أخي ..
هل إضاعة قرش عندك كإضاعة ألف جنيه؟! هل الرسوب في امتحان مرحلي كالرسوب في امتحان نهاية العام؟!
لما نزل الموت بمحمد بن المنكدر رحمه الله بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكني أخاف أن أكون قد أذنبت ذنبًا حسبته هينًا وهو عند الله عظيم.أخي ..
الذنوب استجابة لداعي الشيطان بعد أن تخلى الله عنك وهُنت عليه فسلَّمك إلى عدوِّه مهما صغرت خطيئتك، ولو عز مقامك وارتفع جاهك عند ربِّك لعصمك، وحركات الظاهر بالعصيان تدُلُّ على سوء الباطن ووهن الإيمان، أضف إلى هذا تنبيه بلال بن سعد:
" لا تنظر أيها التائب إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت ".
ورسول الله سبق وأن حذَّرك فقال:
" إياكم ومحقِّرات الذنوب! كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن مُحقِّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها ؛ تهلكه " .
وقد نفَّذ الصحابة وصيته فقال أحدهم مخاطبا جيل التابعين: " إنكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد النبي من الموبقات ". فكيف بعهدنا؟!
ومن هنا كانوا يقولون:
" أربعة بعد الذنب أشد من الذنب: الإصرار والاستبشار والاستصغار والافتخار ".
وقال سهل التستري مبيِّنا أن كل ذنب لم تتبعه توبة له عقوبتين على أقل تقدير:
" ما من عبد أذنب ولم يتب إلا جرَّه ذلك الذنب إلى ذنب آخر وأنساه الذنب الأول ".
عملية ضرب!!
وتعظيم المعصية هو محصلة ضرب عوامل ثلاثة:
1. تعظيم الله:
وهذه المنزلة تابعة للمعرفة، فعلى قدر معرفتك بالله يكون تعظيمك له، وأعرف الناس بالله: أشدهم تعظيما وإجلالا له، وأشدهم تعظيما له أكثرهم معرفة به. وقد ذمَّ الله تعالى من لم يعظِّمه حق عظمته، ولا عرفه حقَّ معرفته، فقال تعالى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا نوح : 13. قال ابن عباس ومجاهد : لا ترجون لله عظمة.
2. تعظيم الأمر:
وتعظيم الأمر هو من تعظيم الآمِر، وأهل الطاعات لا ينظرون إلى الفعل ولكن ينظرون من الذي أمر به، لا ينشغلون بالهدية عن الذي أهدى الهدية.
لو أمرك رئيسك في العمل بأمر وأنت على وشك ترقية منتظرة أو تعديل مرتب، فكيف تنظر إلى أمره وكيف تكون استجابتك لشرطه؟ ألن يكون أمره أو حتى مجرَّد توصيته تعليمات تنفَّذ وأوامر صارمة؟! فكيف إذا كان هذا مديرا أكبر أو وزيرا أو رئيسا تطمع في نظرة منه ونفحة من عطائه؟! فكيف بمن كل هؤلاء في قبضته .. الله الكبير المتعال؟! لطفه إن نزل فسعادة الأبد في الدارين؟! وإن رُفِع فالشقاوة التي لا تنتهي؟!
3. اليقين بالجزاء:
أي عقوبات الذنوب المعجَّلة في الدنيا والمؤخَّرة في القبر أو يوم القيامة أو في النار، وكلما قرأ العبد هذه العقوبات بعيني قلبه وأبصرها ببصيرته كلما كان أكثر تعظيما لحرمات الله أبعد عنها، واسمع إلى حساسية أبي الدرداء في التعامل مع بعيره:
قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت: يا أيها البعير!! لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك!!
ثمار هذا الأدب
التوبة الفورية المقبولة: فكلما استعظم العبد الذنب كلما كانت توبته منه أسرع، وقبولها أرجح. قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء:17)
ومعنى مِنْ قَرِيبٍ كما قول ابن عباس : قبل أن ينزِلَ به سلطانُ الموتِ، لكنك تلمح فيها معنى آخر: أنه كلما كانت التوبة عقب الذنب مباشرة، وووقتها قريب من زمن المعصية كانت التوبة أكثر قبولا، وكلما تأخرت صار الذنب مضاعفة وقبول التوبة منه أبعد.
قال ابن القيِّم:
" المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخَّرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى؛ وهي توبته من تأخير التوبة ".
وغاب هذا الأدب!!
فسقط صاحبنا في:
* الإكثار من المباحات ثم المكروه وصولا إلى الحرام.
* السقوط في الدائرة الرمادية (دائرة الشبهات).
* عدم تحري الحلال والحرام والسؤال عنهما بعد أن نُزعت منه قرون الاستشعار الإيمانية.
* الإصرار على الصغيرة مع الاستصغار مما حوَّلها إلى كبيرة باقتدار.
* التهاون في الحقير من الذنوب أدَّى إلى التهاون في الكبير.
أذكر أم أنسى؟!
واختلفوا فى نسيان ما سلف من الذنوب، فقال بعضهم: حقيقة التوبة أن تجعل ذنبك بين عينيك، وقال آخرون: حقيقة التوبة أن تنسى ذنبك، وهما طريقان مختلفان لكن كلاهما يوصل إلى نفس الهدف، فكيف؟!
إن كان استصحاب الماضى يحرس الإنسان من الانزلاق ويقيه من العودة إلى ما يسخط الله فيجب استصحاب ذلك الماضى، لأنه حينها يشبه التجربة التى تفيد صاحبها دراية بالطريق وتدربا على السير فيه، وقدرة على تخطي عقباته وحواجزه، ونسيان الذنب هنا مقدِّمة السقوط وذريعة إلى الانحراف.
أما إذا كان الإنسان يكره استعادة صور سيئة انقضى عهدها وانمحى أثرها، ويشعر بأنه قد استأنف عهدا جديدا ووُلد ولادة ثانية، ويرى أن نقل الماضى للحاضر تعكير لصفوه وشلٌّ لعزيمته، فالواجب هنا أن ينسى ما كان، وأن يُقبل على الحاضر وحده يبني فيه ما ويعمره.
والخلاصة: النفوس مختلفة فى هذا المضمار، وكلٌّ أدرى بما يُصلحه: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا الإسراء:84)
هل إضاعة قرش عندك كإضاعة ألف جنيه؟! هل الرسوب في امتحان مرحلي كالرسوب في امتحان نهاية العام؟!
لما نزل الموت بمحمد بن المنكدر رحمه الله بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكني أخاف أن أكون قد أذنبت ذنبًا حسبته هينًا وهو عند الله عظيم.أخي ..
الذنوب استجابة لداعي الشيطان بعد أن تخلى الله عنك وهُنت عليه فسلَّمك إلى عدوِّه مهما صغرت خطيئتك، ولو عز مقامك وارتفع جاهك عند ربِّك لعصمك، وحركات الظاهر بالعصيان تدُلُّ على سوء الباطن ووهن الإيمان، أضف إلى هذا تنبيه بلال بن سعد:
" لا تنظر أيها التائب إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت ".
ورسول الله سبق وأن حذَّرك فقال:
" إياكم ومحقِّرات الذنوب! كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن مُحقِّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها ؛ تهلكه " .
وقد نفَّذ الصحابة وصيته فقال أحدهم مخاطبا جيل التابعين: " إنكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد النبي من الموبقات ". فكيف بعهدنا؟!
ومن هنا كانوا يقولون:
" أربعة بعد الذنب أشد من الذنب: الإصرار والاستبشار والاستصغار والافتخار ".
وقال سهل التستري مبيِّنا أن كل ذنب لم تتبعه توبة له عقوبتين على أقل تقدير:
" ما من عبد أذنب ولم يتب إلا جرَّه ذلك الذنب إلى ذنب آخر وأنساه الذنب الأول ".
عملية ضرب!!
وتعظيم المعصية هو محصلة ضرب عوامل ثلاثة:
1. تعظيم الله:
وهذه المنزلة تابعة للمعرفة، فعلى قدر معرفتك بالله يكون تعظيمك له، وأعرف الناس بالله: أشدهم تعظيما وإجلالا له، وأشدهم تعظيما له أكثرهم معرفة به. وقد ذمَّ الله تعالى من لم يعظِّمه حق عظمته، ولا عرفه حقَّ معرفته، فقال تعالى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا نوح : 13. قال ابن عباس ومجاهد : لا ترجون لله عظمة.
2. تعظيم الأمر:
وتعظيم الأمر هو من تعظيم الآمِر، وأهل الطاعات لا ينظرون إلى الفعل ولكن ينظرون من الذي أمر به، لا ينشغلون بالهدية عن الذي أهدى الهدية.
لو أمرك رئيسك في العمل بأمر وأنت على وشك ترقية منتظرة أو تعديل مرتب، فكيف تنظر إلى أمره وكيف تكون استجابتك لشرطه؟ ألن يكون أمره أو حتى مجرَّد توصيته تعليمات تنفَّذ وأوامر صارمة؟! فكيف إذا كان هذا مديرا أكبر أو وزيرا أو رئيسا تطمع في نظرة منه ونفحة من عطائه؟! فكيف بمن كل هؤلاء في قبضته .. الله الكبير المتعال؟! لطفه إن نزل فسعادة الأبد في الدارين؟! وإن رُفِع فالشقاوة التي لا تنتهي؟!
3. اليقين بالجزاء:
أي عقوبات الذنوب المعجَّلة في الدنيا والمؤخَّرة في القبر أو يوم القيامة أو في النار، وكلما قرأ العبد هذه العقوبات بعيني قلبه وأبصرها ببصيرته كلما كان أكثر تعظيما لحرمات الله أبعد عنها، واسمع إلى حساسية أبي الدرداء في التعامل مع بعيره:
قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت: يا أيها البعير!! لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك!!
ثمار هذا الأدب
التوبة الفورية المقبولة: فكلما استعظم العبد الذنب كلما كانت توبته منه أسرع، وقبولها أرجح. قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء:17)
ومعنى مِنْ قَرِيبٍ كما قول ابن عباس : قبل أن ينزِلَ به سلطانُ الموتِ، لكنك تلمح فيها معنى آخر: أنه كلما كانت التوبة عقب الذنب مباشرة، وووقتها قريب من زمن المعصية كانت التوبة أكثر قبولا، وكلما تأخرت صار الذنب مضاعفة وقبول التوبة منه أبعد.
قال ابن القيِّم:
" المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخَّرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى؛ وهي توبته من تأخير التوبة ".
وغاب هذا الأدب!!
فسقط صاحبنا في:
* الإكثار من المباحات ثم المكروه وصولا إلى الحرام.
* السقوط في الدائرة الرمادية (دائرة الشبهات).
* عدم تحري الحلال والحرام والسؤال عنهما بعد أن نُزعت منه قرون الاستشعار الإيمانية.
* الإصرار على الصغيرة مع الاستصغار مما حوَّلها إلى كبيرة باقتدار.
* التهاون في الحقير من الذنوب أدَّى إلى التهاون في الكبير.
أذكر أم أنسى؟!
واختلفوا فى نسيان ما سلف من الذنوب، فقال بعضهم: حقيقة التوبة أن تجعل ذنبك بين عينيك، وقال آخرون: حقيقة التوبة أن تنسى ذنبك، وهما طريقان مختلفان لكن كلاهما يوصل إلى نفس الهدف، فكيف؟!
إن كان استصحاب الماضى يحرس الإنسان من الانزلاق ويقيه من العودة إلى ما يسخط الله فيجب استصحاب ذلك الماضى، لأنه حينها يشبه التجربة التى تفيد صاحبها دراية بالطريق وتدربا على السير فيه، وقدرة على تخطي عقباته وحواجزه، ونسيان الذنب هنا مقدِّمة السقوط وذريعة إلى الانحراف.
أما إذا كان الإنسان يكره استعادة صور سيئة انقضى عهدها وانمحى أثرها، ويشعر بأنه قد استأنف عهدا جديدا ووُلد ولادة ثانية، ويرى أن نقل الماضى للحاضر تعكير لصفوه وشلٌّ لعزيمته، فالواجب هنا أن ينسى ما كان، وأن يُقبل على الحاضر وحده يبني فيه ما ويعمره.
والخلاصة: النفوس مختلفة فى هذا المضمار، وكلٌّ أدرى بما يُصلحه: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا الإسراء:84)