في الثالث عشر من رمضان سنة 15 هـ (( الموافق 18 أكتوبر 636 م )) وصل أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب إلى فلسطين بعد معارك ضارية قادها جنود الإسلام لفتح ديار الشام ، وتسلَّم مفاتيح مدينة القدس ، وكتب لأهلها يؤمن أرواحهم وأموالهم .. (( ردَّ الله بيتَ المقدس إلى المسلمين ، ولعن الله اليهود وأخزاهم وهزمهم ، وأقام في المسلمين أمثال صلاح الدين ، وجند عمر )) !
هذه هي جيوش المسلمين تقتحم معاقل الفرس والروم وتدكها ولم يبق غير القدس هدفاً ، لكن نصارى القدس ، لم يحبذوا فكرة دخول المسلمين إلى الأرض المقدسة بسيوفهم وتسيل الدماء هناك ، فأرسلوا للخليفة العادل ، يطلبون منه المجيء لديارهم ليسلموها له ويسلموه مفاتيحها .
وصل رجاؤهم لخليفة المسلمين عمر رضي الله عنه ، فلم يخيب رجاءهم وكان بإمكانه ، وهو قائد المسلمين أن يرفض ويدخلها عبر السيف والدماء ويأمر باقتحامها ، كما فتحت أكثر المدن في عصره لكنه لم يفعل .
فكيف فتح الخليفة العادل القدس ؟
لم يمش عمر بن الخطاب للقدس بخيل قوية مطهمة ولا بجيوش جرارة ولا بعظمة وأبهة غير عظمة الإيمان في قلبه ، مشى إليها بناقة وخادم معه وزاده هو عبارة عن كفايته الطريق من الماء والخبز والتمر .
رحلة تاريخية ، من المدينة للقدس ، يقطع وخادمه الصحراء وحيدين ، أعزلين ، يتلوان سورة يس ، كان عمر رضي الله عنه يركب ناقته ساعة ويمشي خادمه ثم ينزل ليركب خادمه ساعة أخرى ويمشي هو ثم يمشي الاثنان ليريحا الناقة حتى وصلا قريباً من الجيش المحاصر للقدس بقيادة أبو عبيدة الجراح ، وبينهما منخفض ملئ بالماء والطين ، وكان الخادم راكباً وعمر ماشياً بيده مقود الناقة وكان الخادم يريد أن ينزل ليمشى ويركب أمير المؤمنين إلا أن الخليفة العادل أبى ذلك كله ، وبعظمة العدل والرحمة والتواضع خلع أمير المؤمنين نعليه ، قائد جيوش الفتوحات الإسلامية الكبيرة ، هازمة الروم والفرس ، خلعهما ووضعهما على عاتقه شمّر ثيابه إلى ما فوق ركبتيه وخاض الوحل حتى يجتاز المنخفض من جهة قواد جيوش المسلمين !!!! ، فتمرغت ساقاه بالوحل ، وعندما علمت جيوش المسلمين بمقدم أمير المؤمنين ، هب قائدها أبو عبيدة مع قواده الأربعة ليستقبلوه استقبالاً يليق بمقام خليفة المسلمين ، حين شاهد أبو عبيدة ما ناب ساقي أمير المؤمنين من الوحل قال له عن طيب نية ، والحرص على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه : " يا أمير المؤمنين لو أمرت بركوب ، فإنهم ينظرون إلينا " .
غضب عمر بعد مقولة أبي عبيدة هذه غضبته التاريخية الشهيرة ، وصاح بوجه هذا القائد الذي هزم الدولة البيزنطية - وأحد العشرة المبشرين بالجنة - صاح به قائلاً مقولته التاريخية الشهيرة : " والله لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لجعلته عبرة لآل محمد صلى الله عليه وسلم !!! لقد كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا ابتغينا عزاً بغير الإسلام أذلنا الله " .
وصل الركب الفاتح ، إلى باب دمشق ، أحد أسوار القدس ، والخليفة يمشي يقود الناقة وخادمه راكب وحشود الروم من عسكريين ومدنيين متجمهرين عند الأسوار يتفرجون مذهولين مصعوقين غير مصدقين لأغرب مشهد تاريخي حضاري لا يحلمون برؤيته ، وقد كان هناك فنانون ورسامون فرسم أحدهم صورة له تحدث عنها بعض الكتب العربية فجاء فيها : " كتاب يوناني مخطوط في دير المصابة ، يذكر حادثة مجيء الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتسلم بيت المقدس ، ومع النص رسم يمثل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين دخوله القدس ، وقد رسموه في ثياب أهل الجزيرة العربية ، ملتحياً داخلاً من باب دمشق ، باب العمود ، ذا مهابة ووقار ، ماشياً على قدميه في تواضع المخلصين الأبرار ، آخذاً مقود الراحلة بيسراه ، وإلى أعلى الرسم غلام أجرد أسود ، مستقر فوق رحلها ، رافعاً في وجه القوم عصاه ، مستنكراً سجودهم لمولاه - يعني عمر بن الخطاب - ، صائحاً فيهم : " ويحكم ! ارفعوا رؤوسكم ، فإنه لا ينبغي السجود إلا لله " .
حتى إذا استقر الركب عند الباب ، نزل إليه رئيس الأساقفة " صفر يانوس " ، البطريرك ، وبيده مفاتيح القدس ، وبعد أن سلّم عليه ، قال له : إن صفات من يتسلم مفاتيح إيلياء (( بيت المقدس )) ثلاثة ، وهي مكتوبة في كتابنا - يقصد شروح الإنجيل - :
أولها : يأتي ماشياً وخادمه راكب .
ثانيها : يأتي ورجلاه ممرغتان في الوحل .
وثالثها : لو سمحت أن أعدّ الرقع التي في ثوبك .
فعدّها ، فإذا هي سبع عشرة رقعة ! فقال : وهذه هي الصفة الثالثة .
وحين تأكد البطريرك من ثبوت العلامات الثلاث سلّم أمير المؤمنين مفاتيح القدس ، واتجه إلى زاوية يبكي ، فأتاه عمر رضي الله عنه يسليه ويعزّيه بسماحة القائد المنتصر بدلاً من اهانته وتحقيره والاستعلاء عليه والتعاظم والتفاخر ، وقال له برحمة المسلمين " إن الدنيا دول وأنشد : فيوم علينا ويوم لنا ويوماً نُساءُ ويوماً نُسرّ" .
فأجابه بطريرك القدس : " ما حزنت لأنكم دخلتم دخول الفاتحين الغزاة ، لتكون الدنيا دول بيننا ، ونستردها يوماً ما ، ولكنكم ملكتموها إلى الأبد بعقيدة الإسلام وحكم الإسلام ، وأخلاق الإسلام ".
وضاع منا اليوم الإسلام فخسرناها خسران الفاشلين الجبناء الصامتين .
وبعد أن تسلم الفاروق مفاتيح بيت المقدس ، وقّع مع أهلها النصارى" الوثيقة العمرية ".
وقد نصت الوثيقة على أن يعامل فيها أهل إيلياء بالمساواة - بالحقوق والواجبات - من دون تمايز الفاتحين على المغلوبين ومن دون تفضيل المسلمين على النصارى في المعاملات ، وسجل في الوثيقة أن لأهل إيلياء ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، كما اشترط أهل إيلياء النصارى على خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه أن لا يسمح ليهودي أن يسكنها معهم ، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود .
فوافق على ذلك ، لعلمه بما كان هناك من أحقاد وضغينة ومجازر فظيعة قام بها اليهود ، وبما يكيد اليهود دائماً من الدسائس والفوضى ، فأمر عمر بإخراجهم منها .
وشهد على الوثيقة : خالد بن الوليد ، عمرو بن العاص ، عبد الرحمن بن عوف ، معاوية بن أبي سفيان ، وعمر بن الخطاب .
ثم دخل الفاروق القدس ، ودخل كنيسة القيامة ، وتروي بعض كتب التاريخ أنه رأى بعض آثار هيكل سليمان وما تبقى منها وعليه التراب ، فانحنى إليه يمسحه بطرف ثوبه ، فأقبل من ورائه الجند يزيحون عنه الغبار ، حتى تلألأ ، ورمم عمر من الهيكل ما استطاع ، وبنى فيه الجامع المنسوب إليه جامع عمر ، ويعلق المؤرخون على ذلك : أن لو كان للهيكل لسان لقال : هذه حرية الإسلام ، وعدالة الإسلام ، والهياكل محرّمة في الإسلام ، وهيكل اليهود لا يقرّه الإسلام ولا يعترف بقدسيته ، ولكنه احترام لمشاعر أهل الكتاب ، وترك الحرية التامة لهم بممارسة شؤونهم الدينية من غير تدخل في شؤونهم ، ولو كانت طقوسهم مغايرة أو مضادة لعقيدة المسلمين .
ثم جاء وقت الصلاة ، وهو في كنيسة القيامة ، فأعلن لمَن معه أن الكنيسة مكان عبادة الله ، ومسموح له أن يصلي فيها ، ولكن يخاف أن يأتي يوم يقول فيه المسلمون : إن عمر الفاروق صلى هنا ، فيقتطعون من الكنيسة مسجداً لهم ، فخرج وصلّى على بعد 500 متر منها ، حيث أشيد مكان صلاته مسجد سمّي بمسجد عمر ، وهو يبعد كذلك بنفس المسافة عن الأقصى الذي كان منه معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء .
بعد كل نصر تاريخي ، يكون هناك احتفال تاريخي ، لكن احتفال عمر والمسلمين بفتح القدس كان احتفالاً نوعياً متميّزاً ، كفتحهم النوعي المجيد ، فأمضى الليل والمسلمين بالابتهال لله والدعاء والقيام ، وكان عمر رضي الله عنه إذا اعتدل من سجوده ، رأوه يبكي ، قالوا له يا أمير المؤمنين أتبكي ساعة النصر ؟ ! قال نعم ذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناه : (( لا الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تقبل عليكم الدنيا ، كما أقبلت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم )) .
ولم تزل مفاتيح كنيسة القيامة حتى اليوم بأيدي إحدى الأسر المسلمة العريقة ، التي سلمها إياها المسيحيون من سكان إيلياء ، حين تسلم الفاروق للقدس ، ثقة منهم بالفاتحين الأبرار من المسلمين .
هذه هي جيوش المسلمين تقتحم معاقل الفرس والروم وتدكها ولم يبق غير القدس هدفاً ، لكن نصارى القدس ، لم يحبذوا فكرة دخول المسلمين إلى الأرض المقدسة بسيوفهم وتسيل الدماء هناك ، فأرسلوا للخليفة العادل ، يطلبون منه المجيء لديارهم ليسلموها له ويسلموه مفاتيحها .
وصل رجاؤهم لخليفة المسلمين عمر رضي الله عنه ، فلم يخيب رجاءهم وكان بإمكانه ، وهو قائد المسلمين أن يرفض ويدخلها عبر السيف والدماء ويأمر باقتحامها ، كما فتحت أكثر المدن في عصره لكنه لم يفعل .
فكيف فتح الخليفة العادل القدس ؟
لم يمش عمر بن الخطاب للقدس بخيل قوية مطهمة ولا بجيوش جرارة ولا بعظمة وأبهة غير عظمة الإيمان في قلبه ، مشى إليها بناقة وخادم معه وزاده هو عبارة عن كفايته الطريق من الماء والخبز والتمر .
رحلة تاريخية ، من المدينة للقدس ، يقطع وخادمه الصحراء وحيدين ، أعزلين ، يتلوان سورة يس ، كان عمر رضي الله عنه يركب ناقته ساعة ويمشي خادمه ثم ينزل ليركب خادمه ساعة أخرى ويمشي هو ثم يمشي الاثنان ليريحا الناقة حتى وصلا قريباً من الجيش المحاصر للقدس بقيادة أبو عبيدة الجراح ، وبينهما منخفض ملئ بالماء والطين ، وكان الخادم راكباً وعمر ماشياً بيده مقود الناقة وكان الخادم يريد أن ينزل ليمشى ويركب أمير المؤمنين إلا أن الخليفة العادل أبى ذلك كله ، وبعظمة العدل والرحمة والتواضع خلع أمير المؤمنين نعليه ، قائد جيوش الفتوحات الإسلامية الكبيرة ، هازمة الروم والفرس ، خلعهما ووضعهما على عاتقه شمّر ثيابه إلى ما فوق ركبتيه وخاض الوحل حتى يجتاز المنخفض من جهة قواد جيوش المسلمين !!!! ، فتمرغت ساقاه بالوحل ، وعندما علمت جيوش المسلمين بمقدم أمير المؤمنين ، هب قائدها أبو عبيدة مع قواده الأربعة ليستقبلوه استقبالاً يليق بمقام خليفة المسلمين ، حين شاهد أبو عبيدة ما ناب ساقي أمير المؤمنين من الوحل قال له عن طيب نية ، والحرص على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه : " يا أمير المؤمنين لو أمرت بركوب ، فإنهم ينظرون إلينا " .
غضب عمر بعد مقولة أبي عبيدة هذه غضبته التاريخية الشهيرة ، وصاح بوجه هذا القائد الذي هزم الدولة البيزنطية - وأحد العشرة المبشرين بالجنة - صاح به قائلاً مقولته التاريخية الشهيرة : " والله لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لجعلته عبرة لآل محمد صلى الله عليه وسلم !!! لقد كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا ابتغينا عزاً بغير الإسلام أذلنا الله " .
وصل الركب الفاتح ، إلى باب دمشق ، أحد أسوار القدس ، والخليفة يمشي يقود الناقة وخادمه راكب وحشود الروم من عسكريين ومدنيين متجمهرين عند الأسوار يتفرجون مذهولين مصعوقين غير مصدقين لأغرب مشهد تاريخي حضاري لا يحلمون برؤيته ، وقد كان هناك فنانون ورسامون فرسم أحدهم صورة له تحدث عنها بعض الكتب العربية فجاء فيها : " كتاب يوناني مخطوط في دير المصابة ، يذكر حادثة مجيء الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتسلم بيت المقدس ، ومع النص رسم يمثل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين دخوله القدس ، وقد رسموه في ثياب أهل الجزيرة العربية ، ملتحياً داخلاً من باب دمشق ، باب العمود ، ذا مهابة ووقار ، ماشياً على قدميه في تواضع المخلصين الأبرار ، آخذاً مقود الراحلة بيسراه ، وإلى أعلى الرسم غلام أجرد أسود ، مستقر فوق رحلها ، رافعاً في وجه القوم عصاه ، مستنكراً سجودهم لمولاه - يعني عمر بن الخطاب - ، صائحاً فيهم : " ويحكم ! ارفعوا رؤوسكم ، فإنه لا ينبغي السجود إلا لله " .
حتى إذا استقر الركب عند الباب ، نزل إليه رئيس الأساقفة " صفر يانوس " ، البطريرك ، وبيده مفاتيح القدس ، وبعد أن سلّم عليه ، قال له : إن صفات من يتسلم مفاتيح إيلياء (( بيت المقدس )) ثلاثة ، وهي مكتوبة في كتابنا - يقصد شروح الإنجيل - :
أولها : يأتي ماشياً وخادمه راكب .
ثانيها : يأتي ورجلاه ممرغتان في الوحل .
وثالثها : لو سمحت أن أعدّ الرقع التي في ثوبك .
فعدّها ، فإذا هي سبع عشرة رقعة ! فقال : وهذه هي الصفة الثالثة .
وحين تأكد البطريرك من ثبوت العلامات الثلاث سلّم أمير المؤمنين مفاتيح القدس ، واتجه إلى زاوية يبكي ، فأتاه عمر رضي الله عنه يسليه ويعزّيه بسماحة القائد المنتصر بدلاً من اهانته وتحقيره والاستعلاء عليه والتعاظم والتفاخر ، وقال له برحمة المسلمين " إن الدنيا دول وأنشد : فيوم علينا ويوم لنا ويوماً نُساءُ ويوماً نُسرّ" .
فأجابه بطريرك القدس : " ما حزنت لأنكم دخلتم دخول الفاتحين الغزاة ، لتكون الدنيا دول بيننا ، ونستردها يوماً ما ، ولكنكم ملكتموها إلى الأبد بعقيدة الإسلام وحكم الإسلام ، وأخلاق الإسلام ".
وضاع منا اليوم الإسلام فخسرناها خسران الفاشلين الجبناء الصامتين .
وبعد أن تسلم الفاروق مفاتيح بيت المقدس ، وقّع مع أهلها النصارى" الوثيقة العمرية ".
وقد نصت الوثيقة على أن يعامل فيها أهل إيلياء بالمساواة - بالحقوق والواجبات - من دون تمايز الفاتحين على المغلوبين ومن دون تفضيل المسلمين على النصارى في المعاملات ، وسجل في الوثيقة أن لأهل إيلياء ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، كما اشترط أهل إيلياء النصارى على خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه أن لا يسمح ليهودي أن يسكنها معهم ، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود .
فوافق على ذلك ، لعلمه بما كان هناك من أحقاد وضغينة ومجازر فظيعة قام بها اليهود ، وبما يكيد اليهود دائماً من الدسائس والفوضى ، فأمر عمر بإخراجهم منها .
وشهد على الوثيقة : خالد بن الوليد ، عمرو بن العاص ، عبد الرحمن بن عوف ، معاوية بن أبي سفيان ، وعمر بن الخطاب .
ثم دخل الفاروق القدس ، ودخل كنيسة القيامة ، وتروي بعض كتب التاريخ أنه رأى بعض آثار هيكل سليمان وما تبقى منها وعليه التراب ، فانحنى إليه يمسحه بطرف ثوبه ، فأقبل من ورائه الجند يزيحون عنه الغبار ، حتى تلألأ ، ورمم عمر من الهيكل ما استطاع ، وبنى فيه الجامع المنسوب إليه جامع عمر ، ويعلق المؤرخون على ذلك : أن لو كان للهيكل لسان لقال : هذه حرية الإسلام ، وعدالة الإسلام ، والهياكل محرّمة في الإسلام ، وهيكل اليهود لا يقرّه الإسلام ولا يعترف بقدسيته ، ولكنه احترام لمشاعر أهل الكتاب ، وترك الحرية التامة لهم بممارسة شؤونهم الدينية من غير تدخل في شؤونهم ، ولو كانت طقوسهم مغايرة أو مضادة لعقيدة المسلمين .
ثم جاء وقت الصلاة ، وهو في كنيسة القيامة ، فأعلن لمَن معه أن الكنيسة مكان عبادة الله ، ومسموح له أن يصلي فيها ، ولكن يخاف أن يأتي يوم يقول فيه المسلمون : إن عمر الفاروق صلى هنا ، فيقتطعون من الكنيسة مسجداً لهم ، فخرج وصلّى على بعد 500 متر منها ، حيث أشيد مكان صلاته مسجد سمّي بمسجد عمر ، وهو يبعد كذلك بنفس المسافة عن الأقصى الذي كان منه معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء .
بعد كل نصر تاريخي ، يكون هناك احتفال تاريخي ، لكن احتفال عمر والمسلمين بفتح القدس كان احتفالاً نوعياً متميّزاً ، كفتحهم النوعي المجيد ، فأمضى الليل والمسلمين بالابتهال لله والدعاء والقيام ، وكان عمر رضي الله عنه إذا اعتدل من سجوده ، رأوه يبكي ، قالوا له يا أمير المؤمنين أتبكي ساعة النصر ؟ ! قال نعم ذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناه : (( لا الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تقبل عليكم الدنيا ، كما أقبلت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم )) .
ولم تزل مفاتيح كنيسة القيامة حتى اليوم بأيدي إحدى الأسر المسلمة العريقة ، التي سلمها إياها المسيحيون من سكان إيلياء ، حين تسلم الفاروق للقدس ، ثقة منهم بالفاتحين الأبرار من المسلمين .