رجع كيوم ولدته أمه
[size=24]روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه ) وفي رواية له أيضًا : ( من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه ) وعند مسلم نحوه.
شرح الحديث
قال شراح الحديث : الأحاديث الواردة في هذا الباب مستفادة من قوله تعالى : { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (البقرة:197) .
قوله في رواية البخاري : ( من حج لله ) أي : ابتغاء وجه الله، وطلبًا لرضاه. والمراد الإخلاص في العمل، بأن لا يكون قصده في الأساس تجارة، أو سياحة، أو شبه ذلك .
قالوا : و ( الرفث ): اسم للفحش من القول، وقيل : هو الجماع ؛ وبه فسروا قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } (البقرة:187) وقيل : ( الرفث ) : التصريح بذكر الجماع؛ وقال بعض أهل اللغة : (الرفث ) كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة؛ وكان عمر و ابن عباس رضي الله عنهما، يخصصانه بما خوطب به النساء.
وإذا كان جمهور أهل العلم - كما قال ابن حجر - قد فسروا الرفث في الآية بأنه الجماع، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن اللفظ في الحديث أعم من ذلك ؛ وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر في "الفتح": " والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي ، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في الصيام : ( فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ) متفق عليه " وعلى هذا، فالمقصود بـ ( الرفث ) في الحديث : الجماع، ومقدماته، وكل كلام فاحش .
ومعنى ( كيوم ولدته أمه ) أي : بغير ذنب ؛ قال ابن حجر : وظاهر الحديث غفران الصغائر والكبائر والتبعات .
وأما ( الفسوق ) فهو في الأصل الخروج ؛ يقال : انفسقت الرطبة، إذا خرجت، فسمي الخارج عن الطاعة فاسقًا؛ والمقصود به هنا فعل المعصية ؛ إذ هي خروج عن الطاعة.
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( ولم يفسق ) المراد به : العصيان، وترك أمر الله تعالى، والخروج عن طريق الحق. والمعنى: لم يخرج عن حد الاستقامة، بفعل معصية، أو جدال، أو مراء، أو ملاحاة رفيق أو صديق .
وأفاد الحديث : أن الحج المبرور طريق موصل إلى مرضات الله، وثمرة ذلك أن يكون العبد من أصحاب الجنة والرضوان، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا .
[/size]