العمرة في شهر رمضان تعدل حجة ، ما المقصود من ذلك ، أريد شرحا مفصلا ؟
[size=32]الحمد لله
أولا :
روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْن عَبَّاسٍ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ : ( مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا ؟ قَالَتْ : لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض ، قَالَ : فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً ) وفي رواية لمسلم : ( حجة معي ) .
ثانيا :
اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين ، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (3/605).
ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت : (الحج حجة ، والعمرة عمرة ، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أدري أَلِي خاصةً . – تعني : أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف ، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" .
القول الثاني : أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه ، ثم عوضه بعمرة في رمضان ، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) :
" واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر... – وذكر أمثلة لذلك منها - : وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة ، قال : ( اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي ) " انتهى .
ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) .
وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) .
القول الثالث : ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم ، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان ، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس ، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال .
انظر : "رد المحتار" (2/473) ، "مواهب الجليل" (3/29) ، "المجموع" (7/138) ، "المغني" (3/91) ، "الموسوعة الفقهية" (2/144).
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير ، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان ، ويدل على ذلك :
1- ورود الحديث عن جماعة من الصحابة ، فقد قال الترمذي : " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش " ، وأكثر مروياتهم لا تذكر قصة المرأة السائلة .
2- عمل الناس عبر العصور ، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين ، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة في شهر رمضان كي ينالهم الأجر .
وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع ، فيقال : إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية ، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر !
ثالثا :
ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور ، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة ، وبيان ذلك بما يلي :
لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة ، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى .
فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر ، وليس من حيث الإجزاء .
ومع ذلك ، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر ، وليست في جنسه ونوعه ، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل .
فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج ، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة ، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها ، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد – ، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع .
وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ، يمكن مراجعة كلامه في جواب السؤال رقم (10022) .
قال إسحاق بن راهويه :
" معنى هذا الحديث – يعني حديث ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ : قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن "
"سنن الترمذي" (2/268)
وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج" (1/553) :
" قلت : من قال : ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) أثبت هو ؟ قال : بلى ، هو ثبت .
قال إسحاق : ثبت كما قال ، ومعناه : أن يكتب له كأجر حجة ، ولا يلحق بالحاج أبدا " انتهى.
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) :
" معلوم أن مراده : أن عمرتك فى رمضان تعدل حجة معي ، فإنها كانت قد أرادت الحج معه ، فتعذر ذلك عليها ، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك ، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة ، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه ، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان ، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه ، فكيف بعمرة !! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة " انتهى .
وانظر جواب السؤال (13480) .
والله أعلم .
منقول للفائده
[/size]
[size=32]الحمد لله
أولا :
روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْن عَبَّاسٍ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ : ( مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا ؟ قَالَتْ : لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض ، قَالَ : فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً ) وفي رواية لمسلم : ( حجة معي ) .
ثانيا :
اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين ، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (3/605).
ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت : (الحج حجة ، والعمرة عمرة ، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أدري أَلِي خاصةً . – تعني : أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف ، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" .
القول الثاني : أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه ، ثم عوضه بعمرة في رمضان ، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) :
" واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر... – وذكر أمثلة لذلك منها - : وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة ، قال : ( اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي ) " انتهى .
ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) .
وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) .
القول الثالث : ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم ، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان ، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس ، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال .
انظر : "رد المحتار" (2/473) ، "مواهب الجليل" (3/29) ، "المجموع" (7/138) ، "المغني" (3/91) ، "الموسوعة الفقهية" (2/144).
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير ، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان ، ويدل على ذلك :
1- ورود الحديث عن جماعة من الصحابة ، فقد قال الترمذي : " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش " ، وأكثر مروياتهم لا تذكر قصة المرأة السائلة .
2- عمل الناس عبر العصور ، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين ، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة في شهر رمضان كي ينالهم الأجر .
وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع ، فيقال : إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية ، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر !
ثالثا :
ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور ، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة ، وبيان ذلك بما يلي :
لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة ، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى .
فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر ، وليس من حيث الإجزاء .
ومع ذلك ، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر ، وليست في جنسه ونوعه ، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل .
فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج ، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة ، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها ، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد – ، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع .
وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ، يمكن مراجعة كلامه في جواب السؤال رقم (10022) .
قال إسحاق بن راهويه :
" معنى هذا الحديث – يعني حديث ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ : قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن "
"سنن الترمذي" (2/268)
وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج" (1/553) :
" قلت : من قال : ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) أثبت هو ؟ قال : بلى ، هو ثبت .
قال إسحاق : ثبت كما قال ، ومعناه : أن يكتب له كأجر حجة ، ولا يلحق بالحاج أبدا " انتهى.
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) :
" معلوم أن مراده : أن عمرتك فى رمضان تعدل حجة معي ، فإنها كانت قد أرادت الحج معه ، فتعذر ذلك عليها ، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك ، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة ، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه ، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان ، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه ، فكيف بعمرة !! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة " انتهى .
وانظر جواب السؤال (13480) .
والله أعلم .
منقول للفائده
[/size]