السلام عليكم
بات شائعاً لدى الكثير منا أن مانحمله من أفكار بشأن العلاقة مع أبنائنا ينبغي أن يحاكم وأن يوضع في الميزان وهناك اتفاق على أنه ينبغي أن نعيد النظر في كثير من أشكال تربيتنا لأبنائنا كما ينبغي أن نفكر جدياً للحصول على إجابة سؤال مهم هو .. كيف ينبغي أن تكون هذه التربية ؟؟
فأنا مضطر في كثير من الأحيان لدراسة الواقع الذي أعيشه و أبحث بأسلوب علمي ، حتى أثبت أن أسلوباً ما في التربية له نتائج ضارة .
وهناك قواعد كثيرة حددها الوحي قد انتبه إليها وقد لا انتبه .
والآن يمكن أن نطرح السؤال التالي .. هل نستطيع أن نربي بالحب ؟؟ وهو سؤال يترتب عليه جملة من الأسئلة أهمها ... ماهو الحب ؟؟ وكيف يولد في نفوس الناس ؟؟ وما أنواعه ؟؟ وما معيار الحب الحقيقي ؟
وهل للحب لغة ؟؟
نحن نعلم أن الناس جميعاً لديهم جملة من الحاجات العضوية كالحاجة إلى الطعام و الشراب و النوم و الراحة و الحاجة الجنسية ،، وليهم أيضاً جملة من الحاجات النفسية : منها .. الحاجة إلى الحب .
و كِلا النوعين من الحاجات لابد من اشباعها حتى يشعر الفرد منا بالتوازن ، ذلك أن عدم إشباعها يجعلنا نحس بفقدان التوازن أو إختلالها .
ولكن ما الفرق بين الحاجات العضوية والحاجات النفسية ؟؟
الفرق في نقطة مهمة "إن عدم إشباع معظم الحاجات العضوية يؤدي إلى الموت ،، ولكن الحاجات النفسية ليست كالحاجات العضوية التي ذكرناها . فعدم إشباع الحاجات النفسية لايؤدي إلى الموت ولكنه يترك أثراً خطيراً على الشخصية ،، يبدو هذا الأثر في سلوك الفرد ومقدار سعادته ، كما يبدو أثناء تعامله مع غيره "
فالحب إذن ... عاطفة إنسانية تتمركز حول شخص أو شيء أو مكان أو فكرة وتسمى هذه العاطفة باسم مركزها فهي تارة عاطفة حب الوطن حين تتمركز حول الوطن وتارة أخرى عاطفة الأمومة حين تتمركز عاطفة الأم حول طفلها ,, وهكذا .
كل مافيه الحب فهو وحده الحياة , ولو كان صغيراً لا خطر له , ولو كان خسيساً لا قيمة له ، كأن الحبيب يتخذ في وجودنا صورة معنوية من القلب ، والقلب على صغره يخرج منه كل الدم ويعود إليه كل الدم .
والحب أيضاً حاجة نفسية تحتاج إلى إشباع باستمرار فكيف تتكون هذه العاطفة التي بتكوينها عند الأم تشبع الحاجة للحب عند الطفل .
دعونا نقف عند حديث قدسي ،،، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي { وما تقرب إلي عبدٌ بأحب إلي مما افترضته عليه و مايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها } .
في هذا الحديث القدسي عدة قواعد لابد لنا من الوقوف عندها ...
أولاً " حب الله لأداء عبده للفرائض "
ثانياً "النوافل طريقٌ لتقرب العبد إلى الله "
ثالثاً " تقرب العبد إلى الله بالنوافل مدعاة لحب الله للعبد "
ومن نتائج حب الله للعبد ،، أن العبد يملك عندئذٍ جملة من وسائل التمييز فلا يرى ولا يسمع إلا مايرضي الله ولا يمشي ولا يفعل إلا ما يرضي الله .
ويتماشى مع موضوعنا ، أن مايقدمه العبد من أداءٍ للنوافل هو الطريق لمحبة الله تباركت أسماؤه .
بمعنى آخر : أن حب الله وهو الغني عن العباد هو نتيجة لما يقوم به العبد من أداءٍ للنوافل .
ويمكن صياغة هذه القاعدة بالآتي [ إن العطاء طريق الحب ] .والعطاء يقدمه العبد والحب من الرب .
مع أن الله تبارك وتعالى غنيٌ عن أداء كل العباد لفروضهم ناهيكم عن نوافلهم . ولكنها قاعدة أراد الله وهو الأعلم أن يعلمنا إياها وهي ((أن من يريد أن يكسب الحب فليبدأ هو بالعطاء)) ، أي فليقدم العطاء ،، عطاءٌ فوق المفروض عليه ،، عطاءٌ يتعدى الواجب أداءه لله ، والنافلة هنا وهي عمل فوق المفروض كانت سبباً لمحبة الله .
وفي موقع آخر يؤكد رب العالمين على لسان من اقتدروا على الحب الحقيقي أن عطاءهم لوجه الله وليس ابتغاء مردود يحصلون عليه من الناس { إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكُوراً } .
وإذا عدنا إلى علاقة الحب بين الأم وولدها ، لتبين لنا أن حب الأم وولدها ، لتَبيّن لنا أن حب الأم لولدها ، مثل النوع الأول من الحب (الحب الحقيقي) الحب الذي لاتبغي الأم من ورائه مردود أو نتيجة ، إنما هو حبٌ مغروس في أصل خلقتها ، إنه حبٌ فطري جُبلت عليه ولم تتعلمه وإن كان هذا الحب قد يفسد بسبب التربية غير السليمة للأم ، فيتحول إلى مايمكن تسميته بحب كشف الحساب . ذلك الحب الذي يتمركز حول من يقدمه وليس حةل من يُقدم له وهو مايمكن تسميته
بالحب النرجسي
إذاً الحب النرجسي هو حبٌ أناني ، حبٌ للذات وليس للآخر ، حبٌ يعتمد على الأخذ فيحيل صاحبه إلى فردٍ ذو شخصية دوامية تبتلع مايحيط بها . إن من كانت شخصيته ذو حبٍ نرجسي فإنه يريد أن يبتلع كل ماحوله ليصب في ذاته .
شخصية من هذا القبيل تحب غيرها ..نعم ، ولكن طالما أن الغير يحقق لها ماتريد ويشبع حاجاتها ورغباتها ويعظمها ويبجلها ويعطيها وحين يتوقف الآخر عن العطاء ولو كان توقفاً بسيطاً أو يقصر ولو قليلاً .. يتوقف الحب مباشرةً .
و كِلا النوعين من الحب النرجسي والحقيقي فيهما عطاء ، ولكن الحب الحقيقي عطاءٌ دائم ومستمر هدفه مصلحة المحبوب ،،، تماماً كما تفعل الأم مع طفلها .
وفي الثاني أيضاً عطاء ولكنه عطاٌ مشروط بجملة من الشروط ، حبٌ فيه يتوقف المحب عن العطاء بمجرد توقف المحبوب عن الرد ، حبٌ يدور حول ذات المحب وليس حول ذات المحبوب ، حبٌ يجعل المحب يصدر كشف الحساب فوراً ودون تردد ، ويريه كم ضحى من أجله وكم أعطاه وكم حرم نفسه من النعيم من أجله . حبٌ يظهر كشفاً طويلاً من العطاء كما يُظهر كماً كبيراً من الجحود من قِبلِ المحبوب ، حيث يعتمد عل إظهار المن في العطاء من المحب والجحود من المحبوب .
ودعونا نقرأ الحديثين التاليين لنتعرف أكثر على هذين النوعين ولنعرف هل حبنا لأبنائنا حبٌ حقيقي أم نرجسي .
سمع أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ كانت امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنكِ وقالت الأخرى إنما ذهب بابنكِ أنتِ فتحاكمتا إلى داوود فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان بن داوود فاخبرتاه فقال : ائتوني بالسكين اشقه بينهما . فقالت الصغرى : لاتفعل يرحمك الله هو ابنها ,, فقضى به للصغرى ] .
لن نقف عند هذا الحديث كثيراً لأنه واضح وضوح الشمس و أوضح مافيه أن الأم الحقيقية وهي الصغرى رضيت أن يؤخذ ابنها منها طالما أنه سيبقى حيّاً سليماً ، وذلك من شدة حبها لها وخوفها عليه ولو أدى ذلك الإبعاد إلى حزنها الشديد .
لقد ضحت هذه الأم بوجود ابنها معها في سبيل مصلحته الكامنة في بقائه على قيد الحياة ، وهذا بالطبع ما تريده كل أم .
حب الأم في تسميته كالشجرة تغرس من عود ضعيف ثم لاتزال به الفصول و آثارها و لاتزال تتمكن بجذورها وتمتد بفروعها حتى تكتمل شجرة بعد أن تفني عِداد أوراقها ليالي وأيام .
هذا عن الحب الحقيقي .
أما الحب النرجسي فنرى مثلاً جليّاً له بسلوك فرعون مع موسى { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين . قال فعلتها إذاً وأنا من الضآلين . ففرتُ منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين . وتلك نعمةٌ تمنها عليّ أن عبدّتَ بني اسرائيل }
والملاحظ أن فرعون استخدم أسلوب كشف الحساب حين قال لموسى { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين . }
إن الحب الفرعوني حب نرجسي واضح المعالم ، حبٌ يعتمد على المن و الأذى وما أراد أن يقوله فرعون لابنه هو بالضبط ما يقوله الكثير من الآباء و الأمهات لأبنائهم حين يتوقف الأبناء عن السير في أطراف الدوامة . عندها نسمع كلاماً من قبيل ... ألا تذكر مافعلته لك ؟ ألا تذكر أني حرمتُ نفسي من كثير من المزايا في سبيل تأمين ما تريده ؟ ألم أعطك من وقتي وعمري ؟ ياحسرتى على عمري وتربتي لك لو ربيتُ قطةً لكانت خيراً منك .
ليس بحبٍ إلا ماعرفته ارتقاءً شخصياً تعلو فيه الروح بين سماوين من البشرية وتبوح منها ،، كالمصباح بين مرآتين يكون واحداً فترى منه العين ثلاثة مصابيح ، فكأن الحب هو تعدد الروح في نفسها وفي محوبها .
ولنقرأ هذه الحادثة التي سطرتها لنا كتب التاريخ .. اشترى حكيم بن حزام زيد بن حارثة لعمته خديجة بنت خويلد فلما تزوج رسول الله بخديجة وهبته له فتبناه الرسول . فخرج أبو زيد وعمه لفدائه فلما وصلا لمكة سألا عن النبي صلى الله عليه وسلم وذهبا إليه وخاطباه بلغة راقية جداً ، قالا : يا ابن عبد المطلب يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون الأسير و تطعمون الجائع و تغيثون الملهوف وقد جئناك في ابن لنا عندك فامنن علينا بفدائه فإنا سندفع لك في الفداء ما تشاء . قال رسول الله ومن هو ؟؟ فقالا : زيد بن حارثة . فقال عليه الصلاة والسلام فهلاّ غير ذلك . قالا: وماهو ؟؟ قال : أدعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فما أنا بالذي اختار على من يختارني أحداً . فقالا : قد زدتنا على النصف و أحسنت .
فدعاه و قال له هل تعرف هؤلاء ؟؟ قال : نعم . قال : من هذا ؟؟ قال : هذا أبي ومن هذا ؟؟ قال : هذا عمي .
فقال لزيد : فأنا من قد علمتَ فاخترني أو اخترهما . " ولم يقدم كشف حساب طويل. "
هذا الكلام مهم أيها الإخوة و الأخوات ، مهم جداً . لأنه يمثل مفتاح التربية بالحب.
قال زيد : ما أنا بالذي يختار عليك أحداً ، أنت مني مكان الأب والعم.
الحب الصحيح ليس له فوق ، و لايشبه من هذه الناحية إلا الإرادة الصحيحة فليس لها وراءٌ ولايمين ولا شِمال ، وماهي إلا أمام أمام .
** إذا غضبنا على أولادنا هل ندعو عليهم أم لهم ؟؟ وهذا معيار من معايير الحب .
** الحب يكون من الإنسان وهو في أحلك حالات الضعف تماماً كما يبدو والإنسان في أشد لحظات القوة .
إن من حق الجميع على أولادهم أن يبروهم أي أن يردوا جميلهم وصنيعهم و إحسانهم بإحسان . وإن لم يفعل ذلك الأبناء فقد خسروا خسراناً كبيراً .
ولكن لاينبغي التوقف عن الإحسان إليهم إذا أساءوا أو أخطأوا إن كنا نحبهم حباً حقيقياً
بات شائعاً لدى الكثير منا أن مانحمله من أفكار بشأن العلاقة مع أبنائنا ينبغي أن يحاكم وأن يوضع في الميزان وهناك اتفاق على أنه ينبغي أن نعيد النظر في كثير من أشكال تربيتنا لأبنائنا كما ينبغي أن نفكر جدياً للحصول على إجابة سؤال مهم هو .. كيف ينبغي أن تكون هذه التربية ؟؟
فأنا مضطر في كثير من الأحيان لدراسة الواقع الذي أعيشه و أبحث بأسلوب علمي ، حتى أثبت أن أسلوباً ما في التربية له نتائج ضارة .
وهناك قواعد كثيرة حددها الوحي قد انتبه إليها وقد لا انتبه .
والآن يمكن أن نطرح السؤال التالي .. هل نستطيع أن نربي بالحب ؟؟ وهو سؤال يترتب عليه جملة من الأسئلة أهمها ... ماهو الحب ؟؟ وكيف يولد في نفوس الناس ؟؟ وما أنواعه ؟؟ وما معيار الحب الحقيقي ؟
وهل للحب لغة ؟؟
نحن نعلم أن الناس جميعاً لديهم جملة من الحاجات العضوية كالحاجة إلى الطعام و الشراب و النوم و الراحة و الحاجة الجنسية ،، وليهم أيضاً جملة من الحاجات النفسية : منها .. الحاجة إلى الحب .
و كِلا النوعين من الحاجات لابد من اشباعها حتى يشعر الفرد منا بالتوازن ، ذلك أن عدم إشباعها يجعلنا نحس بفقدان التوازن أو إختلالها .
ولكن ما الفرق بين الحاجات العضوية والحاجات النفسية ؟؟
الفرق في نقطة مهمة "إن عدم إشباع معظم الحاجات العضوية يؤدي إلى الموت ،، ولكن الحاجات النفسية ليست كالحاجات العضوية التي ذكرناها . فعدم إشباع الحاجات النفسية لايؤدي إلى الموت ولكنه يترك أثراً خطيراً على الشخصية ،، يبدو هذا الأثر في سلوك الفرد ومقدار سعادته ، كما يبدو أثناء تعامله مع غيره "
فالحب إذن ... عاطفة إنسانية تتمركز حول شخص أو شيء أو مكان أو فكرة وتسمى هذه العاطفة باسم مركزها فهي تارة عاطفة حب الوطن حين تتمركز حول الوطن وتارة أخرى عاطفة الأمومة حين تتمركز عاطفة الأم حول طفلها ,, وهكذا .
كل مافيه الحب فهو وحده الحياة , ولو كان صغيراً لا خطر له , ولو كان خسيساً لا قيمة له ، كأن الحبيب يتخذ في وجودنا صورة معنوية من القلب ، والقلب على صغره يخرج منه كل الدم ويعود إليه كل الدم .
والحب أيضاً حاجة نفسية تحتاج إلى إشباع باستمرار فكيف تتكون هذه العاطفة التي بتكوينها عند الأم تشبع الحاجة للحب عند الطفل .
دعونا نقف عند حديث قدسي ،،، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي { وما تقرب إلي عبدٌ بأحب إلي مما افترضته عليه و مايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها } .
في هذا الحديث القدسي عدة قواعد لابد لنا من الوقوف عندها ...
أولاً " حب الله لأداء عبده للفرائض "
ثانياً "النوافل طريقٌ لتقرب العبد إلى الله "
ثالثاً " تقرب العبد إلى الله بالنوافل مدعاة لحب الله للعبد "
ومن نتائج حب الله للعبد ،، أن العبد يملك عندئذٍ جملة من وسائل التمييز فلا يرى ولا يسمع إلا مايرضي الله ولا يمشي ولا يفعل إلا ما يرضي الله .
ويتماشى مع موضوعنا ، أن مايقدمه العبد من أداءٍ للنوافل هو الطريق لمحبة الله تباركت أسماؤه .
بمعنى آخر : أن حب الله وهو الغني عن العباد هو نتيجة لما يقوم به العبد من أداءٍ للنوافل .
ويمكن صياغة هذه القاعدة بالآتي [ إن العطاء طريق الحب ] .والعطاء يقدمه العبد والحب من الرب .
مع أن الله تبارك وتعالى غنيٌ عن أداء كل العباد لفروضهم ناهيكم عن نوافلهم . ولكنها قاعدة أراد الله وهو الأعلم أن يعلمنا إياها وهي ((أن من يريد أن يكسب الحب فليبدأ هو بالعطاء)) ، أي فليقدم العطاء ،، عطاءٌ فوق المفروض عليه ،، عطاءٌ يتعدى الواجب أداءه لله ، والنافلة هنا وهي عمل فوق المفروض كانت سبباً لمحبة الله .
وفي موقع آخر يؤكد رب العالمين على لسان من اقتدروا على الحب الحقيقي أن عطاءهم لوجه الله وليس ابتغاء مردود يحصلون عليه من الناس { إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكُوراً } .
وإذا عدنا إلى علاقة الحب بين الأم وولدها ، لتبين لنا أن حب الأم وولدها ، لتَبيّن لنا أن حب الأم لولدها ، مثل النوع الأول من الحب (الحب الحقيقي) الحب الذي لاتبغي الأم من ورائه مردود أو نتيجة ، إنما هو حبٌ مغروس في أصل خلقتها ، إنه حبٌ فطري جُبلت عليه ولم تتعلمه وإن كان هذا الحب قد يفسد بسبب التربية غير السليمة للأم ، فيتحول إلى مايمكن تسميته بحب كشف الحساب . ذلك الحب الذي يتمركز حول من يقدمه وليس حةل من يُقدم له وهو مايمكن تسميته
بالحب النرجسي
إذاً الحب النرجسي هو حبٌ أناني ، حبٌ للذات وليس للآخر ، حبٌ يعتمد على الأخذ فيحيل صاحبه إلى فردٍ ذو شخصية دوامية تبتلع مايحيط بها . إن من كانت شخصيته ذو حبٍ نرجسي فإنه يريد أن يبتلع كل ماحوله ليصب في ذاته .
شخصية من هذا القبيل تحب غيرها ..نعم ، ولكن طالما أن الغير يحقق لها ماتريد ويشبع حاجاتها ورغباتها ويعظمها ويبجلها ويعطيها وحين يتوقف الآخر عن العطاء ولو كان توقفاً بسيطاً أو يقصر ولو قليلاً .. يتوقف الحب مباشرةً .
و كِلا النوعين من الحب النرجسي والحقيقي فيهما عطاء ، ولكن الحب الحقيقي عطاءٌ دائم ومستمر هدفه مصلحة المحبوب ،،، تماماً كما تفعل الأم مع طفلها .
وفي الثاني أيضاً عطاء ولكنه عطاٌ مشروط بجملة من الشروط ، حبٌ فيه يتوقف المحب عن العطاء بمجرد توقف المحبوب عن الرد ، حبٌ يدور حول ذات المحب وليس حول ذات المحبوب ، حبٌ يجعل المحب يصدر كشف الحساب فوراً ودون تردد ، ويريه كم ضحى من أجله وكم أعطاه وكم حرم نفسه من النعيم من أجله . حبٌ يظهر كشفاً طويلاً من العطاء كما يُظهر كماً كبيراً من الجحود من قِبلِ المحبوب ، حيث يعتمد عل إظهار المن في العطاء من المحب والجحود من المحبوب .
ودعونا نقرأ الحديثين التاليين لنتعرف أكثر على هذين النوعين ولنعرف هل حبنا لأبنائنا حبٌ حقيقي أم نرجسي .
سمع أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ كانت امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنكِ وقالت الأخرى إنما ذهب بابنكِ أنتِ فتحاكمتا إلى داوود فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان بن داوود فاخبرتاه فقال : ائتوني بالسكين اشقه بينهما . فقالت الصغرى : لاتفعل يرحمك الله هو ابنها ,, فقضى به للصغرى ] .
لن نقف عند هذا الحديث كثيراً لأنه واضح وضوح الشمس و أوضح مافيه أن الأم الحقيقية وهي الصغرى رضيت أن يؤخذ ابنها منها طالما أنه سيبقى حيّاً سليماً ، وذلك من شدة حبها لها وخوفها عليه ولو أدى ذلك الإبعاد إلى حزنها الشديد .
لقد ضحت هذه الأم بوجود ابنها معها في سبيل مصلحته الكامنة في بقائه على قيد الحياة ، وهذا بالطبع ما تريده كل أم .
حب الأم في تسميته كالشجرة تغرس من عود ضعيف ثم لاتزال به الفصول و آثارها و لاتزال تتمكن بجذورها وتمتد بفروعها حتى تكتمل شجرة بعد أن تفني عِداد أوراقها ليالي وأيام .
هذا عن الحب الحقيقي .
أما الحب النرجسي فنرى مثلاً جليّاً له بسلوك فرعون مع موسى { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين . قال فعلتها إذاً وأنا من الضآلين . ففرتُ منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين . وتلك نعمةٌ تمنها عليّ أن عبدّتَ بني اسرائيل }
والملاحظ أن فرعون استخدم أسلوب كشف الحساب حين قال لموسى { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين . }
إن الحب الفرعوني حب نرجسي واضح المعالم ، حبٌ يعتمد على المن و الأذى وما أراد أن يقوله فرعون لابنه هو بالضبط ما يقوله الكثير من الآباء و الأمهات لأبنائهم حين يتوقف الأبناء عن السير في أطراف الدوامة . عندها نسمع كلاماً من قبيل ... ألا تذكر مافعلته لك ؟ ألا تذكر أني حرمتُ نفسي من كثير من المزايا في سبيل تأمين ما تريده ؟ ألم أعطك من وقتي وعمري ؟ ياحسرتى على عمري وتربتي لك لو ربيتُ قطةً لكانت خيراً منك .
ليس بحبٍ إلا ماعرفته ارتقاءً شخصياً تعلو فيه الروح بين سماوين من البشرية وتبوح منها ،، كالمصباح بين مرآتين يكون واحداً فترى منه العين ثلاثة مصابيح ، فكأن الحب هو تعدد الروح في نفسها وفي محوبها .
ولنقرأ هذه الحادثة التي سطرتها لنا كتب التاريخ .. اشترى حكيم بن حزام زيد بن حارثة لعمته خديجة بنت خويلد فلما تزوج رسول الله بخديجة وهبته له فتبناه الرسول . فخرج أبو زيد وعمه لفدائه فلما وصلا لمكة سألا عن النبي صلى الله عليه وسلم وذهبا إليه وخاطباه بلغة راقية جداً ، قالا : يا ابن عبد المطلب يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون الأسير و تطعمون الجائع و تغيثون الملهوف وقد جئناك في ابن لنا عندك فامنن علينا بفدائه فإنا سندفع لك في الفداء ما تشاء . قال رسول الله ومن هو ؟؟ فقالا : زيد بن حارثة . فقال عليه الصلاة والسلام فهلاّ غير ذلك . قالا: وماهو ؟؟ قال : أدعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فما أنا بالذي اختار على من يختارني أحداً . فقالا : قد زدتنا على النصف و أحسنت .
فدعاه و قال له هل تعرف هؤلاء ؟؟ قال : نعم . قال : من هذا ؟؟ قال : هذا أبي ومن هذا ؟؟ قال : هذا عمي .
فقال لزيد : فأنا من قد علمتَ فاخترني أو اخترهما . " ولم يقدم كشف حساب طويل. "
هذا الكلام مهم أيها الإخوة و الأخوات ، مهم جداً . لأنه يمثل مفتاح التربية بالحب.
قال زيد : ما أنا بالذي يختار عليك أحداً ، أنت مني مكان الأب والعم.
الحب الصحيح ليس له فوق ، و لايشبه من هذه الناحية إلا الإرادة الصحيحة فليس لها وراءٌ ولايمين ولا شِمال ، وماهي إلا أمام أمام .
** إذا غضبنا على أولادنا هل ندعو عليهم أم لهم ؟؟ وهذا معيار من معايير الحب .
** الحب يكون من الإنسان وهو في أحلك حالات الضعف تماماً كما يبدو والإنسان في أشد لحظات القوة .
إن من حق الجميع على أولادهم أن يبروهم أي أن يردوا جميلهم وصنيعهم و إحسانهم بإحسان . وإن لم يفعل ذلك الأبناء فقد خسروا خسراناً كبيراً .
ولكن لاينبغي التوقف عن الإحسان إليهم إذا أساءوا أو أخطأوا إن كنا نحبهم حباً حقيقياً