التفردية في ديوان
" هذه لغتي "
للشاعر الطبيب فتوح مصطفى قهوة
بقلم الدكتور جابر قميحة
gkomeha@gmail.com
من عشرات السنين كان ابننا فتوح قهوة ينظم بعض الشعر ، ويتقدم به إلىّ على استحياء ، وكنت أشعر بالسعادة لأنني كنت أرى في كلماته جذور شاعرية باكرة ، وأعجب أن هذا الشاعر لم يأخذ مكانه اللائق به في بداياته ، إلى أن فاجأنا بديوانه العظيم " هذه لغتي " . وجعل إهداءه :
" إليك
يا نغمة علوية الترنيم
أيقظت اللحن على الوتر الجريح
ثم راحت وراء الغيوب طيوفا
تسكب الألم الطاهر
صلوات في كياني "
**********
وعنوان الديوان " هذه لغتي " يدل على تفردية الشاعر ! ! فإذا كانت العربية هي لغة الجميع ، فإن للشاعر لغة خاصة لا يغني عنها غيرها .
ولغة الشاعر في ديوانه ليست مجرد أداء تعبيري ، ولكنها مزيج من النبض الأمين البريء من الزيف .
وهذا النبض يرتفع وينخفض نبره تبعا لمقتضيات لغة الشاعر . وقد يتعانق فيه القديم التراثي والجديد المتدفق . كما نرى في قول الشاعر :
عم صباحا ...
أيها النور المنزل
عم صباحا
أي وحى من رحيق الخلد أقبل
من ربا الجنات فاحا
ألهمته ربة الشوق التبتل
رقرقته في مدى الكون وشاحا
****
يا لقلبي ...
لو رأى النور تهلل
صار في الآفاق طيرا ..
وصداحا
وتغني من لهيب الروح لحنا ..
يتسلسل
وسما .. في سورة الشوق جناحا .
****
ومن هذا القبيل قصيدته " ثورة الأشواق " ، وقد جاءت على " بحر الرمل " في مقطوعات ثنائية مثل :
لست مني أيها القلب إذا = ثار في جنبينك شوق وانطلـــق
أيها القابض فوق الجمرا = ت ؛ اكتم الأوجاع حتى تحترق
**********
أي حلم كان في عمقك فجرا = رائـع الـنـــور كـوجــه الأنبياء
فتدانى ، وتدلى ، وســــــرى = في خشوع كصلاة في السمــاء
**********
لاح للشاعر في أبراجــــــه = كرؤى المجهول في أوهام شاعر
وتجلى كالسنا مـن طــلــسم = سحره أعجب من تعويذ ساحــر
**********
وأهم من كل أولئك التناص القرآني . فالكلمة القرآنية تأخذ مكانها من السياق القرآني نقرؤها لأول مرة :
وتمخضى ..
حلمي ..
تراتيلا ..
تختبئني على شفة القصيدة ..
كانتظار ...
نام في حضن العذاب
حتى إذا ...
آنست نارا ...
والشتات شريعتي
تشدنا إلى حكاية موسى مع أهله في قوله تعالى : ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) ﴾ طه .
ويشير الشاعر إشارة مكثفة إلى قصة سليمان والنمل وذلك في قوله :
يا أهل الحكمة ..
مر الشاعر يوما ..
في وادي النمل
لم يفهم لغته
فبكى ...
وتحطم
****
ويظهر ذلك في قوله تعالى : ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) ﴾ النمل .
ويشير الشاعر إلى تعبير يوسف عليه السلام عن حلم رآه صاحباه وكان تفسيره له كما جاء في الآية القرآنية : ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) ﴾ يوسف .
وقد أشار الشاعر إلى ذلك في قوله :
ضليل الحلم .. أعواما
كمصلوب ...
ويأكل رأسه الطير ..
نبيل الصمت .. إيلاما
****
ويستعين الشاعر بشواهد التراث الشعبي لحكاية الشاطر حسن في مواضع متعددة مثل :
ولسوف أهمس في عروقك ألف أغنية ...
عن " الشاطر حسن " ...
هذا البطل
يأتي إليك ..
يلملم الأنوار من وحي الغزل
ويرشها ...
كالترتر " المذهول ..
في فستانك " البيج " المطرز ... كالقبل " صــ 7 ، 8 "
****
قالوا أتى " الشاطر حسن " ...
كالجدول المنساب من بين السحب
ركب الحصان العبقري ...
من الضياء المنسكب
وكساه لي ..
برقائق النور الطرب
يا عم
لو صنع الحصان من الذهب .. !!
يا عم
إني كالنساء
أعيش في حب الذهب
يا عم
ما قد كان كان ...
أخذ الحصان وقد ذهب
" صــ 17 ، 18 "
****
إنها شخصية شعبية واحدة ولكن قدرة الشاعر تشعر القارئ بأنه أمام شخصيات متعددة لهذه الشخصية الشعبية وإن اشتركت في جوهر واحد .
ولغة الشاعر لغة راقية ، وصوره على مستوى رفيع جدا من التناول .
ومن قدراته التصويرية توظيفه للتجسيم والتشخيص .
وهاتان الظاهرتان تتلخصان فيما يأتي :
التجسيد أو التجسيم ملمح فني يعني إبراز المعنوي ( الذي لا يدرك بحاسة من الحواس الخمس ) في صورة حسية. كقولنا " تحطم اليأس على صخرة الأم .
أما التشخيص فيعني أن ينسب للحسي الجماد والطبيعة ملامح بشرية ، كقولنا : " مصر هبة النيل" ، أو "إن الأهرامات تروى تاريخ قدماء المصريين .
وقد يجتمع التجسيد والتشخيص في مثال واحد، كقولنا " إن إيمان الرعيل الأول ينطق بالصدق واليقين " ، فالإيمان ظهر هنا في صورة حسية مشخصة .
وهناك من النقاد من يسوي بين التجسيد والتشخيص فهما يمثلان صورة بلاغية تنزل فيها الأفكار والمعاني منزلة الأشخاص، كما تنسب إلى الجماد والطبيعة صفات بشرية . والمصطلح الإنجليزي هنا مشتق من أصل يوناني، ولا يختلف في معناه عن كلمة " Personification " مثل قوله تعالى :
﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ " الرحمن 6 " .
وقول الشاعر:
والموت نقاد على كفه = جواهر يختار منها الجياد
وقد يكون تقسيم هذه الظاهرة إلى ثلاثة أنواع أدخل في باب الدقة ، كما مثلنا آنفا :
أ- فالتجسيد أو التجسيم هو إبراز المعنوي في صورة حسية غير عاقلة .
ب- التشخيص هو إبراز الحسي - غير العاقل - في صورة بشرية .
جـ- والجمع بينهما يعني إبراز المعنوي في صورة حسية بشرية
وهذه الظاهرة الفنية في كل أشكالها تنقل " المعروض " من حالته التقريرية أو المغيبة إلى حالة تُرى وتعاش بالبصر والبصيرة بما اكتسبته من نبض وحركة وحياة.
و هناك صيغة أخرى للتفريق بين التشخيص و التجسيد
هناك فرق كبير بين التجسيد و التشخيص الأول التجسيد أو التجسيم : معناه أن الشيء
المعنوي يتحول إلى شيء مادي ملموس مثل : تسرق إسرائيل الفرحة من القلوب ( فالفرحة شيء مادي يُسرق ) أي أنه ملموس يمسك الثاني
التشخيص معناه منح صفة من صفات البشر للشيء المعنوي مثل : الغدر يتكلم في قلب اليهود ( فالغدرشخص يتكلم ) أي أنك تعطي الغدر صفة من صفات البشر .
**********
وأغلب ما يوظفه الشاعر هو التجسيم والتشخيص متعانقين .
وكثير من صور الشاعر ابتكاري لم أقرأ مثلها لشاعر من قبل . مما يطول شرحه . ولا أبالغ إذا قلت إن للشاعر مستقبلا باهرا في عالم الشعر والتجديد . وفقه الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع الأصلي : التفردية في ديوان " هذه لغتي " -||- المصدر : الملتقى الثقافي العربي - الحقوق محفوظة -||- الكاتب : د.فتوح قهوة
" هذه لغتي "
للشاعر الطبيب فتوح مصطفى قهوة
بقلم الدكتور جابر قميحة
gkomeha@gmail.com
من عشرات السنين كان ابننا فتوح قهوة ينظم بعض الشعر ، ويتقدم به إلىّ على استحياء ، وكنت أشعر بالسعادة لأنني كنت أرى في كلماته جذور شاعرية باكرة ، وأعجب أن هذا الشاعر لم يأخذ مكانه اللائق به في بداياته ، إلى أن فاجأنا بديوانه العظيم " هذه لغتي " . وجعل إهداءه :
" إليك
يا نغمة علوية الترنيم
أيقظت اللحن على الوتر الجريح
ثم راحت وراء الغيوب طيوفا
تسكب الألم الطاهر
صلوات في كياني "
**********
وعنوان الديوان " هذه لغتي " يدل على تفردية الشاعر ! ! فإذا كانت العربية هي لغة الجميع ، فإن للشاعر لغة خاصة لا يغني عنها غيرها .
ولغة الشاعر في ديوانه ليست مجرد أداء تعبيري ، ولكنها مزيج من النبض الأمين البريء من الزيف .
وهذا النبض يرتفع وينخفض نبره تبعا لمقتضيات لغة الشاعر . وقد يتعانق فيه القديم التراثي والجديد المتدفق . كما نرى في قول الشاعر :
عم صباحا ...
أيها النور المنزل
عم صباحا
أي وحى من رحيق الخلد أقبل
من ربا الجنات فاحا
ألهمته ربة الشوق التبتل
رقرقته في مدى الكون وشاحا
****
يا لقلبي ...
لو رأى النور تهلل
صار في الآفاق طيرا ..
وصداحا
وتغني من لهيب الروح لحنا ..
يتسلسل
وسما .. في سورة الشوق جناحا .
****
ومن هذا القبيل قصيدته " ثورة الأشواق " ، وقد جاءت على " بحر الرمل " في مقطوعات ثنائية مثل :
لست مني أيها القلب إذا = ثار في جنبينك شوق وانطلـــق
أيها القابض فوق الجمرا = ت ؛ اكتم الأوجاع حتى تحترق
**********
أي حلم كان في عمقك فجرا = رائـع الـنـــور كـوجــه الأنبياء
فتدانى ، وتدلى ، وســــــرى = في خشوع كصلاة في السمــاء
**********
لاح للشاعر في أبراجــــــه = كرؤى المجهول في أوهام شاعر
وتجلى كالسنا مـن طــلــسم = سحره أعجب من تعويذ ساحــر
**********
وأهم من كل أولئك التناص القرآني . فالكلمة القرآنية تأخذ مكانها من السياق القرآني نقرؤها لأول مرة :
وتمخضى ..
حلمي ..
تراتيلا ..
تختبئني على شفة القصيدة ..
كانتظار ...
نام في حضن العذاب
حتى إذا ...
آنست نارا ...
والشتات شريعتي
تشدنا إلى حكاية موسى مع أهله في قوله تعالى : ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) ﴾ طه .
ويشير الشاعر إشارة مكثفة إلى قصة سليمان والنمل وذلك في قوله :
يا أهل الحكمة ..
مر الشاعر يوما ..
في وادي النمل
لم يفهم لغته
فبكى ...
وتحطم
****
ويظهر ذلك في قوله تعالى : ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) ﴾ النمل .
ويشير الشاعر إلى تعبير يوسف عليه السلام عن حلم رآه صاحباه وكان تفسيره له كما جاء في الآية القرآنية : ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) ﴾ يوسف .
وقد أشار الشاعر إلى ذلك في قوله :
ضليل الحلم .. أعواما
كمصلوب ...
ويأكل رأسه الطير ..
نبيل الصمت .. إيلاما
****
ويستعين الشاعر بشواهد التراث الشعبي لحكاية الشاطر حسن في مواضع متعددة مثل :
ولسوف أهمس في عروقك ألف أغنية ...
عن " الشاطر حسن " ...
هذا البطل
يأتي إليك ..
يلملم الأنوار من وحي الغزل
ويرشها ...
كالترتر " المذهول ..
في فستانك " البيج " المطرز ... كالقبل " صــ 7 ، 8 "
****
قالوا أتى " الشاطر حسن " ...
كالجدول المنساب من بين السحب
ركب الحصان العبقري ...
من الضياء المنسكب
وكساه لي ..
برقائق النور الطرب
يا عم
لو صنع الحصان من الذهب .. !!
يا عم
إني كالنساء
أعيش في حب الذهب
يا عم
ما قد كان كان ...
أخذ الحصان وقد ذهب
" صــ 17 ، 18 "
****
إنها شخصية شعبية واحدة ولكن قدرة الشاعر تشعر القارئ بأنه أمام شخصيات متعددة لهذه الشخصية الشعبية وإن اشتركت في جوهر واحد .
ولغة الشاعر لغة راقية ، وصوره على مستوى رفيع جدا من التناول .
ومن قدراته التصويرية توظيفه للتجسيم والتشخيص .
وهاتان الظاهرتان تتلخصان فيما يأتي :
التجسيد أو التجسيم ملمح فني يعني إبراز المعنوي ( الذي لا يدرك بحاسة من الحواس الخمس ) في صورة حسية. كقولنا " تحطم اليأس على صخرة الأم .
أما التشخيص فيعني أن ينسب للحسي الجماد والطبيعة ملامح بشرية ، كقولنا : " مصر هبة النيل" ، أو "إن الأهرامات تروى تاريخ قدماء المصريين .
وقد يجتمع التجسيد والتشخيص في مثال واحد، كقولنا " إن إيمان الرعيل الأول ينطق بالصدق واليقين " ، فالإيمان ظهر هنا في صورة حسية مشخصة .
وهناك من النقاد من يسوي بين التجسيد والتشخيص فهما يمثلان صورة بلاغية تنزل فيها الأفكار والمعاني منزلة الأشخاص، كما تنسب إلى الجماد والطبيعة صفات بشرية . والمصطلح الإنجليزي هنا مشتق من أصل يوناني، ولا يختلف في معناه عن كلمة " Personification " مثل قوله تعالى :
﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ " الرحمن 6 " .
وقول الشاعر:
والموت نقاد على كفه = جواهر يختار منها الجياد
وقد يكون تقسيم هذه الظاهرة إلى ثلاثة أنواع أدخل في باب الدقة ، كما مثلنا آنفا :
أ- فالتجسيد أو التجسيم هو إبراز المعنوي في صورة حسية غير عاقلة .
ب- التشخيص هو إبراز الحسي - غير العاقل - في صورة بشرية .
جـ- والجمع بينهما يعني إبراز المعنوي في صورة حسية بشرية
وهذه الظاهرة الفنية في كل أشكالها تنقل " المعروض " من حالته التقريرية أو المغيبة إلى حالة تُرى وتعاش بالبصر والبصيرة بما اكتسبته من نبض وحركة وحياة.
و هناك صيغة أخرى للتفريق بين التشخيص و التجسيد
هناك فرق كبير بين التجسيد و التشخيص الأول التجسيد أو التجسيم : معناه أن الشيء
المعنوي يتحول إلى شيء مادي ملموس مثل : تسرق إسرائيل الفرحة من القلوب ( فالفرحة شيء مادي يُسرق ) أي أنه ملموس يمسك الثاني
التشخيص معناه منح صفة من صفات البشر للشيء المعنوي مثل : الغدر يتكلم في قلب اليهود ( فالغدرشخص يتكلم ) أي أنك تعطي الغدر صفة من صفات البشر .
**********
وأغلب ما يوظفه الشاعر هو التجسيم والتشخيص متعانقين .
وكثير من صور الشاعر ابتكاري لم أقرأ مثلها لشاعر من قبل . مما يطول شرحه . ولا أبالغ إذا قلت إن للشاعر مستقبلا باهرا في عالم الشعر والتجديد . وفقه الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع الأصلي : التفردية في ديوان " هذه لغتي " -||- المصدر : الملتقى الثقافي العربي - الحقوق محفوظة -||- الكاتب : د.فتوح قهوة