يقول الله تعالى :{إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }( الإنسان 2ـ3)
اقتضت حكمة الله تعالى أن يوجد الإنسان في دنيا الابتلاء والاختبار بين عنصرين متلازمين :
ـ اختبارات النعـم والمنـن ، التي تحضر فيما ينعم الإنسان من مواهب النعم الإلهية التي لا تحصى ، مادية ومعنوية ، لكثرتها وعمومها واستمرارها : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا }.
ـ اختبارات الشدائد والمحـن ، التي تواجهه في كل حال ، تقل أو تكثر ، وتخف أو تشتد ، بما يناله من الأمراض والمشقات والنكبات والمصائب والأزمات : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (البقرة:155).
وبين النعم والمنن ، والشدائد والمحن ، تتلاحق اختبارات العبودية ، كما تقتضيها ربوبية الله جل وعلا وألوهيته ، لتمحيص قلوب العباد وإقامة الحجة عليهم من جانبين :
ـ في مدى اعترافهم بفضل المنعم الكريم وأداء حقه في ذلك بالشكــر : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }.
ـ و في مدى رضاهم بقضاء الله وقدره ، وأداء حقه فيه بالصبــر : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا }(الفرقان 20 )
ومثلما تتوازى النعم والمحن وتتعاقب في حياة الإنسان ، فتعطي كل منهما للأخرى معناها ومغزاها ، كذلك يلتقي الشكر والصبر في علاقته بربه ، وهما له جناحان في رحلة العبودية ، عبودية السراء في النعيم والرخاء ، وعبودية الضراء في الشدة والمحن . لهذا كان الشكر شريك الصبر في دور الابتلاء والاختبار ، وقرينه في المنزلة والفضل ، ومثيله في عظيم الأجر والثواب . وقد أحسن من قال : النعم أضياف ، وقراها الشكر ، والبلايا أضياف وقراها الصبر ، فاجتهد أن ترحل الأضياف شاكرة حسن القرى ، شاهدة بما تسمع وترى . وعلى هذا الاعتبار كان الإيمان شطرين : فالشكر شطر ، والصبر شطر ، والمؤمن الحق هو من يجمع بينهما بتوفيق الله تعالى ويلتزم بهما شاكراً صابرا، أو شكورا صبورا . يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له )( رواه مسلم) .
ولأن كلا من الشكر والصبر باب واسع يحتاج إلى إفراد بالتفصيل والبيان ، فإننا نركز هنا على الشكر أولا ونرجئ الصبر إلى موضوع آخر .
الشكر في التعريف الوجيز : اعتراف للمنعم بفضله حبا وتقديرا وثناء حسنا عليه بما هو أهل له . والله تعالى هو المنعم الكريم صاحب الفضل كله على العباد ، وهو أهل للحمد والشكر وعظيم الثناء ، لا نحصي نعمه ولا نحصي ثناء عليه، هو سبحانه كما أثنى على نفسه . والشاكر والشكور من أسمائه الحسنى وصفاته العلا . وكلاهما ورد في القرآن الكريم : { وكان الله شاكرا عليما } ، { والله شكور حليم }. والشكور صيغة مبالغة للشاكر ، وهما في حق الله تعالى بمطلق الكمال والجلال ، كما في كل أسمائه وصفاته ، ولهما تجلياتهما الخلقية التي يرتضيها الله تعالى ويحبها في عباده في حدود بشريتهم .
والعظمة في اسم الله الشكور ، أنه سبحانه ، مع واسع فضله على العباد ، يشكر لهم صنائع أعمالهم الخيرة ، مؤمنين أو كافرين ، لا يبخس أحدا منهم عمله وهو الموفق لهم فيها ، لكنه شكور لأهل الإيمان والطاعة بالرضا والمغفرة والرضوان ، على قدر اعترافهم بفضله واستجابتهم صدقا وإخلاصا في ذكره وشكره ، وذلك وعد منه تعالى :{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } .
ولما كان الشكر من أجلِّ مقامات العبوديَّة وأوثق عراها في صلة العبد بربه ، عليه مدار العبادات والطاعات كلها ، وأن الله تعالى أوجد العباد وأمدهم بالقدرات والملكات ليشكروه فقال سبحانه:{ {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] لذلك أقسم إبليس اللعين أن يعمل بكل مكره وجنده على غوايتهم حتى لا يكون أكثرهم شاكرين: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } ( الاعراف16ـ17) . وتلك حقيقة واقعية في حال أكثر الناس الغافلين أو الجاحدين ، يصرح بها القرآن الكريم : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ } [النمل 73] ، { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }(سبأ 13) .
أن كل أعمال العبادات والقربات تتضمن معاني الشكر والحمد ، اعترافا لله بالفضل والإحسان ،لكنه لا يكتمل ويسمو إلا بقدر ما يتضافر فيه عمل العقل والقلب واللسان والجوارح ، في أربعة أركان متكاملة :
ـ الشكر بالعقل ، وذلك بادراك النعمة وتدبرها والاعتراف بالفضل فيها للمنعم الوهاب ، وهو الله تعالى صاحب الفضل الواسع و الإحسان : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }( النحل53)
ـ الشكر بالقلب ، بما ينطوي عليه من محبة للمنعم، وخضوع له بإخلاص، وشعور بالافتقار إليه ، وذلك ثمرة الاعتراف بفضله : يقول الشاعر :
إذا أنت لم تزدد على كل نعمـــة لواهبهـا حبــا فلست بشاكــــر
ـ الشكر باللسان ، حمدا لله وثناء عليه بما هو أهل له وذكرا لآلائه وإحسانه :{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }.
ـ والشكر بالجوارح ، وهو شكر عملي ، باستعمال نعم الله في طاعاته من أعمال البر المشروعة وليس في معصيته : { اعملوا آل داود شكرا }.
بهذه المستويات ومعانيها يعد العبد شاكرا ، مستوفيا مقومات الشكر في أحواله وأقواله وأفعاله . وعلى قدر لزوم الشكر والإكثار منه والثبات عليه على كل حال صدقا وإخلاصا يصبح شكورا . وان كان الشكر الذي يكافئ نعم الله الواسعة غير مستطاع ولو مع نعمة واحدة ، لكن الله يتقبل من عباده المخلصين . وبهذا المقام الرفيع من الشكر أثنى الله تعالى على أنبيائه وجعلهم قدوات صالحة خيرة في الاعتراف بفضله وحسن الثناء عليه بالشكر والحمد ، أمثال نوح عليه السلام : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } . وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ، اجْتَبَاهُ وَهَداهُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (النحل:120-121) وداود وسليمان عليهما السلام : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } (النمل 10 )
إن شكر الله على نعمه توحيد وذكر وعبادة ، وتثبيت وتقييد للنعم واستزادة :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [البقرة 172] .
وإن جحود النعم وكفرانها من الكبائر ؛ لأن ذلك كفر بالله بإنكار فضله وعدم نسبة النعم إليه وهو الكريم الوهاب . وقد يجلب ذلك غضب الرب وسخطه بزوالها أو تحولها إلى فتنة ونقمة . وتجتمع الحالتان في مثال قرآني واقعي انقلبت فيه النعمة نقمة بكفران فضل الله فيها : { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } (النحل :112).
وفي ذلك تحذير ووعيد للعباد ، كما في قصة أهل سبأ الذين أنعم الله عليهم بجنتين عن يمين وشمال ، وأوصاهم بذكر آلائه وشكره :{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } (سبأ15) لكنهم فتنوا وأعرضوا عن شكر الله وعبادته وتصديق أنبيائه ، فأبدلهم بالنعمة نقمة وعذابا ،وأرسل عليهم سيل العرم ، فكانوا عبرة للعالمين :{ وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ }(سبأ 19 ). ولو أن العباد استقاموا على الإيمان والشكر لعاشوا أمنين من عذاب الله : { مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً }( النساء 147)، وفي القرآن نموذجان متناقضان أمام ابتلاءات النعم ، أحدهما لمؤمن شاكر ، والآخر لجاحد كافر :
ـ نموذج الاعتراف والشكر ، في سيرة سليمان عليه السلام ، وقد آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فلم يزدد به إلا إيمانا وطاعة وشكرا ، وكان يفقه رسائل الاختبار بالنعم فيقول : { هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم } (النمل 40) ، ويقبل على الله بالدعاء أن يلهمه الشكر وصالح الأعمال فيقول : { رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }(النَّمْل:19 ).
ـ ونموذج الجحود والكفر ، في قصة قارون ، الذي آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، لكنه أنكر فضل الله عليه ، ونسب الفضل كله لنفسه ، ولم يقبل في ذلك نصحا ولا إرشادا من عقلاء القوم، فكان مصيره الهلاك : { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ }( القصص 78).
والناس في تحققهم بالشكر لا يستوون ، بل هم فيه مراتب على قدر درجات إيمانهم وتقواهم . ففيهم مقام العوام الذين لا يدركون ولا يشكرون لله عموما إلا النعم الحسية الظاهرة . ومقام الخواص ، الذين يحمدون الله تعالى حمد الشكر الأعم على المواهب والمصائب ،ويشهدون فضله عليهم في السراء والضراء ، راضين مطمئنين إلى أمر مولاهم . ومقام الصفوة من المقربين ؛ فيهبون حياتهم كلها لله لا يرون لأنفسهم منها شيء . وهذا مقام الأنبياء والمرسلين وخاصة منهم أولو العزم ، وفي مقدمتهم المصطفى الأمين ، سيد الحامدين الشاكرين أجمعين .
وفي حقيقة الشكر المفعم بالرضا ، قصة رجل ابتلاه الله بالعمى والشلل في جميع أطرافه ، ومع ذلك يشكر الله على نعمه فيقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيري ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا . فمر به أحد الجاهلين وسأله ساخرا : ماذا بقي لك تحمد الله عليه بهذه الحال ؟ فأجابه : ويحك يا هذا ، أحمد الله وأشكره أن أبقى لي قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وبدنا على البلاء صابرا ).
وللشكر ميدان اختبار وبرهان في علاقات الناس ومعاملاتهم ، والدين المعاملة، وذلك من فضل الله على الناس ، وهو الذي سخر بعضهم لبعض ، فأجرى نعمه بينهم وبأيديهم ، فاشترط لشكره تبادل الشكر بين العباد ، وقال سبحانه :{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )(احمد والترمذي) .
فاللهم لك الحمد كما ينبغي لعلو قدرك وجلال وجهك وعظيم سلطانك ومجدك .
الخطبــــةالثــانيــــة
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلت : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! ،قال : أفلا أكون عبدا شكورا ) (رواه الشيخان وغيرهما ).
هذا سيد العابدين الشاكرين و إمام المتقين ، يعلمنا أن حقيقة المؤمن في كونه عبدا شكورا ، أي كثير الشكر دائمه . وكان من مأثور دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك ، فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر) . ويوصي بالاستعانة بالله تعالى على الشكر والعبادة ، كما في وصيته لمعاذ بن جبل : ( أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لا تَدَعْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) (رواه احمد).
كذلك يجدر بالمؤمن أن يقوي صلته بربه ، معترفا بفضله، شاكرا لآلئه وأنعمه على كل حال ، في السراء والضراء ، وفي الكبيرة والصغيرة ، وهل في فضل الله صغير ،عملا بقوله تعالى : { فاذكروني أذكركم ، واشكروا لي ولا تكفرون } ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله لَيرضَى عن العبدِ يأكلُ الأكلةَ فيحمدُهُ عليها , ويشربُ الشربَةَ فيحمدُهُ عليها )( رواه مسلم) .
كم من النعم المعنوية العظيمة لا يدركها أكثر الناس أو لا يقدرون فضل الله فيها ، وهم عن شكره عليها غافلون : ومنها نعمة الوجود التي لولاها لما كانت للإنسان فرصة الخلق والحياة بين العباد . ونعمة العقل الذي كرم الله به الإنسان به يعقل ويعلم ويتعلم . ونعمة الهداية والإيمان ، وهي أعظم ،ومنها الإسلام{وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } . ونعمة الستر والإمهال ، التي يستر الله بها ذنوب عباده ولا يعجل لهم العقاب والعذاب { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم } . ونعمة باب التوبة المفتوح للمذنبين لقبول توبتهم وإنابتهم { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه }. ونعمة استجابة الدعاء ، بغير وساطة بين العبد وربه { وإذا سألك عبادي عني فاني قريب ، أجيب دعوة الداعي إذا دعان }. ونعمة التوفيق لشكره وعبادته، ولولاها لما تيسر شيء من ذلك للعباد بحولهم وإرادتهم . وقد روي أن داود سأل الله فقال : رب كيف أشكر لك ، وشكري لك نعمة تستوجب الشكر ؟ قال سبحانه : الآن شكرتني يا داود )
لـك الحمــد ربــي على كل نعمـــــة ومـن جملــة النعمــاء قولـي لك الحمــــد
فاحمدوا الله ، عباد الله ، حمدا كثيرا ، وأخلصوا في ذكره وشكره وحسن عبادته ، فإنه أهل للحمد والثناء ، لا نحصي نعمه ولا نحصي ثناء عليه ، هو سبحانه كما أثنى على نفسه
. وصلى الله وسلم على خير خلقه ، محمد وأله وصحبه .
منقول للافاده