اَلْحَمْدُ لِلهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَانَا اِلَى الْاِسْلَامِ وَبَعَثَ اِلَيْنَا خَيْرَ الْاَنَامِ، وَجَعَلَنَا خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ طَالَمَا نَاْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَنُؤْمِنُ بِالله، نُوصِي اَنْفُسَنَا جَمِيعاً بِتَقْوَى اللهِ الْعَظِيمِ وَطَاعَتِه، وَنُحَذّرُهَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِ اَوَامِرِه، لَهُ الْعُتْبَى حَتَّى يَرْضَى وَلَاحَوْلَ وَلَاقُوَّةَ اِلَّا بِه، وَنَسْتَفْتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيْر رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَاِلَيْكَ اَنَبْنَا وَاِلَيْكَ الْمَصِير، وَاَشْهَدُ اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَه، اَلرَّحْمَنُ الرَّحِيم، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه، اَلْقَائِل[اَنَا الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاة] اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلّمْ وَبَارِكْ وَتَفَضَّلْ وَتَحَنَّنْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيم وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ثَمَرَاتِ الْقُلُوبِ وَعَلَى الْاَصْحَابِ الَّذِينَ آَزَرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً يَارَبَّ الْعَالَمِين، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام: لَقَدْ مَضَى عَلَيْنَا شَهْرُ جُمَادَى الْاُولَى، وَهَذَا الشَّهْرُ لَهُ تَارِيخٌ عَظِيمٌ فِي الْاِسْلَام، فَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَفِي شَهْرِ جُمَادَى الْاُولَى، حَدَثَتْ غَزْوَةٌ تُسَمَّى غَزْوَةَ مُؤْتَة، وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا كَمَا يَقُولُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ اَنْ تُسَمَّى سَرِيَّةً؟ لِاَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا، نَعَمْ اَخِي: وَفِي التَّارِيخِ الْاِسْلَامِيِّ، اِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ، تُسَمَّى غَزْوَة، وَاِذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، تُسَمَّى سَرِيَّة، اِلَّا هَذِهِ السَّرِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ فِي مُؤْتَة، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةً؟ لِاَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ اهْتَمَّ بِهَا اهْتِمَاماً خَاصّاً، فَعَيَّنَ ثَلَاثَةً مِنَ الْقُوَّادِ وَالْاُمَرَاءِ بِهَذِهِ الْغَزْوَة، زَيْدُ بْنُ حَارِثَة، وَجَعْفَرُ بْنُ اَبِي طَالِب، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَقَال: اِذَا اسْتُشْهِدَ الْاَوَّلُ، اَخَذَ الرَّايَةَ الثَّانِي، وَاِذَا اسْتُشْهِدَ الثَّانِي، اَخَذَ الرَّايَةَ الثَّالِثَ، وَهُنَا مَاسَبَبُ هَذِهِ الْغَزْوَة؟ هَلْ سِيَاسَةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَقُومُ عَلَى الِاعْتِدَاءِ عَلَى النَّاس؟ مَعَاذَ الله! مَعَاذَ اللهِ اَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ عُدْوَانِيّاً وَهُوَ الَّذِي اَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين! اِذاً مَا هُوَ سَبَبُ هَذِهِ الْغَزْوَة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: كَانَ مِنْ وَاجِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اَنْ يُبَلِّغَ رِسَالَةَ الْاِسْلَامِ اِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ؟ لِاَنَّ رِسَالَتَهُ تَتَمَيَّزُ بِاَنَّهَا عَالَمِيَّة، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَمَااَرْسَلْنَاكَ اِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} فَمَاذَا حَدَثَ حَتَّى جَهَّزَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ اَوِ السَّرِيَّة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَرْسَلَ بِكُتُبِهِ اِلَى مُلُوكِ وَعُظَمَاءِ الْعَالَمِ، يَدْعُوهُمْ اِلَى الْاِسْلَامِ بِالَّتِي هِيَ اَحْسَن، نَعَمْ اَخِي: وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ بَعَثَ اِلَيْهِمْ، بَعَثَ كِتَاباً اِلَى اَمِيرِ بُصْرَى الشَّامِ، وَكَانَ هَذَا الْاَمِيرُ وَالِياً عَلَى بُصْرَى هَذِهِ مِنْ قِبَلِ هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّوم، فَبَعَثَ اِلَيْهِ كِتَاباً، فَلَمَّا وَصَلَ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ اِلَى هَذَا الْوَالِي مَاذَا فَعَلَ الْوَالِي؟ مَزَّقَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِّ! وَاَوْثَقَ رَسُولَهُ! وَضَرَبَ عُنُقَه! نَعَمْ اَخِي: وَدَائِماً نَقُولُ وَنُكَرِّرُ: اَنَّ مِنَ الْعَادَاتِ الدُّبْلُومَاسِيَّةِ: اَنَّ الرُّسُلَ لَايُقْتَلُون، فَاِذَا كَانَ رَسُولٌ مُرْسَلاً مِنْ دَوْلَةٍ اِلَى دَوْلَةٍ اُخْرَى، فَاِذَا سَمَحَتْ لَهُ هَذِهِ الدَّوْلَةُ الْاُخْرَى بِدُخُولِ الْبِلَادِ، فَلَايَجُوزُ لِاَحَدٍ فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ اَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ بِسُوء، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ كَانَ لَابُدَّ لِرَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، اَنْ يُؤَدِّبَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَايَرْعَوْنَ ذِمَّةً وَلَا جِوَاراً وَلَاقِيمَةً لِلْاِنْسَانِيَّة، فَجَهَّزَ هَذِهِ الْحَمْلَةَ، وَكَانَ عَدَدُهَا لَايَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ آَلَاف، فَانْظُرُوا اَيُّهَا النَّاسُ! يَاقَادَةَ الْعَالَمِ! وَيَااَيُّهَا الْعَالَمُ الْمُتَصَارِعُ وَالْمُتَفَانِي وَالْمُتَقَاتِلُ! يَااَيُّهَا الْعَالَمُ الَّذِي يَنْشُرُ فِيهِ الْقَوِيُّ الْفَسَادَ فِي الْاَرْضِ فَاِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ اَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْاِثْمِ! فَمَاهِي وَصَايَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ اِلَى هَذِهِ الْحَمْلَة؟ نَعَمْ اَخِي: قَالَ لَهُمْ:[عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى الله( وَهَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الْاُولَى لِجُنْدِ الْحَقِّ، اَنْ يَتَّقُوا الله[ثُمَّ اغْزُوا فِي سَبِيلِ الله(نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ اَمْرٌ بِتَقْوَى الله، وَتَقْوَى اللهِ فِيهَا كُلُّ الْمَعَانِي الْاِنْسَانِيَّة، ثُمَّ اَنْ يَغْزُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، لَا مِنْ اَجْلِ سَيْطَرَةٍ، وَلَا مِنْ اَجْلِ اضْطِّهَادٍ، وَاِنَّمَا مِنْ اَجْلِ الْخَيْرِ؟ لِيَرْتَدِعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْتَدُونَ عَلَى الرُّسُلِ وَعَلَى الْمَبْعُوثِينَ؟ وَلِيَقِفُوا عِنْدَ حَدِّهِمْ، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ مَاذَا قَالَ رَسُولُ الله:[اِنَّكُمْ سَتَمُرُّونَ عَلَى رِجَالٍ حَبَسُوا اَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ مُتَرَهِّبِينَ لِلهِ، فَلَا تَعْتَرِضُوهُمْ، وَلَاتُؤْذُوهُمْ اَيَّ اَذَى، نَعَمْ اَخِي: اَلرُّهْبَانُ فِي الصَّوَامِعِ؟ وَلِاَنَّهُمْ لَايُحَارِبُونَ؟ فَلَايَجُوزُ لَكُمْ اَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ اَنْ تَعْتَدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُسَالِمِينَ وَلَوْ كَانُوا عَلَى دِينٍ غَيْرِ صَحِيحٍ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ رَهْبَانِيَّةٌ فِي الْاِسْلَام، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ انْظُرْ اِلَى هَذِهِ الْحَرْبِ الرَّحِيمَة! نَعَمْ اِلَى هَذِهِ الْحَرْبِ الَّتِي تَنْشُرُ مَعَانِيَ الْفَضِيلَةِ وَالْاِنْسَانِيَّةِ فِي الْعَالَمِ كُلِّه! نَعَمْ[وَلَاتَقْتُلُوا امْرَاَةً(لَاتُحَارِبُ[ وَلَاشَيْخاً كَبِيراً وَلَاهَرِماً(لَايُحَارِبَانِ اَيْضاً[ وَلَاتَقْطَعُوا شَجَرَةً، وَلَاتُحْرِقُوا زَرْعاً، وَلَاتَهْدِمُوا بَيْتاً(نَعَمْ اَخِي: هَذَا هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَهَذَا هُوَ دِينُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله، اِنَّهُ رَسُولُ الْاَمْنِ وَالْاَمَان، اِنَّهُ رَسُولُ السَّلَام، اِنَّهُ الْاِسْلَامُ دِينُ الله، دِينُ الرَّحْمَةِ وَالسَّلَام، وَاَمَّا فِي اَيَّامِنَا! فَمَاذَا يَحْدُثُ فِي الْحُرُوب؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَيْسَ هُنَاكَ قِيَمٌ اِنْسَانِيَّةٌ تُحْتَرَمُ اَبَداً! وَلِذَلِكَ الْعَالَمُ الْيَوْمَ بِحَاجَةٍ اِلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ؟ لِيَقُودَ الْعَالَمَ اِلَى الْاَمْنِ وَالْاَمَانِ، وَاِلَى السِّلْمِ وَالسَّلَامِ، وَاِلَى الْمَحَبَّةِ، وَاِلَى الْوِئَام، اِنَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ! زَعِيمُ الْاِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا! ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام! يَامَنْ عِنْدَكُمُ الْاِيمَانُ الْفَائِض، اِرْحَمُوا الْاِنْسَانِيَّة، نَعَمْ اِرْحَمُوهَا، وَارْحَمُوا النُّفُوسَ الْمُعَذَّبَةَ، اِرْحَمُوا الْاَرْضَ الَّتِي ضُرِّجَتْ بِالدِّمَاء، فَهَلْ هُنَاكَ رِسَالَةٌ مِثْلُ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام! وَمَاذَا تُسَمَّى هَذِهِ الْغَزَوَاتُ