السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
هذه
الآية الكريمة جاءت في أوائل العشر الأخير من سورة النحل, وهي سورة
مكية, وعدد آياتها(128) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم النحل لأن
الله( تعالي) قد نحل الشغالات من إناثها القدرة علي جمع رحائق
الأزهار, وما بها من غبار الطلع( حبوب اللقاح) من العديد من النباتات
المزهرة, وهضمه, وتحويله في بطونها إلي ذلك الشراب المختلف الألوان
الذي جعل الله( سبحانه وتعالي) فيه شفاء للناس والمعروف إجمالا باسم
عسل النحل.
ويدور المحور الرئيسي لسورة النحل حول قضيتي العقيدة
الإسلامية, والدعوة إلي مكارم الأخلاق, وكلتاهما من ركائز الدين
الإسلامي العظيم الذي أنزله الله( تعالي) علي فترة من الأنبياء
والمرسلين ثم أكمله وأتمه في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد
بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم).
وفي خلال تأسيسها لقواعد العقيدة
الاسلامية استشهدت سورة النحل بالعديد من آيات الله في الكون بصياغة علمية
رصينة تتسم بالكمال والشمول والإيجاز.
من ركائز العقيدة في سورة النحل
(1)
الإيمان بالله( تعالي) ربا واحدا أحدا, فردا صمدا, لم يلد, ولم
يولد, ولم يكن له كفوا أحد, وتنزيهه( سبحانه وتعالي) عن الشريك,
وعن الشبيه, وعن المنازع, وعن كل من الصاحبة والولد, فهذه كلها من
صفات المخلوقين, والله( تعالي) منزه عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف
لايليق بجلاله.
وهذا الإله الخالق هو خالق كل شيئ, ورازق كل
مخلوق, فلا يخلق ولايرزق غيره, وبالتالي فلايجوز أن يعبد سواه,
ولايجوز أن يدعي إلا بما سمي به ذاته العلية من الأسماء الحسني, ولايوصف
إلا بما وصف به ذاته الإلهية من الصفات العليا, ومن هنا فلايجوز
للمخلوقين أن يضربوا لله الأمثال لأنهم لايعلمون إلا ظاهرا من الحياة
الدنيا والله( سبحانه وتعالي) عليم بكل شيء, له غيب السماوات
والأرض, وأمره نافذ عاجل لايرد, وأنه علي كل شيء قدير, وأن الدين له
وحده( سبحانه وتعالي), لايشاركه في ذلك شريك ولاينازعه منازع, ومن ثم
فالحاكمية له وحده ومضمونها الحق في التحليل والتحريم.
والخلق يشهد
لخالقه بطلاقة القدرة, وببديع الصنعة, وإحكام الخلق, وإحاطة العلم
بكل شيء في السماوات والأرض, وهما وجميع ما ومن فيهما له عبد يسجد لجلاله
طوعا وكرها.
(2) اليقين بحقيقة الوحي ومن معانيه أن الله(
تعالي) أنزل ملائكته بالهداية الربانية لخلقه علي من إصطفي من عباده
الذين اختارهم بعلمه وحكمته, وهم الأنبياء والمرسلون الذي أرسلهم الله0
سبحانه وتعالي) بالإسلام العظيم وختمهم ببعثه سيد الأولين والآخرين من
ولد آدم سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم).
(3) الإيمان بحتمية
الآخرة, وبضرورتها وفجائيتها, وبأن موعدها قد اقترب, واليقين بحقيقة
كل من البعث والحساب, والجنة والنار, وبأن الجنة هي مثوي المتقين,
وأن النار هي مثوي الكفار والمشركين.
(4) اليقين بأن الله(
تعالي) سوف يبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم في يوم القيامة, وأن
خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) سوف يشهد علي الناس في
زمانه وفي كل الأزمنة من بعده إلي يوم الدين.
(5) الإيمان بأن
الله( تعالي) يفضل بعض خلقه علي بعض في الرزق, لحكمة يعلمها بعلمه
المحيط, وأن من نعمه علي عباده أن جعل لهم من أنفسهم أزواجا, وجعل لهم
من أزواجهم بنين وحفدة, وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة, حتي يكتسبوا
بها المعارف المختلفة لأن الله( تعالي) يخرج المواليد من بطون أمهاتهم
لايعلمون شيئا; وكل نعمة اختص الله( سبحانه وتعالي) بها عبدا من
عباده هي من فضل الله العليم العظيم الذي لاتحصي نعمه ولاتعد أفضاله.
(6)
اليقين بأن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الاسلام, وبأن الهجرة من
أجل إعلاء دين الله أجرها في الدنيا عظيم, وثوابها في الآخرة أعظم,
وبأن الذين مكروا السيئات لايأمنون أن يخسف الله( تعالي) بهم الأرض,
أو أن يأتيهم عذابه من حيث لايشعرون, وبأن من عمل صالحا من ذكر أو أنثي
وهو مؤمن فسوف يحييه الله حياة طيبة, ولسوف يجزيه أجره بأحسن ماكان
يعمل, وبأن الذين زين لهم الشيطان أعمالهم سوف يكون هو وليهم يوم
القيامة, وأن لهم عذابا أليما. وأنه لاملجأ ولا منجي من الله إلا
إليه.
(7) الرضا بأن الله( سبحانه وتعالي) قد وهب الناس عقولا
مدركة تفكر, وإرادة حرة تختار وتوجه, وقد تبين لهم طريق الاستقامة
الموصل الي الخير, وطرق الانحراف المفضية الي الشر, وترك الخيار كاملا
لكل فرد.
من مكارم الأخلاق في سورة النحل
(1) الدعوة الي
إقامة عدل الله في الأرض, والإحسان الي الخلق, والوفاء بالعهد,
واحترام الأيمان, والإنفاق في سبيل الله وإيتاء ذي القربي علي أن ينطلق
ذلك كله من منطلق تقوي الله, ورجاء رضوانه, ومخافة عقابه, مع القناعة
الكاملة بضرورة ذلك من أجل استقامة الحياة علي الأرض.
(2) الدعوة إلي رفض الظلم بكل أشكاله وصوره, وبضرورة مقاومته بكل وسيلة مشروعة, فإن تعذر ذلك فلتكن الهجرة في سبيل الله.
(3)
التحذير من الوقوع في الفتن ـ ماظهر منها ومابطن ـ ومن أخطرها فتن الكفر
بالله( تعالي) أو الشرك به( سبحانه), أو التطاول علي أنبيائه ورسله
وبالأخص علي خاتمهم وإمامهم أجمعين, سيد الأولين والآخرين من ولد آدم,
وأحب خلق الله إلي الله.
(4) النهي القاطع عن الوقوع في دنس الفحشاء والمنكر والبغي والأمر بالبعد عن كل طريق يوصل الي أي منها.
(5)
الحض علي شكر نعم الله الظاهرة والباطنة, فبالشكر تدوم النعم, وتنكسر
حدة الغرور في النفس الإنسانية التي يجب عليها أن تعلم أن مرد كل نعمة إلي
الله( تعالي) وحده, وأنه لامخرج من كل شدة يمر بها الإنسان إلا
باللجوء الي الله( سبحانه وتعالي) وحده.
(6) التذكير برحلة
الإنسان في هذه الحياة من النطفة الأمشاج الي الميلاد والطفولة, ثم
الشباب والفتوة, ثم الكهولة والشيخوخة والهرم والضعف, ثم الاحتضار
والموت, ومايتخلل ذلك العمر من فترات الرخاء والشدة, وفترات النعمة
والابتلاء, ومحصلة ذلك كله عند مفارقة الحياة الدنيا.
(7) الدعوة إلي تكريم الأنثي طفلة, وشابة, وعجوزا.
من الإشارات الكونية في سورة البعث
(1)
التأكيد علي قضية الخلق بأبعادها الثلاثة: خلق السماوات والأرض, خلق
الحياة, خلق الإنسان, وعلي أن خلق الإنسان يتم من نطفة لاتري بالعين
المجردة والعلم يؤكد حقيقة ذلك.
(2) الإشارة إلي خلق الأنعام( من
مثل الإبل والبقر والضأن والماعز) وإلي مافيها من منافع كثيرة, ومعجزات
ظاهرة ومن أبرزها تكوين اللبن في ضروعها من بين فرث ودم, وإخراجه لبنا
خالصا سائغا للشاربين, وأكل لحومها, والتدفئة بما يصنع من جلودها
وأصوافها وأوبارها وأشعارها, وخلق كل من الخيل والبغال والحمير, وغير
ذلك من وسائل الركوب والزينة وحمل الأثقال التي كانت معروفة في زمن
الوحي, والتي استجدت من بعد زمن الوحي, والله قادر علي أن يخلق كل شيء
مما يعلم الناس ومما لايعلمون.
(3) الإشارة الي دورة الماء حول
الأرض بذكر إنزاله من السماء مصدرا للشراب, ولإنبات النبات من الشجر
والزروع من مثل الزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات وجعل ذلك آية
للذين يتفكرون.
(4) تسخير الأرض كي تكون صالحة للعمران, وتسخير كل
من الشمس والقمر والنجوم بأمر من الله( تعالي) كي تستقيم الحياة,
والإشارة إلي تكوير الأرض, وإلي دورانها حول محورها أمام الشمس حتي
يتبادل عليها الليل والنهار, ومن نتائج ذلك مد الظل وقبضه الذي اعتبرته
صورة من صور السجود لله( تعالي).
(5) نشر مختلف صور وأشكال
وألوان المخلوقات من الأحياء والجمادات في الأرض وإعطاء الإنسان قدرات من
مختلف صور الحس تعينه علي تمييزها, والتمتع بها.
(6) تسخير البحر
للإنسان بما فيه من أحياء ذات لحم طري يؤكل, وهياكل للحيوانات تصلح
لصناعة الحلي التي تلبس, وقدرة علي حمل الفلك ذات الأحجام المختلفة التي
تجري بمصالح العباد شاقة عباب مائه, ومافوق الماء من هواء.
(7)
إلقاء الجبال علي الأرض, وجعلها رواسي لها كي لاتميد ولاتضطرب,
والإشارة إلي ارتباط تكون قمم الجبال بتكون منابع الأنهار, ودور تلك
المجاري المائية في تفتيت الصخور, وشق الفجاج والسبل, وتشكيل تضاريس
سطح الأرض التي تصبح علامات دالة للاهتداء بها في وضح النهار, كما جعل
النجوم علامات للهداية بالليل.
(8) وصف عقاب بعض الأمم السابقة وصفا
ينطبق بدقة فائقة علي ماتحدثه الهزات الأرضية العنيفة( الزلازل) في
زماننا, وذلك من قبل أن يدرك أحد من الخلق كيفية حدوث ذلك.
(9) الاستشهاد بما في ثمرات كل من النخيل والأعناب من الرزق الحسن, وإن أساء بعض الناس استخدام ذلك في صناعة الخمور.
(10)
الإشارة إلي أمة نحل العسل, ومنحها القدرات الفطرية علي تنظيم مجتمعاتها
تنظيما دقيقا تتوزع فيه الاختصاصات والمسئوليات والمهام في تعايش جماعي
تكافلي رائع.
(11) التنويه بخلق بلايين الرجال والنساء من نفس
واحدة هي نفس أبينا آدم( عليه السلام) الذي خلق الله( تعالي) منها
زوجها, وبث منهما رجالا كثيرا ونساء, وخلق من هذه الأزواج البنين
والحفدة, وجعل من هذا النسل العظيم من يتوفي مبكرا, ومن يرد إلي أرذل
العمر وإلي ضعف البنيان الجسدي, ومن أبرز مظاهره فقدان الذاكرة جزئيا أو
كليا.
(12) الإشارة إلي السمع قبل البصر في هذه السورة المباركة,
وفي العديد من السور القرآنية الأخري, والدراسات العلمية تؤكد سبق تكون
حاسة السمع لحاسة البصر في أجنة الإنسان, وفي أجنة غيره من المخلوقات.
(13) التلميح إلي الإمساك بالطيور في جو السماء بقدرة الله البالغة.
(14) استخدام تعبير الحر بمفهومه النسبي يعني الحرارة والبرودة وهذا صحيح علميا.
(15) تحريم أكل كل من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به, والبحوث العلمية أثبتت أخطار كل ذلك علي صحة الإنسان.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج الي معالجة خاصة بها, ولذلك أقصر الحديث هنا علي النقطة الأخيرة من القائمة السابقة.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا: في تحريم أكل الميتة:
إن
موت الحيوان قبل تذكيته قد يكون بسبب مرض من الأمراض العضوية أو الفيروسية
التي ألمت به, أو بسبب شيخوخة أصابته, وهذا سبب كاف لتحريم أكل
لحمه, فإذا أضفنا إلي ذلك مايؤدي إليه الموت دون تذكية( أي دون إراقة
دمه) الي احتباس كل دمه في جسده اتضحت لنا حكمة تحريم أكل لحم الميتة
وذلك لأن الدم هو حامل فضلات الجسم المختلفة من مثل ثاني أكسيد الكربون,
واليوريا, وحمض البوريك, وجراثيم الجسم وطفيلياته, ونواتج عمليات
تمثيل الطعام في جسم الحيوان( عمليات الأيض) والتي تنقل عبر الأوردة
وتفرعاتها المختلفة, أو عبر الشرايين وتفرعاتها العديدة في جسم
الحيوان, وأغلبها مواد قابلة للتعفن والتحلل إذا حبست في الجسد الميت
للحيوان, خاصة إذا كان قد انقضي علي موته وقت يسمح ببدء تحلل جسده وفساد
لحمه. ومن هنا تتضح الحكمة الالهية من تحريم أكل لحوم الميتة.
ثانيا: في تحريم أكل الدم المسفوح كطعام:
الدم
هو هذا السائل الأحمر القاني الذي يتكون من أخلاط عديدة منها الخلايا
الحمراء الممتلئة بمادة الهيموجلوبين التي تقوم بنقل الأكسجين إلي مختلف
خلايا الجسم, والخلايا البيضاء التي تدافع عن الجسم ضد غزو حاملات
الأمراض من الجراثيم والطفيليات, والصفائح التي تتحطم حول نزيف الدم من
أجل تجلطه. وتشكل خلايا الدم الحمراء نحو45% من الحجم الكلي للدم(4
إلي6 ملايين خلية في كل ملليمتر مكعب), ولايشكل كل من خلايا الدم
البيضاء وصفائحه أكثر من1%, وباقي الدم(54%) يتكون من البلازما التي
يغلب علي تركيبها الماء وبه نحو7% من حجم الدم بروتينات( من مثل
الألبيومين, والجلوبيولين, والأجسام المضادة, والبروتينات الناقلة,
والدهون, وأيونات مختلفة للصوديوم, والكالسيوم, والبوتاسيوم,
والحديد, والنحاس, والكلور والبيكربونات, وغيرها, والفيتامينات,
والهرمونات, والفضلات النيتروجينية التي تفرزها الخلايا مثل الأمونيا,
واليوريا, وحمض اليوريك وهي سموم قاتلة يحملها الدم عادة الي الكلي
للتخلص منها إلي خارج الجسم عن طريق البول. هذا بالإضافة الي العديد من
الغازات الحرة والمذابة في بلازما الدم, والفيروسات, والجراثيم,
والطفيليات الحية والميتة, وخلايا متكسرة من خلايا الدم ذاته, وغير ذلك
من الخلاصات المفيدة للأغذية والأكسجين التي يدفع بها القلب مرة أخري,
الي مختلف خلايا الجسم. ومن ذلك يتضح أن الدم سائل ناقل للأمراض الخطيرة
مثل مرض نقص المناعة وهو مرض قاتل لاعلاج له ولا حيلة فيه وبالإضافة الي
الدم هناك سوائل الجهاز الليمفاوي الذي ينتشر بين الأوعية الدموية في أوردة
خاصة به بتفرعاتها المختلفة وتفيض إلي الأوردة الدموية الكبيرة بالقرب من
القلب.
وبذلك تقوم هذه السوائل الليمفاوية بامتصاص البروتينات
المتسربة من كل من الأوعية الدموية والأنسجة البينية, وإعادتها الي مجري
الدم في الوقت المناسب لتساعد علي الاتزان الكيميائي في داخل جسد الكائن
الحي وإلا هلك. ويعتبر ذلك من أهم وظائف الجهاز الليمفاوي. والسائل
الليمفاوي يتكون أساسا من البلازما وبعض المواد المذابة فيها, والعالقة
بها من مثل الخلايا البيضاء, والليمفاويات(Lymphocytes) التي تعتبر من
أهم أجهزة الجسم الدفاعية ضد حاملات الأمراض. وبالإضافة الي ذلك هناك
العقد الليمفاوية(LymphNodes) وهي كتل من النسيج الليمفاوي توجد علي طول
الأوعية الليمفاوية بتفرعاتها المختلفة, كما توجد مستقلة عنها في كل من
اللوزتين(Tonsils), وعقد البلعوم الليمفاوية, والغدد الليمفاوية
بالقناة الهضمية, والغدد التوتية أو الزعترية(Thymus), والطحال.
والوظيفة
الأساسية للغدد الليمفاوية هي الدفاع عن الجسم وذلك لاحتوائها علي مجاميع
كبيرة من الخلايا الليمفاوية( الليمفاويات), وتقوم هذه الخلايا
المتجمعة علي هيئة الغدد بالعمل كمرشحات للغازات والسوائل التي تدخل الجسم
تلتقط منها الملوثات من مثل ذرات الغبار والفيروسات والبكتريا وغيرها من
حاملات الأمراض ويتم خزنها فيها حتي يتم إفراز الأجسام المضادة للقضاء
عليها.
ومن العمليات التي يقوم بها الدم في الكبد نزع مجموعة
الأمين(NH2) من الأحماض الأمينية فينتج عن ذلك فضلات نيتروجينية كالتي
سبق ذكرها يحملها دم الأوردة الي الكلي للتخلص منها. كذلك تقوم الكلي
وملحقاتها بتحقيق التوازن الكيميائي للجسم, والتخلص من الفضلات الناتجة
عن عمليات التمثيل الغذائي, ويلعب الدم الدور الرئيسي في ذلك.
وانطلاقا
مما سبق نري أن الدم المسفوح بمكوناته الأساسية, وبما يحمله من نواتج
عملية التمثيل الغذائي ومن عوادم وفضلات متجمعة فيه إذا حبس بداخل جسم
الحيوان الميت( أي الذي لم يذك) فإنه سرعان مايبدأ في التجلط علي مافيه
من سموم كانت في طريقها إلي الأجهزة المختلفة التي تخلص الجسم منها, ثم
في التحلل والتعفن مما ينتج كما من السموم المعقدة, والمركبات الكيميائية
الأخري الضارة بصحة الإنسان; فإذا أضفنا الي ذلك أن الدم عادة مايحمل
كما آخر من الفيروسات والجراثيم والطفيليات, وماتفرزه من سموم ونفايات
علمنا أن الدم هو حامل فضلات الجسم وجراثيمه وطفيلياته, ومن هنا كانت
الحكمة الإلهية في تحريم أكل الدم المسفوح كغذاء. أما أكل كل من الكبد
والطحال من الحيوان المذكي فهو حلال وذلك لقول رسول الله( صلي الله عليه
وسلم):
أحل لنا ميتتان ودمان, فأما الميتتان فالسمك والجراد, وأما
الدمان فالكبد والطحال( رواه كل من أحمد, وابن ماجه, والبيهقي عن
ابن عمر مرفوعا).
ثالثا: في تحريم أكل لحم الخنزير وشحمه:
الخنزير
وصفه القرآن الكريم في أكثر من مقام بأنه رجس,( البقرة:173;
المائدة:3; الأنعام:145; والنحل:115) وهذه كلمة جامعة لكل معاني
القذارة والقبح, والنجاسة, والإثم, وذلك لأن الخنزير حيوان كسول,
جشع, قذر, رمام, يأكل النبات والحيوان والجيف, والقمامة, كما
يأكل فضلاته هو وفضلات غيره من الحيوانات, وهذا من أسباب قيامه بدور كبير
في نقل العديد من الأمراض الخطيرة للإنسان.
والخنزير من الحيوانات
الثديية السرية(PlacentalMammals) ذات الحافر المشقوق الذي يحمل عددا
زوجيا من الأصابع( أربعة أصابع في حالة الخنازير) ولذلك تعرف باسم
الحافريات زوجية الأصابع.
(Even-ToedUngulates=Artiodactyla)
وهذه
الحافريات زوجية الأصابع قد عمرت الأرض خلال الخمسين مليون سنة الماضية(
من بدايات عهد فجر الحياة الحديثة أو الإيوسين إلي اليوم).
والخنازير تنفصل عن بقية هذه المجموعة بكونها رمامة وغير مجترة.
وتضم
الخنازير عددا من الأنواع البرية والمستأنسة والتي تجمع كلها في عائلة
واحدة تعرف باسم عائلة الخنازير(Suidae), ويسمي الذكر منها باسم
العفرBoar, وتسمي الأنثي باسم الخنزيرةSow وهي من النوع الولود,
والخنزير المخصي يعرف باسم الحلوفHog, ويستعار اللفظ وصفا لكل قذر,
شره, أناني من البشر, وتستخدم لفظةSwine للتعبير عن الخنزير بصفة
عامة سواء كان ذكرا أو أنثي, مخصيا أو غير مخصي, مستأنسا أو غير مستأنس
وتستعار كذلك لكل حقير النفس, بخيل اليد, قذر المظهر والملبس, متصف
بأحقر الصفات, أو للمرأة الساقطة المجردة من كل فضيلة.
والخنزير
حيوان كريه المنظر, ضخم الجثة, كتلي الشكل, مكتنز اللحم, قصير
الأرجل, له جلد سميك, عليه شعر خشن, وله بوز طويل وأنياب قوية, تم
استئناسه منذ حوالي11000 سنة مضت, ويعرف منه اليوم أكثر من أربعمائة
سلالة.
ونظرا لطبيعته الرمامة, وقذارته الواضحة, وأكله كلا من
النباتات واللحوم و الجيف والنفايات وغير ذلك من المستقذرات فإن الخنزير
معرض للإصابة بالعديد من الأمراض من أمثال حمرة الخنازيرSwineErysipelas
التي تتسبب فيها أنواع خاصة من البكتريا وتنتقل الي الإنسان, وحمي
الخنازيرSwineFever وتعرف أحيانا باسم كوليرا الحلاليفHogcholera
ويتسبب في هذا المرض فيروس خاص يوجد في الجيف, ومن مثل مرض حويصلات
الخنازيرSwineVesicularDisease وهو يشبه مرض الحمي
القلاعيةFootandMouthDisease ويمكن انتقاله إلي الإنسان عن طريق أكل لحوم
الخنزير ودهونه, ومن مسبباته فيروسات القمامة والجيف. والجراثيم(
الفيروسات والبكتيريا وغيرها) هذا بالإضافة إلي العديد من المواد المسببة
للسرطان والعديد من الطفيليات والجراثيم التي تعشش في لحم الخنزير وبعضها
يتسبب في أمراض معدية للإنسان وقاتلة له في كثير من الأحيان وذلك لعدم وجود
طريقة للتخلص منها علي الإطلاق. ومن أخطر مسببات الأمراض في الخنزير
مايلي:
(1) ديدان التريخيناTrichinaWorms وهي من الديدان
الإسطوانيةNematoda=RoundWorns من أمثال الدودة الشعرية
الحلزونيةTrichinellaspiralis وهي من أخطر الطفيليات علي الإنسان وتتسبب
في أمراض روماتيزمية عديدة وإلتهابات عضلية مؤلمة تؤدي الي انتفاخ الأنسجة
العضلية وتصلبها وتعرف باسم داء الشعريناتTrichinellosis الذي ينتج عن
انتشار يرقات هذه الدودة في عضلات الجسم مما قد يؤدي الي اقعاد المريض
إقعادا كاملا أو إلي وفاته بعد أن يصاب بالتهاب المخ والنخاع الشوكي
والسحايا المحيطة بهما وبالعديد من الأمراض العصبية والعقلية المترتبة علي
ذلك ويصاب حاليا بهذا المرض نحو47 مليون شخص في الولايات المتحدة
الأمريكية وحدها, ونسبة الوفاة بين المصابين به تبلغ نحو30%, والخنزير
هو المصدر الوحيد لإصابة الإنسان بهذا المرض الخطير.
(2) الدودة
الشــــــريطية الوحــــــيدة للخــــــــنزيرPorkTapeWorm=TaeniaSolium
وتتسبب في العديد من الأمراض للإنسان من مثل فقر الدم واضطرابات الجهاز
الهضمي, والمغص والإسهال والقيء, والاكتئاب الشديد, والسوداوية,
وقد يصل ذلك إلي النوبات الصرعية والتشنجات العصبية الشديدة, وأخطر ما في
هذه الدودة هو دخول يرقاتها إلي مجري الدم الذي قد يحملها إلي أحد الأعضاء
الحيوية في الجسم من مثل المخ, القلب, الكبد, الرئتين أو الحبل
العصبي المركزي حيث تنمو وتتحوصل محدثة ضغوطا كبيرة علي الأنظمة من حولها
ومسببة عددا من الأمراض الخطيرة التي تنتهي بوفاة المريض بعد معاناة
طويلة.
(3) الديدان الحلقيةRoundWorms من مثل دودة
الأسكارسAscaris, والديدان الخطافيةHookWorms, الديدان المنشقة
اليابانية.Schistosomajaponicum والتي تؤدي إلي نزيف دموي حاد, يعقبه
فقر دم, وإذا وصلت بويضاتها إلي أي من المخ أو العمود الفقري فإنها تسبب
شللا كاملا ثم الوفاة. وغير ذلك من سلسلة طويلة من الديدان والجراثيم
والبكتيريا التي تدمر جسد الإنسان تدميرا كاملا منها التهاب القصبة
الهوائية, والسل, والكوليرا, والتيفوئيد, ونزيف الرئتين, وتضخم
الكبد, وتعفن الأقدام, وداء البروسيللاتBrucellosis,
والحمرةErysipelas والأمراض الثلاثة الأخيرة تنقلها بكتيريا الجيف
والقاذورات التي تتغذي عليها الخنازير.
(4) الحيوان الأولي الهدبي
المعروف باسم القربية القولونيةBalantidiumcoli الذي يسبب مرض الزحار
الشديد وبعض أمراض عضلة القلب ومصدره الوحيد للإنسان هو الخنزير, وهو مرض
معدي ينتشر بين كل من له علاقة بتربية الخنزير أو ذبحه وسلخه.
(5)
الديدان المفلطحة( المثقوبيات أو الوشائع) ومنها مايصيب الأمعاء, أو
المعدة, أو الرئة, أو الكبد, ويعمل الخنزير علي نشر هذه الديدان في
البيئة وعلي نقلها لمن يأكل لحمه من بني الإنسان.
هذا بالإضافة إلي أن
لحم الخنزير صعب الهضم لاحتوائه علي نسبة أعلي من الدهون من لحم أي حيوان
آخر, وكذلك فإن دهن الخنزير عالي التشبع بدرجة تفوق درجة تشبع أي دهن
حيواني آخر, ولذلك يصاب آكلوه بأمراض حصي المرارة, وانسداد قنواتها
وبتصلب الشرايين وبالعديد غيرها من أمراض القلب والدورة الدموية. ومعظم
الفقهاء يعتبر لفظة لحم الخنزير شاملة كلا من لحمه ودهنه.
ودهون
الخنزير عالية التشبع لاتقوي عصارة البنكرياس في الإنسان علي تحويلها إلي
مستحلبات دهنية قابلة للامتصاص ولذلك فهي تبقي علي حالتها وتترسب في جسم
الإنسان علي هيئتها الخنزيرية الضارة ضررا بليغا بجسم الإنسان.
ولحم
الخنزير يفسد بسرعة عن أي لحم آخر, وله رائحة كريهة, ومن عجائب وساوس
الشيطان أنه لم يكتف باغراء غير المسلمين بأكل لحم الخنزير علي دنسه,
وامتلائه بمسببات الأمراض, بل أغراهم بأكل دمه ودهنه فيما يعرف باسم
النقانق السوداءBlackSausages وهي عبارة عن أمعاء الخنزير المملوءة بدمه
ودهنه حتي تجمع بين أكثر من محرم واحد. وقد ثبت أن لحم الخنزير يحتوي
العديد من المواد المسرطنة ومنها المواد المسماةNieper وEnderlein, وأن
كثيرا من المواد الحافظة للحم الخنزير والملونة له والمعطية النكهات
الخاصة له مثل المركبات النيتروجينيةNitritesandNitrates
والبنزوليةBenzol تتحول في أبدان آكلي هذا اللحم النجس إلي مركبات معقدة
تعتبر من أشد العوامل المسرطنة المعروفة, وعلي ذلك فقد ثبت أن كلا من لحم
الخنزير ودهنه ودمه يساعد علي انتشار أنواع عديدة من الأمراض السرطانية من
مثل سرطان كل من القولون, والمستقيم, والبروتستات والبنكرياس
والمرارة,والرحم, والثدي, وإلي العديد من أمراض الحساسية المختلفة,
وقرح الجهاز الهضمي, وقرح الساق المزمنة, والتهاب كل من الزائدة
الدودية والمرارة, وتليف الكبد, والتهاب كل من الدماغ
وعضلة القلب, وأغلب ذلك من الأمراض الفيروسية التي يلعب الخنزير دورا رئيسيا في نقلها للإنسان.
أما
أهم الأمراض البكتيرية التي ينقلها الخنزير إلي الإنسان فتشمل الحمي
المالطية, السالمونيللا, الجمرة الخبيثة, الدرن, الدرن الكاذب,
والدوسنتاريا( الزحار).
وأغلب هذه الفيروسات, والبكتيريا,
والطفيليات التي تتكدس في جسم الخنزير لايمكن القضاء عليها بمجرد طهو لحمه
أو إدخاله في النار.
رابعا: في تحريم أكل ما أهل لغير الله به:
كان
أهل الجاهلية إذا أرادوا ذبح ماقربوه إلي أصنامهم سموا عليها أسماءها,
ورفعوا بها أصواتهم, وسمي ذلك إهلالا, ثم توسع في الإهلال فقيل لكل
ذابح: مهل سواء أهل به أو لم يهل, وسمي أو لم يسم, جهر بالتسمية أو
لم يجهر, لأن الأصل في الإهلال هو رفع الصوت عند رؤية الهلال, ثم
استعمل لرفع الصوت عند فجائية ظهور أي شيء ثم أصبح مطلقا وعلي ذلك فإن
المفهوم من قول الحق( تبارك وتعالي):(... وما أهل لغير الله به...)
أي ماذبح لغير الله.
وقد أكد ربنا( تبارك وتعالي) في الآية
الكريمة التي نحن بصددها وفي أماكن أخري من القرآن الكريم أهمية ذكر اسم
الله علي كل ذبيحة من ذبائح المسلمين وذلك من مثل قوله( تعالي):
(1)... واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب*( المائدة:4).
(2)
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين* ومالكم ألا تأكلوا
مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ماحرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه...*(
الأنعام:119,118).
(3) والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف..*
( الحج:36).
وفي
بحث مختبري منهجي أثبت عشرون من كبار علماء الطب والطب البيطري والصيدلة
والعلوم في الجامعات السورية أن التسمية والتكبير عند ذبح الحيوان تعمل
عملية تعقيم كامل لبدنه وتطهره من الدماء والجراثيم, بعكس الذبائح التي
لايذكر اسم الله عليها.
وفي ذلك ذكر الأخ الكريم الدكتور خالد حلاوة
المتحدث باسم فريق البحث أن التجارب المختبرية المكررة علي مدي ثلاث سنوات
أثبتت مجهريا أن نسيج اللحم المذبوح بدون تسمية وتكبير كان محتقنا بشيء من
بقايا الدم المسفوح, ومصابا بمستعمرات عدد من الجراثيم( من مثل
المكورات العنقودية والعقدية والعصيان القولونية, وغيرها), بينما جاء
اللحم المسمي عليه( باسم الله, الله أكبر) زكيا طاهرا, خاليا تماما
من الدماء والجراثيم.
وفسر ذلك الأخ الكريم الدكتور فؤاد نعمة
الأستاذ بكلية الطب البيطري بجامعة دمشق بأنه لوحظ شدة اختلاج أعضاء وعضلات
الحيوان الذي يذكر عليه اسم الله عند ذبحه, وأن شدة الاختلاج هذه هي
التي تقوم باعتصار معظم دم الذبيحة, وبذلك تطهر وتزكو بينما لايحدث ذلك
في حالات عدم التسمية والتكبير, وإن كانت التذكية بمعني إراقة الدم
المسفوح تخلص بدن الحيوان من معظم هذا السائل القابل للتعفن ومن معظم مابه
من جراثيم.
وقد فصل الأخ الكريم الدكتور نبيل الشريف العميد السابق
لكلية الصيدلة بجامعة دمشق الخطوات المنهجية للبحث حتي توصل إلي هذه
النتيجة التي تفوق كل وصف.
من هذا الاستعراض الموجز يتضح لنا
بجلاء حكمة تحريم أكل كل من الميتة, والدم, ولحم الخنزير, وما أهل
لغير الله به, ولو لم يرد في القرآن الكريم غير هذه الحقيقة العلمية
لكانت كافية للشهادة علي أن القرآن المجيد هو كلام الله الخالق الذي أنزله
بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه( اللغة
العربية) حفظا كاملا: كلمة كلمة, وحرفا حرفا, علي مدي أربعة عشر
قرنا أو يزيد, وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها وأن النبي
الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي القرآن المبين كان موصولا بالوحي ومعلما
من قبل خالق السماوات والأرض, فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله
وصحبه, و من اتبع هداه, ودعا بدعوته الي يوم الدين. وسبحان الله
القائل:
وماكان هذا القرآن أن يفتري من دون الله ولكن تصديق الذي بين
يديه وتفصيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين* أم يقولون افتراه قل فأتوا
بسورة مثله وأدعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين. بل كذبوا بما
لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فأنظر كيف كان
عاقبة الظالمين.( يونس:37 ـ39)
منقول
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
هذه
الآية الكريمة جاءت في أوائل العشر الأخير من سورة النحل, وهي سورة
مكية, وعدد آياتها(128) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم النحل لأن
الله( تعالي) قد نحل الشغالات من إناثها القدرة علي جمع رحائق
الأزهار, وما بها من غبار الطلع( حبوب اللقاح) من العديد من النباتات
المزهرة, وهضمه, وتحويله في بطونها إلي ذلك الشراب المختلف الألوان
الذي جعل الله( سبحانه وتعالي) فيه شفاء للناس والمعروف إجمالا باسم
عسل النحل.
ويدور المحور الرئيسي لسورة النحل حول قضيتي العقيدة
الإسلامية, والدعوة إلي مكارم الأخلاق, وكلتاهما من ركائز الدين
الإسلامي العظيم الذي أنزله الله( تعالي) علي فترة من الأنبياء
والمرسلين ثم أكمله وأتمه في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد
بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم).
وفي خلال تأسيسها لقواعد العقيدة
الاسلامية استشهدت سورة النحل بالعديد من آيات الله في الكون بصياغة علمية
رصينة تتسم بالكمال والشمول والإيجاز.
من ركائز العقيدة في سورة النحل
(1)
الإيمان بالله( تعالي) ربا واحدا أحدا, فردا صمدا, لم يلد, ولم
يولد, ولم يكن له كفوا أحد, وتنزيهه( سبحانه وتعالي) عن الشريك,
وعن الشبيه, وعن المنازع, وعن كل من الصاحبة والولد, فهذه كلها من
صفات المخلوقين, والله( تعالي) منزه عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف
لايليق بجلاله.
وهذا الإله الخالق هو خالق كل شيئ, ورازق كل
مخلوق, فلا يخلق ولايرزق غيره, وبالتالي فلايجوز أن يعبد سواه,
ولايجوز أن يدعي إلا بما سمي به ذاته العلية من الأسماء الحسني, ولايوصف
إلا بما وصف به ذاته الإلهية من الصفات العليا, ومن هنا فلايجوز
للمخلوقين أن يضربوا لله الأمثال لأنهم لايعلمون إلا ظاهرا من الحياة
الدنيا والله( سبحانه وتعالي) عليم بكل شيء, له غيب السماوات
والأرض, وأمره نافذ عاجل لايرد, وأنه علي كل شيء قدير, وأن الدين له
وحده( سبحانه وتعالي), لايشاركه في ذلك شريك ولاينازعه منازع, ومن ثم
فالحاكمية له وحده ومضمونها الحق في التحليل والتحريم.
والخلق يشهد
لخالقه بطلاقة القدرة, وببديع الصنعة, وإحكام الخلق, وإحاطة العلم
بكل شيء في السماوات والأرض, وهما وجميع ما ومن فيهما له عبد يسجد لجلاله
طوعا وكرها.
(2) اليقين بحقيقة الوحي ومن معانيه أن الله(
تعالي) أنزل ملائكته بالهداية الربانية لخلقه علي من إصطفي من عباده
الذين اختارهم بعلمه وحكمته, وهم الأنبياء والمرسلون الذي أرسلهم الله0
سبحانه وتعالي) بالإسلام العظيم وختمهم ببعثه سيد الأولين والآخرين من
ولد آدم سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم).
(3) الإيمان بحتمية
الآخرة, وبضرورتها وفجائيتها, وبأن موعدها قد اقترب, واليقين بحقيقة
كل من البعث والحساب, والجنة والنار, وبأن الجنة هي مثوي المتقين,
وأن النار هي مثوي الكفار والمشركين.
(4) اليقين بأن الله(
تعالي) سوف يبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم في يوم القيامة, وأن
خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) سوف يشهد علي الناس في
زمانه وفي كل الأزمنة من بعده إلي يوم الدين.
(5) الإيمان بأن
الله( تعالي) يفضل بعض خلقه علي بعض في الرزق, لحكمة يعلمها بعلمه
المحيط, وأن من نعمه علي عباده أن جعل لهم من أنفسهم أزواجا, وجعل لهم
من أزواجهم بنين وحفدة, وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة, حتي يكتسبوا
بها المعارف المختلفة لأن الله( تعالي) يخرج المواليد من بطون أمهاتهم
لايعلمون شيئا; وكل نعمة اختص الله( سبحانه وتعالي) بها عبدا من
عباده هي من فضل الله العليم العظيم الذي لاتحصي نعمه ولاتعد أفضاله.
(6)
اليقين بأن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الاسلام, وبأن الهجرة من
أجل إعلاء دين الله أجرها في الدنيا عظيم, وثوابها في الآخرة أعظم,
وبأن الذين مكروا السيئات لايأمنون أن يخسف الله( تعالي) بهم الأرض,
أو أن يأتيهم عذابه من حيث لايشعرون, وبأن من عمل صالحا من ذكر أو أنثي
وهو مؤمن فسوف يحييه الله حياة طيبة, ولسوف يجزيه أجره بأحسن ماكان
يعمل, وبأن الذين زين لهم الشيطان أعمالهم سوف يكون هو وليهم يوم
القيامة, وأن لهم عذابا أليما. وأنه لاملجأ ولا منجي من الله إلا
إليه.
(7) الرضا بأن الله( سبحانه وتعالي) قد وهب الناس عقولا
مدركة تفكر, وإرادة حرة تختار وتوجه, وقد تبين لهم طريق الاستقامة
الموصل الي الخير, وطرق الانحراف المفضية الي الشر, وترك الخيار كاملا
لكل فرد.
من مكارم الأخلاق في سورة النحل
(1) الدعوة الي
إقامة عدل الله في الأرض, والإحسان الي الخلق, والوفاء بالعهد,
واحترام الأيمان, والإنفاق في سبيل الله وإيتاء ذي القربي علي أن ينطلق
ذلك كله من منطلق تقوي الله, ورجاء رضوانه, ومخافة عقابه, مع القناعة
الكاملة بضرورة ذلك من أجل استقامة الحياة علي الأرض.
(2) الدعوة إلي رفض الظلم بكل أشكاله وصوره, وبضرورة مقاومته بكل وسيلة مشروعة, فإن تعذر ذلك فلتكن الهجرة في سبيل الله.
(3)
التحذير من الوقوع في الفتن ـ ماظهر منها ومابطن ـ ومن أخطرها فتن الكفر
بالله( تعالي) أو الشرك به( سبحانه), أو التطاول علي أنبيائه ورسله
وبالأخص علي خاتمهم وإمامهم أجمعين, سيد الأولين والآخرين من ولد آدم,
وأحب خلق الله إلي الله.
(4) النهي القاطع عن الوقوع في دنس الفحشاء والمنكر والبغي والأمر بالبعد عن كل طريق يوصل الي أي منها.
(5)
الحض علي شكر نعم الله الظاهرة والباطنة, فبالشكر تدوم النعم, وتنكسر
حدة الغرور في النفس الإنسانية التي يجب عليها أن تعلم أن مرد كل نعمة إلي
الله( تعالي) وحده, وأنه لامخرج من كل شدة يمر بها الإنسان إلا
باللجوء الي الله( سبحانه وتعالي) وحده.
(6) التذكير برحلة
الإنسان في هذه الحياة من النطفة الأمشاج الي الميلاد والطفولة, ثم
الشباب والفتوة, ثم الكهولة والشيخوخة والهرم والضعف, ثم الاحتضار
والموت, ومايتخلل ذلك العمر من فترات الرخاء والشدة, وفترات النعمة
والابتلاء, ومحصلة ذلك كله عند مفارقة الحياة الدنيا.
(7) الدعوة إلي تكريم الأنثي طفلة, وشابة, وعجوزا.
من الإشارات الكونية في سورة البعث
(1)
التأكيد علي قضية الخلق بأبعادها الثلاثة: خلق السماوات والأرض, خلق
الحياة, خلق الإنسان, وعلي أن خلق الإنسان يتم من نطفة لاتري بالعين
المجردة والعلم يؤكد حقيقة ذلك.
(2) الإشارة إلي خلق الأنعام( من
مثل الإبل والبقر والضأن والماعز) وإلي مافيها من منافع كثيرة, ومعجزات
ظاهرة ومن أبرزها تكوين اللبن في ضروعها من بين فرث ودم, وإخراجه لبنا
خالصا سائغا للشاربين, وأكل لحومها, والتدفئة بما يصنع من جلودها
وأصوافها وأوبارها وأشعارها, وخلق كل من الخيل والبغال والحمير, وغير
ذلك من وسائل الركوب والزينة وحمل الأثقال التي كانت معروفة في زمن
الوحي, والتي استجدت من بعد زمن الوحي, والله قادر علي أن يخلق كل شيء
مما يعلم الناس ومما لايعلمون.
(3) الإشارة الي دورة الماء حول
الأرض بذكر إنزاله من السماء مصدرا للشراب, ولإنبات النبات من الشجر
والزروع من مثل الزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات وجعل ذلك آية
للذين يتفكرون.
(4) تسخير الأرض كي تكون صالحة للعمران, وتسخير كل
من الشمس والقمر والنجوم بأمر من الله( تعالي) كي تستقيم الحياة,
والإشارة إلي تكوير الأرض, وإلي دورانها حول محورها أمام الشمس حتي
يتبادل عليها الليل والنهار, ومن نتائج ذلك مد الظل وقبضه الذي اعتبرته
صورة من صور السجود لله( تعالي).
(5) نشر مختلف صور وأشكال
وألوان المخلوقات من الأحياء والجمادات في الأرض وإعطاء الإنسان قدرات من
مختلف صور الحس تعينه علي تمييزها, والتمتع بها.
(6) تسخير البحر
للإنسان بما فيه من أحياء ذات لحم طري يؤكل, وهياكل للحيوانات تصلح
لصناعة الحلي التي تلبس, وقدرة علي حمل الفلك ذات الأحجام المختلفة التي
تجري بمصالح العباد شاقة عباب مائه, ومافوق الماء من هواء.
(7)
إلقاء الجبال علي الأرض, وجعلها رواسي لها كي لاتميد ولاتضطرب,
والإشارة إلي ارتباط تكون قمم الجبال بتكون منابع الأنهار, ودور تلك
المجاري المائية في تفتيت الصخور, وشق الفجاج والسبل, وتشكيل تضاريس
سطح الأرض التي تصبح علامات دالة للاهتداء بها في وضح النهار, كما جعل
النجوم علامات للهداية بالليل.
(8) وصف عقاب بعض الأمم السابقة وصفا
ينطبق بدقة فائقة علي ماتحدثه الهزات الأرضية العنيفة( الزلازل) في
زماننا, وذلك من قبل أن يدرك أحد من الخلق كيفية حدوث ذلك.
(9) الاستشهاد بما في ثمرات كل من النخيل والأعناب من الرزق الحسن, وإن أساء بعض الناس استخدام ذلك في صناعة الخمور.
(10)
الإشارة إلي أمة نحل العسل, ومنحها القدرات الفطرية علي تنظيم مجتمعاتها
تنظيما دقيقا تتوزع فيه الاختصاصات والمسئوليات والمهام في تعايش جماعي
تكافلي رائع.
(11) التنويه بخلق بلايين الرجال والنساء من نفس
واحدة هي نفس أبينا آدم( عليه السلام) الذي خلق الله( تعالي) منها
زوجها, وبث منهما رجالا كثيرا ونساء, وخلق من هذه الأزواج البنين
والحفدة, وجعل من هذا النسل العظيم من يتوفي مبكرا, ومن يرد إلي أرذل
العمر وإلي ضعف البنيان الجسدي, ومن أبرز مظاهره فقدان الذاكرة جزئيا أو
كليا.
(12) الإشارة إلي السمع قبل البصر في هذه السورة المباركة,
وفي العديد من السور القرآنية الأخري, والدراسات العلمية تؤكد سبق تكون
حاسة السمع لحاسة البصر في أجنة الإنسان, وفي أجنة غيره من المخلوقات.
(13) التلميح إلي الإمساك بالطيور في جو السماء بقدرة الله البالغة.
(14) استخدام تعبير الحر بمفهومه النسبي يعني الحرارة والبرودة وهذا صحيح علميا.
(15) تحريم أكل كل من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به, والبحوث العلمية أثبتت أخطار كل ذلك علي صحة الإنسان.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج الي معالجة خاصة بها, ولذلك أقصر الحديث هنا علي النقطة الأخيرة من القائمة السابقة.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا: في تحريم أكل الميتة:
إن
موت الحيوان قبل تذكيته قد يكون بسبب مرض من الأمراض العضوية أو الفيروسية
التي ألمت به, أو بسبب شيخوخة أصابته, وهذا سبب كاف لتحريم أكل
لحمه, فإذا أضفنا إلي ذلك مايؤدي إليه الموت دون تذكية( أي دون إراقة
دمه) الي احتباس كل دمه في جسده اتضحت لنا حكمة تحريم أكل لحم الميتة
وذلك لأن الدم هو حامل فضلات الجسم المختلفة من مثل ثاني أكسيد الكربون,
واليوريا, وحمض البوريك, وجراثيم الجسم وطفيلياته, ونواتج عمليات
تمثيل الطعام في جسم الحيوان( عمليات الأيض) والتي تنقل عبر الأوردة
وتفرعاتها المختلفة, أو عبر الشرايين وتفرعاتها العديدة في جسم
الحيوان, وأغلبها مواد قابلة للتعفن والتحلل إذا حبست في الجسد الميت
للحيوان, خاصة إذا كان قد انقضي علي موته وقت يسمح ببدء تحلل جسده وفساد
لحمه. ومن هنا تتضح الحكمة الالهية من تحريم أكل لحوم الميتة.
ثانيا: في تحريم أكل الدم المسفوح كطعام:
الدم
هو هذا السائل الأحمر القاني الذي يتكون من أخلاط عديدة منها الخلايا
الحمراء الممتلئة بمادة الهيموجلوبين التي تقوم بنقل الأكسجين إلي مختلف
خلايا الجسم, والخلايا البيضاء التي تدافع عن الجسم ضد غزو حاملات
الأمراض من الجراثيم والطفيليات, والصفائح التي تتحطم حول نزيف الدم من
أجل تجلطه. وتشكل خلايا الدم الحمراء نحو45% من الحجم الكلي للدم(4
إلي6 ملايين خلية في كل ملليمتر مكعب), ولايشكل كل من خلايا الدم
البيضاء وصفائحه أكثر من1%, وباقي الدم(54%) يتكون من البلازما التي
يغلب علي تركيبها الماء وبه نحو7% من حجم الدم بروتينات( من مثل
الألبيومين, والجلوبيولين, والأجسام المضادة, والبروتينات الناقلة,
والدهون, وأيونات مختلفة للصوديوم, والكالسيوم, والبوتاسيوم,
والحديد, والنحاس, والكلور والبيكربونات, وغيرها, والفيتامينات,
والهرمونات, والفضلات النيتروجينية التي تفرزها الخلايا مثل الأمونيا,
واليوريا, وحمض اليوريك وهي سموم قاتلة يحملها الدم عادة الي الكلي
للتخلص منها إلي خارج الجسم عن طريق البول. هذا بالإضافة الي العديد من
الغازات الحرة والمذابة في بلازما الدم, والفيروسات, والجراثيم,
والطفيليات الحية والميتة, وخلايا متكسرة من خلايا الدم ذاته, وغير ذلك
من الخلاصات المفيدة للأغذية والأكسجين التي يدفع بها القلب مرة أخري,
الي مختلف خلايا الجسم. ومن ذلك يتضح أن الدم سائل ناقل للأمراض الخطيرة
مثل مرض نقص المناعة وهو مرض قاتل لاعلاج له ولا حيلة فيه وبالإضافة الي
الدم هناك سوائل الجهاز الليمفاوي الذي ينتشر بين الأوعية الدموية في أوردة
خاصة به بتفرعاتها المختلفة وتفيض إلي الأوردة الدموية الكبيرة بالقرب من
القلب.
وبذلك تقوم هذه السوائل الليمفاوية بامتصاص البروتينات
المتسربة من كل من الأوعية الدموية والأنسجة البينية, وإعادتها الي مجري
الدم في الوقت المناسب لتساعد علي الاتزان الكيميائي في داخل جسد الكائن
الحي وإلا هلك. ويعتبر ذلك من أهم وظائف الجهاز الليمفاوي. والسائل
الليمفاوي يتكون أساسا من البلازما وبعض المواد المذابة فيها, والعالقة
بها من مثل الخلايا البيضاء, والليمفاويات(Lymphocytes) التي تعتبر من
أهم أجهزة الجسم الدفاعية ضد حاملات الأمراض. وبالإضافة الي ذلك هناك
العقد الليمفاوية(LymphNodes) وهي كتل من النسيج الليمفاوي توجد علي طول
الأوعية الليمفاوية بتفرعاتها المختلفة, كما توجد مستقلة عنها في كل من
اللوزتين(Tonsils), وعقد البلعوم الليمفاوية, والغدد الليمفاوية
بالقناة الهضمية, والغدد التوتية أو الزعترية(Thymus), والطحال.
والوظيفة
الأساسية للغدد الليمفاوية هي الدفاع عن الجسم وذلك لاحتوائها علي مجاميع
كبيرة من الخلايا الليمفاوية( الليمفاويات), وتقوم هذه الخلايا
المتجمعة علي هيئة الغدد بالعمل كمرشحات للغازات والسوائل التي تدخل الجسم
تلتقط منها الملوثات من مثل ذرات الغبار والفيروسات والبكتريا وغيرها من
حاملات الأمراض ويتم خزنها فيها حتي يتم إفراز الأجسام المضادة للقضاء
عليها.
ومن العمليات التي يقوم بها الدم في الكبد نزع مجموعة
الأمين(NH2) من الأحماض الأمينية فينتج عن ذلك فضلات نيتروجينية كالتي
سبق ذكرها يحملها دم الأوردة الي الكلي للتخلص منها. كذلك تقوم الكلي
وملحقاتها بتحقيق التوازن الكيميائي للجسم, والتخلص من الفضلات الناتجة
عن عمليات التمثيل الغذائي, ويلعب الدم الدور الرئيسي في ذلك.
وانطلاقا
مما سبق نري أن الدم المسفوح بمكوناته الأساسية, وبما يحمله من نواتج
عملية التمثيل الغذائي ومن عوادم وفضلات متجمعة فيه إذا حبس بداخل جسم
الحيوان الميت( أي الذي لم يذك) فإنه سرعان مايبدأ في التجلط علي مافيه
من سموم كانت في طريقها إلي الأجهزة المختلفة التي تخلص الجسم منها, ثم
في التحلل والتعفن مما ينتج كما من السموم المعقدة, والمركبات الكيميائية
الأخري الضارة بصحة الإنسان; فإذا أضفنا الي ذلك أن الدم عادة مايحمل
كما آخر من الفيروسات والجراثيم والطفيليات, وماتفرزه من سموم ونفايات
علمنا أن الدم هو حامل فضلات الجسم وجراثيمه وطفيلياته, ومن هنا كانت
الحكمة الإلهية في تحريم أكل الدم المسفوح كغذاء. أما أكل كل من الكبد
والطحال من الحيوان المذكي فهو حلال وذلك لقول رسول الله( صلي الله عليه
وسلم):
أحل لنا ميتتان ودمان, فأما الميتتان فالسمك والجراد, وأما
الدمان فالكبد والطحال( رواه كل من أحمد, وابن ماجه, والبيهقي عن
ابن عمر مرفوعا).
ثالثا: في تحريم أكل لحم الخنزير وشحمه:
الخنزير
وصفه القرآن الكريم في أكثر من مقام بأنه رجس,( البقرة:173;
المائدة:3; الأنعام:145; والنحل:115) وهذه كلمة جامعة لكل معاني
القذارة والقبح, والنجاسة, والإثم, وذلك لأن الخنزير حيوان كسول,
جشع, قذر, رمام, يأكل النبات والحيوان والجيف, والقمامة, كما
يأكل فضلاته هو وفضلات غيره من الحيوانات, وهذا من أسباب قيامه بدور كبير
في نقل العديد من الأمراض الخطيرة للإنسان.
والخنزير من الحيوانات
الثديية السرية(PlacentalMammals) ذات الحافر المشقوق الذي يحمل عددا
زوجيا من الأصابع( أربعة أصابع في حالة الخنازير) ولذلك تعرف باسم
الحافريات زوجية الأصابع.
(Even-ToedUngulates=Artiodactyla)
وهذه
الحافريات زوجية الأصابع قد عمرت الأرض خلال الخمسين مليون سنة الماضية(
من بدايات عهد فجر الحياة الحديثة أو الإيوسين إلي اليوم).
والخنازير تنفصل عن بقية هذه المجموعة بكونها رمامة وغير مجترة.
وتضم
الخنازير عددا من الأنواع البرية والمستأنسة والتي تجمع كلها في عائلة
واحدة تعرف باسم عائلة الخنازير(Suidae), ويسمي الذكر منها باسم
العفرBoar, وتسمي الأنثي باسم الخنزيرةSow وهي من النوع الولود,
والخنزير المخصي يعرف باسم الحلوفHog, ويستعار اللفظ وصفا لكل قذر,
شره, أناني من البشر, وتستخدم لفظةSwine للتعبير عن الخنزير بصفة
عامة سواء كان ذكرا أو أنثي, مخصيا أو غير مخصي, مستأنسا أو غير مستأنس
وتستعار كذلك لكل حقير النفس, بخيل اليد, قذر المظهر والملبس, متصف
بأحقر الصفات, أو للمرأة الساقطة المجردة من كل فضيلة.
والخنزير
حيوان كريه المنظر, ضخم الجثة, كتلي الشكل, مكتنز اللحم, قصير
الأرجل, له جلد سميك, عليه شعر خشن, وله بوز طويل وأنياب قوية, تم
استئناسه منذ حوالي11000 سنة مضت, ويعرف منه اليوم أكثر من أربعمائة
سلالة.
ونظرا لطبيعته الرمامة, وقذارته الواضحة, وأكله كلا من
النباتات واللحوم و الجيف والنفايات وغير ذلك من المستقذرات فإن الخنزير
معرض للإصابة بالعديد من الأمراض من أمثال حمرة الخنازيرSwineErysipelas
التي تتسبب فيها أنواع خاصة من البكتريا وتنتقل الي الإنسان, وحمي
الخنازيرSwineFever وتعرف أحيانا باسم كوليرا الحلاليفHogcholera
ويتسبب في هذا المرض فيروس خاص يوجد في الجيف, ومن مثل مرض حويصلات
الخنازيرSwineVesicularDisease وهو يشبه مرض الحمي
القلاعيةFootandMouthDisease ويمكن انتقاله إلي الإنسان عن طريق أكل لحوم
الخنزير ودهونه, ومن مسبباته فيروسات القمامة والجيف. والجراثيم(
الفيروسات والبكتيريا وغيرها) هذا بالإضافة إلي العديد من المواد المسببة
للسرطان والعديد من الطفيليات والجراثيم التي تعشش في لحم الخنزير وبعضها
يتسبب في أمراض معدية للإنسان وقاتلة له في كثير من الأحيان وذلك لعدم وجود
طريقة للتخلص منها علي الإطلاق. ومن أخطر مسببات الأمراض في الخنزير
مايلي:
(1) ديدان التريخيناTrichinaWorms وهي من الديدان
الإسطوانيةNematoda=RoundWorns من أمثال الدودة الشعرية
الحلزونيةTrichinellaspiralis وهي من أخطر الطفيليات علي الإنسان وتتسبب
في أمراض روماتيزمية عديدة وإلتهابات عضلية مؤلمة تؤدي الي انتفاخ الأنسجة
العضلية وتصلبها وتعرف باسم داء الشعريناتTrichinellosis الذي ينتج عن
انتشار يرقات هذه الدودة في عضلات الجسم مما قد يؤدي الي اقعاد المريض
إقعادا كاملا أو إلي وفاته بعد أن يصاب بالتهاب المخ والنخاع الشوكي
والسحايا المحيطة بهما وبالعديد من الأمراض العصبية والعقلية المترتبة علي
ذلك ويصاب حاليا بهذا المرض نحو47 مليون شخص في الولايات المتحدة
الأمريكية وحدها, ونسبة الوفاة بين المصابين به تبلغ نحو30%, والخنزير
هو المصدر الوحيد لإصابة الإنسان بهذا المرض الخطير.
(2) الدودة
الشــــــريطية الوحــــــيدة للخــــــــنزيرPorkTapeWorm=TaeniaSolium
وتتسبب في العديد من الأمراض للإنسان من مثل فقر الدم واضطرابات الجهاز
الهضمي, والمغص والإسهال والقيء, والاكتئاب الشديد, والسوداوية,
وقد يصل ذلك إلي النوبات الصرعية والتشنجات العصبية الشديدة, وأخطر ما في
هذه الدودة هو دخول يرقاتها إلي مجري الدم الذي قد يحملها إلي أحد الأعضاء
الحيوية في الجسم من مثل المخ, القلب, الكبد, الرئتين أو الحبل
العصبي المركزي حيث تنمو وتتحوصل محدثة ضغوطا كبيرة علي الأنظمة من حولها
ومسببة عددا من الأمراض الخطيرة التي تنتهي بوفاة المريض بعد معاناة
طويلة.
(3) الديدان الحلقيةRoundWorms من مثل دودة
الأسكارسAscaris, والديدان الخطافيةHookWorms, الديدان المنشقة
اليابانية.Schistosomajaponicum والتي تؤدي إلي نزيف دموي حاد, يعقبه
فقر دم, وإذا وصلت بويضاتها إلي أي من المخ أو العمود الفقري فإنها تسبب
شللا كاملا ثم الوفاة. وغير ذلك من سلسلة طويلة من الديدان والجراثيم
والبكتيريا التي تدمر جسد الإنسان تدميرا كاملا منها التهاب القصبة
الهوائية, والسل, والكوليرا, والتيفوئيد, ونزيف الرئتين, وتضخم
الكبد, وتعفن الأقدام, وداء البروسيللاتBrucellosis,
والحمرةErysipelas والأمراض الثلاثة الأخيرة تنقلها بكتيريا الجيف
والقاذورات التي تتغذي عليها الخنازير.
(4) الحيوان الأولي الهدبي
المعروف باسم القربية القولونيةBalantidiumcoli الذي يسبب مرض الزحار
الشديد وبعض أمراض عضلة القلب ومصدره الوحيد للإنسان هو الخنزير, وهو مرض
معدي ينتشر بين كل من له علاقة بتربية الخنزير أو ذبحه وسلخه.
(5)
الديدان المفلطحة( المثقوبيات أو الوشائع) ومنها مايصيب الأمعاء, أو
المعدة, أو الرئة, أو الكبد, ويعمل الخنزير علي نشر هذه الديدان في
البيئة وعلي نقلها لمن يأكل لحمه من بني الإنسان.
هذا بالإضافة إلي أن
لحم الخنزير صعب الهضم لاحتوائه علي نسبة أعلي من الدهون من لحم أي حيوان
آخر, وكذلك فإن دهن الخنزير عالي التشبع بدرجة تفوق درجة تشبع أي دهن
حيواني آخر, ولذلك يصاب آكلوه بأمراض حصي المرارة, وانسداد قنواتها
وبتصلب الشرايين وبالعديد غيرها من أمراض القلب والدورة الدموية. ومعظم
الفقهاء يعتبر لفظة لحم الخنزير شاملة كلا من لحمه ودهنه.
ودهون
الخنزير عالية التشبع لاتقوي عصارة البنكرياس في الإنسان علي تحويلها إلي
مستحلبات دهنية قابلة للامتصاص ولذلك فهي تبقي علي حالتها وتترسب في جسم
الإنسان علي هيئتها الخنزيرية الضارة ضررا بليغا بجسم الإنسان.
ولحم
الخنزير يفسد بسرعة عن أي لحم آخر, وله رائحة كريهة, ومن عجائب وساوس
الشيطان أنه لم يكتف باغراء غير المسلمين بأكل لحم الخنزير علي دنسه,
وامتلائه بمسببات الأمراض, بل أغراهم بأكل دمه ودهنه فيما يعرف باسم
النقانق السوداءBlackSausages وهي عبارة عن أمعاء الخنزير المملوءة بدمه
ودهنه حتي تجمع بين أكثر من محرم واحد. وقد ثبت أن لحم الخنزير يحتوي
العديد من المواد المسرطنة ومنها المواد المسماةNieper وEnderlein, وأن
كثيرا من المواد الحافظة للحم الخنزير والملونة له والمعطية النكهات
الخاصة له مثل المركبات النيتروجينيةNitritesandNitrates
والبنزوليةBenzol تتحول في أبدان آكلي هذا اللحم النجس إلي مركبات معقدة
تعتبر من أشد العوامل المسرطنة المعروفة, وعلي ذلك فقد ثبت أن كلا من لحم
الخنزير ودهنه ودمه يساعد علي انتشار أنواع عديدة من الأمراض السرطانية من
مثل سرطان كل من القولون, والمستقيم, والبروتستات والبنكرياس
والمرارة,والرحم, والثدي, وإلي العديد من أمراض الحساسية المختلفة,
وقرح الجهاز الهضمي, وقرح الساق المزمنة, والتهاب كل من الزائدة
الدودية والمرارة, وتليف الكبد, والتهاب كل من الدماغ
وعضلة القلب, وأغلب ذلك من الأمراض الفيروسية التي يلعب الخنزير دورا رئيسيا في نقلها للإنسان.
أما
أهم الأمراض البكتيرية التي ينقلها الخنزير إلي الإنسان فتشمل الحمي
المالطية, السالمونيللا, الجمرة الخبيثة, الدرن, الدرن الكاذب,
والدوسنتاريا( الزحار).
وأغلب هذه الفيروسات, والبكتيريا,
والطفيليات التي تتكدس في جسم الخنزير لايمكن القضاء عليها بمجرد طهو لحمه
أو إدخاله في النار.
رابعا: في تحريم أكل ما أهل لغير الله به:
كان
أهل الجاهلية إذا أرادوا ذبح ماقربوه إلي أصنامهم سموا عليها أسماءها,
ورفعوا بها أصواتهم, وسمي ذلك إهلالا, ثم توسع في الإهلال فقيل لكل
ذابح: مهل سواء أهل به أو لم يهل, وسمي أو لم يسم, جهر بالتسمية أو
لم يجهر, لأن الأصل في الإهلال هو رفع الصوت عند رؤية الهلال, ثم
استعمل لرفع الصوت عند فجائية ظهور أي شيء ثم أصبح مطلقا وعلي ذلك فإن
المفهوم من قول الحق( تبارك وتعالي):(... وما أهل لغير الله به...)
أي ماذبح لغير الله.
وقد أكد ربنا( تبارك وتعالي) في الآية
الكريمة التي نحن بصددها وفي أماكن أخري من القرآن الكريم أهمية ذكر اسم
الله علي كل ذبيحة من ذبائح المسلمين وذلك من مثل قوله( تعالي):
(1)... واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب*( المائدة:4).
(2)
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين* ومالكم ألا تأكلوا
مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ماحرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه...*(
الأنعام:119,118).
(3) والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف..*
( الحج:36).
وفي
بحث مختبري منهجي أثبت عشرون من كبار علماء الطب والطب البيطري والصيدلة
والعلوم في الجامعات السورية أن التسمية والتكبير عند ذبح الحيوان تعمل
عملية تعقيم كامل لبدنه وتطهره من الدماء والجراثيم, بعكس الذبائح التي
لايذكر اسم الله عليها.
وفي ذلك ذكر الأخ الكريم الدكتور خالد حلاوة
المتحدث باسم فريق البحث أن التجارب المختبرية المكررة علي مدي ثلاث سنوات
أثبتت مجهريا أن نسيج اللحم المذبوح بدون تسمية وتكبير كان محتقنا بشيء من
بقايا الدم المسفوح, ومصابا بمستعمرات عدد من الجراثيم( من مثل
المكورات العنقودية والعقدية والعصيان القولونية, وغيرها), بينما جاء
اللحم المسمي عليه( باسم الله, الله أكبر) زكيا طاهرا, خاليا تماما
من الدماء والجراثيم.
وفسر ذلك الأخ الكريم الدكتور فؤاد نعمة
الأستاذ بكلية الطب البيطري بجامعة دمشق بأنه لوحظ شدة اختلاج أعضاء وعضلات
الحيوان الذي يذكر عليه اسم الله عند ذبحه, وأن شدة الاختلاج هذه هي
التي تقوم باعتصار معظم دم الذبيحة, وبذلك تطهر وتزكو بينما لايحدث ذلك
في حالات عدم التسمية والتكبير, وإن كانت التذكية بمعني إراقة الدم
المسفوح تخلص بدن الحيوان من معظم هذا السائل القابل للتعفن ومن معظم مابه
من جراثيم.
وقد فصل الأخ الكريم الدكتور نبيل الشريف العميد السابق
لكلية الصيدلة بجامعة دمشق الخطوات المنهجية للبحث حتي توصل إلي هذه
النتيجة التي تفوق كل وصف.
من هذا الاستعراض الموجز يتضح لنا
بجلاء حكمة تحريم أكل كل من الميتة, والدم, ولحم الخنزير, وما أهل
لغير الله به, ولو لم يرد في القرآن الكريم غير هذه الحقيقة العلمية
لكانت كافية للشهادة علي أن القرآن المجيد هو كلام الله الخالق الذي أنزله
بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه( اللغة
العربية) حفظا كاملا: كلمة كلمة, وحرفا حرفا, علي مدي أربعة عشر
قرنا أو يزيد, وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها وأن النبي
الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي القرآن المبين كان موصولا بالوحي ومعلما
من قبل خالق السماوات والأرض, فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله
وصحبه, و من اتبع هداه, ودعا بدعوته الي يوم الدين. وسبحان الله
القائل:
وماكان هذا القرآن أن يفتري من دون الله ولكن تصديق الذي بين
يديه وتفصيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين* أم يقولون افتراه قل فأتوا
بسورة مثله وأدعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين. بل كذبوا بما
لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فأنظر كيف كان
عاقبة الظالمين.( يونس:37 ـ39)
منقول