الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
الاتباع في الأصل: اقتفاء أثر الماشي. وفي الاصطلاح: أن يتبع المسلم ما جاء عن النبي وعن أصحابه ثم هو من بعد في التابعين مخير كما قال الإمام أحمد، وفي الحقيقة أن كل ما أمر به الرسول الكريم فقد ألزمنا الله باتباعه، ورتب على ذلك الأجر العظيم وفي مخالفته الوزر والخسارة في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم.. لتعلم أن صدق محبتك لله ولرسوله
يكون باتباع الأمر واجتناب النهي.. وإلا فادعاء المحبة سهل جداً ولا يحتاج
أكثر من حروف يطلقها اللسان وكفى.. لكن المحبة الحقيقية هي: الاتباع
والطاعة، قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31].
قال أبو سليمان الدارني: ( لما ادعت القلوب محبة الله عز وجل أنزل
الله هذه الآية محنة ). نعم أخي الحبيب.. دليل محبتك لله ورسوله أن تتبع
ماجاء في الشرع المطهر حتى في الأمر الذي تكرهه نفسك.
لذلك أطلق على هذه الآية: آية المحبة.
قال ابن القيم: ( فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبة بحاصلة )،
وقال أيضاً: ( وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عز وجل إلا باتباع الحبيب ).
كلنا نعلم أن الفلاح والسعادة والنجاة في الدارين يكون باتباع محمد لكن من الذي يقتفي آثاره ويطبق سنته
في واقع حياته؟ فالأوامر والنواهي تطرق سمعنا ليلاً ونهاراً، سراً
وجهاراً، ولكن من يستجيب؟! هل نحن فعلاً ( ندور مع السنة حيث دارت ) كما
قال الأوزاعي.
أم نحن ممن يدور مع هواه حيث دار وحيث ثار!! وأحذرك أخي الكريم من اتباع الهوى فهو طريق الضلال.
أخي الحبيب.. ألا تريد أن تكون ممن قال فيهم الرسول الكريم : { كل أمتي يدخلون الجنة }؟! أعلم أنك تريد.. وبصدق أيضاً، ولكن لنقرأ الحديث من أوله..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى!! } قالوا يا رسول الله: ومن يأبي؟ قال: { من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى } [رواه البخاري] سهل جداً.. فالجنة لمن أطاع واتبع.. ويأبى الجنة من عصا وأدبر!!
فهل من الطاعة سماع الأمر بغض البصر.. ثم تطلق سهام بصرك فيما حرم الله؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بترك الغيبة... ثم تسلط لسانك على إخوانك المسلمين؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر ببر الوالدين.. وأنت تتفنن وتبتكر طرقاً للعقوق؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بالدعوة إلى الله... وأنت تبادر إلى التخذيل والإرجاف؟!
والكثير الكثير من الأوامر والنواهي التي تطرق أسماعنا.. فما نصيبنا
من الامتثال والطاعة والاتباع؟؟ اعرض نفسك أخي الحبيب على الحديث المتقدم،
وانظر هل أنت ممن أطاع الرسول أو ممن عصاه؟ عندها ستكون أنت حكماً على
نفسك.. اقْرَأْ كَتَابَك كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14] قال ابن القيم: ( كان عمر
يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله انتهى ) ونحن
وللأسف نتسابق في معصية الله والرسول.. فكيف نريد أن نكون من أهل السنة
ونحن لم نفعل شيئاً منها؟ كيف نريد الابتعاد عن أهل الضلال ونحن سائرون في
ركبهم؟
قال ابن عباس في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأُلو العلم، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة.
كان الجيل الفريد ( جيل الصحابة الكرام ) هم المثل الرائع في
التطبيق العملي لشرائع الدين وكذلك كانوا نماذج صادقة في محبة الرسول
الكريم وأتباعه، قال عمر بن الخطاب عندما قبّل الحجر الأسود: ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي يُقبلك ما قَبّلتك ) [رواه البخاري].
كانت أوامر الله ورسوله تأتي مخالفة تماماً لما تهواه النفوس.. بل
لما تعودوا عليه فتكون الاستجابة سريعة فما إن تخرج حروف الأمر والنهي ثم
تلامس أسماعهم حتى تكون أدلة المحبة ( الفعلية ) قد برزت.. يقول أنس بن
مالك رضي الله عنه: ( كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ
الفضيخ، فأمر رسول الله
منادياً ينادي: ( ألا إن الخمر قد حُرمت )، قال أنس: فقال لي أبو طلحة:
اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة ) [رواه البخاري]. وفي
رواية: ( فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل) [رواه البخاري].
لم يكن الأمر بحاجة إلى التوعية بأضرار المخدرات، وإصدار النشرات
التحذيرية، أو المرور عبر مستشفيات القضاء على الإدمان، وإنما كل ما هنالك
أن الخمر ( قد حرمت ) وكفى!!
وما إن تستقر في النفوس حقيقة وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
[النجم:4،3] حتى ترى السرعة في الاتباع والطاعة، عندها لا تكون الأحكام
الشرعية عرضة للنقاش.. وفاكهة مجالس السمر بين مؤيد ومعارض.. ومنصف!! فمن
قائل: لماذا حرم الإسلام هذا؟ ولماذا ترك هذا؟! والأحق بالتحريم ذاك؟!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( بينما الناس في الصبح بقباء جاء رجل فقال: إن رسول الله
قد أُنزل الليلة عليه قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان
وجه الناس إلى الشام فاستداورا بوجوههم إلى الكعبة ) [رواه البخاري] وفي
رواية: ( فمالوا وهم ركوع ) [رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي].
أخي الكريم.. أختي الكريمة.. ما جاء الإسلام ليكون لصحابة الرسول
فقط، ولم يكن الخِطاب لهم وحدهم فقط، بل لمن بعدهم من الأمة، وأنتم من
الأمة، جاء الإسلام ليهيمن على حياتنا ويصلحها ويوصلها بر النجاة.
هب أن هناك قافلة تريد السفر من مكان إلى آخر والمسافة بعيدة وشاقة
في صحراء قاحلة.. ولا يعرف الطريق السليمة إلا رجل واحد!! ومن حاد عنه
وتركه فنهايته الهلاك لا محالة.. فما ظنك بمن يتعمد مخالفة هذا الدليل؟!
أهو عاقل أم(...)؟!!
فنحن في هذه الدنيا نوقن أن سعادتنا وفلاحنا ونجاتنا لا تكون إلا باتباع محمد ومنهجه.. فلم المخالفة؟!
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع
لما دعا رسول الله الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه سنان الأسدي فقال: ( ابسط يدك أبايعك ) فقال النبي : { علامَ تبايعني }؟ فقال أبو سفيان: ( على ما في نفسك!! ) [تفسير ابن كثير].
إنها استجابة كاملة... ويقين أن ما يأمر به هذا النبي هو الخير
بمعناه (الواسع) في كل شأن من شؤون الحياة. لذلك كانت الاستجابة واسعة.. (
على ما في نفسك ).
ولم يكن أمر الاتباع والطاعة مقتصراً على الرجال، فالنساء كان لهن
دور في طاعة الأمر واجتناب النهي، وأحكام الشريعة لا تختص بالرجال فقط فهي
للرجال والنساء إلا ما خُصص منها.
عن أبي أسيد الأنصاري قال: ( سمعت رسول الله يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله : { استأخرن فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق } قال الراوي: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ) [رواه أبو داود].
ولو كان النساء كمن ذكرنا *** لفضلت النساء على الرجال!!
أختي الكريمة... لا نريدك تلتصقين بالجدار.. ولكن نريد
البعد عن فتنة الرجال في مواقعهم!! وعدم إظهار الزينة.. وعدم التطيب عند
الخروج للأسواق.. وعدم تقديم التنازلات في الحجاب أو بعضه!! ولكن هذا لا
يتأتى إلا بصدق محبة الحبيب ومتابعته..
نماذج فريدة في الاتباع والمحبة
ورد في قصة صلح الحديبية عن المسور بن مخرمة ومروان:.... ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله بعينيه فقال: ( والله ما تنخّم رسول الله
نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا
أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده،
وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم،
والله لقد وفدت على الملوك... وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إني ما
رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ) [رواه البخاري].
عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أن عبدالله بن رواحة وفي رواية أخرى أنه ابن مسعود أتى النبي ذات يوم وهو يخطب فسمعه وهو يقول: { اجلسوا }، فجلس فكان خارجاً عن المسجد حتى فرغ النبي من خطبته، فبلغ ذلك رسول الله فقال له: { زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله } [أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال وهو في الإصابة].
عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة }
قال: فكان زيد يروح إلى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ما تقام
الصلاة إلا استاك قبل أن يصلي [رواه الترمذي وأبو داود وأحمد].
عن نافع قال: ( لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر النبي لقلت: هذا مجنون!! ) [رواه أبو نعيم في الحلية والحاكم].
عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله : { لو تركنا هذا الباب للنساء } قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات!! [ابن سعد في الطبقات، سير أعلام النبلاء].
عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله مرني بعمل، قال : { عليك بالصوم فإنه لامثل له } قال الراوي: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يُلقون إلا صياماً [رواه أحمد والطبراني والنسائي].
[قال الذهبي في السير 368/4]:( أبو عبدالرحمن السلمي، مُقرئ الكوفة،
الإمام العلم، قرأ القرآن وجوده ومَهَر فيه كان يُقرئ الناس القرآن الكريم
في المسجد 40 سنة ). عن أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان بن عفان أن النبي قال: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [رواه البخاري]. قال أبو عبدالرحمن السلمي: ( فذلك الذي أقعدني هذا المقعد ).
نسأل الله تعالى أن نكون من أتباع نبيه ومن محيي سنته قولاً وعملاً، وأن يرزقنا شفاعته، والله أعلم... والحمد لله رب العالمين.
منقول
الاتباع في الأصل: اقتفاء أثر الماشي. وفي الاصطلاح: أن يتبع المسلم ما جاء عن النبي وعن أصحابه ثم هو من بعد في التابعين مخير كما قال الإمام أحمد، وفي الحقيقة أن كل ما أمر به الرسول الكريم فقد ألزمنا الله باتباعه، ورتب على ذلك الأجر العظيم وفي مخالفته الوزر والخسارة في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم.. لتعلم أن صدق محبتك لله ولرسوله
يكون باتباع الأمر واجتناب النهي.. وإلا فادعاء المحبة سهل جداً ولا يحتاج
أكثر من حروف يطلقها اللسان وكفى.. لكن المحبة الحقيقية هي: الاتباع
والطاعة، قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31].
قال أبو سليمان الدارني: ( لما ادعت القلوب محبة الله عز وجل أنزل
الله هذه الآية محنة ). نعم أخي الحبيب.. دليل محبتك لله ورسوله أن تتبع
ماجاء في الشرع المطهر حتى في الأمر الذي تكرهه نفسك.
لذلك أطلق على هذه الآية: آية المحبة.
قال ابن القيم: ( فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبة بحاصلة )،
وقال أيضاً: ( وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عز وجل إلا باتباع الحبيب ).
كلنا نعلم أن الفلاح والسعادة والنجاة في الدارين يكون باتباع محمد لكن من الذي يقتفي آثاره ويطبق سنته
في واقع حياته؟ فالأوامر والنواهي تطرق سمعنا ليلاً ونهاراً، سراً
وجهاراً، ولكن من يستجيب؟! هل نحن فعلاً ( ندور مع السنة حيث دارت ) كما
قال الأوزاعي.
أم نحن ممن يدور مع هواه حيث دار وحيث ثار!! وأحذرك أخي الكريم من اتباع الهوى فهو طريق الضلال.
أخي الحبيب.. ألا تريد أن تكون ممن قال فيهم الرسول الكريم : { كل أمتي يدخلون الجنة }؟! أعلم أنك تريد.. وبصدق أيضاً، ولكن لنقرأ الحديث من أوله..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى!! } قالوا يا رسول الله: ومن يأبي؟ قال: { من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى } [رواه البخاري] سهل جداً.. فالجنة لمن أطاع واتبع.. ويأبى الجنة من عصا وأدبر!!
فهل من الطاعة سماع الأمر بغض البصر.. ثم تطلق سهام بصرك فيما حرم الله؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بترك الغيبة... ثم تسلط لسانك على إخوانك المسلمين؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر ببر الوالدين.. وأنت تتفنن وتبتكر طرقاً للعقوق؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بالدعوة إلى الله... وأنت تبادر إلى التخذيل والإرجاف؟!
والكثير الكثير من الأوامر والنواهي التي تطرق أسماعنا.. فما نصيبنا
من الامتثال والطاعة والاتباع؟؟ اعرض نفسك أخي الحبيب على الحديث المتقدم،
وانظر هل أنت ممن أطاع الرسول أو ممن عصاه؟ عندها ستكون أنت حكماً على
نفسك.. اقْرَأْ كَتَابَك كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14] قال ابن القيم: ( كان عمر
يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله انتهى ) ونحن
وللأسف نتسابق في معصية الله والرسول.. فكيف نريد أن نكون من أهل السنة
ونحن لم نفعل شيئاً منها؟ كيف نريد الابتعاد عن أهل الضلال ونحن سائرون في
ركبهم؟
قال ابن عباس في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأُلو العلم، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة.
كان الجيل الفريد ( جيل الصحابة الكرام ) هم المثل الرائع في
التطبيق العملي لشرائع الدين وكذلك كانوا نماذج صادقة في محبة الرسول
الكريم وأتباعه، قال عمر بن الخطاب عندما قبّل الحجر الأسود: ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي يُقبلك ما قَبّلتك ) [رواه البخاري].
كانت أوامر الله ورسوله تأتي مخالفة تماماً لما تهواه النفوس.. بل
لما تعودوا عليه فتكون الاستجابة سريعة فما إن تخرج حروف الأمر والنهي ثم
تلامس أسماعهم حتى تكون أدلة المحبة ( الفعلية ) قد برزت.. يقول أنس بن
مالك رضي الله عنه: ( كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ
الفضيخ، فأمر رسول الله
منادياً ينادي: ( ألا إن الخمر قد حُرمت )، قال أنس: فقال لي أبو طلحة:
اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة ) [رواه البخاري]. وفي
رواية: ( فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل) [رواه البخاري].
لم يكن الأمر بحاجة إلى التوعية بأضرار المخدرات، وإصدار النشرات
التحذيرية، أو المرور عبر مستشفيات القضاء على الإدمان، وإنما كل ما هنالك
أن الخمر ( قد حرمت ) وكفى!!
وما إن تستقر في النفوس حقيقة وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
[النجم:4،3] حتى ترى السرعة في الاتباع والطاعة، عندها لا تكون الأحكام
الشرعية عرضة للنقاش.. وفاكهة مجالس السمر بين مؤيد ومعارض.. ومنصف!! فمن
قائل: لماذا حرم الإسلام هذا؟ ولماذا ترك هذا؟! والأحق بالتحريم ذاك؟!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( بينما الناس في الصبح بقباء جاء رجل فقال: إن رسول الله
قد أُنزل الليلة عليه قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان
وجه الناس إلى الشام فاستداورا بوجوههم إلى الكعبة ) [رواه البخاري] وفي
رواية: ( فمالوا وهم ركوع ) [رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي].
أخي الكريم.. أختي الكريمة.. ما جاء الإسلام ليكون لصحابة الرسول
فقط، ولم يكن الخِطاب لهم وحدهم فقط، بل لمن بعدهم من الأمة، وأنتم من
الأمة، جاء الإسلام ليهيمن على حياتنا ويصلحها ويوصلها بر النجاة.
هب أن هناك قافلة تريد السفر من مكان إلى آخر والمسافة بعيدة وشاقة
في صحراء قاحلة.. ولا يعرف الطريق السليمة إلا رجل واحد!! ومن حاد عنه
وتركه فنهايته الهلاك لا محالة.. فما ظنك بمن يتعمد مخالفة هذا الدليل؟!
أهو عاقل أم(...)؟!!
فنحن في هذه الدنيا نوقن أن سعادتنا وفلاحنا ونجاتنا لا تكون إلا باتباع محمد ومنهجه.. فلم المخالفة؟!
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع
لما دعا رسول الله الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه سنان الأسدي فقال: ( ابسط يدك أبايعك ) فقال النبي : { علامَ تبايعني }؟ فقال أبو سفيان: ( على ما في نفسك!! ) [تفسير ابن كثير].
إنها استجابة كاملة... ويقين أن ما يأمر به هذا النبي هو الخير
بمعناه (الواسع) في كل شأن من شؤون الحياة. لذلك كانت الاستجابة واسعة.. (
على ما في نفسك ).
ولم يكن أمر الاتباع والطاعة مقتصراً على الرجال، فالنساء كان لهن
دور في طاعة الأمر واجتناب النهي، وأحكام الشريعة لا تختص بالرجال فقط فهي
للرجال والنساء إلا ما خُصص منها.
عن أبي أسيد الأنصاري قال: ( سمعت رسول الله يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله : { استأخرن فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق } قال الراوي: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ) [رواه أبو داود].
ولو كان النساء كمن ذكرنا *** لفضلت النساء على الرجال!!
أختي الكريمة... لا نريدك تلتصقين بالجدار.. ولكن نريد
البعد عن فتنة الرجال في مواقعهم!! وعدم إظهار الزينة.. وعدم التطيب عند
الخروج للأسواق.. وعدم تقديم التنازلات في الحجاب أو بعضه!! ولكن هذا لا
يتأتى إلا بصدق محبة الحبيب ومتابعته..
نماذج فريدة في الاتباع والمحبة
ورد في قصة صلح الحديبية عن المسور بن مخرمة ومروان:.... ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله بعينيه فقال: ( والله ما تنخّم رسول الله
نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا
أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده،
وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم،
والله لقد وفدت على الملوك... وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إني ما
رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ) [رواه البخاري].
عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أن عبدالله بن رواحة وفي رواية أخرى أنه ابن مسعود أتى النبي ذات يوم وهو يخطب فسمعه وهو يقول: { اجلسوا }، فجلس فكان خارجاً عن المسجد حتى فرغ النبي من خطبته، فبلغ ذلك رسول الله فقال له: { زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله } [أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال وهو في الإصابة].
عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة }
قال: فكان زيد يروح إلى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ما تقام
الصلاة إلا استاك قبل أن يصلي [رواه الترمذي وأبو داود وأحمد].
عن نافع قال: ( لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر النبي لقلت: هذا مجنون!! ) [رواه أبو نعيم في الحلية والحاكم].
عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله : { لو تركنا هذا الباب للنساء } قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات!! [ابن سعد في الطبقات، سير أعلام النبلاء].
عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله مرني بعمل، قال : { عليك بالصوم فإنه لامثل له } قال الراوي: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يُلقون إلا صياماً [رواه أحمد والطبراني والنسائي].
[قال الذهبي في السير 368/4]:( أبو عبدالرحمن السلمي، مُقرئ الكوفة،
الإمام العلم، قرأ القرآن وجوده ومَهَر فيه كان يُقرئ الناس القرآن الكريم
في المسجد 40 سنة ). عن أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان بن عفان أن النبي قال: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [رواه البخاري]. قال أبو عبدالرحمن السلمي: ( فذلك الذي أقعدني هذا المقعد ).
نسأل الله تعالى أن نكون من أتباع نبيه ومن محيي سنته قولاً وعملاً، وأن يرزقنا شفاعته، والله أعلم... والحمد لله رب العالمين.
منقول