هل كان السلف يعملون أم كانوا متفرغين للعلم ؟ وما فائدة قراءة تراجم العلماء ؟
عندي مشكلة وهي عندما أقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أشعر بالسعادة وحب العمل الصالح والإقدام عليه ، وكذا عندما أقرأ سير الصحابة رضوان الله عليهم ، فأشعر بالحياة السعيدة عندهم في الدارين ، لكن عندما أقرأ سير السلف ( أي : من بعدهم ) أشعر بالحزن ، وأشعر أن الدين والالتزام به خالٍ من الحياة ، يعني : بمعنى آخر : لا أشعر أن بعض السلف يعيشون الحياة كما يعيشها الصحابة ، ولذلك أجد أن الصحابة يعملون في الزراعة وغيرها مثلا من أمور الدنيا ، بينما أجد بعض سير السلف أو كثير ممن قرأت لهم لا يوجد فيها سوى طلب العلم والحفظ والعمل دون وجود لهم في الحياة العامة وكرهم للدنيا المبالغ فيه في فهمي - وأعلم أن هذا من فهمي السقيم الذي أريد منكم توضيحه لي - . الأمر الآخر : أشعر بالتحطم إذا قرأت سير السلف الصالح لأني أشعر أنني ولا شيء مقارنة بهم ويجعلني هذا الشعور لا أعمل أحيانا فما هو السبب لهذا خلافاً عندما أقرأ في سير الصحابة رغم أني أحب جميع السلف حبّاً كبيراً والذين قدموا لهذا الدين الشيء الكبير وعلى رأسهم الإمام الليث بن سعد رحمه الله ؟ . فأرجو منكم أن تريحوا بالي أراحكم الله .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما تقوله عن واقع سلف هذه الأمة ـ ممن بعد الصحابة ـ ليس صوابا ، وليست حياتهم كالذي فهمته من قراءة بعض السير والتراجم ؛ فالسلف الصالح ليسوا مجموعة علماء عاشوا على الأوقاف والعطايا ! بل إن لهم مساهمة فاعلة في بناء حضارة الإسلام ، وبناء بلدانهم ، وقد برز ذلك في تنوع أعمالهم ، ومهنهم ، فلم يكن العلم الشرعي ليمنعهم من أن يكون أحدهم تاجراً ، أو مزارعاً ، أو نجَّاراً ، أو حدّاداً ، أو قصَّاباً ، وأن يكون طبيباً ، وفلكيّاً ، فقد ساروا على ما سار عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من فهم للدين على وجهه الصحيح ، ثم تطبيق ذلك في واقعهم العملي ، وبما أنك تحب الإمام الليث بن سعد – وهو حري بتلك المحبة – فاجعل منه أنموذجاً على ما نقوله هنا ، فقد كان رحمه الله من التجار ، ولم تمنعه تجارته أن يكون من أعلام المسلمين ، وقل مثل ذلك في الإمام التاجر عبد الله بن المبارك رحمه الله .
ولو أنه قُدِّر لك – أخي السائل – الاطلاع على تراجم الأئمة بدقة وتأمل : لما حصل عندك الخلل في ذلك الفهم لواقع أولئك الأئمة الأعلام ، ففي تراجم أولئك الأئمة كان يُذكر صنعة أحدهم ، أو عمله ، فيُنسب لتلك المهنة ، أو لذلك العمل ، وقد جمع بعض الباحثين ذلك في كتاب مستقل أسماه " الطرفة فيمن نسب من العلماء إلى مهنة أو حرفة " ؛ وفي هذا الكتاب قرابة أربعمائة حرفة ومهنة ، منسوبة إلى قرابة ألف وخمسمائة محدِّث ، وفقيه ، وأديب .
ومن النماذج التي يمكن ذكرها ها هنا لأولئك الأعلام :
1. الآجرِّي ، نسبة إلى عمل الآجر وبيعه ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : أبو بكر محمد بن الحسين الآجرِّي ، صاحب كتاب " الشريعة " .
2. الأنماطي ، نسبة إلى بيع الأنماط ، وهي الفرش التي تبسط ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : عثمان بن سعيد بن بشار أبو القاسم الأنماطي البغدادي الأحول .
قال ابن قاضي شهبة – رحمه الله - :
أحد أئمة الشافعية في عصره ، أخذ الفقه عن المزني والربيع ، وأخذ عنه أبو العباس ابن سريج ، قال الشيخ أبو إسحاق : كان هو السبب في نشاط الناس لكتب فقه الشافعي وتحفظه .
" طبقات الشافعية "( 1 / 80 ) .
3. البحراني ، نسبة إلى ركوب البحر ، أو قيادة السفن ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : محمد بن معمر بن ربعي البحراني القيسي البصري ، وقد روى عنه الأئمة الستة .
4. البربهاري ، نسبة إلى بربهار ، وهي الأدوية التي تُجلب من الهند ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري .
قال ابن أبي يعلي – رحمه الله - :
شيخ الطائفة في وقته ، ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع ، والمباينة لهم باليد واللسان ، وكان له صيت عند السلطان ، وقدم عند الأصحاب ، وكان أحد الأئمة العارفين ، والحفاظ للأصول المتقين ، والثقات المؤمنين .
" طبقات الحنابلة " ( 2 / 16 ) .
5. الحداد ، والحدَّادي ، نسبة إلى الحدادة ، وهي العمل في الحديد ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : محمد بن الحسين .
قال الذهبي – رحمه الله - :
شيخ مرو ، القاضي الكبير ، أبو الفضل ، محمد بن الحسين بن محمد بن مهران المروزي الحدادي .
قال الحاكم : كان شيخ أهل مرو في الحديث والفقه والتصوف والفتيا .
" سير أعلام النبلاء " ( 16 / 470 ) .
ثانياً:
أما الأمر الآخر الذي تذكره في سؤالك : فهو مما يستغرب منه ؛ لأن قراءة سير أعلام النبلاء من الأئمة الأعلام تشحذ الهمم وتقوي العزيمة على العمل ، لا على التثاقل والكسل ! وما تقرؤه من أعمال أولئك ليس مستحيلاً على المرء أن يقتدي به ، بل يمكنه أن يعمل ، وكل بحسبه ، وكل بما يطيقه ، ففي الناس اليوم بقية من السلف الصالح في هممهم واجتهاده ، وفي الناس بالأمس من هو ظالم لنفسه ، أو مقتصد ، كما أن فيهم السابق بالخيرات بإذن الله .
ولك في بعض المعاصرين من أهل العلم والزهد والطاعة قدوة وأسوة ، فها هو الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – مثلاً – قد ضرب أروع الأمثلة في إمكان أن يكون المسلم منَّا على هدي السلف ومنهاجهم ، من الأئمة الأعلام ، في الطاعة والعبادة ، فلم يُختم التنافس على التقرب من الله تعالى بانتهاء القرون الثلاثة ، نعم لهم فضلهم ، ولهم مكانتهم العالية ، لكن لا يعني هذا أنهم استأثروا بالسبق والدرجات العلى دون الباقين ؛ فالسوق قائمة والجنة قد أزلفت للمتقين ؛ لكن هل من مشمر لها ؟!!
لذا أخي السائل لا ينبغي لك أن يصيبك اليأس من اللحاق بركب من سلف من الأئمة ، ولتجعل من قراءتك لسيرهم دافعاً نحو العمل بجد واجتهاد ، وهذا من أعظم فوائد قراءة التراجم لأولئك العلماء ، والعبَّاد ، والمجاهدين .
قال الشيخ عبد الحي اللكنوني – رحمه الله - في مقدمة كتابه " الفوائد البهية في تراجم الحنفية " ( ص 2 ) - :
وأجلها : فن تراجم الكبار ، وأخبار الأخيار ، ففيه غير ما مضى فوائد جمة ، ومنافع مهمة .
منها : الإطلاع على مناقبهم وأوصافهم ونباهتهم وجلالتهم ؛ ليحصل التأدب بآدابهم والتخلق بأخلاقهم فيحشر في زمرتهم ، ويدخل فيهم وإن لم يكن منهم ... .
ومنها : الاطلاع على آثارهم وحكاياتهم وفيوضهم وتصنيفاتهم ، فيتحرك عرق الشوق إلى الاهتداء بهديهم ، والاقتداء بسيرهم .
انتهى
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد – وفقه الله – في مقدمة كتابه " تراجم لتسعة من الأعلام " – ( ص 1 ) :
فإن الهمم لتخمد ، و إن الرياح لتسكن ، وإن النفوس ليعتريها الملل ، وينتابها الفتور ، وإن سيَر العظماء لمِن أعظم ما يذكي الأوار ، ويبعث الهمم ، ويرتقي بالعقول ، ويوحي بالاقتداء ، وكم من الناس من أقبل على الجِد ، وتداعى إلى العمل ، وانبعث إلى معالي الأمور ، وترقى في مدارج الكمالات بسبب حكاية قرأها ، أو حادثة رويت له .... .
هذا ، وإن من أعظم المقاصد لكتابة تلك التراجم : بيان الجوانب المشرقة - وما أكثرها - من سير عظمائنا ، والتنويه بما لهم من أعمال جليلة ، وأياد بيضاء ، وإيقاظ الهمم وحفزها ، والارتقاء بالأخلاق وتقويم عوجها ، وتزويد القارئ بشيء من خلاصات التجارب ، وقرائح الأفهام .
انتهى
والله أعلم
عندي مشكلة وهي عندما أقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أشعر بالسعادة وحب العمل الصالح والإقدام عليه ، وكذا عندما أقرأ سير الصحابة رضوان الله عليهم ، فأشعر بالحياة السعيدة عندهم في الدارين ، لكن عندما أقرأ سير السلف ( أي : من بعدهم ) أشعر بالحزن ، وأشعر أن الدين والالتزام به خالٍ من الحياة ، يعني : بمعنى آخر : لا أشعر أن بعض السلف يعيشون الحياة كما يعيشها الصحابة ، ولذلك أجد أن الصحابة يعملون في الزراعة وغيرها مثلا من أمور الدنيا ، بينما أجد بعض سير السلف أو كثير ممن قرأت لهم لا يوجد فيها سوى طلب العلم والحفظ والعمل دون وجود لهم في الحياة العامة وكرهم للدنيا المبالغ فيه في فهمي - وأعلم أن هذا من فهمي السقيم الذي أريد منكم توضيحه لي - . الأمر الآخر : أشعر بالتحطم إذا قرأت سير السلف الصالح لأني أشعر أنني ولا شيء مقارنة بهم ويجعلني هذا الشعور لا أعمل أحيانا فما هو السبب لهذا خلافاً عندما أقرأ في سير الصحابة رغم أني أحب جميع السلف حبّاً كبيراً والذين قدموا لهذا الدين الشيء الكبير وعلى رأسهم الإمام الليث بن سعد رحمه الله ؟ . فأرجو منكم أن تريحوا بالي أراحكم الله .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما تقوله عن واقع سلف هذه الأمة ـ ممن بعد الصحابة ـ ليس صوابا ، وليست حياتهم كالذي فهمته من قراءة بعض السير والتراجم ؛ فالسلف الصالح ليسوا مجموعة علماء عاشوا على الأوقاف والعطايا ! بل إن لهم مساهمة فاعلة في بناء حضارة الإسلام ، وبناء بلدانهم ، وقد برز ذلك في تنوع أعمالهم ، ومهنهم ، فلم يكن العلم الشرعي ليمنعهم من أن يكون أحدهم تاجراً ، أو مزارعاً ، أو نجَّاراً ، أو حدّاداً ، أو قصَّاباً ، وأن يكون طبيباً ، وفلكيّاً ، فقد ساروا على ما سار عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من فهم للدين على وجهه الصحيح ، ثم تطبيق ذلك في واقعهم العملي ، وبما أنك تحب الإمام الليث بن سعد – وهو حري بتلك المحبة – فاجعل منه أنموذجاً على ما نقوله هنا ، فقد كان رحمه الله من التجار ، ولم تمنعه تجارته أن يكون من أعلام المسلمين ، وقل مثل ذلك في الإمام التاجر عبد الله بن المبارك رحمه الله .
ولو أنه قُدِّر لك – أخي السائل – الاطلاع على تراجم الأئمة بدقة وتأمل : لما حصل عندك الخلل في ذلك الفهم لواقع أولئك الأئمة الأعلام ، ففي تراجم أولئك الأئمة كان يُذكر صنعة أحدهم ، أو عمله ، فيُنسب لتلك المهنة ، أو لذلك العمل ، وقد جمع بعض الباحثين ذلك في كتاب مستقل أسماه " الطرفة فيمن نسب من العلماء إلى مهنة أو حرفة " ؛ وفي هذا الكتاب قرابة أربعمائة حرفة ومهنة ، منسوبة إلى قرابة ألف وخمسمائة محدِّث ، وفقيه ، وأديب .
ومن النماذج التي يمكن ذكرها ها هنا لأولئك الأعلام :
1. الآجرِّي ، نسبة إلى عمل الآجر وبيعه ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : أبو بكر محمد بن الحسين الآجرِّي ، صاحب كتاب " الشريعة " .
2. الأنماطي ، نسبة إلى بيع الأنماط ، وهي الفرش التي تبسط ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : عثمان بن سعيد بن بشار أبو القاسم الأنماطي البغدادي الأحول .
قال ابن قاضي شهبة – رحمه الله - :
أحد أئمة الشافعية في عصره ، أخذ الفقه عن المزني والربيع ، وأخذ عنه أبو العباس ابن سريج ، قال الشيخ أبو إسحاق : كان هو السبب في نشاط الناس لكتب فقه الشافعي وتحفظه .
" طبقات الشافعية "( 1 / 80 ) .
3. البحراني ، نسبة إلى ركوب البحر ، أو قيادة السفن ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : محمد بن معمر بن ربعي البحراني القيسي البصري ، وقد روى عنه الأئمة الستة .
4. البربهاري ، نسبة إلى بربهار ، وهي الأدوية التي تُجلب من الهند ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري .
قال ابن أبي يعلي – رحمه الله - :
شيخ الطائفة في وقته ، ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع ، والمباينة لهم باليد واللسان ، وكان له صيت عند السلطان ، وقدم عند الأصحاب ، وكان أحد الأئمة العارفين ، والحفاظ للأصول المتقين ، والثقات المؤمنين .
" طبقات الحنابلة " ( 2 / 16 ) .
5. الحداد ، والحدَّادي ، نسبة إلى الحدادة ، وهي العمل في الحديد ، ومن العلماء المشهورين بتلك النسبة : محمد بن الحسين .
قال الذهبي – رحمه الله - :
شيخ مرو ، القاضي الكبير ، أبو الفضل ، محمد بن الحسين بن محمد بن مهران المروزي الحدادي .
قال الحاكم : كان شيخ أهل مرو في الحديث والفقه والتصوف والفتيا .
" سير أعلام النبلاء " ( 16 / 470 ) .
ثانياً:
أما الأمر الآخر الذي تذكره في سؤالك : فهو مما يستغرب منه ؛ لأن قراءة سير أعلام النبلاء من الأئمة الأعلام تشحذ الهمم وتقوي العزيمة على العمل ، لا على التثاقل والكسل ! وما تقرؤه من أعمال أولئك ليس مستحيلاً على المرء أن يقتدي به ، بل يمكنه أن يعمل ، وكل بحسبه ، وكل بما يطيقه ، ففي الناس اليوم بقية من السلف الصالح في هممهم واجتهاده ، وفي الناس بالأمس من هو ظالم لنفسه ، أو مقتصد ، كما أن فيهم السابق بالخيرات بإذن الله .
ولك في بعض المعاصرين من أهل العلم والزهد والطاعة قدوة وأسوة ، فها هو الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – مثلاً – قد ضرب أروع الأمثلة في إمكان أن يكون المسلم منَّا على هدي السلف ومنهاجهم ، من الأئمة الأعلام ، في الطاعة والعبادة ، فلم يُختم التنافس على التقرب من الله تعالى بانتهاء القرون الثلاثة ، نعم لهم فضلهم ، ولهم مكانتهم العالية ، لكن لا يعني هذا أنهم استأثروا بالسبق والدرجات العلى دون الباقين ؛ فالسوق قائمة والجنة قد أزلفت للمتقين ؛ لكن هل من مشمر لها ؟!!
لذا أخي السائل لا ينبغي لك أن يصيبك اليأس من اللحاق بركب من سلف من الأئمة ، ولتجعل من قراءتك لسيرهم دافعاً نحو العمل بجد واجتهاد ، وهذا من أعظم فوائد قراءة التراجم لأولئك العلماء ، والعبَّاد ، والمجاهدين .
قال الشيخ عبد الحي اللكنوني – رحمه الله - في مقدمة كتابه " الفوائد البهية في تراجم الحنفية " ( ص 2 ) - :
وأجلها : فن تراجم الكبار ، وأخبار الأخيار ، ففيه غير ما مضى فوائد جمة ، ومنافع مهمة .
منها : الإطلاع على مناقبهم وأوصافهم ونباهتهم وجلالتهم ؛ ليحصل التأدب بآدابهم والتخلق بأخلاقهم فيحشر في زمرتهم ، ويدخل فيهم وإن لم يكن منهم ... .
ومنها : الاطلاع على آثارهم وحكاياتهم وفيوضهم وتصنيفاتهم ، فيتحرك عرق الشوق إلى الاهتداء بهديهم ، والاقتداء بسيرهم .
انتهى
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد – وفقه الله – في مقدمة كتابه " تراجم لتسعة من الأعلام " – ( ص 1 ) :
فإن الهمم لتخمد ، و إن الرياح لتسكن ، وإن النفوس ليعتريها الملل ، وينتابها الفتور ، وإن سيَر العظماء لمِن أعظم ما يذكي الأوار ، ويبعث الهمم ، ويرتقي بالعقول ، ويوحي بالاقتداء ، وكم من الناس من أقبل على الجِد ، وتداعى إلى العمل ، وانبعث إلى معالي الأمور ، وترقى في مدارج الكمالات بسبب حكاية قرأها ، أو حادثة رويت له .... .
هذا ، وإن من أعظم المقاصد لكتابة تلك التراجم : بيان الجوانب المشرقة - وما أكثرها - من سير عظمائنا ، والتنويه بما لهم من أعمال جليلة ، وأياد بيضاء ، وإيقاظ الهمم وحفزها ، والارتقاء بالأخلاق وتقويم عوجها ، وتزويد القارئ بشيء من خلاصات التجارب ، وقرائح الأفهام .
انتهى
والله أعلم