منه سلطاناً، وأصح منه لساناً، فأنا أُلقي المحاضرات، وأعقد الندوات، وموسى لا يستطيع ذلك، مع أن هذا بعد أن طلب موسى من ربه أن يحلُل عقدة من لسانه، فكيف لو ذهب موسى قبل ذلك؟
.
إن موسى عليه السلام ما طلب أن يكون أفصح الخلق، ولا أخطب الناس، وإنما طلب أن يكون كلامه مفهوماً، لتقوم بذلك الحجة على فرعون ، وقد قامت، إلا أن هذا هو شأن المُفسِدين، يتصيدون الأخطاء للدعاة الصادقين، ولا يتوزعون عن رميهم بالتهَم والافتراءات التي هم منها بَراَء.
طلب موسى من ربّه أيضاً نصيراً، ومُعاوِناً له على تلك المواقف الصعبة ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي)).
سماه وعينه لربه ليختاره له، وعقل لذلك بقوله: ((اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)).
فإن الواجبات كثيرة، وإن التبِعات جسيمة، فأُريد أخي ليكون علي ميمنتي فَيُقَويني وُيثبتني عند ذاك الطاغية الجبار: ((كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)) فالاثنان يسبحان ويذكران أكثر من الواحد، والأخ الصالح يذكر أخاه إذا نسي، وُيقَوِّيه إذا فَتَر ((إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا)) فأنت الذي أرسلتنا، وتعلم ضعفنا، فأعِنَّا على تلك المهمة الصعبة، وكن معنا بالتأييد والنصرة.
ثم كان الجواب من الله الواحد الأحد ((قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى)) ولم يقل سؤالاتك، أو طلباتك، لأن المطالب مهما كَثُرت، ومهما عَظُمَت فهي هينة في ميزان الله عز وجل: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)).
ثم ذكره الله عز وجل بتاريخه وماضِيه، وإنعامه عليه في كل وقت، أعاد عليه ذكريات الطفولة والصبا، ((وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)).
وهذه الآيات فيها قضايا أربع:أولها: كأن الله يقول لـموسى عليه السلام: لا تخف من فرعون ، ولا تتهيّب منه، فقد عصمناك منه وأنت طفل رضيع، وقد ربيناك في قصره وفي بلاطه، كنت تضربه على وجهه وأنت طفل صغير، أتخاف منه الآن وأنت في الأربعين، لا تخف منه فإنه أحقر وأهوَن من أن تخاف منه.
فموسى الذي رباه فرعون مؤمن وموسى الذي رباه جبريلُ كافرُ
موسى الذي تربّى في قصر فرعون ، هذا القصر الذي فيه الإلحاد والقهر وشُرب الخمر وعبودية غير الله، موسى هذا مؤمن ونبي من أنبياء بني إسرائيل.
وهناك موسى آخر، موسى السامري ، رباه جبريل على الوحي والتوحيد والنور والعبادة، لكنه خرج كافراً مارداً بعيداً عن الله.
فلا تستغرب أن ترى شابا من بيت متهتك، بيت مُنحَل، بيت يُعادي شرع الله، وهذا الشاب ولي من أولياء الله، كأنه من شباب الصحابة.
ولا تتعجب كذلك إذا رأيت شاباً من بيت من بيوت العبودية، بيت ينام على القرآن، ويستيقظ على القرآن بيت يعظم تعاليم الإسلام، وهذا الشاب ينشأ شيطاناً ضالاً، فهذه حكمة بالغة، وقدرة نافِذَة.
ثم يستمر القرآن في تعديد نِعَم الله عز وجل على موسى : ((إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ)) ثم يذكره الله بفعلته التي فعلها ((وَقَتَلْتَ نَفْسًا)) ولا تظن أننا نسينا النفس التي قتلتها، فإن ذلك مكتوب في كتاب، ((لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا))، ولكننا غفرنا لك وفرجنا همك ((وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)).
هذا تاريخ موسى أمام عينيه، وكأن الله تبارك وتعالى يقول له: هذا تاريخك يا موسى ، وتلك هي الأحداث التي مررت بها، كانت عنايتنا معك في كل حَدَث منها، وكان حفظنا يُلاحقك في كل مكان حَلَفتَ فيه ((اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) ولنقف الآن عند هذا الحد، لننتقل إلى قصر فرعون ، نستمع إلى ذاك الحوار الساخن الذي دار بين موسى وفرعون ، على موسى السلام، وعلى فرعون اللعنة، وهذا موضوع الخطبة الثانية إن شاء الله.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله.. الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسَلين، وإمام المتقين، وقدوهَ الناس أجمعين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
* أما بعد:فيصل بنا الخطاب إلى قول الله تعالى: ((اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)).
لقد أجبت سؤالك يا موسى ، فجعلت أخاك معك، وجعلته نبياً من الأنبياء المُصطَفين ((وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)) وهذا على معنيين:الأول: لا تضعفا في الدعوة، ولا تخافا أحداً مهما بلغ عُتوه وجبروته، وابذلوا ما استطعتم في سبيل تبليغ الدعوة إِلى الناس.
الثاني: قيل إن قوله تعالى: ((وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي))، أي لا تفترا عن ذِكري؟
من التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد؟
لأن موسى عندما طلب أخاه وزيراً معه قال: ((كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)) فلا ينبغي أن تنسى يا موسى ما قطعته على نفسك من كثرة التسبيح والذكر.
فزاد الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربت
فأكثر ذِكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرت
ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى
فزاد القلوب هو التسبيح والتكبير، وزاد الأرواح هو التحميد والتهليل، فالله يقول لـموسى و هارون : أكثِرا من الذكر، فإنكما ستمران بمواقف صعبة، وتكاليف ضخمة، لا تستطيعان خوض غِمارها إلا بأن تكونا على قُربِ مني، وأن تكونا دائماً في ذِكر وثَناء وافتقار لجلالي ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) عاد الخطاب كما كان أول السورة.
في أول السورة قال الله لـموسى : ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) وهنا يقول لـموسى و هارون : ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) اذهبا إليه، واعلما بأنه طاغية جبار، ولكن كيف يخاطب موسى و هارون هذا الجبار؟
ما الوسيلة التي يستخدمها موسى في عرض الدعوة عليه؟
فيُبين الله أن الوسيلة الناجحة في مخاطبة هؤلاء الجبابرة، هي اللين، وعدم العنف، وذلك بأن تعرض عليه الدعوة بأُسلوب هين لين حَسَن، فلعك الله أن يهديه، ولعلّ الله أن يشرح صدره، فلا ينبغي أن نحكم على الناس، بأن الله ختم على قلوبهم، فلا يهتدون، ولا يعقِلون، ولا يفهمون، قال تعالى: ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) ما أحسن هذا الكلام، وما أعجب هذا الخطاب، يقول عن فرعون : إنه طاغية، جبار، سفاك للدماء، مُلحِد، عنيد، ومع ذلك، يأمر أنبياءه باللين معه، وعدم تعنيفه وتوبيخه، لعله يستحسن الخطاب، فيستجيب إلى الحق.
قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا)) قال: [يُمَنياه بالمُلك].
فلما دخل عليه موسى قال له: إذا أجبتنا، أبقى الله عليك ملكَكَ، ومَكنَكَ أكثر من ذلك ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) لعلّه يتذكر نِعَم الله عليه، وتمكينه إياه، فبعض الناس لا يأتي إلا من باب الرغبة، وبعضهم لا يستجيب إلا بالترهيب، والداعية لا بدّ أن يكون بصيراً بمداخل القلوب، عالِماً بطرائق كسبِ النفوس، حتى يدخل على كل إنسان من الباب الذي تُرجَى إجابته منه.
فقال موسى و هارون : ((قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى)) والله يعلم أنه يطغى، والله يعلم أنه جبار ((قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) وإذا كان الله معك فلماذا تخاف؟
وإذا كان الله ناصرك فممن تخشى؟
فانطلقا بهذا المبدأ لا تخافا أحداً، ما دام الله معكما، وناصِركما، ومؤيدكما.
وموسى عليه السلام خاف ثلاث مرات؟
مرة لمّا رأى العصا وقد انقلبت حية، فقال الله له: ((قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ)) وهذه المرة، حين دخل البلاط الفرعوني ((قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) ومرة ثالثة يوم أن نازَلَ فرعون في الميدان أمام الجماهير ((فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى))، ((قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)) دخل موسى عليه، ووقف هارون بجانبه، موسى يتكلم، و هارون يثبت ويساعد، والمجرم ينظر إليهما بعلو وعتو وجَبَروت، لأنه صوّر نفسه أنه رب، وأنه صانِع، أنكر توحيد الربوبية، وادعى ذلك لنفسه؟
كِبراً وعتواً، وإن كان في الباطن يُوقِن بربوبية الله للكون، كما قال له موسى عليه السلام: ((قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)) فلما تكلم موسى ، ودعاه إلى الله عز وجل ضحك فرعون منهما، ضِحكُ استهزاء واستهتار؛لأنه مُستَخف بالقِيَم، يدوس التاريخ بقدميه يجعل المروءات خلف ظهره لا يُقيم للمُثُل وزناً ولا قيمة.
أخذ ينظر إلى موسى على أنه راعي غنم، يحمل عصاه على كتفه، وأنه أتى من الصحراء، حيث لا حضارة ولا تقدم، ثم ينظر إلى نفسه فيرى الدنيا تحت قدميه، فيزداد كِبراً وصلفاً.
وهكذا يفعل الطغاة، يوم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، يوم لا يصلّون، ولا يخافون من الواحد الأحد، هكذا يفعل كل فرعون إلى أن تقوم الساعة.
فانبرى الخسيس من على كُرسيه وسأل موسى سؤالاً تافهاً حقيراً مثله ((قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى)) فهو لا يعرف رباً ولا يؤمن بإله، فماذا كان جواب موسى : ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) الآية فإن كنت تستطيع ذلك فأنت رب، وان كنت لا تستطيع فلست برب، وأنى لك ذلك!!.
قال الزمخشري : الله دره من جواب.
وقال أحدهم: والله لقد تناوله موسى بكف على وجهه، وتحت كلمة (خَلقه) مجلّدات من العِبَر، وتحت كلمة (هدى) مجلدات من الصور.
هدى كل شيء، هدى الطفل يوم أن وضعته أُمه، لا يعرف شيئاً، ولا يُبصِر شيئاً، فهداه إلى ثدي أُمه ليجر منه اللبن.
وهدى النحلة أن تطير آلاف الأميال، لتأخذ الرحيق، وتعود مرة ثانية إلى خليتها.
وهدى الحمام الزاجِل، يوم ينقل الرسائل، من مكان إلى مكان، ومن بلد إلى بلد، ثم يعود إلى مكانه لا يضل ولا يضيع.
يقول العالِم الأمريكي كيرسي ميرسون في كتاب الإنسان لا يقوم وحده : إنني أتعجب من النحل، وأقول: لعلّ النحلة معها جهاز (إريال) تكتشف به خليتها!! ولكن الله عز وجل يقول: ((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا)) إنه الله ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) فهزم فرعون وبهت، وظهر فشله وعجزه، ولكنه أتى بسؤال آخر كالذي قبله أو أتفه منه ((قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى)) أين ذهب أجدادنا وآباؤنا؟
((قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)) ما شأنك أنت بهذا؟
ما أهمية هذه المسألة عندك؟
أنت ذرة من الذرات، وأنت حشرة من الحشرات.
أنت لا تعترف مَن أنت ولا أنت لا تدري بماذا قد تؤول
أنت مخلوق حقير بائس أنت لا تدري إلى أين الرحيل
((قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)) فهزمه موسى مرة ثانية، وانتصر عليه، وفضحه أمام الجماهير، وبين عجزه أمام الأجيال.
وبقي موسى إلى قيام الساعة يُذكَر في مواكب الأنبياء المخلصين، وفي مواكب الدعاة الخالدينَ.
* أيها المؤمنون:
في هذه القصة دروس وعِبَرة أولها: الاعتصام بـ: لا إله إلا الله.
فهذه الكلمة من أجلها أُنزِلَت الكتب، وأُرسِلَت الرسُل، وخُلِقَت السموات والأرض، وأُقيمت المَعالِم، وبُذِلَت الأموال، وشُهِرَت السيوف.
فلا بد أن نعتصم بهذه الكلمة، ولا بد أن نفتخر بهذه الكلمة، ولا بد أنت سيطر على حياة كل واحد منا؟
على الأمير، على الوزير، على القاضي، على المسؤول، على الصحفي حين يكتب، على الشاعر حين ينظم، على الأديب حين يبدع.
ثانياً: قضية الصلاة، فالدين يقوم على الصلاة، فلا دين بغير صلاة، ولا صلاة بغير دين.
ثالثاً: قضية الإيمان باليوم الآخر، فإذا لم نجعل هذه القضية أمامنا، وفي أذهاننا، فلا سلام، ولا أمن، ولا استقرار، ولا طمأنينة، لأن الذين نسوا اليوم الآخر، تقاتلوا، وتحاسَدوا، ودمر بعضهم مدن بعض، وأطلقوا صواريخهم، وقتلوا الآمِنِين، كلّ ذلك لأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر.
رابعاً: قضية النصرة، ينبغي أن نعلم أن الله عز وجلّ ينصر أولياءه، ويدافع عن أحبابه، ولو ظهروا على الساحة أنهم هم المهزومون، هم القليلون، هم المضطهدون، فالعاقِبة لهم، والنصر حليفهم.
((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)).
خامساً: قضية الشكر، فالله عز وجل يطلب من العبد أن يتذكر المعروف، وأن يشكر النًعَم، وأن يحفظ الأيادي.
سادساً: على الداعية أن يعرف مداخل القلوب، وألا يكون عنيفاً في أُسلوبه، مُجَرحاً للشعور ((وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)).
دخل أحد الأعراب على هارون الرشيد ، الخليفة العباسي الكبير، فقال الأعرابي: يا هارون .
قال: نعم.
قال: إن عندي كلاماً شديداً قاسياً فاستمع له.
قال هارون : والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع.
قال: ولِمَ؟
قال:لأن الله أرسل مَن هو خير منك، إلى مَن هو شر مني، ثم قال له: ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) فاللين في الدعوة مطلوب، وأدب الحوار مطلوب، وإنزال الناس منازلهم مطلوب، ومُراعاة شعور الآخرين مطلوب.
سابعاً: لا خوف على المسلم، فإن النفوس بيد الله، والأرزاق في خزائن الله، فهو الذي يحيي ويميت، وُيغني وُيعدم، وينفع ويضر، بيده مقاليد كل شيء، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
هذه بعض دروس قصة موسى عليه السلام وأغلبيّة سُوَر القرآن، تحلق بنا دائماً مع موسى عليه السلام.
فقصته طويلة، وأحداثها متعددة، فيها العِبرة، وفيها العِظَة وفيها السلوَى، وفيها الثبات على المبدأ.
فسلام الله على موسى في الأولين، وسلام على موسى في الآخرين، وشكر الله سعيه.
أما فرعون وأتباعه فـ ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)).
* عباد الله!
صلوا وسلموا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: ((إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صَل على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، واعرِض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن الصحابة الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمَنك وكرمك يا كرم الأكرمين.
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهدِ الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).
*أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهَدي هَدي محمل صلى الله عليه وسلم، وشر الأُمورِ مُحدثاتُها، وكل مُحدَثةِ بِدعة، وكلً بِدعة ضلالة، وكل ضلالةِ في النار.
* أيها الناس:
نحن مع موسى بن عمران في هذا اليوم، وموسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، شخصية لامِعة في عالم الدعوة، بل هو بطل القصص القرآني، الذي أنزله الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، تسلية له ولأصحابه صلى الله عليه وسلم وأخذاَ للعِبَر والعِظات ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى)).
وكما يقول بعض المفكرين: إن المناظرة بين موسى و فرعون كانت جدلية، تنظيرية، عسكرية، اقتصادية، تربوية في نفس الوقت.
فحيا الله موسى بن عمران ، وأهلاً وسهلاً ببطل الدعوة، الذي خاض غِمارها، أكثر من خمسين عاماً.
فتعالوا نستمع إلى القرآن وهو يقص علينا من نبأ هذا النبي الكريم، فمن القرآن نأخذ القصص، ومنه نأخذ طرق الدعوة وأساليبها، ومنه نأخذ الأحكام والعقائد والسلوك.
موسى في الصحراء، عصاه في يمينه، يجلس في ظل شجرة بعد أن أعياه هشُّه على غنمه، فتأتيه عناية الله، وفضل الله، ووحي الله، يأتيه الأمر الإلهي بالذهاب إلى طاغية الأرض، السّفّاك المجرم، والإرهابي العميل، إلى فرعون الضال، الذي قتل النساء، والذي ذبح الأطفال، والذي دمر الأجيال، والذي استعبد الشعوب، والذي عاثَ في الأرض فساداً.
يقول الله تعالى: ((وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)).
ثم كانت المفاجأة التي لم يكن ينتظرها، ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)) وكأن موسى َعليه السلام يتساءل: مَن أنت؟
ما حقيقتك؟
دُلني عليك؟
فيقول الله عز وجل: ((إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)).
هذا هو رب العالمين، هذه حقيقته عند أهل السنة والجماعة، إذا قال لك أحد مَن هو الله؟
فقل هو الله..
الذي لا إله إلّا هو.
فالله يعرف نفسه لـموسى عليه السلام كأنه يقول له: اعرفني قبل أن تعرف بي، وقبل أن تنطلق بالدعوة إليَّ ((إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)).
فهذه ثلاث قضايا ينبغي أن يعرفها كل مَن يتصدر للدعوة إلى الله عز وجل.
القضية الأولى: قضية التوحيد والعبودية ((إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)) فلا بد أن تعلم هذه القضية، قولاً وعملاً، وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلمها، ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الله)).
فلا معبود بحق إلا الله، ولا مُتَصرٌف إلا الله، ولا خالق، ولا مدبر، ولا حاكم، ولا مُسَيطر، ولا مرجو، ولا مقصود إلّا الله تبارك وتعالى.
القضية الثانية: قضية الصلاة، فلا دين لمَن لا صلاة له، ولا امتثال لمعالِم العقيدة بغير صلاة.
والقضية الثالثة: قضية الإيمان باليوم الآخر، وهي قضية كبرى، ركّز عليها القرآن في مواضع كثيرة، وأبطَل زعم الذين أنكروا هذا اليوم ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ)) فعقيدة لا تُبنَى على اليوم الآخر عقيدة مهزوزة، وأدب وفن وجمال وتصوير، لا يُؤَسسُ على الإيمان باليوم الآخر، جهالة وعمالة ولعنة من الله تعالى.
ويوم سخر الكَتَبَةُ أقلامهم في خدمة الإلحاد، وفي الاستهزاء باليوم الآخر، ضاعوا، وضلوا، ولُعِنُوا في الدنيا والآخرة.
((إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَ * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى)) ثم يتحدث الله بعد ذلك مع موسى حديثاً شيقاً، حديث الأُنس واللطف، ليُزيل الدهشة عنه، وليطرد الرعب من نفسه، لأنه موقف صعب، لا يتحمله أي إنسان، تصور أنك تكلم الله تعالى، وتستمع إلى خطاب ملك الملوك، موسى كاد يطير قلبه من بين جوانحه، فألقى الله عليه خطاب المؤانسة والمُلاطفة، حتى لا يستوحش، وحتى لا تسيطر عليه الأوهام، والعرب كانت تعرف ذلك، فهذا الأزدي يقول في قصيدته:
أُحادثُ ضيفي قبَل إنزالِ رَحلهِ ويخصب عندي والمكانُ جديبُ
وما الخصب للأضياف أن يَكثُرَ القِرى ولكنما وجهُ الكريمِ خصيب
فيقول الله لـموسى عليه السلام: ((وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)) ليلاطفه، وليؤانسه وفهم موسى ذلك، فلم يقل: هي عصاً وسكت، وإنما لما لذ له الخطاب زاد في الجواب؟
ليستمر الحوار بينه وبين رب العزّة ((قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)).
قال ابن عباس رضي الله عنه: [رحم الله موسى ، إنما كان يكفيه أن يقول عصا، ولكنه ارتاح لخطاب ربه فزاد في الكلام].
والله يسأله عن العصا؛ لأنها سوف تكون تاريخاً، وسوف تكون درساً للأجيال، وسوف تكون قروناً من العِبَر.
((قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى)).
يا سبحان الله!! إن موسى عليه السلام لا يعرف هذه الخوارق، ولا هذه المفاجآت، إنه يعرف أن السماء هي السماء، لا تتغير ولا تتبذل، ويعرف أن الأرض هي هذه الأرض التي يسير عليها، وأن العصا هي العصا، وأن الحية هي الحية.
الليلُ ليلُ والنهارُ نهارُ والأرضُ فيها الماءُ والأشجارُ
فلماذا تنقلب العصا إلى حية تسعى؟
ففر موسى خائفاً، وتصور موسى وهو يفر خائفاً من رب العالمين، فيطمئنه ربه، ويهدئه ((قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى)) فعاد فأخذها، فإذا هي عصا.
موسى عليه السلام فر خائفاً من عصاه، ومع ذلك أرسله الله عز وجل إلى ذاك الطاغية المجرم، المستبد السفاك، الذي كان يُلقي المحاضرات، على الرعاع الأغبياء البُلَداء، ويقول لهم: ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) فيصفّقون له، ويقول لهم: ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)) فيهزّون رؤوسهم طرباً، ويسجدون له تذللاً.
قال بعض المفسرين: كان على قصر فرعون ، ستة وثلاثون ألفاً من الحرس، كل واحد منهم يرى أن فرعون إلهه وخالِقه، ورازِقه ومُحييه، ومُميته!! والعِياذ بالله.
ثم قال الله لـموسى : ((وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى))، فهذه آية أخرى من آيات الله عز وجلّ، أدخِل يدك يا موسى في إبطك، ثم أخرجها، تخرج بيضاء من غير برص ولا بهق ((آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى)).
ثم بدأ التكليف بالدعوة، بدأت الرحلة الشاقّة المُضنية، ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) وتَصَور موسى عليه السلام وهو يستمع إلى هذا الأمر الإلهي، لقد فرّ موسى من فرعون ؟
لأنه تمرد عليه، وقتل شخصاً من رعيته، وقد حكم عليه فرعون بالإعدام غيابياً، ثم يأتي الأمر الإلهي: ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) لم يقل له اذهب إلى حاشية فرعون ، أو جنود فرعون ، أو أرسل إليه رسالة، وإنما أمره بالتوجّه مباشرة إلى هذا المجرم الطاغية، ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ)) لماذا؟
((إِنَّهُ طَغَى)) لقد تجاوز الحد؟
سفك دماء الأبرياء، قتل الأطفال، نشر الفساد، أرهَبَ العِباد، دمر البلاد، داسَ الأجيال تحت قدميه.
فماذا طلب موسى من ربه؟
وعلى الدّعاة أن يتنبَّهُوا إلى هذا الطلب: ((قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي)).
فـموسى عليه السلام ما كان يبين في حديثه، بل كان يأكل بعض الحروف إذا تكلم، فليس في استطاعته أن يُبلغ الدعوة، وسوف يضحك عليه هذا المجرم العتل، وقد فعل ذلك بالفعل، حيث عقد مقارنة بينه وبين موسى عليه السلام، وفضل نفسه على نبي من أنبياء الله، ورسول من أُولي العزم، قال في سورة الزخرف: ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ)).
يقول: إنني أغنى منه مالاً، وأعظم منه سلطاناً، وأصح منه لساناً، فأنا أُلقي المحاضرات، وأعقد الندوات، وموسى لا يستطيع ذلك، مع أن هذا بعد أن طلب موسى من ربه أن يحلُل عقدة من لسانه، فكيف لو ذهب موسى قبل ذلك؟
.
إن موسى عليه السلام ما طلب أن يكون أفصح الخلق، ولا أخطب الناس، وإنما طلب أن يكون كلامه مفهوماً، لتقوم بذلك الحجة على فرعون ، وقد قامت، إلا أن هذا هو شأن المُفسِدين، يتصيدون الأخطاء للدعاة الصادقين، ولا يتوزعون عن رميهم بالتهَم والافتراءات التي هم منها بَراَء.
طلب موسى من ربّه أيضاً نصيراً، ومُعاوِناً له على تلك المواقف الصعبة ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي)).
سماه وعينه لربه ليختاره له، وعقل لذلك بقوله: ((اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)).
فإن الواجبات كثيرة، وإن التبِعات جسيمة، فأُريد أخي ليكون علي ميمنتي فَيُقَويني وُيثبتني عند ذاك الطاغية الجبار: ((كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)) فالاثنان يسبحان ويذكران أكثر من الواحد، والأخ الصالح يذكر أخاه إذا نسي، وُيقَوِّيه إذا فَتَر ((إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا)) فأنت الذي أرسلتنا، وتعلم ضعفنا، فأعِنَّا على تلك المهمة الصعبة، وكن معنا بالتأييد والنصرة.
ثم كان الجواب من الله الواحد الأحد ((قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى)) ولم يقل سؤالاتك، أو طلباتك، لأن المطالب مهما كَثُرت، ومهما عَظُمَت فهي هينة في ميزان الله عز وجل: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)).
ثم ذكره الله عز وجل بتاريخه وماضِيه، وإنعامه عليه في كل وقت، أعاد عليه ذكريات الطفولة والصبا، ((وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)).
وهذه الآيات فيها قضايا أربع:أولها: كأن الله يقول لـموسى عليه السلام: لا تخف من فرعون ، ولا تتهيّب منه، فقد عصمناك منه وأنت طفل رضيع، وقد ربيناك في قصره وفي بلاطه، كنت تضربه على وجهه وأنت طفل صغير، أتخاف منه الآن وأنت في الأربعين، لا تخف منه فإنه أحقر وأهوَن من أن تخاف منه.
فموسى الذي رباه فرعون مؤمن وموسى الذي رباه جبريلُ كافرُ
موسى الذي تربّى في قصر فرعون ، هذا القصر الذي فيه الإلحاد والقهر وشُرب الخمر وعبودية غير الله، موسى هذا مؤمن ونبي من أنبياء بني إسرائيل.
وهناك موسى آخر، موسى السامري ، رباه جبريل على الوحي والتوحيد والنور والعبادة، لكنه خرج كافراً مارداً بعيداً عن الله.
فلا تستغرب أن ترى شابا من بيت متهتك، بيت مُنحَل، بيت يُعادي شرع الله، وهذا الشاب ولي من أولياء الله، كأنه من شباب الصحابة.
ولا تتعجب كذلك إذا رأيت شاباً من بيت من بيوت العبودية، بيت ينام على القرآن، ويستيقظ على القرآن بيت يعظم تعاليم الإسلام، وهذا الشاب ينشأ شيطاناً ضالاً، فهذه حكمة بالغة، وقدرة نافِذَة.
ثم يستمر القرآن في تعديد نِعَم الله عز وجل على موسى : ((إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ)) ثم يذكره الله بفعلته التي فعلها ((وَقَتَلْتَ نَفْسًا)) ولا تظن أننا نسينا النفس التي قتلتها، فإن ذلك مكتوب في كتاب، ((لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا))، ولكننا غفرنا لك وفرجنا همك ((وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)).
هذا تاريخ موسى أمام عينيه، وكأن الله تبارك وتعالى يقول له: هذا تاريخك يا موسى ، وتلك هي الأحداث التي مررت بها، كانت عنايتنا معك في كل حَدَث منها، وكان حفظنا يُلاحقك في كل مكان حَلَفتَ فيه ((اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) ولنقف الآن عند هذا الحد، لننتقل إلى قصر فرعون ، نستمع إلى ذاك الحوار الساخن الذي دار بين موسى وفرعون ، على موسى السلام، وعلى فرعون اللعنة، وهذا موضوع الخطبة الثانية إن شاء الله.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله.. الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسَلين، وإمام المتقين، وقدوهَ الناس أجمعين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
* أما بعد:فيصل بنا الخطاب إلى قول الله تعالى: ((اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)).
لقد أجبت سؤالك يا موسى ، فجعلت أخاك معك، وجعلته نبياً من الأنبياء المُصطَفين ((وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)) وهذا على معنيين:الأول: لا تضعفا في الدعوة، ولا تخافا أحداً مهما بلغ عُتوه وجبروته، وابذلوا ما استطعتم في سبيل تبليغ الدعوة إِلى الناس.
الثاني: قيل إن قوله تعالى: ((وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي))، أي لا تفترا عن ذِكري؟
من التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد؟
لأن موسى عندما طلب أخاه وزيراً معه قال: ((كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)) فلا ينبغي أن تنسى يا موسى ما قطعته على نفسك من كثرة التسبيح والذكر.
فزاد الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربت
فأكثر ذِكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرت
ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى
فزاد القلوب هو التسبيح والتكبير، وزاد الأرواح هو التحميد والتهليل، فالله يقول لـموسى و هارون : أكثِرا من الذكر، فإنكما ستمران بمواقف صعبة، وتكاليف ضخمة، لا تستطيعان خوض غِمارها إلا بأن تكونا على قُربِ مني، وأن تكونا دائماً في ذِكر وثَناء وافتقار لجلالي ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) عاد الخطاب كما كان أول السورة.
في أول السورة قال الله لـموسى : ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) وهنا يقول لـموسى و هارون : ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) اذهبا إليه، واعلما بأنه طاغية جبار، ولكن كيف يخاطب موسى و هارون هذا الجبار؟
ما الوسيلة التي يستخدمها موسى في عرض الدعوة عليه؟
فيُبين الله أن الوسيلة الناجحة في مخاطبة هؤلاء الجبابرة، هي اللين، وعدم العنف، وذلك بأن تعرض عليه الدعوة بأُسلوب هين لين حَسَن، فلعك الله أن يهديه، ولعلّ الله أن يشرح صدره، فلا ينبغي أن نحكم على الناس، بأن الله ختم على قلوبهم، فلا يهتدون، ولا يعقِلون، ولا يفهمون، قال تعالى: ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) ما أحسن هذا الكلام، وما أعجب هذا الخطاب، يقول عن فرعون : إنه طاغية، جبار، سفاك للدماء، مُلحِد، عنيد، ومع ذلك، يأمر أنبياءه باللين معه، وعدم تعنيفه وتوبيخه، لعله يستحسن الخطاب، فيستجيب إلى الحق.
قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا)) قال: [يُمَنياه بالمُلك].
فلما دخل عليه موسى قال له: إذا أجبتنا، أبقى الله عليك ملكَكَ، ومَكنَكَ أكثر من ذلك ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) لعلّه يتذكر نِعَم الله عليه، وتمكينه إياه، فبعض الناس لا يأتي إلا من باب الرغبة، وبعضهم لا يستجيب إلا بالترهيب، والداعية لا بدّ أن يكون بصيراً بمداخل القلوب، عالِماً بطرائق كسبِ النفوس، حتى يدخل على كل إنسان من الباب الذي تُرجَى إجابته منه.
فقال موسى و هارون : ((قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى)) والله يعلم أنه يطغى، والله يعلم أنه جبار ((قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) وإذا كان الله معك فلماذا تخاف؟
وإذا كان الله ناصرك فممن تخشى؟
فانطلقا بهذا المبدأ لا تخافا أحداً، ما دام الله معكما، وناصِركما، ومؤيدكما.
وموسى عليه السلام خاف ثلاث مرات؟
مرة لمّا رأى العصا وقد انقلبت حية، فقال الله له: ((قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ)) وهذه المرة، حين دخل البلاط الفرعوني ((قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) ومرة ثالثة يوم أن نازَلَ فرعون في الميدان أمام الجماهير ((فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى))، ((قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)) دخل موسى عليه، ووقف هارون بجانبه، موسى يتكلم، و هارون يثبت ويساعد، والمجرم ينظر إليهما بعلو وعتو وجَبَروت، لأنه صوّر نفسه أنه رب، وأنه صانِع، أنكر توحيد الربوبية، وادعى ذلك لنفسه؟
كِبراً وعتواً، وإن كان في الباطن يُوقِن بربوبية الله للكون، كما قال له موسى عليه السلام: ((قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)) فلما تكلم موسى ، ودعاه إلى الله عز وجل ضحك فرعون منهما، ضِحكُ استهزاء واستهتار؛لأنه مُستَخف بالقِيَم، يدوس التاريخ بقدميه يجعل المروءات خلف ظهره لا يُقيم للمُثُل وزناً ولا قيمة.
أخذ ينظر إلى موسى على أنه راعي غنم، يحمل عصاه على كتفه، وأنه أتى من الصحراء، حيث لا حضارة ولا تقدم، ثم ينظر إلى نفسه فيرى الدنيا تحت قدميه، فيزداد كِبراً وصلفاً.
وهكذا يفعل الطغاة، يوم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، يوم لا يصلّون، ولا يخافون من الواحد الأحد، هكذا يفعل كل فرعون إلى أن تقوم الساعة.
فانبرى الخسيس من على كُرسيه وسأل موسى سؤالاً تافهاً حقيراً مثله ((قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى)) فهو لا يعرف رباً ولا يؤمن بإله، فماذا كان جواب موسى : ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) الآية فإن كنت تستطيع ذلك فأنت رب، وان كنت لا تستطيع فلست برب، وأنى لك ذلك!!.
قال الزمخشري : الله دره من جواب.
وقال أحدهم: والله لقد تناوله موسى بكف على وجهه، وتحت كلمة (خَلقه) مجلّدات من العِبَر، وتحت كلمة (هدى) مجلدات من الصور.
هدى كل شيء، هدى الطفل يوم أن وضعته أُمه، لا يعرف شيئاً، ولا يُبصِر شيئاً، فهداه إلى ثدي أُمه ليجر منه اللبن.
وهدى النحلة أن تطير آلاف الأميال، لتأخذ الرحيق، وتعود مرة ثانية إلى خليتها.
وهدى الحمام الزاجِل، يوم ينقل الرسائل، من مكان إلى مكان، ومن بلد إلى بلد، ثم يعود إلى مكانه لا يضل ولا يضيع.
يقول العالِم الأمريكي كيرسي ميرسون في كتاب الإنسان لا يقوم وحده : إنني أتعجب من النحل، وأقول: لعلّ النحلة معها جهاز (إريال) تكتشف به خليتها!! ولكن الله عز وجل يقول: ((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا)) إنه الله ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) فهزم فرعون وبهت، وظهر فشله وعجزه، ولكنه أتى بسؤال آخر كالذي قبله أو أتفه منه ((قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى)) أين ذهب أجدادنا وآباؤنا؟
((قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)) ما شأنك أنت بهذا؟
ما أهمية هذه المسألة عندك؟
أنت ذرة من الذرات، وأنت حشرة من الحشرات.
أنت لا تعترف مَن أنت ولا أنت لا تدري بماذا قد تؤول
أنت مخلوق حقير بائس أنت لا تدري إلى أين الرحيل
((قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)) فهزمه موسى مرة ثانية، وانتصر عليه، وفضحه أمام الجماهير، وبين عجزه أمام الأجيال.
وبقي موسى إلى قيام الساعة يُذكَر في مواكب الأنبياء المخلصين، وفي مواكب الدعاة الخالدينَ.
* أيها المؤمنون:
في هذه القصة دروس وعِبَرة أولها: الاعتصام بـ: لا إله إلا الله.
فهذه الكلمة من أجلها أُنزِلَت الكتب، وأُرسِلَت الرسُل، وخُلِقَت السموات والأرض، وأُقيمت المَعالِم، وبُذِلَت الأموال، وشُهِرَت السيوف.
فلا بد أن نعتصم بهذه الكلمة، ولا بد أن نفتخر بهذه الكلمة، ولا بد أنت سيطر على حياة كل واحد منا؟
على الأمير، على الوزير، على القاضي، على المسؤول، على الصحفي حين يكتب، على الشاعر حين ينظم، على الأديب حين يبدع.
ثانياً: قضية الصلاة، فالدين يقوم على الصلاة، فلا دين بغير صلاة، ولا صلاة بغير دين.
ثالثاً: قضية الإيمان باليوم الآخر، فإذا لم نجعل هذه القضية أمامنا، وفي أذهاننا، فلا سلام، ولا أمن، ولا استقرار، ولا طمأنينة، لأن الذين نسوا اليوم الآخر، تقاتلوا، وتحاسَدوا، ودمر بعضهم مدن بعض، وأطلقوا صواريخهم، وقتلوا الآمِنِين، كلّ ذلك لأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر.
رابعاً: قضية النصرة، ينبغي أن نعلم أن الله عز وجلّ ينصر أولياءه، ويدافع عن أحبابه، ولو ظهروا على الساحة أنهم هم المهزومون، هم القليلون، هم المضطهدون، فالعاقِبة لهم، والنصر حليفهم.
((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)).
خامساً: قضية الشكر، فالله عز وجل يطلب من العبد أن يتذكر المعروف، وأن يشكر النًعَم، وأن يحفظ الأيادي.
سادساً: على الداعية أن يعرف مداخل القلوب، وألا يكون عنيفاً في أُسلوبه، مُجَرحاً للشعور ((وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)).
دخل أحد الأعراب على هارون الرشيد ، الخليفة العباسي الكبير، فقال الأعرابي: يا هارون .
قال: نعم.
قال: إن عندي كلاماً شديداً قاسياً فاستمع له.
قال هارون : والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع.
قال: ولِمَ؟
قال:لأن الله أرسل مَن هو خير منك، إلى مَن هو شر مني، ثم قال له: ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) فاللين في الدعوة مطلوب، وأدب الحوار مطلوب، وإنزال الناس منازلهم مطلوب، ومُراعاة شعور الآخرين مطلوب.
سابعاً: لا خوف على المسلم، فإن النفوس بيد الله، والأرزاق في خزائن الله، فهو الذي يحيي ويميت، وُيغني وُيعدم، وينفع ويضر، بيده مقاليد كل شيء، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
هذه بعض دروس قصة موسى عليه السلام وأغلبيّة سُوَر القرآن، تحلق بنا دائماً مع موسى عليه السلام.
فقصته طويلة، وأحداثها متعددة، فيها العِبرة، وفيها العِظَة وفيها السلوَى، وفيها الثبات على المبدأ.
فسلام الله على موسى في الأولين، وسلام على موسى في الآخرين، وشكر الله سعيه.
أما فرعون وأتباعه فـ ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)).
* عباد الله!
صلوا وسلموا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: ((إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صَل على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، واعرِض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن الصحابة الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمَنك وكرمك يا كرم الأكرمين.