1- يقول أحد الصالحين: نظرتُ إلى أبواب الله فوجدتها كلها مزدحمة إلا باب الحب فلم أجد عليه إلا الواحد بعد الواحد، فدخلتُ من باب الحب
نرجو من فضيلتكم بيان إشارة الرجل الصالح فى معنى باب الحب؟ وكيف يمكننا الدخول منه؟

=======================================================
جعل الله لمن يريد أن يتقرب إلى حضرته أبواباً مذكورة في كتاب الله، وزادها توضيحاً سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم سمَّاها طرق، أي طُرقٌ توصِّل إلى رضوان الله، وفيها يقول القائل: إن لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق

ليس بعدد الخلائق، ولكن بعدد أنفاس الخلائق، وكلها توصل إلى الله. ويعلمها أهل الإختصاص الذين خصَّهم الله بهذه الخواص، ورزقهم خالص الإخلاص، وأخذوا من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذناً صريحاً بتوضيح السبيل ليكونوا هم الدليل لمن أراد أن يكون في حمى الله له مقيل.

سيدي أبو العباس المرسي كان يريد أن يدخل على شيخه أبي الحسن، وحدثت مشادة بينه وبين الخادم - الحاجب - الذي يقف على الباب، وإذا بالشيخ ينادي على الحاجب ويقول له: كيف تمنع أبو العباس؟ ووالله لأبو العباس أعلم بطرق السماء منك بطرق الأسكندرية وطرق السماء ليست كالطرق التي نعلمها، ولكنها طرق السموِّ التي يسمو بها المرء للقرب من مولاه. وهذه الطرق منها طُرق العبادات كالصوم والصلاة والصدقة والحج والتسبيح والصلاة على حضرة النبي والإستغفار وخدمة الفقراء والمساكين ... طرقٌ لا تُعد ولا تُحد.

سيدي عبد القادر الجيلاني وهو صاحب هذه العبارة يعنى بقوله ذهبتُ إلى الأبواب فوجدتها كلها مزدحمة ... فباب الصلاة مزدحم، وكذلك باب العُمرة في رمضان، وكذلك باب الحج، وقد أصبح بالقرعة - وكذلك باب الصيام. فقال: نظرتُ إلى الأبواب فوجدتها كلها مزدحمة، فنظرتُ إلى باب الحب فلم أجد عليه إلا الواحد بعد الواحد، فدخلتُ منه

وما معنى باب الحب؟ وكيف يدخل الإنسان منه؟

معناه أن يستغرق القلب بالكلية في معاني الحضرة الإلهية، فينشغل صاحبه بالله، وينشغل بالإقبال على الله، ولا يلتفت عن الله طرفة عينٍ ولا أقل، ولا يتم له ذلك إلا إذا طهَّر قلبه من المشاغل الكونية، والمشاغل الدنيوية، لأنه لا يجتمع في القلب حب الله وحب الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: حُبُّ الدُّنيا وحُبُّ اللهِ لا يَجتَمِعانِ في قَلبٍ أبَداً
إذا دخل حب الدنيا القلب فيخرج منه حب الله، ومن يُرد الله ينشغل بالله، ويدخل من باب الحب، فينشغل بجسمه في الدنيا ومصالح الأهل ومصالح نفسه ومصالح الأحباب ومصالح المجتمع، لكن قلبه لا ينشغل إلا بالله، وهذا كما قالت السيدة رابعة رضي الله عنها:

ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحتُ جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للخليل مؤانسٌ وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي


وكما قال الشيخ الجنيد رضي الله عنه: بقي لي ثلاثون عاماً أُخاطب الحق في الخلق والخلق يظنون أني أتحدثُ معهم ،،، فهو يكلِّم الله في تجلياته التي ظهرت في خلق الله، وهم يظنون أنه يكلمهم، فالله تجلى علينا بالسمع، فهو يكلم السميع، ويعلم أنه هو السميع عز وجل. والله تجلَّى علينا بالبصير، فهو لا يرى أحداً ينظر إليه إلا حضرة البصير عز وجل، ولا يلتفت إلى نظر الخلق لانشغاله بالكلية بنظر الحق إليه، ولا يريد أن يسمع ثناءاً على حديثه للخلق لأنه يعتقد أنه يكلم الحق.

لكن من يكلم الخلق يريد أن يسمع استحساناً، ويريد أن يسمع ثناءاً من المستمعين، ويريد أن يسمع مدحاً من الموجودين، لكن من يتكلم ولا يرى سميعاً له إلا حضرة السميع، فما له وما للخلق؟! فلا ينتظر ثناءاً منهم ولا مدحاً ولا حتى كلمة شكر: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ?
وهذا ما قال فيه الإمام أبو العزائم:

فخلي الخلق خلفك ثم عامل بصدقٍ ذات مولاك العلية

فيكون إخراج الخلق من القلب، وإخراج الأكوان والدنيا كلها من الفؤاد، ولا يكون في القلب طرفة عينٍ ولا أقل إلا مقلبه عز وجل.
قد كان لي أهواءٌ مفرقةٌ فاستجمعت مُذ رأتك العين أهوائي
تركتُ للناس دنياهم ودينهمُ شُغلاً بذاتك يا ديني ودنيائي

فهذا الوصول عن طريق باب المحبة إن شاء الله.

كل من له سؤال يترك سؤاله في تعليق وسنعرضه على فضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد وسنأتي له بالإجابة إن شاء الله


منقول من كتاب {إشارات العارفين} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
فضلاً اضغط على الرابط لقراءة الكتاب أو تحميله مجاناً


http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%86/


إشارات العارفين Book_Esharaatoel_Arfeen-719x1024