باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله جل ذكره يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وقال جل ثناؤه ممن ترضون من الشهداء وقال عز وجل وأشهدوا ذوي عدل منكم فدل بما ذكرنا من هذه الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول وأن شهادة غير العدل مردودة والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان في أعظم معانيهما إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم كما أن شهادته مردودة عند جميعهم ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق
----------------------------------------------------------------------------------------------
قوله : ( الأثر المشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فهو جار على المذهب المختار الذي قاله المحدثون وغيرهم ، واصطلح عليه السلف وجماهير الخلف ؛ وهو الأثر - تعريفه - يطلق على المروي مطلقا سواء كان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي .
وقال الفقهاء الخراسانيون : الأثر هو ما يضاف إلى الصحابي موقوفا عليه . والله أعلم .
وأما ( المغيرة ) فبضم الميم على المشهور وذكر ابن السكيت وابن قتيبة وغيرهما أنه يقال بكسرها أيضا ، وكان المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أحد دهاة العرب - كنيته أبو عيسى - ويقال : أبو عبد الله وأبو محمد مات سنة خمسين ، وقيل : سنة إحدى وخمسين أسلم عام الخندق ، ومن طرف أخباره : أنه حكي عنه أنه أحصن في الإسلام ثلاثمائة امرأة ، وقيل : ألف امرأة .
وأما ( سمرة بن جندب ) فبضم الدال ، وفتحها ، وهو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري - كنيته أبو سعيد - ويقال أبو عبد الرحمن ، ويقال : أبو محمد ، ويقال : أبو سليمان . مات بالكوفة في آخر خلافة معاوية - رحمهم الله - .
وأما ( سفيان ) المذكور هنا فهو الثوري أبو عبد الله ، وقد تقدم أن السين من سفيان مضمومة وتفتح وتكسر .
وأما ( الحكم ) : فهو ابن عتيبة بالمثناة من فوق وآخره باء موحدة ثم هاء وهو من أفقه التابعين وعبادهم - رضي الله عنه - .
وأما ( حبيب ) فهو ابن أبي ثابت قيس التابعي الجليل .
قال أبو بكر بن عياش : كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم رابع حبيب بن أبي ثابت ، والحكم ، وحماد وكانوا أصحاب الفتيا ، ولم يكن أحد إلا ذل لحبيب ، وفي هذين الإسنادين لطيفتان من علم الإسناد إحداهما أنهما إسنادان رواتهما كلهم كوفيون ؛ الصحابيان وشيخا مسلم ومن بينهما ، إلا شعبة فإنه واسطي ثم بصري ، وفي صحيح مسلم من هذا النوع كثير جدا ستراه في مواضعه حيث ننبه عليه إن شاء الله تعالى .
واللطيفة الثانية : أن كل واحد من الإسنادين فيه تابعي روى عن تابعي . وهذا كثير وقد يروي ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض وهو أيضا كثير ، لكنه دون الأول وسننبه على كثير من هذا في مواضعه وقد يروي أربعة تابعيون عن بعض وهذا قليل جدا وكذلك وقع مثل هذا كله في الصحابة - رضي الله عنهم - صحابي عن صحابي كثير وثلاثة صحابة بعضهم عن بعض وأربعة بعضهم عن بعض ، وهو قليل جدا وقد جمعت أنا الرباعيات من الصحابة والتابعين في أول شرح صحيح البخاري بأسانيدها وجمل من طرقها .
وأما ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) فإنه من أجل التابعين ، قال عبد الله بن الحارث : ما شعرت أن النساء ولدت مثله ، وقال عبد الملك بن عمير : رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمعون لحديثه وينصتون له فيهم البراء بن عازب ، مات سنة ثلاث وثمانين واسم أبي ليلى يسار وقيل : بلال ، وقيل : بليل بضم الموحدة وبين اللامين مثناة من تحت ، وقيل : داود وقيل : لا يحفظ اسمه ، وأبو ليلى صحابي قتل مع علي - رضي الله عنهما - بصفين .
وأما ابن أبي ليلى الفقيه المتكرر في كتب الفقه والذي له مذهب معروف فاسمه محمد وهو ابن عبد الرحمن هذا وهو ضعيف عند المحدثين . والله أعلم .
وأما ( أبو بكر بن شيبة ) : فاسمه عبد الله ، وقد أكثر مسلم من الرواية عنه وعن - ص 61 - أخيه عثمان ; ولكن عن أبي بكر أكثر ، وهما أيضا شيخا البخاري . وهما منسوبان إلى جدهما واسم أبيهما محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي بخاء معجمة مضمومة ثم واو مخففة ثم ألف ثم سين مهملة ساكنة ثم تاء مثناة من فوق ثم ياء من تحت ، ولأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة أخ ثالث اسمه القاسم ولا رواية له في الصحيح ، كان ضعيفا وأبو شيبة هو إبراهيم بن عثمان وكان قاضي واسط ، وهو ضعيف متفق على ضعفه .
وأما ابنه محمد والد بني أبي شيبة فكان على قضاء فارس وكان ثقة . قاله يحيى بن معين وغيره . ويقال لأبي شيبة وابنه وبني ابنه : عبسيون بالموحدة والسين المهملة .
وأما أبو بكر وعثمان فحافظان جليلان واجتمع في مجلس أبي بكر نحو ثلاثين ألف رجل ، وكان أجل من عثمان وأحفظ . وكان عثمان أكبر منه سنا وتأخرت وفاة عثمان فمات سنة تسع وثلاثين ومائتين ، ومات أبو بكر سنة خمس وثلاثين . ومن طرف ما يتعلق بأبي بكر ما ذكره أبو بكر الخطيب البغدادي قال : حدث عن أبي بكر محمد بن سعد كاتب الواقدي ويوسف بن يعقوب أبو عمرو النيسابوري ، وبين وفاتهما مائة وثمان أو سبع سنين . والله أعلم .
وأما ذكر مسلم - رحمه الله - متن الحديث ثم قوله : حدثنا أبو بكر وذكر إسناديه إلى الصحابيين ثم قال : قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فهو جائز بلا شك ، وقد قدمنا بيانه في الفصول السابقة وما يتعلق به . والله أعلم .
فهذا مختصر ما يتعلق بإسناد هذا الحديث ويحتمل ما ذكرناه من حال بعض رواته ، وإن كان ليس هو غرضنا لكنه أول موضع جرى ذكرهم ، فأشرنا إليه رمزا .
وأما متنه فقوله - صلى الله عليه وسلم - : يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ضبطناه : يرى بضم الياء والكاذبين بكسر الباء وفتح النون على الجمع وهذا هو المشهور في اللفظتين . قال القاضي عياض : الرواية فيه عندنا الكاذبين على الجمع ، ورواه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه المستخرج على صحيح مسلم حديث سمرة الكاذبين بفتح الباء وكسر النون على التثنية واحتج به على أن له أن يشارك البادئ بهذا الكذب ، ثم رواه أبو نعيم من رواية المغيرة الكاذبين أو الكاذبين على الشك في التثنية والجمع . وذكر بعض الأئمة جواز فتح الياء في يرى وهو ظاهر حسن ، فأما من ضم الياء فمعناه يظن ، وأما من فتحها فظاهر ومعناه وهو يعلم ، ويجوز أن يكون بمعنى يظن أيضا . فقد حكي رأى بمعنى ظن . وقيد بذلك لأنه ; لا يأثم إلا بروايته ما يعلمه أو يظنه كذبا ، أما ما لا يعلمه ولا يظنه فلا إثم عليه في روايته وإن ظنه غيره كذبا ، أو علمه ، وأما فقه الحديث فظاهر ففيه تغليظ الكذب والتعرض له وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه فرواه كان كاذبا ، وكيف لا يكون كاذبا وهو مخبر بما لم يكن ، وسنوضح حقيقة الكذب وما يتعلق بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريبا - إن شاء الله تعالى فنقول .
وقال الفقهاء الخراسانيون : الأثر هو ما يضاف إلى الصحابي موقوفا عليه . والله أعلم .
وأما ( المغيرة ) فبضم الميم على المشهور وذكر ابن السكيت وابن قتيبة وغيرهما أنه يقال بكسرها أيضا ، وكان المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أحد دهاة العرب - كنيته أبو عيسى - ويقال : أبو عبد الله وأبو محمد مات سنة خمسين ، وقيل : سنة إحدى وخمسين أسلم عام الخندق ، ومن طرف أخباره : أنه حكي عنه أنه أحصن في الإسلام ثلاثمائة امرأة ، وقيل : ألف امرأة .
وأما ( سمرة بن جندب ) فبضم الدال ، وفتحها ، وهو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري - كنيته أبو سعيد - ويقال أبو عبد الرحمن ، ويقال : أبو محمد ، ويقال : أبو سليمان . مات بالكوفة في آخر خلافة معاوية - رحمهم الله - .
وأما ( سفيان ) المذكور هنا فهو الثوري أبو عبد الله ، وقد تقدم أن السين من سفيان مضمومة وتفتح وتكسر .
وأما ( الحكم ) : فهو ابن عتيبة بالمثناة من فوق وآخره باء موحدة ثم هاء وهو من أفقه التابعين وعبادهم - رضي الله عنه - .
وأما ( حبيب ) فهو ابن أبي ثابت قيس التابعي الجليل .
قال أبو بكر بن عياش : كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم رابع حبيب بن أبي ثابت ، والحكم ، وحماد وكانوا أصحاب الفتيا ، ولم يكن أحد إلا ذل لحبيب ، وفي هذين الإسنادين لطيفتان من علم الإسناد إحداهما أنهما إسنادان رواتهما كلهم كوفيون ؛ الصحابيان وشيخا مسلم ومن بينهما ، إلا شعبة فإنه واسطي ثم بصري ، وفي صحيح مسلم من هذا النوع كثير جدا ستراه في مواضعه حيث ننبه عليه إن شاء الله تعالى .
واللطيفة الثانية : أن كل واحد من الإسنادين فيه تابعي روى عن تابعي . وهذا كثير وقد يروي ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض وهو أيضا كثير ، لكنه دون الأول وسننبه على كثير من هذا في مواضعه وقد يروي أربعة تابعيون عن بعض وهذا قليل جدا وكذلك وقع مثل هذا كله في الصحابة - رضي الله عنهم - صحابي عن صحابي كثير وثلاثة صحابة بعضهم عن بعض وأربعة بعضهم عن بعض ، وهو قليل جدا وقد جمعت أنا الرباعيات من الصحابة والتابعين في أول شرح صحيح البخاري بأسانيدها وجمل من طرقها .
وأما ( عبد الرحمن بن أبي ليلى ) فإنه من أجل التابعين ، قال عبد الله بن الحارث : ما شعرت أن النساء ولدت مثله ، وقال عبد الملك بن عمير : رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمعون لحديثه وينصتون له فيهم البراء بن عازب ، مات سنة ثلاث وثمانين واسم أبي ليلى يسار وقيل : بلال ، وقيل : بليل بضم الموحدة وبين اللامين مثناة من تحت ، وقيل : داود وقيل : لا يحفظ اسمه ، وأبو ليلى صحابي قتل مع علي - رضي الله عنهما - بصفين .
وأما ابن أبي ليلى الفقيه المتكرر في كتب الفقه والذي له مذهب معروف فاسمه محمد وهو ابن عبد الرحمن هذا وهو ضعيف عند المحدثين . والله أعلم .
وأما ( أبو بكر بن شيبة ) : فاسمه عبد الله ، وقد أكثر مسلم من الرواية عنه وعن - ص 61 - أخيه عثمان ; ولكن عن أبي بكر أكثر ، وهما أيضا شيخا البخاري . وهما منسوبان إلى جدهما واسم أبيهما محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي بخاء معجمة مضمومة ثم واو مخففة ثم ألف ثم سين مهملة ساكنة ثم تاء مثناة من فوق ثم ياء من تحت ، ولأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة أخ ثالث اسمه القاسم ولا رواية له في الصحيح ، كان ضعيفا وأبو شيبة هو إبراهيم بن عثمان وكان قاضي واسط ، وهو ضعيف متفق على ضعفه .
وأما ابنه محمد والد بني أبي شيبة فكان على قضاء فارس وكان ثقة . قاله يحيى بن معين وغيره . ويقال لأبي شيبة وابنه وبني ابنه : عبسيون بالموحدة والسين المهملة .
وأما أبو بكر وعثمان فحافظان جليلان واجتمع في مجلس أبي بكر نحو ثلاثين ألف رجل ، وكان أجل من عثمان وأحفظ . وكان عثمان أكبر منه سنا وتأخرت وفاة عثمان فمات سنة تسع وثلاثين ومائتين ، ومات أبو بكر سنة خمس وثلاثين . ومن طرف ما يتعلق بأبي بكر ما ذكره أبو بكر الخطيب البغدادي قال : حدث عن أبي بكر محمد بن سعد كاتب الواقدي ويوسف بن يعقوب أبو عمرو النيسابوري ، وبين وفاتهما مائة وثمان أو سبع سنين . والله أعلم .
وأما ذكر مسلم - رحمه الله - متن الحديث ثم قوله : حدثنا أبو بكر وذكر إسناديه إلى الصحابيين ثم قال : قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فهو جائز بلا شك ، وقد قدمنا بيانه في الفصول السابقة وما يتعلق به . والله أعلم .
فهذا مختصر ما يتعلق بإسناد هذا الحديث ويحتمل ما ذكرناه من حال بعض رواته ، وإن كان ليس هو غرضنا لكنه أول موضع جرى ذكرهم ، فأشرنا إليه رمزا .
وأما متنه فقوله - صلى الله عليه وسلم - : يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ضبطناه : يرى بضم الياء والكاذبين بكسر الباء وفتح النون على الجمع وهذا هو المشهور في اللفظتين . قال القاضي عياض : الرواية فيه عندنا الكاذبين على الجمع ، ورواه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه المستخرج على صحيح مسلم حديث سمرة الكاذبين بفتح الباء وكسر النون على التثنية واحتج به على أن له أن يشارك البادئ بهذا الكذب ، ثم رواه أبو نعيم من رواية المغيرة الكاذبين أو الكاذبين على الشك في التثنية والجمع . وذكر بعض الأئمة جواز فتح الياء في يرى وهو ظاهر حسن ، فأما من ضم الياء فمعناه يظن ، وأما من فتحها فظاهر ومعناه وهو يعلم ، ويجوز أن يكون بمعنى يظن أيضا . فقد حكي رأى بمعنى ظن . وقيد بذلك لأنه ; لا يأثم إلا بروايته ما يعلمه أو يظنه كذبا ، أما ما لا يعلمه ولا يظنه فلا إثم عليه في روايته وإن ظنه غيره كذبا ، أو علمه ، وأما فقه الحديث فظاهر ففيه تغليظ الكذب والتعرض له وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه فرواه كان كاذبا ، وكيف لا يكون كاذبا وهو مخبر بما لم يكن ، وسنوضح حقيقة الكذب وما يتعلق بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريبا - إن شاء الله تعالى فنقول .