( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ( 59 ) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ( 60 ) ) .
لما ذكر تعالى حزب السعداء ، وهم الأنبياء ، عليهم السلام ، ومن اتبعهم ، من القائمين بحدود الله وأوامره ، المؤدين فرائض الله ، التاركين لزواجره - ذكر أنه ( خلف من بعدهم خلف ) أي : قرون أخر ، ( أضاعوا الصلاة ) - وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع ; لأنها عماد الدين وقوامه ، وخير أعمال العباد - وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، فهؤلاء سيلقون غيا ، أي : خسارا يوم القيامة .
وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا ، فقال قائلون : المراد بإضاعتها تركها بالكلية ، قاله محمد بن كعب القرظي ، وابن زيد بن أسلم ، والسدي ، واختاره ابن جرير . ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد ، وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة ، للحديث : " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " ، والحديث الآخر : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " . وليس هذا محل بسط هذه المسألة .
وقال الأوزاعي ، عن موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة في قوله : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) ، قال : إنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركا كان كفرا .
وقال وكيع ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، والحسن بن سعد ، عن ابن مسعود أنه قيل له : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) و ( على صلاتهم دائمون ) و ( على صلاتهم يحافظون ) ؟ قال ابن مسعود : على مواقيتها . قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على الترك ؟ قال : ذاك الكفر .
وقال مسروق : لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس ، فيكتب من الغافلين ، وفي إفراطهن الهلكة ، وإفراطهن : إضاعتهن عن وقتهن .
وقال الأوزاعي ، عن إبراهيم بن يزيد : أن عمر بن عبد العزيز قرأ : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ، ثم قال : لم تكن إضاعتهم تركها ، ولكن أضاعوا الوقت .
[ ص: 244 ]
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) قال : عند قيام الساعة ، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة ، وكذا روى ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وروى جابر الجعفي ، عن مجاهد ، وعكرمة ، وعطاء بن أبي رباح : أنهم من هذه الأمة ، يعنون في آخر الزمان .
وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا الحسن الأشيب ، حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) ، قال : هم في هذه الأمة ، يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق ، لا يخافون الله في السماء ، ولا يستحيون الناس في الأرض .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة ، حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني : أن الوليد بن قيس حدثه ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون خلف بعد ستين سنة ، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غيا . ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم . ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ، ومنافق ، وفاجر " . قال بشير : قلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال : المؤمن مؤمن به ، والمنافق كافر به ، والفاجر يأكل به .
وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن ، المقرئ ، به
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثني أبي ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا عيسى بن يونس ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن مالك ، عن أبي الرجال ، أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة ، وتقول : لا تعطوا منه بربريا ولا بربرية ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هم الخلف الذين قال الله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) . هذا حديث غريب .
وقال أيضا : حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك ، حدثنا الوليد ، حدثنا حريز ، عن شيخ من أهل المدينة; أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قوله : ( فخلف من بعدهم خلف ) الآية ، قال : هم أهل الغرب ، يملكون وهم شر من ملك .
[ ص: 245 ]
وقال كعب الأحبار : والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل : شرابين للقهوات تراكين للصلوات ، لعابين بالكعبات ، رقادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، تراكين للجمعات قال : ثم تلا هذه الآية : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .
وقال الحسن البصري : عطلوا المساجد ، ولزموا الضيعات .
وقال أبو الأشهب العطاردي : أوحى الله - تعالى - إلى داود : يا داود ، حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ; فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة ، وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته علي أن أحرمه طاعتي .
وقال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا أبو السمح التميمي ، عن أبي قبيل ، أنه سمع عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أخاف على أمتي اثنتين : القرآن واللبن ، أما اللبن فيتبعون الريف ، ويتبعون الشهوات ويتركون الصلوات ، وأما القرآن فيتعلمه المنافقون ، فيجادلون به المؤمنين " .
ورواه عن حسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، حدثنا أبو قبيل ، عن عقبة ، به مرفوعا بنحوه تفرد به .
وقوله : ( فسوف يلقون غيا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( فسوف يلقون غيا ) أي : خسرانا . وقال قتادة : شرا .
وقال سفيان الثوري ، وشعبة ، ومحمد بن إسحاق ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود : ( فسوف يلقون غيا ) قال : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم .
وقال الأعمش ، عن زياد ، عن أبي عياض في قوله : ( فسوف يلقون غيا ) قال : واد في جهنم من قيح ودم .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني عباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن زياد بن زيان ، حدثنا شرقي بن قطامي ، عن لقمان بن عامر الخزاعي قال : جئت أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي فقلت : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا بطعام ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ، ما بلغت قعرها خمسين خريفا ، [ ص: 246 ] ثم تنتهي إلى غي وآثام " . قال : قلت : وما غي وآثام ؟ قال : " بئران في أسفل جهنم ، يسيل فيهما صديد أهل النار ، وهما اللتان ذكر الله في كتابه : ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) وقوله في الفرقان : ( ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) هذا حديث غريب ورفعه منكر .
وقوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) ، أي : إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته ، ويحسن عاقبته ، ويجعله من ورثة جنة النعيم; ولهذا قال : ( فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ) وذلك; لأن التوبة تجب ما قبلها ، وفي الحديث الآخر : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ; ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئا ، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها; لأن ذلك ذهب هدرا وترك نسيا ، وذهب مجانا ، من كرم الكريم ، وحلم الحليم .
وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) [ الفرقان : 68 - 70 ]
مقتطفات التفسير
قال الله تعالى
((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ))
من سورة مريم (59)
نزلت سورة مريم بمكة
* سورة مريم مكية، وغرضها تقرير التوحيد، وتنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، وتثبيت عقيدة الإِيمان بالبعث والجزاء، ومحورُ هذه السورة يدور حول التوحيد، والإِيمان بوجود الله ووحدانيته، وبيان منهج المهتدين، ومنهج الضالين.
سميت "سورة مريم" تخليداً لتلك المعجزة الباهرة، في خلق إنسانٍ بلا أب، ثم إِنطاق الله للوليد وهو طفل في المهد، وما جرى من أحداث غريبة رافقت ميلاد عيسى عليه السلام.
قالى الله تعالى
(( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ))
فقد اتى فى التفاسير الاتى
تفسير الجلالين
'للامام جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي
(فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) بتركها كاليهود والنصارى (واتبعوا الشهوات) من المعاصي (فسوف يلقون غيا) وهو واد في جهنم أي يقعون فيه
تفسير الميسر
فأتى مِن بعد هؤلاء المنعَم عليهم أتباع سَوْء تركوا الصلاة كلها, أو فوتوا وقتها, أو تركوا أركانها وواجباتها, واتبعوا ما يوافق شهواتهم ويلائمها, فسوف يلقون شرًا وضلالا وخيبة في جهنم.
تفسير ابن الكثير
لما ذكر تعالى حزب السعداء وهم الانبياء عليهم السلام، ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله واوامره المؤدين فرائض الله التاركين لزواجره، ذكر انه {خلف من بعدهم خلف} اي قرون اخر، {اضاعوا الصلاة}، واقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمانوا بها، فهؤلاء سيلقون غيا، اي خسارا يوم القيامة، وقد اختلفوا في المراد باضاعة الصلاة ههنا، فقال قائلون: المراد باضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي والسدي واختاره ابن جرير، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والائمة كما هو مشهور عن الامام احمد، الى تكفير تارك الصلاة للحديث: "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة" (الحديث: اخرجه مسلم وابو داود والترمذي عن جابر بلفظ "بين الرجل وبين الشرك الكفر...")، والحديث الاخر: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وليس هذا محل بسط هذه المسالة. وقال الاوزاعي: انما اضاعوا المواقيت ولو كان تركا كان كفرا. وقيل لابن مسعود: ان الله يكثر ذكر الصلاة في القران {الذين هم عن صلاتهم ساهون}، و{على صلاتهم دائمون}، و{على صلاتهم يحافظون}، فقال ابن مسعود: على مواقيتها، قالوا: ما كنا نرى ذلك الا على الترك، قال: ذلك الكفر، وقال مسروق: لا يحافظ احد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين، وفي افراطهن الهلكة؛ وافراطهن اضاعتهن عن وقتهن، وقال الاوزاعي: قرا عمر بن عبد العزيز: {فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة}، ثم قال: لم تكن اضاعتهم تركها ولكن اضاعوا الوقت، وقال مجاهد: ذلك عند قيام الساعة، وذهاب صالحي امة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الازقة. وقال ابن جرير عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} قال: هم في هذه الامة، يتراكبون تراكب الانعام والحمر في الطرق، لا يخافون الله في السماء، ولا يستحيون من الناس في الارض. وقال كعب الاحبار: والله اني لاجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل: شرابين للقهوات، تراكين للصلوات، لعابين بالكعبات، رقادين على العتمات، مفرطين في الغدوات، تراكين للجماعات، قال، ثم تلا هذه الاية: {فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}، وقال الحسن البصري: عطلوا المساجد ولزموا الضعيات. وقال ابو الاشهب: اوحى الله الى داود عليه السلام: يا داود حذر وانذر اصحابك اكل الشهوات، فان القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة، وان اهون ما اصنع بالعبد من عبيدي اذا اثر شهوة من شهواته ان احرمه طاعتي، وقوله: {فسوف يلقون غيا}، قال ابن عباس: اي خسرانا، وقال قتادة شرا، وقال عبد الله بن مسعود {فسوف يلقون غيا} قال: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم. وقال الاعمش، عن زياد، عن ابي عياض في قوله {فسوف يلقون غيا} قال: واد في جهنم من قيح ودم.
فقال القرظي: هي اضاعة كفر وجحد بها.
وقال القاسم بن مخيمرة، وعبدالله بن مسعود: هي اضاعة اوقاتها، وعدم القيام بحقوقها وهو الصحيح، وانها اذا صليت مخلى بها لا تصح ولا تجزئ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي صلى وجاء فسلم عليه (ارجع فصل فانك لم تصل) ثلاث مرات خرجه مسلم،
إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركا كان كفرا.
اذنا المعنى
أي جاء من بعد الأتقياء قومٌ أشقياء، تركوا الصلوات وسلكوا طريق الشهوات
سوف يلقون كل شرٍّ وخسارٍ ودمار،
قال ابن عباس: غيٌّ وادٍ في جهنم، وإِن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره
تفسير ابن كثير
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً}
خلف من بعدهم خلف} أي قرون أخر {أضاعوا الصلاة} وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع, لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد, وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها, فهؤلاء سيلقون غياً, أي خساراً يوم القيامة, وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة ههنا فقال قائلون: المراد بإضاعتها تركها بالكلية, قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي, واختاره ابن جرير ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد, وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة للحديث «بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة». والحديث الاَخر «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر» وليس هذا محل بسط هذه المسألة.
وقال الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة في قوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} قال: أي أضاعوا المواقيت ولو كان تركاً كان كفراً. وقال وكيع عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعد عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن {الذين هم عن صلاتهم ساهون} و{على صلاتهم دائمون} و{على صلاتهم يحافظون} فقال ابن مسعود: على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك, قال ذلك الكفر, قال مسروق: لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين, وفي إفراطهن الهلكة, وإفراطهن إضاعتهن عن وقتهن, وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد: أن عمر بن عبد العزيز قرأ: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} قال: عند قيام الساعة وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة, وكذا روى ابن جريج عن مجاهد مثله, وروى جابر الجعفي عن مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح أنهم من هذه الأمة, يعنون في آخر الزمان.
وقال ابن جرير: حدثني الحارث, حدثنا الحسن الأشيب, حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} قال: هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق, لا يخافون الله في السماء, ولا يستحيون من الناس في الأرض وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي, حدثنا أبو عبد الرحمن المقري, حدثنا حيوة, حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سيعد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات, فسوف يلقون غياً, ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم, ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن, ومنافق وفاجر» وقال بشير: قلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال: المؤمن مؤمن به, والمنافق كافر به. والفاجر يأكل به» وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن المقري به.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثني أبي, حدثنا إبراهيم بن موسى, أنبأنا عيسى بن يونس, حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن وهب عن مالك عن أبي الرجال أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة, وتقول: لا تعطوا منه بربرياً, ولا بربرية, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هم الخلف الذين قال الله تعالى فيهم: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة» هذا الحديث غريب. وقال أيضاً: حدثني أبي, حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك, حدثنا الوليد حدثنا حريز عن شيخ من أهل المدينة أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قول الله: {فخلف من بعدهم خلف} الاَية, قال: هم أهل الغرب يملكون وهم شر من ملك.
وقال كعب الأحبار: والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل: شرّابين للقهوات, ترّاكين للصّلوات, لعّابين بالكعبات, رقّادين عن العتمات, (((((((مفرطين في الغدوات))))))), ترّاكين للجماعات, قال: ثم تلا هذه الاَية
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} وقال الحسن البصري: عطلوا المساجد ولزموا الضيعات. وقال أبو الأشهب العطاردي: أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات, فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة, وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته أن أحرمه من طاعتي.
وقوله: {فسوف يلقون غياً} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فسوف يلقون غياً} أي خسراناً, وقال قتادة: شراً, وقال سفيان الثوري وشعبة ومحمد بن إسحاق عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود {فسوف يلقون غياً} قال: واد في جهنم بعيد القعر, خبيث الطعم. وقال الأعمش عن زياد عن أبي عياض في قوله: {فسوف يلقون غياً} قال: واد في جهنم من قيح ودم. وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني عباس بن أبي طالب, حدثنا محمد بن زياد, حدثنا شرقي بن قطامي عن لقمان بن عامر الخزاعي قال: جئت أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي, فقلت: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا بطعام, ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفاً, ثم تنتهي إلى غي وآثام» قال: قلت ماغي وآثام ؟ قال: قال: «بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار» وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه {أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} وقوله في الفرقان: {ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} هذا حديث غريب ورفعه منكر.
وقوله: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً} أي إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات, فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم, ولهذا قال: {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً} وذلك لأن التوبة تجبّ ما قبلها, وفي الحديث الاَخر «التائب من الذنب كمن لاذنب له» ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئاً, ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها, لأن ذلك ذهب هدراً وترك نسياً, وذهب مجاناً من كرم الكريم وحلم الحليم, وهذا الاستثناء ههنا كقوله في سورة الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ـ إلى قوله ـ وكان الله غفوراً رحيماً}.
ولولا الاطاله لاخذت الكثير والكثير
ولكن الاهم الان انه بكل معنى التفسير هل انت من هؤلاء الخلف ؟
تم جمعه لكم للافاده
فى رعاية الله
لما ذكر تعالى حزب السعداء ، وهم الأنبياء ، عليهم السلام ، ومن اتبعهم ، من القائمين بحدود الله وأوامره ، المؤدين فرائض الله ، التاركين لزواجره - ذكر أنه ( خلف من بعدهم خلف ) أي : قرون أخر ، ( أضاعوا الصلاة ) - وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع ; لأنها عماد الدين وقوامه ، وخير أعمال العباد - وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، فهؤلاء سيلقون غيا ، أي : خسارا يوم القيامة .
وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا ، فقال قائلون : المراد بإضاعتها تركها بالكلية ، قاله محمد بن كعب القرظي ، وابن زيد بن أسلم ، والسدي ، واختاره ابن جرير . ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد ، وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة ، للحديث : " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " ، والحديث الآخر : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " . وليس هذا محل بسط هذه المسألة .
وقال الأوزاعي ، عن موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة في قوله : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) ، قال : إنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركا كان كفرا .
وقال وكيع ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، والحسن بن سعد ، عن ابن مسعود أنه قيل له : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) و ( على صلاتهم دائمون ) و ( على صلاتهم يحافظون ) ؟ قال ابن مسعود : على مواقيتها . قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على الترك ؟ قال : ذاك الكفر .
وقال مسروق : لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس ، فيكتب من الغافلين ، وفي إفراطهن الهلكة ، وإفراطهن : إضاعتهن عن وقتهن .
وقال الأوزاعي ، عن إبراهيم بن يزيد : أن عمر بن عبد العزيز قرأ : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) ، ثم قال : لم تكن إضاعتهم تركها ، ولكن أضاعوا الوقت .
[ ص: 244 ]
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) قال : عند قيام الساعة ، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة ، وكذا روى ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وروى جابر الجعفي ، عن مجاهد ، وعكرمة ، وعطاء بن أبي رباح : أنهم من هذه الأمة ، يعنون في آخر الزمان .
وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا الحسن الأشيب ، حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) ، قال : هم في هذه الأمة ، يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق ، لا يخافون الله في السماء ، ولا يستحيون الناس في الأرض .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة ، حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني : أن الوليد بن قيس حدثه ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون خلف بعد ستين سنة ، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غيا . ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم . ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ، ومنافق ، وفاجر " . قال بشير : قلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال : المؤمن مؤمن به ، والمنافق كافر به ، والفاجر يأكل به .
وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن ، المقرئ ، به
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثني أبي ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا عيسى بن يونس ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن مالك ، عن أبي الرجال ، أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة ، وتقول : لا تعطوا منه بربريا ولا بربرية ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هم الخلف الذين قال الله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) . هذا حديث غريب .
وقال أيضا : حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك ، حدثنا الوليد ، حدثنا حريز ، عن شيخ من أهل المدينة; أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قوله : ( فخلف من بعدهم خلف ) الآية ، قال : هم أهل الغرب ، يملكون وهم شر من ملك .
[ ص: 245 ]
وقال كعب الأحبار : والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل : شرابين للقهوات تراكين للصلوات ، لعابين بالكعبات ، رقادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، تراكين للجمعات قال : ثم تلا هذه الآية : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .
وقال الحسن البصري : عطلوا المساجد ، ولزموا الضيعات .
وقال أبو الأشهب العطاردي : أوحى الله - تعالى - إلى داود : يا داود ، حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ; فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة ، وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته علي أن أحرمه طاعتي .
وقال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا أبو السمح التميمي ، عن أبي قبيل ، أنه سمع عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أخاف على أمتي اثنتين : القرآن واللبن ، أما اللبن فيتبعون الريف ، ويتبعون الشهوات ويتركون الصلوات ، وأما القرآن فيتعلمه المنافقون ، فيجادلون به المؤمنين " .
ورواه عن حسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، حدثنا أبو قبيل ، عن عقبة ، به مرفوعا بنحوه تفرد به .
وقوله : ( فسوف يلقون غيا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( فسوف يلقون غيا ) أي : خسرانا . وقال قتادة : شرا .
وقال سفيان الثوري ، وشعبة ، ومحمد بن إسحاق ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود : ( فسوف يلقون غيا ) قال : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم .
وقال الأعمش ، عن زياد ، عن أبي عياض في قوله : ( فسوف يلقون غيا ) قال : واد في جهنم من قيح ودم .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني عباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن زياد بن زيان ، حدثنا شرقي بن قطامي ، عن لقمان بن عامر الخزاعي قال : جئت أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي فقلت : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا بطعام ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ، ما بلغت قعرها خمسين خريفا ، [ ص: 246 ] ثم تنتهي إلى غي وآثام " . قال : قلت : وما غي وآثام ؟ قال : " بئران في أسفل جهنم ، يسيل فيهما صديد أهل النار ، وهما اللتان ذكر الله في كتابه : ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) وقوله في الفرقان : ( ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) هذا حديث غريب ورفعه منكر .
وقوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) ، أي : إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته ، ويحسن عاقبته ، ويجعله من ورثة جنة النعيم; ولهذا قال : ( فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ) وذلك; لأن التوبة تجب ما قبلها ، وفي الحديث الآخر : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ; ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئا ، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها; لأن ذلك ذهب هدرا وترك نسيا ، وذهب مجانا ، من كرم الكريم ، وحلم الحليم .
وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) [ الفرقان : 68 - 70 ]
مقتطفات التفسير
قال الله تعالى
((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ))
من سورة مريم (59)
نزلت سورة مريم بمكة
* سورة مريم مكية، وغرضها تقرير التوحيد، وتنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، وتثبيت عقيدة الإِيمان بالبعث والجزاء، ومحورُ هذه السورة يدور حول التوحيد، والإِيمان بوجود الله ووحدانيته، وبيان منهج المهتدين، ومنهج الضالين.
سميت "سورة مريم" تخليداً لتلك المعجزة الباهرة، في خلق إنسانٍ بلا أب، ثم إِنطاق الله للوليد وهو طفل في المهد، وما جرى من أحداث غريبة رافقت ميلاد عيسى عليه السلام.
قالى الله تعالى
(( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ))
فقد اتى فى التفاسير الاتى
تفسير الجلالين
'للامام جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي
(فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) بتركها كاليهود والنصارى (واتبعوا الشهوات) من المعاصي (فسوف يلقون غيا) وهو واد في جهنم أي يقعون فيه
تفسير الميسر
فأتى مِن بعد هؤلاء المنعَم عليهم أتباع سَوْء تركوا الصلاة كلها, أو فوتوا وقتها, أو تركوا أركانها وواجباتها, واتبعوا ما يوافق شهواتهم ويلائمها, فسوف يلقون شرًا وضلالا وخيبة في جهنم.
تفسير ابن الكثير
لما ذكر تعالى حزب السعداء وهم الانبياء عليهم السلام، ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله واوامره المؤدين فرائض الله التاركين لزواجره، ذكر انه {خلف من بعدهم خلف} اي قرون اخر، {اضاعوا الصلاة}، واقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمانوا بها، فهؤلاء سيلقون غيا، اي خسارا يوم القيامة، وقد اختلفوا في المراد باضاعة الصلاة ههنا، فقال قائلون: المراد باضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي والسدي واختاره ابن جرير، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والائمة كما هو مشهور عن الامام احمد، الى تكفير تارك الصلاة للحديث: "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة" (الحديث: اخرجه مسلم وابو داود والترمذي عن جابر بلفظ "بين الرجل وبين الشرك الكفر...")، والحديث الاخر: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وليس هذا محل بسط هذه المسالة. وقال الاوزاعي: انما اضاعوا المواقيت ولو كان تركا كان كفرا. وقيل لابن مسعود: ان الله يكثر ذكر الصلاة في القران {الذين هم عن صلاتهم ساهون}، و{على صلاتهم دائمون}، و{على صلاتهم يحافظون}، فقال ابن مسعود: على مواقيتها، قالوا: ما كنا نرى ذلك الا على الترك، قال: ذلك الكفر، وقال مسروق: لا يحافظ احد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين، وفي افراطهن الهلكة؛ وافراطهن اضاعتهن عن وقتهن، وقال الاوزاعي: قرا عمر بن عبد العزيز: {فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة}، ثم قال: لم تكن اضاعتهم تركها ولكن اضاعوا الوقت، وقال مجاهد: ذلك عند قيام الساعة، وذهاب صالحي امة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الازقة. وقال ابن جرير عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} قال: هم في هذه الامة، يتراكبون تراكب الانعام والحمر في الطرق، لا يخافون الله في السماء، ولا يستحيون من الناس في الارض. وقال كعب الاحبار: والله اني لاجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل: شرابين للقهوات، تراكين للصلوات، لعابين بالكعبات، رقادين على العتمات، مفرطين في الغدوات، تراكين للجماعات، قال، ثم تلا هذه الاية: {فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}، وقال الحسن البصري: عطلوا المساجد ولزموا الضعيات. وقال ابو الاشهب: اوحى الله الى داود عليه السلام: يا داود حذر وانذر اصحابك اكل الشهوات، فان القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة، وان اهون ما اصنع بالعبد من عبيدي اذا اثر شهوة من شهواته ان احرمه طاعتي، وقوله: {فسوف يلقون غيا}، قال ابن عباس: اي خسرانا، وقال قتادة شرا، وقال عبد الله بن مسعود {فسوف يلقون غيا} قال: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم. وقال الاعمش، عن زياد، عن ابي عياض في قوله {فسوف يلقون غيا} قال: واد في جهنم من قيح ودم.
فقال القرظي: هي اضاعة كفر وجحد بها.
وقال القاسم بن مخيمرة، وعبدالله بن مسعود: هي اضاعة اوقاتها، وعدم القيام بحقوقها وهو الصحيح، وانها اذا صليت مخلى بها لا تصح ولا تجزئ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي صلى وجاء فسلم عليه (ارجع فصل فانك لم تصل) ثلاث مرات خرجه مسلم،
إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركا كان كفرا.
اذنا المعنى
أي جاء من بعد الأتقياء قومٌ أشقياء، تركوا الصلوات وسلكوا طريق الشهوات
سوف يلقون كل شرٍّ وخسارٍ ودمار،
قال ابن عباس: غيٌّ وادٍ في جهنم، وإِن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره
تفسير ابن كثير
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً}
خلف من بعدهم خلف} أي قرون أخر {أضاعوا الصلاة} وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع, لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد, وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها, فهؤلاء سيلقون غياً, أي خساراً يوم القيامة, وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة ههنا فقال قائلون: المراد بإضاعتها تركها بالكلية, قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي, واختاره ابن جرير ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد, وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة للحديث «بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة». والحديث الاَخر «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر» وليس هذا محل بسط هذه المسألة.
وقال الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة في قوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} قال: أي أضاعوا المواقيت ولو كان تركاً كان كفراً. وقال وكيع عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعد عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن {الذين هم عن صلاتهم ساهون} و{على صلاتهم دائمون} و{على صلاتهم يحافظون} فقال ابن مسعود: على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك, قال ذلك الكفر, قال مسروق: لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين, وفي إفراطهن الهلكة, وإفراطهن إضاعتهن عن وقتهن, وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد: أن عمر بن عبد العزيز قرأ: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} قال: عند قيام الساعة وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة, وكذا روى ابن جريج عن مجاهد مثله, وروى جابر الجعفي عن مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح أنهم من هذه الأمة, يعنون في آخر الزمان.
وقال ابن جرير: حدثني الحارث, حدثنا الحسن الأشيب, حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} قال: هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق, لا يخافون الله في السماء, ولا يستحيون من الناس في الأرض وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي, حدثنا أبو عبد الرحمن المقري, حدثنا حيوة, حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سيعد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات, فسوف يلقون غياً, ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم, ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن, ومنافق وفاجر» وقال بشير: قلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال: المؤمن مؤمن به, والمنافق كافر به. والفاجر يأكل به» وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن المقري به.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثني أبي, حدثنا إبراهيم بن موسى, أنبأنا عيسى بن يونس, حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن وهب عن مالك عن أبي الرجال أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة, وتقول: لا تعطوا منه بربرياً, ولا بربرية, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هم الخلف الذين قال الله تعالى فيهم: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة» هذا الحديث غريب. وقال أيضاً: حدثني أبي, حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك, حدثنا الوليد حدثنا حريز عن شيخ من أهل المدينة أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قول الله: {فخلف من بعدهم خلف} الاَية, قال: هم أهل الغرب يملكون وهم شر من ملك.
وقال كعب الأحبار: والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل: شرّابين للقهوات, ترّاكين للصّلوات, لعّابين بالكعبات, رقّادين عن العتمات, (((((((مفرطين في الغدوات))))))), ترّاكين للجماعات, قال: ثم تلا هذه الاَية
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} وقال الحسن البصري: عطلوا المساجد ولزموا الضيعات. وقال أبو الأشهب العطاردي: أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات, فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة, وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته أن أحرمه من طاعتي.
وقوله: {فسوف يلقون غياً} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فسوف يلقون غياً} أي خسراناً, وقال قتادة: شراً, وقال سفيان الثوري وشعبة ومحمد بن إسحاق عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود {فسوف يلقون غياً} قال: واد في جهنم بعيد القعر, خبيث الطعم. وقال الأعمش عن زياد عن أبي عياض في قوله: {فسوف يلقون غياً} قال: واد في جهنم من قيح ودم. وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني عباس بن أبي طالب, حدثنا محمد بن زياد, حدثنا شرقي بن قطامي عن لقمان بن عامر الخزاعي قال: جئت أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي, فقلت: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا بطعام, ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفاً, ثم تنتهي إلى غي وآثام» قال: قلت ماغي وآثام ؟ قال: قال: «بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار» وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه {أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} وقوله في الفرقان: {ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} هذا حديث غريب ورفعه منكر.
وقوله: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً} أي إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات, فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم, ولهذا قال: {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً} وذلك لأن التوبة تجبّ ما قبلها, وفي الحديث الاَخر «التائب من الذنب كمن لاذنب له» ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئاً, ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها, لأن ذلك ذهب هدراً وترك نسياً, وذهب مجاناً من كرم الكريم وحلم الحليم, وهذا الاستثناء ههنا كقوله في سورة الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ـ إلى قوله ـ وكان الله غفوراً رحيماً}.
ولولا الاطاله لاخذت الكثير والكثير
ولكن الاهم الان انه بكل معنى التفسير هل انت من هؤلاء الخلف ؟
تم جمعه لكم للافاده
فى رعاية الله