الـــجَـــــاحِـــــــــظ


هُـــــوَ: عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ بْنِ مَحْبُوْبٍ البَصْرِيُّ، أَبُو عُثْمَانَ الجَاحِظُ. العَلاَّمَةُ المُتَبَحِّرُ، كَبِيرُ أَئِمَّةِ الأَدَبِ، ورَئِيسُ الفِرقَةِ الجَاحِظِيَّةِ مِن المُعتَزِلَةِ.

مَـوْلِــدُهُ: وُلِدَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وسِتِّينَ ومِائَةٍ (163 هــ)؛ وسُمَّيَ بِــ"الجَاحِظُ" لِجُحُوظِ عَيْنَيْهِ؛ وكَانَ شَنِيعَ المَنْظَرِ.

أَخَذَ النَّحوَ والعَرَبِيَّةَ مِن: أَبِي عُبَيْدَةَ التَّيْمِيِّ، والأَصْمَعِيِّ، وأَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، والأَخْفَش الأَوْسَط؛، وغَيْرِهِم.

- وكَانَ وَاسِعَ الإِطِّلاَعِ جِدّاً، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِيَدِهِ كِتَابٌ قَطُّ إِلاَّ اسْتَوفَى قِرَاءتَه، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَسْتَأَجِر دَكَاكِيْنَ الكُتْبِيِّيْنَ، ويَبِيتُ فِيْهَا لِلمُطَالَعَةِ!!

- وكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ، دَاهِيَةً فِي قُوَّةِ الحِفْظِ، مِنْ بُحُورِ العِلْمِ، وتَصَانِيْفُه كَثِيْرَةٌ جِدّاً؛ حَيْثُ لاَ يُعلَمُ أَحَدٌ مِن أَهْلِ العِلْمِ أَكَثَر كُتُباً مِنْهُ؛ وكَانَت فِيهِ دُعَابَةٌ.

- بَيْدَ أَنَّهُ كَانَ مَاجِناً، قَلِيْلَ الدِّيْنِ، مُعتَزَلِيَّ المَذْهَبِ؛، سَامَحَهُ اللهُ.

أَشْــهَـــرُ تَـصَــانِـيـفِـــهِ: كِتَابُ (الحَيَوَان)، وَ (النِّسَاء)، وَ (البِغَال)، وَ (الرَّدُّ عَلَى أَصْحَابِ الإِلهَامِ)، وَ (الرَّدُّ علَى المُشَبِّهَةِ)، وَ (الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى)، وَ (الطُّفَيْلِيَّةُ)، وَ (فَضَائِلُ التُّرْك)، وَ (الرَّدُّ عَلَى اليَهُوْدِ)، وَ (الوَعِيْد)، وَ (الحُجَّةُ وَالنُّبُوَّةُ)، وَ (المُعَلِّمِيْن)، وَ (البُلْدَان)، وَ (حَانُوْتُ عَطَّارٍ)، وَ (ذَمُّ الزَّنَى)، وَ (البَيَان والتَّبْيِين)، وَ (التاج)، و (البُخَلاَء)، و (المَحَاسِن والأَضِدَّاد)، وَ (المِعَاد والمَعَاش)، وَ (كِتْمَان السِّر)، وَ (حِفْظ الِّلسَان)، وَ (الجِدّ والهَزْل)، وَ (الحَسَد والعَدَاوَة)، وَ (تَنْبِيه المُلُوك)، وَ (الدَّلاَئِل والاِعتِبَار)، وَ (الرَّبِيع والخَرِيف)، وَ (الحَنِين إِلَى الأَوْطَان)، وَ (العِبَر والاِعتِبَار)، وَ (جَمْهَرَة المُلُوك)، وَ (الاسْتِبْدَاد والمُشَاوَرَة فِي الحَربِ).

قَــالُـــوا عَـنْـــهُ:

- قَالَ المُبَرِّدُ: مَا رَأَيْتُ أَحرَصَ عَلَى العِلْمِ مِن ثَلاَثَةٍ: الجَاحِظ، والفَتْح بْن خَاقَان، وإِسْمَاعِيل القَاضِي.

- وقَالَ أَبُو هَفَّانَ المِهْزَمِيُّ: ثَلاَثَةٌ لَم أَرَ قَطُّ ولاَ سَمِعتُ أَحَبّ إِلَيْهِم مِن الكُتُبِ والعُلُومِ: الجَاحظ، والفَتْح بْن خَاقَان، وإِسْمَاعِيل القَاضِي.

- وقَالَ ثَعْلَبُ: كَانَ كَذَّاباً عَلَى اللهِ وعَلَى رَسُولِهِ، وعَلَى النَّاسِ.

- وقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هُوَ أَكْذَبُ الأُمَّةِ، وأَوْضَعُهُم لِحَدِيثٍ، وأَنْصَرُهُم لِبَاطِلٍ.

- وقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ أَحَدَ الضُّلاَّلِ، غَلَبَ عَلَيْهِ الهَزْلُ، ومَعَ ذَلِكَ فَإِنَّا مَا رَأَيْنَا لَهُ فِي كُتُبِهِ تَعَمُّدَ كَذِبَةٍ يُورِدُهَا مُثْبِتًا لَهَا، وإِنْ كَانَ كَثِيرَ الإِيرَادِ لِكَذِبِ غَيْرِهِ.

- وقَالَ أَبُو مَنْصُور الأَزْهَرِيُّ: أُوتِيَ الجَاحِظُ بَسْطَةً فِي القَوْلِ وبَيَاناً عَذْباً فِي الخِطَابِ، ومَجَالاً فِي الفُنُونِ غَيْرَ أَنَّ أَهْلِ العِلْمِ ذَمَّوهُ، وعَنِ الصِّدقِ دَفَعُوهُ.

- وقَالَ يَاقُوتُ الحَمَوِيُّ: كَانَ الجَاحِظُ مِنَ الذَّكَاءِ وسُرعَةِ الخَاطِرِ والحِفْظِ، بِحَيْثِ شَاعَ ذِكْرُهُ وعَلاَ قَدرُهُ.

- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: كَانَ وَاسِعَ النَّقْلِ، كَثِيرَ الإِطِّلاَعِ، مِن أَذْكِيَاءِ بَنِي آدَمَ وأَفْرَادِهِم وشَيَاطِينِهِم؛ وكَانَ مِن أَئِمَّةِ البِدَعِ.

- وقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: كَانَ سَيِّئَ المَخْبَرِ، رَدِيءَ الِاعتِقَادِ، يُنْسَبُ إِلَى البِدَعِ والضَّلاَلاَتِ، وكَانَ بَارِعاً فَاضِلاً، قَد أَتقَنَ عُلُومًا كَثِيرَةً، وصَنَّفَ كُتُبًا جَمَّةً تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ ذِهْنِهِ وجَودَةِ تَصَرُّفِهِ.

ومِــنْ كَــلاَمِـــهِ:

- العَدلُ يُوْجِبُ اجْتِمَاعَ القُلُوْبِ، والجَوْرُ يُوْجِبُ الفُرْقَةَ.

- المَنْفَعَةُ تُوْجِبُ المَحَبَّةَ والمَضَرَّةُ تُوْجِبُ البِغْضَةَ، والمُضَادَّةُ عَدَاوَةٌ، والأَمَانَةُ طُمَأْنِيْنَةٌ، وخِلاَفُ الهَوَى يُوْجِبُ الاسْتِثْقَالَ، ومُتَابَعَتُهُ تُوْجِبُ الأُلْفَةَ.

- حُسْنُ الخُلْقِ أُنْسٌ، والانْقِبَاضُ وَحْشَةٌ؛ التَّكَبُّرُ مَقْتٌ، وَالتَّوَاضُعُ مِقَةٌ؛ الجُوْدُ يُوْجِبُ الحَمْدَ، والبُخْلُ يُوْجِبُ الذَّمَّ؛ التَّوَانِي يُوْجِبُ الحَسْرَةَ، والحَزْمُ يُوْجِبُ السُّرُوْرَ، والتَّغْرِيْرُ نَدَامَةٌ؛، ولِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ إِفْرَاطٌ وتَقْصِيْرٌ، وإِنَّمَا تَصِحُّ نَتَائِجُهَا إِذَا أُقِيْمَتْ حُدُوْدُهَا. فَإِنَّ الإِفْرَاطَ فِي الجُوْدِ تَبْذِيْرٌ، والإِفْرَاطَ فِي التَّوَاضُعِ مَذَلَّةٌ، والإِفْرَاطَ فِي الغَدْرِ يَدْعُو إِلَى أَنْ لاَ تَثِقَ بِأَحَدٍ، والإِفْرَاطَ فِي المُؤَانَسَةِ يَجْلِبُ خُلَطَاءَ السُّوْءِ.

ومِـن شِـعْــرِهِ:

أَتَرْجُو أَنْ تَكُونَ وَأَنْتَ شَيْخٌ ... كَمَا قَدْ كُنْتَ أَيَّامَ الشَّبَابِ
لَقَدْ كَذَبَتْكَ نَفْسُكَ لَيْسَ ثَوْبٌ ... دَرِيسٌ كَالْجَدِيدِ مِنَ الثياب

وَفَـــاتُـــــهُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِيْنَ ومِائَتَيْنِ (255 هــ)، ولَهُ مِن العُمُرِ اثْنَتَانِ وتِسْعُونَ سَنَةً (92).