إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [ سورة آل عمران]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [ سورة النساء ].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [ سورة : الأحزاب]
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -
وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
أما بعد عباد الله:
في الحديث عن يوم القيامة وما بعده يعيش المؤمن بين خوفٍ ورجاءٍ.
وهو – والله - مطلوب شرعًا, فيستمع المسلم إلى الحديث عن النفخ في الصور, وقيام البشر كلهم حفاة عراة غرلاً.
الرجال والنساء...
ها هي الشمس تدنو من الرؤوس, وقد تساوى الرئيس والمرؤوس.
أما النار " فقد جيئ بها تزفر, لها سبعون ألف زمام, يجرها آلاف
الملايين من الملائكة"(1), والحديث في صحيح مسلم.
فإذا تذكر الموحد ذلك؛ خــاف, واشتدّ به الخوف.
فيحتاج مع هذا أن يتذكر ظل عرش الرحمن, وتسعة وتسعين رحمة ادخرها الرحيم لذلك اليوم.
فلَله ... " لَله أرحم بعباده من الأم بولدها"(2) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب.
فعندئذٍ؛ يتزن الخوف مع الرجاء, فيسير السائر إلى الله - عز وجل - سيرًا سليمًا.
أمَا وإن حديثنا في جمعتنا هذه, سيجنح إلى الحديث عن الرجاء,
فيحتاج المسلم مع ذلك إلى أن يقرنه بشئ من الخوف, حتى يصح السير إلى الله.
أما رجاءٌ فقط؛ فهو نوع غرور وأمن من مكر الله {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [ الأعراف:99]
إنه الحديث عن
دار النعيـــم المقيــم
الجنة ... دار النعيم المقيم.
في بداية الحديث عنها أؤكد أنه حديث عن موجود, فالجنة موجودة الآن.
تلمح هذا في قول الله - عز وجل - { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[ آل عمران: 133]
وتراه في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين " قمت على باب الجنة "(3)
فقد قام - صلى الله عليه وسلم - على باب الجنة, ورءاها بعيني رأسه - صلوات ربي وسلامه عليه -
ودخلها - صلى الله عليه وسلم - وسمع فيها صوت نعلي بلال - رضي الله عنه -
وتراه أيضا في الحديث الذي هو في السنن أن الله "لما خلق الجنة أمر جبريل أن ينظر إليها,"(4)
كل ذلك يؤكد أن الجنة مخلوقة وموجودة الآن.
عباد الله ...
{ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }[ الزمر:61]
فيعبرون الصراط المضروب على متن النار, فهذا كلمح البرق, وهذا كأسرع الناس عدوًا وجريًا.
وهذا .. وهذا... وعندئذٍ أقف معك أخي في الله ثلاث وقفات:
الوقفة الأولى:
إنها لنعمة كبيرة من الله - عز وجل - أن نجاهم من النار, وتلك نعمة عظيمة لما يدخلوا الجنة بعد.
ومع ذلك فهم يستقبلون أولى نعم الله عليهم؛ أن نجاهم من النار, وعبروا الصراط.
الوقفة الثانية:
مع نسيم الجنة.
فيالله على رياح تهب من جنة عدن, على يارح تهب من جنة خلقها الله وأعدها الله لعباده المتقين.
في صحيح البخاري؛ أن " رائحة الجنة تُشمّ من مسيرة أربعين سنة"(5).
بينك وبين الجنة أربعين سنة تسيرها سيرًا.
لما لم تسر؛ وبينك وبينها أربعين سنة, ورائحة الجنة تهب عليك, فتعطر أنفك؛ لا بل تعطر جسدك كله.
إنها رياح تهبّ من رياح الجنة...
الوقفة الثالثة:
مع قول الله - عز وجل - { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [سورة ق:31]
وقوله { وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}[ التكوير:31]
فمع عظم الجنة, وعظم قدرها ومكانها, فهي مع ذلك كله, تزلف وتُقرب وتُدنى لأهل الإيمان.
تزلف لهم الجنة.
فيقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أول من يقرع باب الجنة, فيحرك حلق الباب فيقول الخادم رضوان .. من ؟
من الذي يقرع باب الجنة؟
فيقول : محمد - صلى الله عليه وسلم -
فيقول الخازن: " بك أمرت؛ لا أفتح لأحد قبلك "(6).
فيـــا لله ...
يوم تُفتح أبواب الجنة للمؤمنين.
الله أكبــــر.
ما هذا ... ما هذا رحمني الله وإياك ؟!
أهو جزاء العاملين ؟
أم هو كرم الكريم !
أم هو المزيج بين جزاء العاملين, وبين كرم الكريم... فنعم أجر العاملين.
يا لَـلله ...
لبنة من ذهب, ولبنة من فضة, أما التراب المسك والزعفران, وأما حصباؤها - حصاها - فاللؤلؤ والياقوت.
انظــــر...
ها هم " سبعون ألفًا متماسكون, آخذٌ بعضهم ببعض, لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم, وجوههم على صورة القمر ليلة البدر"(7), والحديث في الصحيحين.
وانظــــر...
ها هي زمرةٌ أخرى تلي الأولى, "وجوههم على أشد كوكب دريٌ في السماء إضاءة"(8), والحديث أيضا في الصحيحين.
أهل الجنة يتوافدون على أبوابها, فمن كان من أهل الصلاة, دُعي من باب الصلاة.
ومن كان من أهل الزكاة, دُعي من باب الزكاة.
ومن كان من أهل الصيام, دُعي من باب الريان.
"وأبــــو بكر - رضي الله عنه - يُــدعى من أبواب الجنة كلها"(9).
يـــدعى ويُنادى عليه من أبواب الجنة كلها.
وانظر - رحمك الله -؛ هذه امرأة يؤتى بها فتُخيّر من أي أبواب الجنة تريد أن تدخل.
يا تُــرى من هذه المرأة ؟؟
إنها امرأة عادية؛ من وسط الناس, "صلت خمسها وصامت شهرها, وحصنت فرجها, وأطاعت زوجها, فيُقال لها ادخلي الجنة من أي أبوابها شئتِ"(10).
ألا وإن " ما بين المصراعين من مصاريع باب من أبواب الجنة, ما بين - دفتي الباب- مسيرة أربعين سنة"(11).
والحديث في صحيح مسلم.
و وَالله ... ثم والله .
" ليأتين يوم على هذا الباب وهو كظيظ من الزحام"(11).
ويا لَطيب تحية الملائكة للداخلين, {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[ الرعد:24]
وتتلقاهم الملائكة {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر:73]
يا لَـلله..
كل هذه الجموع, تمشي إلى كرامة الله! ... وإلى جنة الله !
إي والله؛ "كل منهم أعرف بمنزله في الجنة, أكثر من معرفته لمنزله في الدنيا"(12) والحديث في صحيح البخاري.
أما المنازل والقصور.
فهذه خيمة في فناء قصرٍ من قصور الجنة, إذا رأيت الخيمة ... فكيف بالقصر !!!
في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال "إن للمؤمنين في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدةٍ مجوفة, طولها في السماء ستون ميلاً"(13).
وفي حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " إن في الجنة لغرفًا يُرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها"(14) رواه أحمد وابن حبان.
وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - " إن أهل الجنة ليتراءون أهل المنازل ( الغرف ) فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر أو الغارب في الأفق من المشرق إلى المغرب, للتفاضل بينهم في الدرجات, قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال - صلى الله عليه وسلم - بلى؛ والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"(15)
إن اشتاقت نفسك لمعرفة مساحة الجنة؛ فكيف بدارٍ عرضها السماوات والأرض.
فكيف بطولها فضلاً عن مساحتها !!!
من يدخلها ينعم ولا يبأس, كلهم شباب, وما في الجنة أعزب.
كيف الحديث عن نعيم الجنة !!!
روى أحمد والترمذي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو أن ما يقل ظفرًا في الجنة - يقلُّ يعني يحمل -( الجزء الذي يحمل قدر ظفر في الجنة) بدى ( يعني ظهر ) لتزخرفت له ما بين خوافق
السماوات والأرض, ولو أن رجلاً من أهل الجنة ( هذا رجل وليس امرأة ) اطلع, فبدا أساوره؛ لطمس ضوء الشمس, كما تطمس الشمس ضوء النجوم"(16).
أما الحديث عن طعامها...
{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) }[ الواقعة]
{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} [الواقعة]
أما شرابها ....
فــ {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى...}[سورة محمد:15]
وفيها عين السلسبيل, وفيها الرحيق المختوم, {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[سورة المطففين:26].
فيُمزج لهم الشراب تارة بالكافور وهو باردٍ, وتارةً بالزنجبيل وهو حار, حتى يعتدل الأمر.
أما الآنيــــة ...
فمن من ذهبٍ ومن فضةٍ, {وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)}[ سورة: الإنسان]
فهذا الطعام وهذا الشراب, فهل يبولون أو يتغوطون ؟؟
لا ... ولكن رشحٌ كرشح المسك.
أما أشجار الجنة...
ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن في الجنة لشجرة, يسير الراكب الجواد المضمر السريع( المضمر : الذي عنده فرس سريعة) مائة عامٍ ما يقطعها"(17).
أما أنهارها...
فمع ما تقدم من أنهار الماء والخمر واللبن والعسل, فـ" نهر الكوثر حافتاه من ذهبٍ, ومجراه على الدرِّ والياقوت, وتربته أطيب من المسك, وماؤه أحلى من العسل, وأبيض من الثلج"(18), رواه الترمذي وابن ماجة في سننهما.
أما الفرش...
فباطائنها من إستبرق, فكيف بظاهرها !!!
أما الحور العين...
فكأمثال اللؤلؤ المكنون, خيرات حسان كأنهن الياقوت والمرجان.
في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال" لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملئت ما بينهما ريحًا, ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها ( يعني خمارها) على رأسها خير من الدنيا وما فيها"(19)
وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال"
لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا؛ إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه, قاتلك الله, فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا"(20)
هذا وغناء الحور العين...
لا تسل عنه ... نحن الخيرات الحسان, جئنا لأزواج كرام, ونحو هذا.
وكل ما هم فيه فهو نعيم من نعيم الله عليهم أن نزع الله الغل من قلوبهم
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ }[الحجر:47].
هذا ورضوان الله عليهم, يرضى الله عنهم, فلا يسخط عليهم أبدًا.
في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " إن الله يقول لأهل الجنة؛ فيقولون لبيك ربنا وسعديك, والخير في يديك, فيقول : هل رضيتم؟
(مــن ؟؟
الملك؛ يسترضي أهل الجنة... يطلب رضاهم).
فيقول: يا أهل الجنة هل رضيتم ؟؟
فيقولون: مالنا لا نرضى يا رب؛ وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحدًا من خلقك.
فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟؟
فيقولون: يا ربنا, وأي شئ أفضل من ذلك !!
( ذلك: النعيم الذي جُمع في أول الخطبة, كله جُمع في كلمة ذلك).
فيقول: أحل عليكم رضواني, فلا أسخط عليكم أبدًا"(21).
كل هذا مع الخلود الدائم, فهم { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }[ سورة هود:108]
غير مجذوذ: غير مقطوع, يجري عليهم دائمًا.
في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال" إذا صار أهل الجنة إلى الجنة, وأهل النار إلى النار, جيئ بالموت, حتى يجعل بين الجنة والنار, ثم يُذبح, ثم يُنادى: يا اهل الجنة خلودٌ فلا موت, ويا أهل النار خلودٌ فلا موت"(22).
هـــــــذا ..
وحدّث عن يوم المزيــــد.
يوم رؤية الله المجيد, فقد روى مسلم عن صهيب - رضي الله عنه - قال, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا دخل أهل الجنة الجنة, يقول الله - عز وجل - يا أهل الجنة, تريدون شيئًا أزيدكم؟؟
فيقولون: ألم تُبيّض وجوهنا !! ... ألم تُدخلنا الجنة !! ... ألم تُجنبنا النار !!
فيكشف الملك جل وعلا, فيكشف الحجاب, فما أُعطوا شئٌ أحبّ إلي نفوسهم من ذلك"(23).
وذلك مصداق قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}[ سورة القيامة ]
يرون الله.
فما أُعطوا شئٌ أحبّ إلى نفوسهم من ذلك.
اللهم لا تحرمنا رؤية وجهك الكريم في جنات النعيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
عباد الله؛ في خنام الحديث عن الجنة...
هذه أربع نقاط سريعة:
الأولى: مقارنة بين أدنى أهل الجنة منزلة, وبين أعلاهم منزلة.
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن موسى نبي الله سأل الله: يا ربي؛ ما أدنى أهل الجنة منزلة؟
فقال الله: رجلٌ يجئ بعدما دخل أهل الجنة الجنة, فيقال له: ادخل الجنة.
فيقول: ربي .. كيف وقد نزل الناس منازلهم, وأخذوا أخذاتهم,
فيُقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلكٍ من ملوك الدنيا؟
فيقول رضيتُ ربي.
فيُقال له: فإن لك ذلك ومثله ومثله, مثله ومثله..
فقال في الخامسة: رضيت ربي.
فيقول: هذا لك, وعشرة أمثاله, ولك ما اشتهت نفسك, ولذة عينك.
فيقول رضيت ربي.
قال موسى بن عمران: يا رب, فأعلاهم منزلة !!
قال الله: أولئك الذين أردت .. غرست كرامتهم بيدي, وختمت
عليها, فلم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر"(24).
ثانيًا: الجنــــة فوق كل وصف.
فمهما تحدث المتحدثون, وعرضوا آيات الذكر الحكيم, فالجنة أعلى من ذلك.
في الصحيحن من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال " قال الله - عز وجل - : أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر"
إن شئتم فاقرؤوا قوله تعالى { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[ سورة السجدة: 17] (25)
ثالثًا: صبـــرًا ... صبـــرًا
فغمسة واحدة في الجنة تُنسي بؤس الدنيا.
غمسة واحدة؛ ليس يوم, ولا نصف يوم ولا ربع يوم.
"غمسة واحدة في الجنة تُنسي تعب الدنيا كله(26), والحديث رواه ابن ماجة في سننه.
رابعًا وأخيرًا:
الجنة لا تنال إلا بعد عناءٍ ونصبٍ, بإخلاص شديد, مع اتباع للنبي الرشيد - صلى الله عليه وسلم -
تأملوا في قول الله - عز وجل - { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[ سورة الزخرف:72]
وقوله { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[ سورة الأعراف: 43]
وتأملوا في حال أهل الجنة كيف كانوا في الدنيا { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) }[ سورة الذاريات]
وتدبروا في قوله { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}[سورة الإنسان ]
فيا قاعدًا عن الجنة إلى متى !!
من يشتري الجنة ؟؟
من يشتري الجنة بإخلاص العمل لله ؟
من يشتري الجنة بالمحافظة على صلاة الجماعة ؟
من يشتري الجنة بصلاة ركعتين في ظلام الليل ؟
من يشتري الجنة برحمة الضعفة والمساكين ؟
من يشتري الجنة بإطعام أرملة أو يتيم؟
من يشتري الجنة بمسحة على رأس يتيم ؟
من يشتري الجنة بصيام يوم في سبيل الله ؟
من يشتري الجنة بالبكاء من خشية الله ؟
عبــــــد الله...
إن كنت مشتاقًا لها كلفًا بهـا ... شوق الغريب لرؤية الأوطـانِ
كن محسنًا فيما استطعت فربما... تجزى عن الإحسان بالإحسانِ
واعمل لجنات النعيم وطيبهـا... فنعيمهـا يبقى وليــس بفانِ.
اللهم ارزقنا الجنة .. اللهم ارزقنا الجنة .. اللهم ارزقنا الجنة ..
اللهم ارزقنا الجنة وما قرب من من قول أو عمل, ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول أو عمل
اللهم آتِ نفوسنا تقواها, زكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها.
يارب فرج كرب المكروبين, ونفس هم المهمومين, واقضِ الدين عن المدينين, وأصلح جميع أحوال المسلمين.
إلهنا ما سألنا من خيرٍ فأعطنا, وما لم نسألك فابتدئنا,
وما قصرت عنه آمالنا من الخيرات فبلغنا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
منقول للافاده